المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من أسماء الله الحسنى الملك والمليك والمالك



محمدالمهوس
10-09-2019, 21:26
الخُطْبَةُ الأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [ آل عمران : 102 ] ، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [ النساء : 1 ] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [ الأحزاب : 70 – 71 ]
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيِثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ الْحُسْنَى: الْمَلِكُ وَالْمَلِيكُ وَالْمَالِكُ، وَكُلُّهَا وَرَدَتْ بِكِتَابِ اللهِ تَعَالَى، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون: 116] ، وَقَالَ تَعَالَى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الجمعة: 1] ، وَقَالَ تَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 1 -3 ] ، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَآءُ} [آل عمران: 26] ، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} [القمر: 54- 55].
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُني فَأَغْفِرَ لَهُ، فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَذِهِ ثَلَاثَةُ أَسْمَاءٍ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى للهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَجَمِيعُ أَسْمَاءِ اللهِ حُسْنَى، تَدُلُّ عَلَى صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْجَمَالِ وَالتَّفَرُّدِ وَالْعَظَمَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَلِيقُ إِلَّا بِاللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَاللهُ هُوَ الْمَلِكُ الْمُتَصَرِّفُ فِي الْأُمُورِ، مَلِكٌ لَا مَلِكَ فَوْقَهُ، وَلَا شَيْءَ إِلَّا دُونَهُ، فَهُوَ الْمُلْكُ الْحَقِيقِيُّ الْمُسْتَلْزِمُ لِسَائِرِ صِفَاتِ الْكَمَالِ، حَيٌّ قَادِرٌ وَسَمِيعٌ بَصِيرٌ، يَأْمُرُ وَيَنْهَى، وَيُثِيبُ وَيُعَاقِبُ، وَيُعْطِي وَيَمْنَعُ، وَيُعِزُّ وَيُذِلُّ، ويُنْعِمُ وَيُكْرِمُ، وَيُهِينُ وَيَنْتَقِمُ، وَيَخْفِضُ وَيَرْفَعُ؛ فَهُوَ سُبْحَانَهُ مَالِكُ الْمُلْكِ؛ يَغْفِرُ ذَنْبًا، وَيُفَرِّجُ هَمًّا، وَيَكْشِفُ غَمًّا, وَيَنْصُرُ مَظْلُومًا وَيَأْخُذُ ظَالِمًا, وَيَفُكُّ عَانِيًا, وَيُغْنِي فَقِيرًا, وَيَجْبُرُ كَسِيرًا, وَيَشْفِي مَرِيضًا، وَيَقِيلُ عَثْرَةً، وَيَسْتُرُ عَوْرَةً، وَيُعِزُّ ذَلِيلاً، وَيُذِلُّ عَزِيزًا، وَيُعْطِي سَائِلاً، يَذْهَبُ بِدَوْلَةٍ وَيَأْتِي بِأُخْرَى، وَيَرْفَعُ أَقْوَامًا وَيَضَعُ آخَرِينَ، وَيُدَاوِلُ الْأَيَّامَ بَيْنَ النَّاسِ، لَا يُنَازِعُهُ فِي مُلْكِهِ مُنَازِعٌ، وَلَا يُعَارِضُهُ فِيهِ مُعَارِضٌ، وَهُوَ مَالِكٌ لِيَوْمِ الدِّينِ، وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، يَوْمَ يُدَانُ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَظْهَرُ لِلْخَلْقِ تَمَامُ الظُّهُورِ كَمَالُ مُلْكِهِ وَعَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَانْقِطَاعُ أَمْلَاكِ الْخَلَائِقِ، حَتَّى إِنَّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَسْتَوِي الْمُلُوكُ وَالرَّعَايَا وَالْعَبِيدُ وَالْأَحْرَارُ؛ كُلُّهُمْ مُذْعِنُونَ لِعَظَمَتِهِ، خَاضِعُونَ لِعِزَّتِهِ، مُنْتَظِرُونَ لِمُجَازَاتِهِ، رَاجُونَ ثَوَابَهُ، خَائِفُونَ مِنْ عِقَابِهِ.
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَطْوِي اللهُ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْـمُتَكَبِّرُونَ؟ ثُمَّ يَطْوِي الْأَرَضِينَ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْـمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْـمُتَكَبِّرُونَ؟»
[رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا]
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَصِفَاتِهِ الْعُلْيَا، أَنْ يُفَقِّهَنَا فِي دِينِنَا، وَأَنْ يَرْزُقَنَا عِلْمًا وَعَمَلًا صَالِحَيْنِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ. أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا...
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فَمِنْ لَازِمِ اسْمِ (الْمَلِكِ وَالْمَلِيكِ وَالْمَالِكِ) نَفَاذُ أَمْرِهِ فِي مُلْكِهِ، فَلَا مَلِكَ وَلَا مَلِيكَ وَلَا مَالِكَ حَقِيقَةً إِلَّا اللهُ، فَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْ كُلِّ مَوْجُودٍ، وَيَحْتَاجُهُ كُلُّ مَوْجُودٍ.
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَظْهَرُ تَمَامُ مُلْكِهِ عِنْدَمَا يَجْمَعُ الْأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ حُفَاةً عُرَاةً لَا يَخْفَى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ، لَا مِنْ ذَوَاتِهِمْ وَلَا مِنْ أَعْمَالِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لاَ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [ غافر: 16 ].
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ كَقُرْصَةِ النَّقِىِّ، لَيْسَ فِيهَا عَلَمٌ لِأَحَدٍ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ].
أَيْ: لَيْسَ عَلَيْهَا مَمْلَكَةٌ لِمَلِكٍ، وَلَا سَلْطَنَةٌ لِذِي سُلْطَانٍ، وَلَا قُوَّةٌ لِحَاكِمٍ، وَلَا حُكْمٌ لِقَاضٍ، وَلَا قُدْرَةٌ لِوَالٍ، لَيْسَ عَلَى الْأَرْضِ مَعْلَمٌ لِذِي عَرْشٍ وَلَا تَاجٍ {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} [ الفرقان : 26 ]
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَاعْرِفُوا رَبَّكُمْ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَصِفَاتِهِ الْعُلَى، فَبِذَلِكَ يَقْوَى إِيمَانُكُمْ وَيَزْدَادُ يَقِينُكُمْ بِرَبِّكُمْ جَلَّ وَعَلَا، وَتَكُونُوا فِي سَعَادَةٍ وَحَيَاةٍ طَيِّبَّةٍ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى.
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [ الأحزاب : 56 ]، وَقَالَ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» [رَوَاهُ مُسْلِم].