الشيخ/عبدالله الواكد
04-04-2019, 04:36
خطبة جمعة
بعنوان
( السنة والبدعة في شهر شعبان )
29/7/1440 هـ
عبدالله بن فهد الواكد
المصدر : خطبة للدكتور عبدالله بن محمد الطيار
الخطبة الأولى
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ ، الذِي أَمَرَ العِبَادَ بِتَوْحِيدِهِ، وَإِخْلَاصِ العِبَادَةِ لَهُ وَتَمْجِيدِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ شَرَعَ لِعِبَادِهِ كُلَّ سَبِيلٍ يُوصِلُهُمْ إِلَى مَرْضَاتِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الذِي دَلَّ أُمَّتَهُ عَلَى اتِّبَاعِ سُنَّتِهِ وَهَدْيِهِ وَالعَضِّ عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ التَّقْوَى سَبِيلُ النَّجَاةِ، وَالعَمَلَ بِالسُّنَّةِ هُوَ سَبِيلُ الهِدَايَةِ وَالرَّشَادِ، وَأَنَّ الإِقْتِدَاءَ بِخَيْرِ البَرِيَّةِ فِيهِ السَّعَادَةُ وَالهَنَاءُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
عِبَادَ اللهِ : إِنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلَا شَرَعَ لِعِبَادِهِ شَرِيعَةً غَرَّاءَ كَامِلَةً: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً﴾ وَوَجَّهَ فِيهَا إِلَى العَمَلِ الخَالِصِ لَهُ ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ..﴾ ، وَأَمَرَهُمْ بِاقْتِفَاءِ أَثَرِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَحَثَّهُمْ عَلَى عَدَمِ المَيْلِ عَنْ طَرِيقِهِ ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ وَقَالَ تَعَالَى ﴿وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ وَوَجَّهَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّتَهُ إِلَى العَمَلِ بِسُنَّتِهِ، وَالتَّمَسُّكِ بِهَا ، وَعَدَمِ التَّفْرِيطِ فِيهَا ، وَالإِبْتِعَادِ عَنْ الإِحْدَاثِ فِي الدِّينِ ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي عُضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٍ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
عِبَادَ اللهِ : وَنَحْنُ نَسْتَقْبِلُ شَهْرَ شَعْبَانَ هَذَا الشَّهْرُ الذِي كَانَ يَهْتَمُّ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لِمَا وَرَدَ عَنْ أُسَامَةِ بْنٍ زَيْدٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْراً مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ فِي شَعْبَانَ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفَلُ عَنْهُ النَّاسُ بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَاَنَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى اللهِ تَعَالَى فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ)) رَوَاهُ النَّسَائِي وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ , وَكَانَ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُ شَعْبَانَ إِلاَّ قَلِيلاً كَمَا أَخْبَرَت بِذَلِكَ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ ((لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ - صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُ شَهْراً أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، وَكَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ)) رَوَاهُ البُخَارِيُّ . وَعَنْهَا - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ ((كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يَصُومُ)) رَوَاهُ مُسْلِمُ. وَتَخْصِيصُهُ - صلى الله عليه وسلم - الصِّيَامَ فِي مِثْلِ هَذَا الشَّهْرِ لِمَا وَرَدَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: ((إِنَّهُ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى اللهِ تَعَالَى)) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَحَسَّنَهُ الأَلْباَنِيُّ , فَأَعْمَالُ العِبَادِ تُرْفَعُ فِي شَهْرِ شَعْبَانَ مِنْ كُلِّ عَامٍ، وَتُعْرَضُ الأَعْمَالُ يَومَ الاِثْنَيْنِ وَالخَمِيسِ مِنْ كُلِّ أُسْبُوعٍ فَأَحَبَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُرْفَعَ أَعْمَالُهُ إِلَى رَبِّ العَالَمِينَ
وَقَالَ ابْنُ رَجَبَ - رَحِمَهُ اللهُ -: (وَأَمَّا صِيَامُ النَّبِيِّ - صَلى الله عليه وسلم - مِنْ أَشْهُرِ السَّنَةِ فَكَانَ يَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ مَا لاَ يَصُومُ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ)
عِبَادَ اللهِ : وَفِي هَذَا الشُّهْرِ تَحْصُلُ بَعْضُ الأَخْطَاءِ مِنْ بَعْضِ المُسْلِمِينَ بِسَبَبِ جَهْلِهِمْ بِأُمُورِ الشَّرْعِ، وَكَثْرَةِ الدُّعَاةِ إِلَى البِدَعِ المُخَالِفَةِ لِهَدْيِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَخَاصَّةً عَنْ طَرِيقِ القَنَوَاتِ الَفَضَائِيَّةِ، وَشَبَكَةِ الإِنْتَرْنِتْ وَوَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الإِجْتِمَاعِيِّ ، وَمِنْ ذَلِكَ الاِحْتِفَالُ بِلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَتَخْصِيصُهَا وَيَوْمُهَا بِالصِّيَامِ وَالقِيَامِ، وَمِنَ المَعْلُومِ لَدَى المُسْلِمِينَ أَنَّ العِبَادَاتِ تَوْقِيفِيَّةٌ وَهَذَا العَمَلُ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَمْ يَفْعَلْهُ، وَلَمْ يُؤْثَرْ عَنْهُ، وَلاَ فَعَلَهُ أَحَدٌ مِنَ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَلاَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. وَالذِي عَلَيْهِ عَامَّةُ أَهْلِ العِلْمِ أَنَّ الاِحْتِفَالَ بِلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ بِدْعَةٌ، وَأَنَّ الأَحَادِيثَ الوَارِدَةَ فِي فَضْلِهَا كُلُّهاَ ضَعِيفَةٌ وَبَعْضُهَا مَوْضُوعٌ، وَمِمَّنْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الحَاِفظُ ابْنُ رَجَبَ فِي كِتَابِهِ: (لَطَائِفُ المَعَارِفِ) وَغَيْرُهُ، وَالأَحَادِيثُ الضَّعِيفَةُ إِنَّمَا يُعْمَلُ بِهَا فِي العِبَادَاتِ التِي قَدْ ثَبَتَ أَصْلُهَا بِأَدِلَّةٍ صَحِيحَةٍ ، أَمَّا الاِحْتِفَالُ بِلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ صَحِيحٌ حَتَّى يُسْتَأْنَسَ لَهُ بِالأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ . وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ ((مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ )) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ،
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: ﴿..فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُم بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ. أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ فَاسْتَغْفِرُوا اللهَ يَغْفِرْ لِي وَلَكُمْ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ عَلَى نِعْمَةِ الإِسْلَامِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ الذِي هَدَانَا وَشَرَحَ صُدُورَنَا بِالإِيمَانِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ بَلَّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ أَتَمَّ البَلاَغِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ البِدْعَةَ فِي الدِّينِ مِنْ أَسْبَابِ سَخَطِ اللهِ وَحُلُولِ نِقْمَتِهِ.
عِبَادَ اللهِ : هُنَاكَ بَعْضُ البِدَعِ المَبْنِيَّةِ عَلَى بَعْضِ الأَحَادِيثِ الوَاهِيَةِ عَنْ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ يَجِبُ عَلَيْنَا التَّنَبُّهُ لَهَا كَيْ لاَ نَقَعَ فِيمَا وَقَعَ فِيهِ بَعْضُ الجَهَلَةِ مِنَ المُسْلِمِينَ،وَمِنْ ذَلِكَ
(1) بِدْعَةُ الصَّلاَةِ الأَلْفِيَّةِ وَهَذِهِ مِنْ مُحْدَثَاتِ وَبِدَعِ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَهِيَ مِائَةُ رَكْعَةٍ تُصَلَّي جَمَاعَةً يَقْرَأُ فِيهَا الِإمَامُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سُورَةَ الإِخْلَاصِ عَشْرَ مَرَّاتٍ.. وَهَذِهِ الصَّلاَةُ لَمْ يَأْتِ بِهَا خَبَرٌ، قَالَ العَلاَّمَةُ الشَّوْكَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ : وَإِنَّمَا حَدِيثُهاَ مَوْضُوعٌ مَكْذُوبٌ.
