الشيخ/عبدالله الواكد
11-01-2019, 02:06
خُطْبَةُ جُمُعَة
بِعِنْوان
(أَنَا)
كتبها
عبدالله بن فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخطبةُ الأولى
الحمدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ ۖ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وعلى آلهِ وصحابتِهِ أجمعين أما بعدُ عبادَ اللهِ : فأوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ القائلِ ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللهَ حقَّ تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون )
أيُّها المُسْلِمُونَ : ( أَنَا ) ضَمِيرُ رَفْعٍ مُنْفَصِلٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ لِلمُتَكَلِّم أَوِ المُتَكَلِّمَةِ ، هَذَا الإِسْمُ ( أَنَا ) كَمْ حَمَلَ بَعْدَهُ مِنْ عَلَامَاتِ الغُرُورِ ، وَدَلاَلاَتِ الإِعْجَابِ بِالنَّفْسِ ، الَّتِي غَوَى بِهَا إِمَامُ الغَاوِينَ ، وَسَيِّدُ الضَّالِّينَ ، إِبْلِيسُ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ ، حِينَمَا أَمَرَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالسُّجُودِ مَعَ المَلَائِكَةِ لِآدَمَ ، أَتَتهُ (أَنَا) ، وَغَرَّتْهُ (أَنَا)، وَأَهْلَكَتْهُ (أَنَا) ، قَالَ تَعَالَى ( قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) خَرَجَ هَذَا اللَّعِينُ المَغْرُورُ المُتَكَبِّرُ بِسَبَبِ (أَنَا) ، بِسَبَبِ رُؤْيَتِهِ لِنَفْسِهِ ، وَإِعْجَابِهِ بِشَخْصِهِ ، وَغُرُورِهِ الذِي أَخْرَجَهُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِلَى النَّارِ ، فَإِبْلِيسُ أَوَّلُ مَنْ قَالَ (أَنَا) عَلَى وَجْهِ التَّكَبُّرِ وَالغُرُورِ ، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: « احْتَجَّتِ الجَنَّةُ والنَّارُ، فَقَالَتْ النَّارُ: فيَّ الجَبَّارُونَ والمُتَكَبِّرُونَ، وقالَتِ الجنَّةُ: فيَّ ضُعَفاءُ النَّاسِ ومَسَاكِينُهُمْ. فَقَضَى اللَّه بيْنَهُمَا: إِنَّكِ الجَنَّةُ رَحْمَتي، أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ وإِنَّكِ النَّارُ عذَابي، أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، ولِكِلَيْكُما عليَّ مِلْؤُها » رَوَاهُ مُسْلِم.
أَيُّهَا النَّاسُ : قَدْ يُصِيبُ الإِنْسَانُ بَعْضَ مَا أَصَابَ الشَّيْطَانَ ، فَيَتَدَلَّى (بِأَنَا) إِلَى غَضَبِ اللهِ وَإِلَى مَقْتِ النَّاسِ ، فَلاَ يَظُنَّنَّ صَاحِبُ (أَنَا) أَنَّهُ وَتَدٌ مِنْ أَوْتَادِ الأَرْضِ لَوْ زَالَ عَنْهَا مَادَتْ وَاضْطَرَبَتْ ، وَلَا يَحْسَبَنَّ صَاحِبُ (أَنَا) أَنَّ الكَوْنَ بِحَاجَةٍ إِلَيْهِ ، أَوْ أَنَّ الدُّنْيَا مُتَوَقِّفَةً عَلَيْهِ ، فَكَمْ مِنْ قُرُونٍ مَضَتْ ، وَأُمَمٍ قَضَتْ قَالَ تَعَالَى ( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ۖ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) الروم ،
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : (أَنَا) ، تَغْزُو النُّفُوسَ ، وَتَجُولُ فِي أَعْمَاقِهَا ، فَتَغُرُّ العَالِمَ بِعِلْمِهِ ، وَالخَطِيبَ بِخُطَبِهِ ، وَالقَارِيءَ بِقِرَاءَتِهِ ، وَصَاحِبَ الشَّهَادَةِ بِشَهَادَتِهِ ، وَالشَّاعِرَ بِشِعْرِهِ ، وَالأَدِيبَ بِأَدَبِهِ ، وَالمُدِيرَ بِمَنْصِبِهِ ، وَالتَّاجِرَ بِمَالِهِ ، وَالحَسِيبَ بِحَسَبِهِ ، وَالنَّسِيبَ بِنَسَبِهِ ، وَالكَرِيمَ بِكَرَمِهِ ، وَكُلَّ بَارِزٍ بِمَيْدَانِهِ حَتَّى مَشَاهِيرَ التَّوَاصُلِ الإِجْتِمَاعِيِّ وَالسنَاب شَات ، هَذِهِ التِي خَرَجَتْ عَلَيْنَا ، حَمَلَتْ بَعْضَ مَشَاهِيرِهَا (أَنَا) إِلَى آفَاقِ الغُرُورِ ، قَرَأْتُ قَبْلَ أَيَّامٍ أَنَّ أَحَدَهُمْ حِينَمَا أَصْبَحَ مِنْ مَشَاهِيرِ التَّوَاصُلِ الإِجْتِمَاعِيِّ صَارَ لاَ يَرُدُّ السَّلاَمَ وَيَتَحَاشَا ذَلِكَ ، يَذكُرُ ذَلِكَ أَحَدُ جِيرَانِهِ ، فَمَا هَذَا الوَهْمُ الزَّائِفُ ، هَدَاهُمُ اللهُ إِلى سَبِيلِ الرَّشَادِ ، فَعَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رسولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: « بيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي في حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نفْسُهُ، مُرَجِّلٌ رَأْسَهُ، يَخْتَالُ في مَشْيَتِهِ، إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ في الأَرْضِ إلى يوْمِ القِيامةِ » متفقٌ عليه.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : (أَنَا) هَذِهِ مُهْلِكَةٌ ، قَدْ تُوقِعُ المُسْلِمَ فِي الشِّرْكِ وَتُوقِعُهُ فِي الضَّلاَلِ وَتُصِيبُهُ بِالجَهْلِ ، وَتَقْطَعُ أَوَاصِرَ الأُلْفَةِ وَالمَحَبَّةِ ، وَتُمَزِّقُ وَشَائِجَ اللُّحْمَةِ ، (أَنَا) ، تُبْعِدُ المَرْءَ عَنْ وَاقِعِ نَفْسِهِ ، وَحَقِيقَةِ أَمْرِهِ ، فَيُصَعِّرُ خَدَّهُ لِلنَّاسِ وَيَمْشِي فِي الأَرْضِ مَرَحًا ، (أَنَا) هَذِهِ تَهْدِمُ رُوحَ التَّوَاضُعِ ، وَتُطْفِيءُ جَمَالَ النَّفْسِ ، وَتَسْلِبُ مِنْ صَاحِبِهَا رُوحَ الأُلْفَةِ ، وَتُزِيلُ عَنْ قَائِلِهَا النِّعَمَ ، قَالَ تَعَالَى ( وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئًا ۚ وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا (35) الكهف
إِلَى أَنْ قَالَ تَعَالَى ( وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا (43) الكهف أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، سَيِّدُ المُرْسَلِينَ ، وَإِمَامُ المُتَّقِينَ ، إِمَامُ الهُدَى وَالتَّوَاضُعِ ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ فِي القُرْآنِ (قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) الأعراف ،
وَعَنْ أَبنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : «أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَكَلَّمَهُ فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ فَقَالَ هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ إنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ» وإسْنَادُهُ جَيِّدٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وصححه الحاكم والألباني في "الصحيحة" (1876)
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: « مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيّاً إِلاَّ رَعَى الغَنَمَ » قَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ ؟ فَقَالَ: « نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا على قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ » رواهُ البخاري.
وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ المَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيثُ شَاءَتْ. رواه البخاري.
هَذَا هُوَ أَفْضَلُ الخَلْقِ وَسَيِّدُ الأَنْبِيَاءِ وَإِمَامُ المُرْسَلِينَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا ۚ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) لقمان
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ العَظِيمِ
الثانية
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : فَإِنَّ (أَنَا) صَاحِبَةَ إِبْلِيسَ ، هِيَ عُرْوَةُ الغُرُورِ ، وَوَشِيجَةُ الدُّبُورِ ، فَاحْذَرُوهَا ، فَالمُتَكَبِّرُونَ مَحْرُومُونَ مِنْ دُخُولِ الجَنَّةِ ، فَفِي الحَدِيثِ: ((لاَ يَدْخُلِ الجَنَّةّ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْر)) رَوَاهُ مُسْلم،
وَعَنْ عِيَاضِ بنِ حِمَارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: « إِنَّ اللَّهَ أَوحَى إِليَّ أَنْ تَواضَعُوا حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلاَ يَبغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ » رَوَاهُ مُسْلم.
وَقَالَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « ومَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ » رواه مسلم.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا : كانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ فِي بَيْتِهِ يَعْنِي: فِي خِدْمَةِ أَهْلِهِ فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ، خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ، رَوَاهُ البُخَارِي. وَعَن النَّبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُراعٍ أَوْ ذِرَاعٍ لقبلتُ. وَلَوْ أُهْدى إِليَّ ذِراعٌ أَو كُراعٌ لَقَبِلْتُ » رواهُ البخاري.
فصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَيْهِ ، صَلَّى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
بِعِنْوان
(أَنَا)
كتبها
عبدالله بن فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخطبةُ الأولى
الحمدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ ۖ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وعلى آلهِ وصحابتِهِ أجمعين أما بعدُ عبادَ اللهِ : فأوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ القائلِ ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللهَ حقَّ تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون )
أيُّها المُسْلِمُونَ : ( أَنَا ) ضَمِيرُ رَفْعٍ مُنْفَصِلٍ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ لِلمُتَكَلِّم أَوِ المُتَكَلِّمَةِ ، هَذَا الإِسْمُ ( أَنَا ) كَمْ حَمَلَ بَعْدَهُ مِنْ عَلَامَاتِ الغُرُورِ ، وَدَلاَلاَتِ الإِعْجَابِ بِالنَّفْسِ ، الَّتِي غَوَى بِهَا إِمَامُ الغَاوِينَ ، وَسَيِّدُ الضَّالِّينَ ، إِبْلِيسُ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ ، حِينَمَا أَمَرَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالسُّجُودِ مَعَ المَلَائِكَةِ لِآدَمَ ، أَتَتهُ (أَنَا) ، وَغَرَّتْهُ (أَنَا)، وَأَهْلَكَتْهُ (أَنَا) ، قَالَ تَعَالَى ( قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) خَرَجَ هَذَا اللَّعِينُ المَغْرُورُ المُتَكَبِّرُ بِسَبَبِ (أَنَا) ، بِسَبَبِ رُؤْيَتِهِ لِنَفْسِهِ ، وَإِعْجَابِهِ بِشَخْصِهِ ، وَغُرُورِهِ الذِي أَخْرَجَهُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِلَى النَّارِ ، فَإِبْلِيسُ أَوَّلُ مَنْ قَالَ (أَنَا) عَلَى وَجْهِ التَّكَبُّرِ وَالغُرُورِ ، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: « احْتَجَّتِ الجَنَّةُ والنَّارُ، فَقَالَتْ النَّارُ: فيَّ الجَبَّارُونَ والمُتَكَبِّرُونَ، وقالَتِ الجنَّةُ: فيَّ ضُعَفاءُ النَّاسِ ومَسَاكِينُهُمْ. فَقَضَى اللَّه بيْنَهُمَا: إِنَّكِ الجَنَّةُ رَحْمَتي، أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ وإِنَّكِ النَّارُ عذَابي، أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، ولِكِلَيْكُما عليَّ مِلْؤُها » رَوَاهُ مُسْلِم.
أَيُّهَا النَّاسُ : قَدْ يُصِيبُ الإِنْسَانُ بَعْضَ مَا أَصَابَ الشَّيْطَانَ ، فَيَتَدَلَّى (بِأَنَا) إِلَى غَضَبِ اللهِ وَإِلَى مَقْتِ النَّاسِ ، فَلاَ يَظُنَّنَّ صَاحِبُ (أَنَا) أَنَّهُ وَتَدٌ مِنْ أَوْتَادِ الأَرْضِ لَوْ زَالَ عَنْهَا مَادَتْ وَاضْطَرَبَتْ ، وَلَا يَحْسَبَنَّ صَاحِبُ (أَنَا) أَنَّ الكَوْنَ بِحَاجَةٍ إِلَيْهِ ، أَوْ أَنَّ الدُّنْيَا مُتَوَقِّفَةً عَلَيْهِ ، فَكَمْ مِنْ قُرُونٍ مَضَتْ ، وَأُمَمٍ قَضَتْ قَالَ تَعَالَى ( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ۖ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) الروم ،
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : (أَنَا) ، تَغْزُو النُّفُوسَ ، وَتَجُولُ فِي أَعْمَاقِهَا ، فَتَغُرُّ العَالِمَ بِعِلْمِهِ ، وَالخَطِيبَ بِخُطَبِهِ ، وَالقَارِيءَ بِقِرَاءَتِهِ ، وَصَاحِبَ الشَّهَادَةِ بِشَهَادَتِهِ ، وَالشَّاعِرَ بِشِعْرِهِ ، وَالأَدِيبَ بِأَدَبِهِ ، وَالمُدِيرَ بِمَنْصِبِهِ ، وَالتَّاجِرَ بِمَالِهِ ، وَالحَسِيبَ بِحَسَبِهِ ، وَالنَّسِيبَ بِنَسَبِهِ ، وَالكَرِيمَ بِكَرَمِهِ ، وَكُلَّ بَارِزٍ بِمَيْدَانِهِ حَتَّى مَشَاهِيرَ التَّوَاصُلِ الإِجْتِمَاعِيِّ وَالسنَاب شَات ، هَذِهِ التِي خَرَجَتْ عَلَيْنَا ، حَمَلَتْ بَعْضَ مَشَاهِيرِهَا (أَنَا) إِلَى آفَاقِ الغُرُورِ ، قَرَأْتُ قَبْلَ أَيَّامٍ أَنَّ أَحَدَهُمْ حِينَمَا أَصْبَحَ مِنْ مَشَاهِيرِ التَّوَاصُلِ الإِجْتِمَاعِيِّ صَارَ لاَ يَرُدُّ السَّلاَمَ وَيَتَحَاشَا ذَلِكَ ، يَذكُرُ ذَلِكَ أَحَدُ جِيرَانِهِ ، فَمَا هَذَا الوَهْمُ الزَّائِفُ ، هَدَاهُمُ اللهُ إِلى سَبِيلِ الرَّشَادِ ، فَعَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رسولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: « بيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي في حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نفْسُهُ، مُرَجِّلٌ رَأْسَهُ، يَخْتَالُ في مَشْيَتِهِ، إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ في الأَرْضِ إلى يوْمِ القِيامةِ » متفقٌ عليه.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : (أَنَا) هَذِهِ مُهْلِكَةٌ ، قَدْ تُوقِعُ المُسْلِمَ فِي الشِّرْكِ وَتُوقِعُهُ فِي الضَّلاَلِ وَتُصِيبُهُ بِالجَهْلِ ، وَتَقْطَعُ أَوَاصِرَ الأُلْفَةِ وَالمَحَبَّةِ ، وَتُمَزِّقُ وَشَائِجَ اللُّحْمَةِ ، (أَنَا) ، تُبْعِدُ المَرْءَ عَنْ وَاقِعِ نَفْسِهِ ، وَحَقِيقَةِ أَمْرِهِ ، فَيُصَعِّرُ خَدَّهُ لِلنَّاسِ وَيَمْشِي فِي الأَرْضِ مَرَحًا ، (أَنَا) هَذِهِ تَهْدِمُ رُوحَ التَّوَاضُعِ ، وَتُطْفِيءُ جَمَالَ النَّفْسِ ، وَتَسْلِبُ مِنْ صَاحِبِهَا رُوحَ الأُلْفَةِ ، وَتُزِيلُ عَنْ قَائِلِهَا النِّعَمَ ، قَالَ تَعَالَى ( وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئًا ۚ وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا (35) الكهف
إِلَى أَنْ قَالَ تَعَالَى ( وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا (43) الكهف أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، سَيِّدُ المُرْسَلِينَ ، وَإِمَامُ المُتَّقِينَ ، إِمَامُ الهُدَى وَالتَّوَاضُعِ ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ فِي القُرْآنِ (قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) الأعراف ،
وَعَنْ أَبنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : «أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَكَلَّمَهُ فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ فَقَالَ هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ إنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ» وإسْنَادُهُ جَيِّدٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وصححه الحاكم والألباني في "الصحيحة" (1876)
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: « مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيّاً إِلاَّ رَعَى الغَنَمَ » قَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ ؟ فَقَالَ: « نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا على قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ » رواهُ البخاري.
وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ المَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيثُ شَاءَتْ. رواه البخاري.
هَذَا هُوَ أَفْضَلُ الخَلْقِ وَسَيِّدُ الأَنْبِيَاءِ وَإِمَامُ المُرْسَلِينَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا ۚ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) لقمان
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ العَظِيمِ
الثانية
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : فَإِنَّ (أَنَا) صَاحِبَةَ إِبْلِيسَ ، هِيَ عُرْوَةُ الغُرُورِ ، وَوَشِيجَةُ الدُّبُورِ ، فَاحْذَرُوهَا ، فَالمُتَكَبِّرُونَ مَحْرُومُونَ مِنْ دُخُولِ الجَنَّةِ ، فَفِي الحَدِيثِ: ((لاَ يَدْخُلِ الجَنَّةّ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْر)) رَوَاهُ مُسْلم،
وَعَنْ عِيَاضِ بنِ حِمَارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: « إِنَّ اللَّهَ أَوحَى إِليَّ أَنْ تَواضَعُوا حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلاَ يَبغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ » رَوَاهُ مُسْلم.
وَقَالَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « ومَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ » رواه مسلم.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا : كانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ فِي بَيْتِهِ يَعْنِي: فِي خِدْمَةِ أَهْلِهِ فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ، خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ، رَوَاهُ البُخَارِي. وَعَن النَّبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُراعٍ أَوْ ذِرَاعٍ لقبلتُ. وَلَوْ أُهْدى إِليَّ ذِراعٌ أَو كُراعٌ لَقَبِلْتُ » رواهُ البخاري.
فصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَيْهِ ، صَلَّى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا