الشيخ/عبدالله الواكد
25-01-2019, 01:46
خُطْبَةُ جُمُعَة
بِعِنْوان
( حصائد الألسنة )
كتبها
عبدالله بن فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخطبة الأولى
الْحَمْدُ لِلَّهِ القائلُ: ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) ، وأَشهدُ أنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ ، وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ ، وَأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِهِ ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وَبَارِكْ علَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجمَعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ : فأُوصيكُمْ ونفسِي بتقوَى اللهِ ، قَالَ تَعَالَى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: لَقَدْ خَلَقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْكَلَامَ وَجَعَلَ الكَلِمَةَ تَعْبِيراً عَنْ الإِحْسَاسِ ، وَرَسُولاً بَيْنَ النَّاسِ ، تَصِلُ مَا بَيْنَهُمْ ، وَتُتَرْجِمُ مَشَاعِرَهُمْ ، وَتُبَيِّنُ مُرَادَهُمْ ، وَمِمَّا اْمْتَنَّ اللهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ خَلَقَ لَهُمْ اللِّسَانَ ، وَعَلَّمَهُمْ البَيَانَ ، إِذْ اللِّسَانُ مُظْهِرُ الكَلِمَةِ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : ( أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ* وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ* وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) وَجَعَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ لِصَاحِبِ الْكَلَامِ عَظِيمَ الثَّوَابِ أَوْ أَلِيمَ الْعِقَابِ بِقَدْرِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى كَلَامِهِ مِنْ مَنَافِعَ أَوْ مَضَارَّ وَمِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَأَمَرَ الْمُسْلِمَ أَنْ لاَ يَسْتَهِينَ بِلِسَانِهِ فَيُطْلِقَهُ وَيَتَكَلَّمَ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلاَ تَدَبُّرٍ وَلاَ إِدْرَاكٍ لِلْعَوَاقِبِ ، قَالَ تَعَالَى ) : مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ( وَقَدْ مَدَحَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ الذِينَ يَبْتَعِدُونَ عَنْ فُضُولِ الكَلَامِ وَعَنْ اللَّغْوِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : ) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ )
وَالكَلَامُ يُدْخِلُ الإِنْسَانَ الجَنَّةَ وَيُدْخِلُهُ النَّارَ فَالشَّهَادَتَانِ الَّتِي يَدْخُلُ بِهِما الإِنْسَانُ فِي الإِسْلَامِ كَلَامٌ ، وَذِكْرُ اللهِ وَتَسْبِيحُهُ كَلَامٌ وَإِلْقَاءُ السَّلَامِ وَالإِصْلاَحُ بَيْنَ النَّاسِ كَلَامٌ ، وَالكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالقَوْلُ الحَسَنُ كُلُّ ذَلِكَ كَلَامٌ يَتَلفَّظُ بِهَ اللِّسَانُ ، وَيَقُولُهُ الإِنْسَانُ ، فَيَكُونُ لَهُ وَقْعُهُ وَتَأْثِيرُهُ ، وَنَفْعُهُ وَضَرَرُهُ ، وَخَيْرُهُ وَشَرُّهُ .
وَلَقَدْ حَذَّرَ الإِسْلاَمُ مِنَ الآثَارِ السَّيِّئَةِ لِلْكَلاَمِ الذِي لاَ طَائِلَ مِنْ وَرَائِهِ ، كَلَامٌ لاَ يَنْفَعُ قَائِلُهُ وَلَا سَامِعُهُ ، قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ ( إِذَا رَأَيْتَ قَسَاوَةً فِي قَلْبِكَ ، وَضَعْفاً فِي بَدَنِكَ ، وَحِرْمَاناً فِي رِزْقِكَ ، فَاعْلَمْ أنَّكَ قَدْ تَكَلَّمْتَ فِيمَا لاَ يَعْنِيكَ )
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ : إِنَّ صَاحِبَ اللِّسَانِ مَسْؤُولٌ عَنْ ضَرَرِهِ الْمُتَعَدِّي لِلْآخَرِينَ ، سَوَاءً بِالنَّمِيمَةِ أَوْ بِالغِيبَةِ ، أَوْ بِافْتِرَاءِ الكَذِبِ ، فَبِكَلِمَةٍ تُقَالُ قَدْ يُهْدَمُ بَيْتٌ عَامِرٌ ، وَتُمَزَّقُ أُسْرَةٌ مُتَرَابِطَةٌ ، فَالطَّلاَقُ كَلِمَةٌ ، تَتَشَتَّتُ بِهَا الأُسْرَةُ ، وَيَتَشَرَّدُ بِهَا الأَطْفَالُ ، وَتَتَمَزَّقُ بِسَبَبِهَا اللُّحْمَةُ ، وَبِكَلِمَةِ السُّوءِ تَسُوءُ العِلَاقَاتُ بَيْنَ الْإِخْوَانِ وَالأَصْدِقَاءِ وَالْأَحِبَّةِ وَالشُّرَكاَءِ ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الزَّوَاجَ وَالطَّلَاقَ وَالبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَالعُقُودَ كُلَّهَا كَلِمَاتٌ ، وَأَمَّا الْكِتَابَةُ فَهِيَ تَوْثِيقٌ لَهَا ، وَالكَلَامُ مَحْسُوبٌ عَلَى قَائِلِهِ وَمُسَجَّلٌ عَلَيْهِ وَمُؤَاخَذٌ بِهِ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عِنْدَمَا سَأَلَهُ : وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فَقَالَ : « ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ - أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ - إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ » الترمذي
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : أَصْبَحَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ اليَوْمَ يَنْكَبُّونَ عَلَى جَوَّالاَتِهِمْ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَحَدَّثُونَ وَأَصْبَحَ الجَوَّالُ وَتَطْبِيقَاتُهُ ، وَسِيلَةً لِتَوَاصُلِهِمْ وَصَارَ لِلرَّسَائِلِ اليَوْمَ فِي الجَوَّالَاتِ أَوْ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الإِجْتِمَاعِيِّ حُكْمَ اللِّسَانِ وَالكَلَامِ ، وَلَقَدْ بُلِيَ الْيَوْمَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ بِهَذِهِ الوَسَائِلِ ، فَقَامَتْ فِي النَّاسِ مَقَامَ أَلْسِنَتِهِمْ وَآذَانِهِمْ ، بَلْ اتَّسَعَتْ دَائِرَتُهَا وَشَسَعَتْ مَسَاحَتُهَا ، وَصَارَتْ وَسَائِلَ دَسٍّ لِلْفِتْنَةِ وَلَسٍّ لِلْأَذَى ، وَالغَرِيبُ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ ، أَنَّ مِنْ بَيْنِناَ مَنْ يُسَلِّمُ لِمَا يُنْشَرُ فِي هَذِهِ الوَسَائِلِ وَكَأَنَّهُ كَلامٌ رَبَّانِيٌّ صَرِيحٌ أَوْ حَدِيثٌ نَبَوِيٌ صَحِيحٌ ، وَبَعْضُ المُسْلِمِينَ هَدَاهُمْ اللهُ هَمُّهُ يَنْسَخُ وَيُرْسِلُ ، لاَ يَقْرَأُ وَلاَ يَرَى وَلاَ يَسْتَمِعُ ولاَ يُدْرِكُ ، يَا أَخِي المُسْلِمُ : أَنْتَ مَسْؤُولٌ أَمَامَ اللهِ عَنْ كُلِّ مَا تَكْتُبُهُ وَتَقُولُهُ وَتُرْسِلُهُ وَتَنْسَخُهُ وَتَنْقُلُهُ قَالَ تَعَالَى (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ ) وَقَالَ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ » رواه البخاري
وَكَمَا تَعْلَمُونَ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : أَنَّ سُوءَ اسْتِخْدَامِ هَذِهِ الوَسَائِلِ وَنَشْرَ الشَّائِعَاتِ فِيهَا وَتَصْدِيقَ مَا يُرَوِّجُهُ الأَعْدَاءُ أَهْلَكَتْ دُوَلاً وَشُعُوباً فَصَارُوا إِلَى مَالاَ يَخْفَى عَلَيْكُمْ مِنْ القَتْلِ وَالدَّمَارِ وَالخَرَابِ وَذَهَابِ الأَمْنِ وَشَتَاتِ الأَمْرِ وَالتَّشَرُّدِ فَاحْذَرُوا مَا يُبَثُّ فِيهَا مِنْ أَفْكَارٍ وَأَقَاوِيلَ وَمَا يُرَوَّجُ فِيهَا مِنْ فِتَنٍ وَتَهْوِيلٍ ، فَإِنَّ سَوَاداً عَظِيماً مِنْ أَعْدَاءِ هَذِهِ البِلاَدِ يَبْغُونَكُمْ ظُهُورَ الْمُهْلِكَاتِ ، وَمَوْجَ المَائِجَاتِ وَفُشُوَّ المُضِلاَّتِ ، فَكُونُوا عَلَى هَذِهِ الثُّغُورِ حُرَّاسًا لِبِلاَدِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ وَأَبْنَائِكُمْ وَبَنَاتِكُمْ وَنِسَائِكُمْ ، اللهمَّ اجعلْنَا ممنْ يستمعونَ القولَ فيتبعونَ أحسنَهُ ، نفعَنِي اللهُ وإياكُمْ بالقرآنِ العظيمِ وبِسنةِ نبيهِ الكريمِ
أقولُ قولِي هذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ.