(2) وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضاً : تَخْصِيصُ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ بِالصَّلاَةِ وَنَهَارِهَا بِالصِّياَمِ لِحَدِيثِ: ((إِذَا كَاَنَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا))، وَهَذَا حَدِيثٌ لاَ أَصْلَ لَهُ.
(3) وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضاً : تَخْصِيصُ صَلاَةِ العِشَاءِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ بِقِرَاءَةِ سُورَةِ يَس، أَوْ بِقِرَاءَةِ بَعْضِ السُّوَرِ بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ كَسُورَةِ الإِخْلاَصِ أَوْ تَخْصِيصُهَا بِدُعَاءٍ يُسَمَّى : دُعَاءُ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَرُبَّمَا شَرَطُوا لِقُبُولِ هَذَا الدُّعَاءِ قِرَاءَةَ سُورَةِ يَس وَصَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَهُ ، وَكَذَلِكَ تَخْصِيصُهَا بِالصَّوْمِ أَوْ التَّصَدُّقِ.
(4) وَكَذَلِكَ الاِعْتِقَادُ أَنَّ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ مِثْلُ لَيْلَةِ القَدْرِ فِي الفَضْلِ. وَذَلِكَ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ المُحَقِّقِينَ مِنَ المُحَدِّثِينَ.
عَبَادَ اللهِ : إِحْرِصُوا أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ تَعَالَى بِمَا شَرَعَ لَكُمْ فِي كِتَابِهِ أَوْ جَاءَ مُبَيَّناً فِي سُنَّةِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَا كَانَ عَلَيْهِ الخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ المَهْدِيُّونَ مِنْ بَعْدِهِ، وَإِيَّاكُمْ وَالبِدَعَ فَإِنَّ البِدَعَ ضَلاَلاَتٌ وَطَامَّاتٌ وَلاَ يَسْتَفِيدُ العَبْدُ مِنْ عَمَلِهَا إِلاَّ البُعْدَ مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَتَفَقَّهُوا فِي دِينِكُمْ، وَاجْتَهِدُوا فِي تَعَلُّمِ سُنَّةِ نَبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - فَفِي ذَلِكَ الخَيْرُ لَكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
هذا وصلوا وسلموا على المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب: ٥٦].
بعنوان
( السنة والبدعة في شهر شعبان )
29/7/1440 هـ
عبدالله بن فهد الواكد
المصدر : خطبة للدكتور عبدالله بن محمد الطيار
الخطبة الأولى
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ ، الذِي أَمَرَ العِبَادَ بِتَوْحِيدِهِ، وَإِخْلَاصِ العِبَادَةِ لَهُ وَتَمْجِيدِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ شَرَعَ لِعِبَادِهِ كُلَّ سَبِيلٍ يُوصِلُهُمْ إِلَى مَرْضَاتِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الذِي دَلَّ أُمَّتَهُ عَلَى اتِّبَاعِ سُنَّتِهِ وَهَدْيِهِ وَالعَضِّ عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ التَّقْوَى سَبِيلُ النَّجَاةِ، وَالعَمَلَ بِالسُّنَّةِ هُوَ سَبِيلُ الهِدَايَةِ وَالرَّشَادِ، وَأَنَّ الإِقْتِدَاءَ بِخَيْرِ البَرِيَّةِ فِيهِ السَّعَادَةُ وَالهَنَاءُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
عِبَادَ اللهِ : إِنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلَا شَرَعَ لِعِبَادِهِ شَرِيعَةً غَرَّاءَ كَامِلَةً: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً﴾ وَوَجَّهَ فِيهَا إِلَى العَمَلِ الخَالِصِ لَهُ ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ..﴾ ، وَأَمَرَهُمْ بِاقْتِفَاءِ أَثَرِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَحَثَّهُمْ عَلَى عَدَمِ المَيْلِ عَنْ طَرِيقِهِ ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ وَقَالَ تَعَالَى ﴿وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ وَوَجَّهَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّتَهُ إِلَى العَمَلِ بِسُنَّتِهِ، وَالتَّمَسُّكِ بِهَا ، وَعَدَمِ التَّفْرِيطِ فِيهَا ، وَالإِبْتِعَادِ عَنْ الإِحْدَاثِ فِي الدِّينِ ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي عُضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٍ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
