المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة جمعة بعنوان ( يريد الله بكم اليسر )



الشيخ/عبدالله الواكد
04-01-2019, 00:12
خُطْبَةُ جُمُعَة
بِعِنْوان

يريد الله بكم اليسر

كتبها
عبدالله بن فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل


الخطبةُ الأولى

الحمدُ للهِ الذي جعلَ بعدَ عسرٍ يسراً ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وعلى آلهِ وصحابتِهِ أجمعين أما بعدُ عبادَ اللهِ : فأوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ القائلِ ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللهَ حقَّ تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون )
أيُّها المسلمونَ : جَعَلَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى دَينَ الإِسْلَامِ دِيناً مُيَسَّراً لأنَّهُ خَاتِمُ الشَّرَائِعِ ، جَعَلَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مَيْسُورَ الفَهْمِ ، سَهْلَ الأَحْكَامِ ، بَيِّنَ المَعَانِي ، عَظِيمَ المَقَاصِدِ ، وَاضِحَ المَعَالِمِ وَالدَّلَالَاتِ ، وَجَعَلَ أُمَّةَ الإِسْلَامِ أُمَّةً وَسَطاً ، فَفِي الشَّرَائِعِ السَّابِقَةِ مَثَلاً ، كَانَ لاَ بُدَّ مِنَ المَاءِ فِي الطَّهَارَةِ ، وَلَمْ يُشْرَعِ التَّيَمُّمُ إِلَّا فِي هَذِهِ الأُمَّةِ قَالَ تَعَالَى ( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً )(المائدة6) وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ ( وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا ) وَكَانَتْ صَلَوَاتُهُمْ لاَ تَصِحُّ إِلَّا فِي أَمَاكِنِ العِبَادَةِ ، فِي الصَّوَامِعِ وَالكَنَائِسِ وَالمَعَابِدِ ، أمَّا أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأيُّمَا امْرِىءٍ أَدْرَكتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلْ فَقَدْ جُعِلَتْ لَهُ الأَرْضُ مَسْجِداً وَطَهُوراً ، فَشَرِيعَةُ الإِسْلَامِ شَرِيعَةُ يُسْرٍ ، وَمِلَّةُ اعْتِدَالٍ وَوَسَطِيَّةٍ ، وَفَضْلاً عَنْ يُسْرِهَا فَقَدْ رَفَعَ اللهُ عَنْ هَذِهِ الأُمَّةِ الحَرَجَ وَالمَشَقَّةَ ، قَاَلَ تَعَالَى (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )(الحج78) وَقَاَلَ سُبْحَانَهُ ( يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفاً )(النساء28) وَقَالَ اللهُ تَعَالَى ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ )(البقرة185) وَالتَّيْسِيرُ يَاعِبَادَ اللهِ لاَ يُقْصَدُ مِنْهُ رَفْعُ الحُكْمِ بِالكُلِّيَةِ عَنِ المُكَلَّفِ كَمَا يَذْهبُ إِلَى ذلكَ بَعْضُ الفِرَقِ الضَّالَّةِ أَمْثَالُ بَعْضِ الصُّوفِيَّةِ وَغَيْرِهِم ، إنَّما التيسيرُ هُوَ اسْتِبْدَالُ الحُكْمِ بِحُكْمٍ أَخَفَّ يَتَنَاسَبُ مَعَ قُدْرَةِ المُكَلَّفِ لِيَسْتَطِيعَ القِيَامَ بِذَلِكَ ، فَاليُسْرُ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : يَكُونُ مَعَ العُسْرِ دَائِماً قَالَ سُبْحانَهُ ( فَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراَ )(الشرح5-6) قَالَ أَهْلُ العِلْمِ (( لَوْ دَخَلَ العُسْرُ جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلَ اليُسْرُ مَعَهُ )) وَالقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ تَقُولُ (( المَشَقَّةُ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ )) وَالشَّرِيعَةُ تُخَفِّفُ الأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ التِي يَنْشَأُ عَنْ تَطْبِيقِهَا حَرَجٌ وَمَشَقَّةٌ عَلَى المُكَلَّفِ ، تُخَفِّفُهاَ حَتَّى تَقَعَ تَحْتَ قُدْرَةِ المُكَلَّفِ فَيَسْتَطِيعَ القِيَامَ بِهَا ، لِأَنَّ هَذَا هُوَ مَقْصُودُ الشَّارِعِ ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ ) وَالأَصْلُ فِي دِينِ اللهِ هُوَ اليُسْرُ ، لِأَنَّ العُسْرَ نَاشِيءٌ عَنِ حَالَةِ المُسْلِمِ المُكَلَّفِ ، مِنْ ضَعْفٍ وَمَرَضٍ وَكِبَرٍ وَسَفَرٍ وَبَرْدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَلَيْسَ العُسْرُ أَصْلاً فِي الشَّرِيعَةِ ، فَلَوْ أَرَادَ اللهُ العُسْرَ بِعَيْنِهِ لَمَا شَرَعَ التَّيْسِيرَ ، وَلَمْ يَقْصُدْ اللهُ سُبْحَانَهُ الَمَشَقَّةَ ، لَكِنَّ الْمَشَقَّةَ القَلِيلَةَ الْمَقْدُورَ عَلَيْهاَ ، تَأْتِي تَبَعاً لِلْعِبَادَةِ الْمَشْرُوعَةِ ، فَلاَ تَكُونُ صَلاَةٌ إِلَّا وَمَعَهاَ شَيْءٌ مِنَ التَّعَبِ قَالَ تَعَالَى ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهاَ لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الخَاشِعِينَ )(البقرة45) وَلاَ يَكُونُ صِيَامٌ إِلَّا وَمَعَهُ جُوعٌ وَعَطَشٌ وَتَعَبٌ ، وَلَا يَكُونُ حَجٌّ إِلَّا وَمَعَهُ سَفَرٌ وَتَعَبٌ وَمَشَقَّةٌ ، فَالْمَشَقَّةَ نَوعَانِ : مَشَقَّةٌ مُصَاحِبَةٌ لِلْعِبَادَةِ نَفْسِهَا ، فَهَذِهِ لاَ بُدَّ مِنْهاَ وَهِيَ تَكُونُ غَالِباً تَحْتَ قُدْرَةِ الْمُكَلَّفِ ، وَمَشَقَّةٌ زَائِدَةٌ لاَ تَكُونُ تَابِعَةً لِلْعِبَادَةِ لَكِنَّهاَ تَنْدَرِجُ تَحْتَ تَقَصُّدِ التَّعْذِيبِ وَالإِشْقَاقِ وَالتَّكَلُّفِ الخَاطِيءِ ، فَقَدْ نَهَانَا الشَّارِعُ عَنْهَا ، وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ الْمَسْجِدَ يَوْماً فَرَأَى حَبْلاً مُعَلَّقاً بِالْمَسْجِدِ فَقَالَ مَا هَذَا فَقِيلَ لِفُلاَنَةٍ أَوْ لِفُلَانٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ إِذَا تَعِبَ فَغَضِبَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ وَقَالَ ( مَا بِهذَا أُمِرْنَا ) وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلَامُ كَمَا فِي الصَّحِيحِ ( عَلَيْكُمْ هَدْياً قَاصِداً عَلَيْكُمْ هَدْياً قَاصِداً ) وَقَالَ ( إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَاسْتَعِينُوا بِالغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وشَيْءٍ مِنَ الدُّلجَةِ وَالقَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغُوا ) وَلَعَلَّكُمْ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ تَذْكُرُونَ حَدِيثَ الشَّبَابِ الَّذِينَ سَأَلُوا عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَّ فِي السِرِّ فَقَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَأَقُومُ وَلَا أَنَامُ وَقَالَ الآخَرُ أَمَّا أَنَا فَأَصُومُ وَلَا أُفْطِرُ وَقَالَ الآخَرُ وَأَمَّا أَنَا فَلاَ أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَقَالَ لَهُمْ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَمَّا أَنَا فَأَقُومُ وَأَنَامُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ) وَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ فِيهِمْ وَفِي أَمْثَالِهِمْ آنَذَاكَ ( يَا أَيُّهاَ الِذينَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ )(المائدة87) فَنَهَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ عَنِ الإِعْتِدَاءِ فِي دِينِ اللهِ وَعَنِ الزِّيَادَاتِ التِي لَمْ يَشْرَعْهاَ اللهُ ، وَإِقْحَامِ النَّفْسِ وَالنَّاسِ فِيماَ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ ، وَأَماَّ العِبَادَاتُ المَشْرُوعَةُ فَهِي مَشْرُوعَةٌ حَتَّى قِيَامِ السَّاعَةِ ، هَذَا هُوَ شَرْعُ اللهِ ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ ( عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ فَوَاللهِ لاَ يَمَلُّ اللهُ حَتَّى تَمَلُّوا ) وَفِي التَّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ أَنَّهُ قَالَ ( حُرِّمَ عَلَى النَّارِ كُلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ قَرِيبٍ مِنَ النَّاسِ ) وَالنَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ أَصْعَدَ وَأَفَاضَ فِي الحَجِّ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَتَّى الطَّوَافَ كَانَ يَطُوفُ عَلَيْهَا ، هَذَا هُوَ شَرْعُ اللهِ وَهَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ ، وَفي مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ ( إِنَّ خَيْرَ دِينِكُم أَيْسَرُهُ ، إِنَّ خَيْرَ دِينِكُم أَيْسَرُهُ ، إِنَّ خَيْرَ دِينِكُم أَيْسَرُهُ ، قَالَهَا ثَلَاثاً ، وَفِي لَفْظٍ إِنَّكُم أُمَّةٌ أُرِيدَ بِكُم اليُسْرُ ) أعوذُ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ( لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتاَهَا سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً )(الطلاق 7) بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ العَظِيمِ

الثانية

أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : فَإِنَّ اليُسْرَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ مَعَ وُجُودِ العُسْرِ ، إِذَا لَمْ يُوجَدِ العُسْرُ فَمَا الدَّاعِي إِلَى اليُسْرِ وَذَلِكَ بِنَصِّ كِتَابِ اللهِ قَالَ تَعَالَى ( إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً )(الشرح6) وَفِي السُنَّةِ ، لمَّا عَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ عِمْرَانَ بْنَ الحُصَيْنِ وَكَانَ مَرِيضاً فَقَالَ لَهُ ( صَلِّ قَائِماً فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِداً فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ )
وَقَلَّمَا تَجِدُ حُكْماً شَرْعِياًّ فِي كِتَابِ اللهِ أَوْ فِي سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ يَحْتَمِلُ العُسْرَ المَعْهُودَ ، إِلاَّ وَتَجِدُ لَهُ حُكْماً مُرَادِفاً يُبَيِّنُ الحُكْمَ الْمُيَسَّرَ قَالَ تَعَالَى ( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيّمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً )(المائدة6) وَقَالَ تَعَالَى ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ )(البقرة196) وَقَالَ تَعَالَى ( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذَىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ )(البقرة196) وَقَالَ سُبْحَانَهُ ( فَمَن اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )(البقرة173) وَالآياتُ وَالشَّوَاهِدُ كَثِيرَةٌ جِداًّ نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ يُقِيمُونَ شَرْعَ اللهِ وَيَعْمَلُونَ بِأَحْكَامِهِ عَلَى هَدْيِ مَنْ أَرْسَلَهُ اللهُ ، مَحَمَّدِ بنِ عَبْدِاللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ، صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَيْهِ ، وَرُدُّوا مَا أَشَكَلَ مِنْ أَمْرِكُمْ إِلَيْهِ ، صَلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا