محمدالمهوس
25-09-2018, 22:56
الخُطْبَةُ الأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدْ خَلَقَنَا اللهُ تَعَالَى لِعِبَادَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} وَأَرْسَلَ إِلَيْنَا مَنْ يُبَيِّنُ لَنَا طَرِيقَةَ هَذِهِ الْعِبَادَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}.
وَقَدْ جَعَلَ اللهُ تَعَالَى طَاعَةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَاعَةً لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} بَلْ جَعَلَ اتِّبَاعَ هَدْيِهِ وَسُنَّتِهِ طَرِيقًا مُوَصِّلاً إِلَى مَحَبَّتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
وَقَدْ سَمَّى عُلَمَاءُ السَّلَفِ هَذِهِ الآيَةَ: بِآيَةِ الامْتِحَانِ؛ لأَنَّ اللهَ يَمْتَحِنُ بِهَا كُلَّ مَنْ يَدَّعِي مَحَبَّةَ اللهِ تَعَالَى، فَإِنْ كَانَ مُتَّبِعًا لِلسُّنَّةِ كَانَ صَادِقًا فِي دَعْوَاهُ، وَإِنْ كَانَ مُعْرِضًا عَنِ السُّنَّةِ كَانَ كَاذِبًا فِي دَعْوَاهُ. وَدَعْوَى الْمُؤْمِنِ الصَّادِقَةُ لِمَحَبَّةِ اللهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنْفَعُهُ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ قَصَّرَ فِي الْعَمَلِ أَوْ مَنَعَهُ عُذْرٌ وَلَمْ يَلْحَقْ بِالْمُقَرَّبِينَ! لِمَا ثَبَتَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى قِيَامُ السَّاعَةِ؟ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ قِيَامِ السَّاعَةِ؟» فَقَالَ الرَّجُلُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ وَأَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» فَمَا رَأَيْتُ فَرِحَ المُسْلِمُونَ بَعْدَ الإِسْلَامِ فَرَحَهُمْ بِهَذَا. صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.
وَاتِّبَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ مِنْ مُقْتَضَى الشَّهَادَةِ بِهِ نَبِيًّا وَرَسُولاً وَتَعْنِي: طَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ، وَتَصْدِيقُهُ فِيمَا أَخْبَرَ، وَاجْتِنَابُ مَا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ، وَأَنْ لاَ يُعْبَدَ اللهُ إِلاَّ بِمَا شَرَعَ، وَاعْتِقَادُ صِحَّةِ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَأَنَّهُ رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَرْسَلَهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَخَتَمَ بِهِ الرِّسَالَةَ لِلثَّقَلَيْنِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}.
وَكُلُّ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ فِي أُمُورِ الدِّينِ حَقٌّ وَنَحْنُ مَأْمُورُونَ بِالأَخْذِ بِهِ، وَكُلُّ مَا نَهَانَا عَنْهُ بَاطِلٌ وَعَلَيْنَا الاِنْتِهَاءُ عَنْهُ وَاجْتِنَابُهُ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
وَقَدْ وَعَدَ اللهُ تَعَالَى كُلَّ مَنِ اتَّبَعَ سُنَّةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجَاحَ وَالْفَلاَحَ بِالدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى»، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
قَالَ ابْنُ بَطَّةَ رَحِمَهُ اللهُ فِي الإِبَانَةِ: فَلِلَّهِ دَرُّ أَقْوَامٍ دَقَّتْ فِطَنُهُمْ, وَصَفَـتْ أَذْهَانُهُمْ, وَتَعَالَتْ بِهِمُ الْهِمَمُ فِي اتِّبَاعِ نَبِيِّهِمْ, وَتَنَاهَتْ بِهِمُ الْمَحَبَّةُ حَتَّى اتَّبَعُوهُ هَذَا الاِتِّـَباعَ, فَبِمِثْـلِ هُدَى هَؤُلاَءِ الْعُقَلاَءِ إِخْوَانِي فَاهْتَدُوا, وَلآثَارِهِمْ فَاقْتَفُوا, تَرْشُدُوا وَتُنْصَرُوا وَتُجْبَرُوا.
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَأَخْلِصُوا بِالْعِبَادَةِ لِرَبِّكُمْ، وَبِصِدْقِ الاِتِّبَاعِ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْعَدُوا وَتُفْلِحُوا وَتَفُوزُوا بِالدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُون، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .. أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْفِتَنِ وَالشُّرُورِ وَالْمَصَائِبِ مُخَالَفَةَ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاخْتِيَارَ سُنَّةٍ غَيْرِ سُنَّتِهِ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وَالنَّاظِرُ فِي الْفِتَنِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ الْمَعْرُوفَةِ بِبِلاَدِ الرَّبِيعِ الْعَرَبِيِّ يَرَى أَثَرَ مُخَالَفَةِ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَاهِرًا! فَالشَّرِيعَةُ حَرَّمَتِ الْخُرُوجَ عَلَى الْحَاكِمِ الْمُسْلِمِ عَدْلاً كَانَ أَوْ ظَالِمًا جَائِرًا فَاسِقًا، وَأَمَرَتْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِمَنْ وَلاَّهُ اللهُ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ مَا لَمْ يَأْمُرْ بِمَعْصِيَةٍ، صِيَانَةً لِدِينِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ، وَحَقْنًا لِدِمَائِهِمْ، وَحِفْظًا لِبِلاَدِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَوَضَعَتْ لِلْخُرُوجِ عَلَى الْحَاكِمِ الْكَافِرِ شُرُوطًا وَمَوَانِعَ، لاَ يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ إِلاَّ بِتَحَقُّقِ هَذِهِ الشُّرُوطِ وَانْتِفَاءِ هَذِهِ الْمَوَانِعِ، وَلَكِنْ لَمَّا خَالَفَتِ الشُّعُوبُ هَذِهِ السُّنَّةَ النَّبَوِيَّةَ الْمُتَوَاتِرَةَ وَقَعَتْ فِي الْفِتَنِ الَّتِي نُعَايِشُهَا وَنَرَى أَثَرَهَا.
وَقَدْ يُفْتَتَنُ الْمُخَالِفُ فِي حَيَاتِهِ بِتَعْذِيبِ نَفْسِهِ وَهَلاَكِهَا كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ تَقْطِيعِ جَسَدِهِ، وَإِهَانَةِ نَفْسِهِ، وَقَفْزِهِ وَرَفْسِهِ، وَصِيَاحِهِ وَعَوِيلِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْمُخَالِفِينَ لِهَدْيِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاتَّبِعُوا وَلاَ تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» رَوَاهُ مُسْلِم.
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدْ خَلَقَنَا اللهُ تَعَالَى لِعِبَادَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} وَأَرْسَلَ إِلَيْنَا مَنْ يُبَيِّنُ لَنَا طَرِيقَةَ هَذِهِ الْعِبَادَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}.
وَقَدْ جَعَلَ اللهُ تَعَالَى طَاعَةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَاعَةً لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} بَلْ جَعَلَ اتِّبَاعَ هَدْيِهِ وَسُنَّتِهِ طَرِيقًا مُوَصِّلاً إِلَى مَحَبَّتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
وَقَدْ سَمَّى عُلَمَاءُ السَّلَفِ هَذِهِ الآيَةَ: بِآيَةِ الامْتِحَانِ؛ لأَنَّ اللهَ يَمْتَحِنُ بِهَا كُلَّ مَنْ يَدَّعِي مَحَبَّةَ اللهِ تَعَالَى، فَإِنْ كَانَ مُتَّبِعًا لِلسُّنَّةِ كَانَ صَادِقًا فِي دَعْوَاهُ، وَإِنْ كَانَ مُعْرِضًا عَنِ السُّنَّةِ كَانَ كَاذِبًا فِي دَعْوَاهُ. وَدَعْوَى الْمُؤْمِنِ الصَّادِقَةُ لِمَحَبَّةِ اللهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنْفَعُهُ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ قَصَّرَ فِي الْعَمَلِ أَوْ مَنَعَهُ عُذْرٌ وَلَمْ يَلْحَقْ بِالْمُقَرَّبِينَ! لِمَا ثَبَتَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى قِيَامُ السَّاعَةِ؟ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ قِيَامِ السَّاعَةِ؟» فَقَالَ الرَّجُلُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ وَأَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» فَمَا رَأَيْتُ فَرِحَ المُسْلِمُونَ بَعْدَ الإِسْلَامِ فَرَحَهُمْ بِهَذَا. صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.
وَاتِّبَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ مِنْ مُقْتَضَى الشَّهَادَةِ بِهِ نَبِيًّا وَرَسُولاً وَتَعْنِي: طَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ، وَتَصْدِيقُهُ فِيمَا أَخْبَرَ، وَاجْتِنَابُ مَا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ، وَأَنْ لاَ يُعْبَدَ اللهُ إِلاَّ بِمَا شَرَعَ، وَاعْتِقَادُ صِحَّةِ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَأَنَّهُ رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَرْسَلَهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَخَتَمَ بِهِ الرِّسَالَةَ لِلثَّقَلَيْنِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}.
وَكُلُّ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ فِي أُمُورِ الدِّينِ حَقٌّ وَنَحْنُ مَأْمُورُونَ بِالأَخْذِ بِهِ، وَكُلُّ مَا نَهَانَا عَنْهُ بَاطِلٌ وَعَلَيْنَا الاِنْتِهَاءُ عَنْهُ وَاجْتِنَابُهُ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
وَقَدْ وَعَدَ اللهُ تَعَالَى كُلَّ مَنِ اتَّبَعَ سُنَّةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجَاحَ وَالْفَلاَحَ بِالدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى»، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
قَالَ ابْنُ بَطَّةَ رَحِمَهُ اللهُ فِي الإِبَانَةِ: فَلِلَّهِ دَرُّ أَقْوَامٍ دَقَّتْ فِطَنُهُمْ, وَصَفَـتْ أَذْهَانُهُمْ, وَتَعَالَتْ بِهِمُ الْهِمَمُ فِي اتِّبَاعِ نَبِيِّهِمْ, وَتَنَاهَتْ بِهِمُ الْمَحَبَّةُ حَتَّى اتَّبَعُوهُ هَذَا الاِتِّـَباعَ, فَبِمِثْـلِ هُدَى هَؤُلاَءِ الْعُقَلاَءِ إِخْوَانِي فَاهْتَدُوا, وَلآثَارِهِمْ فَاقْتَفُوا, تَرْشُدُوا وَتُنْصَرُوا وَتُجْبَرُوا.
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَأَخْلِصُوا بِالْعِبَادَةِ لِرَبِّكُمْ، وَبِصِدْقِ الاِتِّبَاعِ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْعَدُوا وَتُفْلِحُوا وَتَفُوزُوا بِالدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُون، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .. أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْفِتَنِ وَالشُّرُورِ وَالْمَصَائِبِ مُخَالَفَةَ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاخْتِيَارَ سُنَّةٍ غَيْرِ سُنَّتِهِ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وَالنَّاظِرُ فِي الْفِتَنِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ الْمَعْرُوفَةِ بِبِلاَدِ الرَّبِيعِ الْعَرَبِيِّ يَرَى أَثَرَ مُخَالَفَةِ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَاهِرًا! فَالشَّرِيعَةُ حَرَّمَتِ الْخُرُوجَ عَلَى الْحَاكِمِ الْمُسْلِمِ عَدْلاً كَانَ أَوْ ظَالِمًا جَائِرًا فَاسِقًا، وَأَمَرَتْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِمَنْ وَلاَّهُ اللهُ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ مَا لَمْ يَأْمُرْ بِمَعْصِيَةٍ، صِيَانَةً لِدِينِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ، وَحَقْنًا لِدِمَائِهِمْ، وَحِفْظًا لِبِلاَدِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَوَضَعَتْ لِلْخُرُوجِ عَلَى الْحَاكِمِ الْكَافِرِ شُرُوطًا وَمَوَانِعَ، لاَ يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ إِلاَّ بِتَحَقُّقِ هَذِهِ الشُّرُوطِ وَانْتِفَاءِ هَذِهِ الْمَوَانِعِ، وَلَكِنْ لَمَّا خَالَفَتِ الشُّعُوبُ هَذِهِ السُّنَّةَ النَّبَوِيَّةَ الْمُتَوَاتِرَةَ وَقَعَتْ فِي الْفِتَنِ الَّتِي نُعَايِشُهَا وَنَرَى أَثَرَهَا.
وَقَدْ يُفْتَتَنُ الْمُخَالِفُ فِي حَيَاتِهِ بِتَعْذِيبِ نَفْسِهِ وَهَلاَكِهَا كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ تَقْطِيعِ جَسَدِهِ، وَإِهَانَةِ نَفْسِهِ، وَقَفْزِهِ وَرَفْسِهِ، وَصِيَاحِهِ وَعَوِيلِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْمُخَالِفِينَ لِهَدْيِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاتَّبِعُوا وَلاَ تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» رَوَاهُ مُسْلِم.