عِبَادَ اللهِ : وَنَحْنُ نَسْتَقْبِلُ شَهْرَ شَعْبَانَ هَذَا الشَّهْرُ الذِي كَانَ يَهْتَمُّ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لِمَا وَرَدَ عَنْ أُسَامَةِ بْنٍ زَيْدٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْراً مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ فِي شَعْبَانَ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفَلُ عَنْهُ النَّاسُ بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَاَنَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى اللهِ تَعَالَى فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ)) رَوَاهُ النَّسَائِي وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ , وَكَانَ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُ شَعْبَانَ إِلاَّ قَلِيلاً كَمَا أَخْبَرَت بِذَلِكَ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ ((لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ - صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُ شَهْراً أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، وَكَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ)) رَوَاهُ البُخَارِيُّ . وَعَنْهَا - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - قَالَتْ ((كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يَصُومُ)) رَوَاهُ مُسْلِمُ. وَتَخْصِيصُهُ - صلى الله عليه وسلم - الصِّيَامَ فِي مِثْلِ هَذَا الشَّهْرِ لِمَا وَرَدَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: ((إِنَّهُ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى اللهِ تَعَالَى)) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَحَسَّنَهُ الأَلْباَنِيُّ , فَأَعْمَالُ العِبَادِ تُرْفَعُ فِي شَهْرِ شَعْبَانَ مِنْ كُلِّ عَامٍ، وَتُعْرَضُ الأَعْمَالُ يَومَ الاِثْنَيْنِ وَالخَمِيسِ مِنْ كُلِّ أُسْبُوعٍ فَأَحَبَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُرْفَعَ أَعْمَالُهُ إِلَى رَبِّ العَالَمِينَ
وَقَالَ ابْنُ رَجَبَ - رَحِمَهُ اللهُ -: (وَأَمَّا صِيَامُ النَّبِيِّ - صَلى الله عليه وسلم - مِنْ أَشْهُرِ السَّنَةِ فَكَانَ يَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ مَا لاَ يَصُومُ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ)
عِبَادَ اللهِ : وَفِي هَذَا الشُّهْرِ تَحْصُلُ بَعْضُ الأَخْطَاءِ مِنْ بَعْضِ المُسْلِمِينَ بِسَبَبِ جَهْلِهِمْ بِأُمُورِ الشَّرْعِ، وَكَثْرَةِ الدُّعَاةِ إِلَى البِدَعِ المُخَالِفَةِ لِهَدْيِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَخَاصَّةً عَنْ طَرِيقِ القَنَوَاتِ الَفَضَائِيَّةِ، وَشَبَكَةِ الإِنْتَرْنِتْ وَوَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الإِجْتِمَاعِيِّ ، وَمِنْ ذَلِكَ الاِحْتِفَالُ بِلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَتَخْصِيصُهَا وَيَوْمُهَا بِالصِّيَامِ وَالقِيَامِ، وَمِنَ المَعْلُومِ لَدَى المُسْلِمِينَ أَنَّ العِبَادَاتِ تَوْقِيفِيَّةٌ وَهَذَا العَمَلُ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلَمْ يَفْعَلْهُ، وَلَمْ يُؤْثَرْ عَنْهُ، وَلاَ فَعَلَهُ أَحَدٌ مِنَ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَلاَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. وَالذِي عَلَيْهِ عَامَّةُ أَهْلِ العِلْمِ أَنَّ الاِحْتِفَالَ بِلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ بِدْعَةٌ، وَأَنَّ الأَحَادِيثَ الوَارِدَةَ فِي فَضْلِهَا كُلُّهاَ ضَعِيفَةٌ وَبَعْضُهَا مَوْضُوعٌ، وَمِمَّنْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الحَاِفظُ ابْنُ رَجَبَ فِي كِتَابِهِ: (لَطَائِفُ المَعَارِفِ) وَغَيْرُهُ، وَالأَحَادِيثُ الضَّعِيفَةُ إِنَّمَا يُعْمَلُ بِهَا فِي العِبَادَاتِ التِي قَدْ ثَبَتَ أَصْلُهَا بِأَدِلَّةٍ صَحِيحَةٍ ، أَمَّا الاِحْتِفَالُ بِلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ صَحِيحٌ حَتَّى يُسْتَأْنَسَ لَهُ بِالأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ . وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ ((مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ )) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ،
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: ﴿..فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُم بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ. أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ فَاسْتَغْفِرُوا اللهَ يَغْفِرْ لِي وَلَكُمْ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ عَلَى نِعْمَةِ الإِسْلَامِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ الذِي هَدَانَا وَشَرَحَ صُدُورَنَا بِالإِيمَانِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ بَلَّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ أَتَمَّ البَلاَغِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ البِدْعَةَ فِي الدِّينِ مِنْ أَسْبَابِ سَخَطِ اللهِ وَحُلُولِ نِقْمَتِهِ.
عِبَادَ اللهِ : هُنَاكَ بَعْضُ البِدَعِ المَبْنِيَّةِ عَلَى بَعْضِ الأَحَادِيثِ الوَاهِيَةِ عَنْ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ يَجِبُ عَلَيْنَا التَّنَبُّهُ لَهَا كَيْ لاَ نَقَعَ فِيمَا وَقَعَ فِيهِ بَعْضُ الجَهَلَةِ مِنَ المُسْلِمِينَ،وَمِنْ ذَلِكَ
(1) بِدْعَةُ الصَّلاَةِ الأَلْفِيَّةِ وَهَذِهِ مِنْ مُحْدَثَاتِ وَبِدَعِ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَهِيَ مِائَةُ رَكْعَةٍ تُصَلَّي جَمَاعَةً يَقْرَأُ فِيهَا الِإمَامُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سُورَةَ الإِخْلَاصِ عَشْرَ مَرَّاتٍ.. وَهَذِهِ الصَّلاَةُ لَمْ يَأْتِ بِهَا خَبَرٌ، قَالَ العَلاَّمَةُ الشَّوْكَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ : وَإِنَّمَا حَدِيثُهاَ مَوْضُوعٌ مَكْذُوبٌ.
(2) وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضاً : تَخْصِيصُ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ بِالصَّلاَةِ وَنَهَارِهَا بِالصِّياَمِ لِحَدِيثِ: ((إِذَا كَاَنَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا))، وَهَذَا حَدِيثٌ لاَ أَصْلَ لَهُ.
(3) وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضاً : تَخْصِيصُ صَلاَةِ العِشَاءِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ بِقِرَاءَةِ سُورَةِ يَس، أَوْ بِقِرَاءَةِ بَعْضِ السُّوَرِ بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ كَسُورَةِ الإِخْلاَصِ أَوْ تَخْصِيصُهَا بِدُعَاءٍ يُسَمَّى : دُعَاءُ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَرُبَّمَا شَرَطُوا لِقُبُولِ هَذَا الدُّعَاءِ قِرَاءَةَ سُورَةِ يَس وَصَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَهُ ، وَكَذَلِكَ تَخْصِيصُهَا بِالصَّوْمِ أَوْ التَّصَدُّقِ.
(4) وَكَذَلِكَ الاِعْتِقَادُ أَنَّ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ مِثْلُ لَيْلَةِ القَدْرِ فِي الفَضْلِ. وَذَلِكَ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ المُحَقِّقِينَ مِنَ المُحَدِّثِينَ.
عَبَادَ اللهِ : إِحْرِصُوا أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ تَعَالَى بِمَا شَرَعَ لَكُمْ فِي كِتَابِهِ أَوْ جَاءَ مُبَيَّناً فِي سُنَّةِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَا كَانَ عَلَيْهِ الخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ المَهْدِيُّونَ مِنْ بَعْدِهِ، وَإِيَّاكُمْ وَالبِدَعَ فَإِنَّ البِدَعَ ضَلاَلاَتٌ وَطَامَّاتٌ وَلاَ يَسْتَفِيدُ العَبْدُ مِنْ عَمَلِهَا إِلاَّ البُعْدَ مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَتَفَقَّهُوا فِي دِينِكُمْ، وَاجْتَهِدُوا فِي تَعَلُّمِ سُنَّةِ نَبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - فَفِي ذَلِكَ الخَيْرُ لَكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
هذا وصلوا وسلموا على المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [الأحزاب: ٥٦].