الخُطْبَةُ الثَّانيةُ
الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَه، وأَشْهَدُ أنَّ محمَّداً عبدُهُ ورسولُهُ ، اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَارْضِ اللَّهُمَّ عَنْ أَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ،
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُشْغِلَ لِسَانَهُ بِمَا فِيهِ الخَيْرُ وَالنَّفْعُ وَالفَائِدَةُ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ » رواه البخاري
فَاتَّقُوا اللهَ وَاحْمَدُوهُ عَلَى مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنْ خَيْرَاتٍ وَنِعَمٍ وَأَمْنٍ وَأَمَانٍ فَاحْفَظُوا هَذِهِ النِّعَمَ بِدَوَامِ الشُّكْرِ وَالثَّنَاءِ وَالمُحَافَظَةِ عَلَى مُقَدَّرَاتِ وَأَمْنِ بِلَادِكُمْ نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَهَا وَيَحْفَظَ وُلاَةَ أَمْرِنَا وَجُنْدَنَا وَأَنْ يَحْفَظَكُمْ أَنْتُمْ جَمِيعاً
عبادَ اللهِ : قَالَ تَعَالَى : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) وقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : « مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً »
بِعِنْوان
( حصائد الألسنة )
كتبها
عبدالله بن فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخطبة الأولى
الْحَمْدُ لِلَّهِ القائلُ: ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) ، وأَشهدُ أنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ ، وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ ، وَأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِهِ ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وَبَارِكْ علَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجمَعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أمَّا بعدُ عبادَ اللهِ : فأُوصيكُمْ ونفسِي بتقوَى اللهِ ، قَالَ تَعَالَى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: لَقَدْ خَلَقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْكَلَامَ وَجَعَلَ الكَلِمَةَ تَعْبِيراً عَنْ الإِحْسَاسِ ، وَرَسُولاً بَيْنَ النَّاسِ ، تَصِلُ مَا بَيْنَهُمْ ، وَتُتَرْجِمُ مَشَاعِرَهُمْ ، وَتُبَيِّنُ مُرَادَهُمْ ، وَمِمَّا اْمْتَنَّ اللهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ خَلَقَ لَهُمْ اللِّسَانَ ، وَعَلَّمَهُمْ البَيَانَ ، إِذْ اللِّسَانُ مُظْهِرُ الكَلِمَةِ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : ( أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ* وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ* وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) وَجَعَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ لِصَاحِبِ الْكَلَامِ عَظِيمَ الثَّوَابِ أَوْ أَلِيمَ الْعِقَابِ بِقَدْرِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى كَلَامِهِ مِنْ مَنَافِعَ أَوْ مَضَارَّ وَمِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَأَمَرَ الْمُسْلِمَ أَنْ لاَ يَسْتَهِينَ بِلِسَانِهِ فَيُطْلِقَهُ وَيَتَكَلَّمَ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلاَ تَدَبُّرٍ وَلاَ إِدْرَاكٍ لِلْعَوَاقِبِ ، قَالَ تَعَالَى ) : مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ( وَقَدْ مَدَحَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ الذِينَ يَبْتَعِدُونَ عَنْ فُضُولِ الكَلَامِ وَعَنْ اللَّغْوِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : ) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ )
وَالكَلَامُ يُدْخِلُ الإِنْسَانَ الجَنَّةَ وَيُدْخِلُهُ النَّارَ فَالشَّهَادَتَانِ الَّتِي يَدْخُلُ بِهِما الإِنْسَانُ فِي الإِسْلَامِ كَلَامٌ ، وَذِكْرُ اللهِ وَتَسْبِيحُهُ كَلَامٌ وَإِلْقَاءُ السَّلَامِ وَالإِصْلاَحُ بَيْنَ النَّاسِ كَلَامٌ ، وَالكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالقَوْلُ الحَسَنُ كُلُّ ذَلِكَ كَلَامٌ يَتَلفَّظُ بِهَ اللِّسَانُ ، وَيَقُولُهُ الإِنْسَانُ ، فَيَكُونُ لَهُ وَقْعُهُ وَتَأْثِيرُهُ ، وَنَفْعُهُ وَضَرَرُهُ ، وَخَيْرُهُ وَشَرُّهُ .
وَلَقَدْ حَذَّرَ الإِسْلاَمُ مِنَ الآثَارِ السَّيِّئَةِ لِلْكَلاَمِ الذِي لاَ طَائِلَ مِنْ وَرَائِهِ ، كَلَامٌ لاَ يَنْفَعُ قَائِلُهُ وَلَا سَامِعُهُ ، قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ ( إِذَا رَأَيْتَ قَسَاوَةً فِي قَلْبِكَ ، وَضَعْفاً فِي بَدَنِكَ ، وَحِرْمَاناً فِي رِزْقِكَ ، فَاعْلَمْ أنَّكَ قَدْ تَكَلَّمْتَ فِيمَا لاَ يَعْنِيكَ )
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ : إِنَّ صَاحِبَ اللِّسَانِ مَسْؤُولٌ عَنْ ضَرَرِهِ الْمُتَعَدِّي لِلْآخَرِينَ ، سَوَاءً بِالنَّمِيمَةِ أَوْ بِالغِيبَةِ ، أَوْ بِافْتِرَاءِ الكَذِبِ ، فَبِكَلِمَةٍ تُقَالُ قَدْ يُهْدَمُ بَيْتٌ عَامِرٌ ، وَتُمَزَّقُ أُسْرَةٌ مُتَرَابِطَةٌ ، فَالطَّلاَقُ كَلِمَةٌ ، تَتَشَتَّتُ بِهَا الأُسْرَةُ ، وَيَتَشَرَّدُ بِهَا الأَطْفَالُ ، وَتَتَمَزَّقُ بِسَبَبِهَا اللُّحْمَةُ ، وَبِكَلِمَةِ السُّوءِ تَسُوءُ العِلَاقَاتُ بَيْنَ الْإِخْوَانِ وَالأَصْدِقَاءِ وَالْأَحِبَّةِ وَالشُّرَكاَءِ ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الزَّوَاجَ وَالطَّلَاقَ وَالبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَالعُقُودَ كُلَّهَا كَلِمَاتٌ ، وَأَمَّا الْكِتَابَةُ فَهِيَ تَوْثِيقٌ لَهَا ، وَالكَلَامُ مَحْسُوبٌ عَلَى قَائِلِهِ وَمُسَجَّلٌ عَلَيْهِ وَمُؤَاخَذٌ بِهِ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عِنْدَمَا سَأَلَهُ : وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فَقَالَ : « ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ - أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ - إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ » الترمذي
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : أَصْبَحَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ اليَوْمَ يَنْكَبُّونَ عَلَى جَوَّالاَتِهِمْ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَحَدَّثُونَ وَأَصْبَحَ الجَوَّالُ وَتَطْبِيقَاتُهُ ، وَسِيلَةً لِتَوَاصُلِهِمْ وَصَارَ لِلرَّسَائِلِ اليَوْمَ فِي الجَوَّالَاتِ أَوْ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الإِجْتِمَاعِيِّ حُكْمَ اللِّسَانِ وَالكَلَامِ ، وَلَقَدْ بُلِيَ الْيَوْمَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ بِهَذِهِ الوَسَائِلِ ، فَقَامَتْ فِي النَّاسِ مَقَامَ أَلْسِنَتِهِمْ وَآذَانِهِمْ ، بَلْ اتَّسَعَتْ دَائِرَتُهَا وَشَسَعَتْ مَسَاحَتُهَا ، وَصَارَتْ وَسَائِلَ دَسٍّ لِلْفِتْنَةِ وَلَسٍّ لِلْأَذَى ، وَالغَرِيبُ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ ، أَنَّ مِنْ بَيْنِناَ مَنْ يُسَلِّمُ لِمَا يُنْشَرُ فِي هَذِهِ الوَسَائِلِ وَكَأَنَّهُ كَلامٌ رَبَّانِيٌّ صَرِيحٌ أَوْ حَدِيثٌ نَبَوِيٌ صَحِيحٌ ، وَبَعْضُ المُسْلِمِينَ هَدَاهُمْ اللهُ هَمُّهُ يَنْسَخُ وَيُرْسِلُ ، لاَ يَقْرَأُ وَلاَ يَرَى وَلاَ يَسْتَمِعُ ولاَ يُدْرِكُ ، يَا أَخِي المُسْلِمُ : أَنْتَ مَسْؤُولٌ أَمَامَ اللهِ عَنْ كُلِّ مَا تَكْتُبُهُ وَتَقُولُهُ وَتُرْسِلُهُ وَتَنْسَخُهُ وَتَنْقُلُهُ قَالَ تَعَالَى (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ ) وَقَالَ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ » رواه البخاري
وَكَمَا تَعْلَمُونَ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : أَنَّ سُوءَ اسْتِخْدَامِ هَذِهِ الوَسَائِلِ وَنَشْرَ الشَّائِعَاتِ فِيهَا وَتَصْدِيقَ مَا يُرَوِّجُهُ الأَعْدَاءُ أَهْلَكَتْ دُوَلاً وَشُعُوباً فَصَارُوا إِلَى مَالاَ يَخْفَى عَلَيْكُمْ مِنْ القَتْلِ وَالدَّمَارِ وَالخَرَابِ وَذَهَابِ الأَمْنِ وَشَتَاتِ الأَمْرِ وَالتَّشَرُّدِ فَاحْذَرُوا مَا يُبَثُّ فِيهَا مِنْ أَفْكَارٍ وَأَقَاوِيلَ وَمَا يُرَوَّجُ فِيهَا مِنْ فِتَنٍ وَتَهْوِيلٍ ، فَإِنَّ سَوَاداً عَظِيماً مِنْ أَعْدَاءِ هَذِهِ البِلاَدِ يَبْغُونَكُمْ ظُهُورَ الْمُهْلِكَاتِ ، وَمَوْجَ المَائِجَاتِ وَفُشُوَّ المُضِلاَّتِ ، فَكُونُوا عَلَى هَذِهِ الثُّغُورِ حُرَّاسًا لِبِلاَدِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ وَأَبْنَائِكُمْ وَبَنَاتِكُمْ وَنِسَائِكُمْ ، اللهمَّ اجعلْنَا ممنْ يستمعونَ القولَ فيتبعونَ أحسنَهُ ، نفعَنِي اللهُ وإياكُمْ بالقرآنِ العظيمِ وبِسنةِ نبيهِ الكريمِ
أقولُ قولِي هذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ.
الخُطْبَةُ الثَّانيةُ
الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَه، وأَشْهَدُ أنَّ محمَّداً عبدُهُ ورسولُهُ ، اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَارْضِ اللَّهُمَّ عَنْ أَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ،
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُشْغِلَ لِسَانَهُ بِمَا فِيهِ الخَيْرُ وَالنَّفْعُ وَالفَائِدَةُ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ » رواه البخاري
فَاتَّقُوا اللهَ وَاحْمَدُوهُ عَلَى مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنْ خَيْرَاتٍ وَنِعَمٍ وَأَمْنٍ وَأَمَانٍ فَاحْفَظُوا هَذِهِ النِّعَمَ بِدَوَامِ الشُّكْرِ وَالثَّنَاءِ وَالمُحَافَظَةِ عَلَى مُقَدَّرَاتِ وَأَمْنِ بِلَادِكُمْ نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَهَا وَيَحْفَظَ وُلاَةَ أَمْرِنَا وَجُنْدَنَا وَأَنْ يَحْفَظَكُمْ أَنْتُمْ جَمِيعاً
عبادَ اللهِ : قَالَ تَعَالَى : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) وقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : « مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً »