المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة جمعة بعنوان ( بنى الله له بيتا في الجنة )



الشيخ/عبدالله الواكد
18-09-2018, 23:21
خُطْبَةُ جُمُعَةِ
بِعِنْوَانِ

( بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ )

كَتَبَهَا / عَبْدُاللهِ بْنُ فَهْدِ الْوَاكِدِ
إِمَامُ وَخَطِيبُ جَامِعِ الْوَاكِدِ بِحَائِل
11 / 1 / 1440 هـ

الخطبة الأولى

الحَمْدُ للهِ الذِي جَعَلَ لِمَنْ أَطَاعَهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ، وَبَنَى لَهُمْ فِيهَا مَسَاكِنَ طَيِّبَةً فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ، وَأشهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ وسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِينَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إلى يَومِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ : فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ القَائِلِ ( لَٰكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ) (20) الزمر
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : مِنَ الأَحْلَامِ الَّتِي يَسْعَى الكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ إِلَى تَحْقِيقِهَا فِي هَذَا الزَّمَانِ هُوَ امْتِلَاكُ بَيْتٍ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا يُؤْوِيهِمْ وَيَكْنِفُهُمْ ، وَيَسْتُرُ حَالَهُمْ ، يَعِيشُونَ فِيهِ سَنَوَاتِ أَعْمَارِهِمْ الْقَصِيرَةِ ، يُعَافِرُونَ المَشَاقَّ ، وَيُكَابِدُونَ المَصَاعِبَ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْمَسْكَنِ ، وَيَتَحَمَّلُونَ القُرُوضَ وَالدُّيُونَ ، الَّتِي يُسَدِّدُونَهَا سَنَوَاتٍ عَدِيدَةً ، مِنْ أَجْلَ هَذَا البَيْتِ ، فَتَحْتَ سَقْفِ هَذَا البَيْتِ وَبَيْنَ أَرْكَانِهِ تَعِيشُ الأُسَرُ وَتَتَرَبَّى الأَجْيَالُ ، فَهَذَا أَيُّهَا الأَحِبَّةُ بَيْتُ الدُّنْيَا ، الَّذِي يَسْكُنُهُ المَرْءُ ثُمَّ مَا يَلْبَثُ أَنْ يُغَادِرَ عَنْهُ إِلَى بَيْتٍ آخَرَ ، إِلَى الْمَسْكَنِ الأَخِيرِ ، وَالْبَيْتِ الأَبَدِيِّ ، الَّذِي يَمْكُثُ فِيهِ أَبَدًا إِمَّا إِلَى النَّارِ ، يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَهْلِ النَّارِ ( لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ۚ ذَٰلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ ۚ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ )(16) الزمر ، وَأَمَّا إِلَى الْجَنَّةِ الَّتِي وَعَدَ اللهُ أَهْلَهَا (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (72)التوبة ، فَمَا أَحْسَنَ هَذِهِ المَسَاكِنَ وَمَا أَطْيَبَ هَذِهِ البُيُوتَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلامُ ( بِنَاؤُهَا لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَلَبِنَةُ مِنْ ذَهَبٍ ، وَمَلاَطُهَا المِسْكُ الأَذْفَرُ وَحَصْبَاؤُهَا اللؤْلُؤُ وَاليَاقُوتُ ، وَتُرْبَتُها الزَّعْفَرَانُ ، مَنْ يَدْخُلُهَا يَنْعُمُ وَلَا يَتْعَسُ ، وَيَخْلُدُ وَلَا يَمُوتُ ، لَا تَبْلَى ثِيَابُهُ ، وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُ ) رَواهُ أُحْمَدُ ، فَالمَوْتُ قَدْ مَاتَ ، وَالنَّصَبُ قَدْ فَاتَ ، وَصَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُيُوتَ الجَنَّةِ فَقَالَ ( جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهُمَا ، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا ) قَالَ تَعَالَى ( وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ۖ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (71) الزخرف
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ : إِنَّ الحُصُولَ عَلَى بَيْتٍ فِي الجَنَّةِ ، يَحْتَاجُ إِلَى عَمَلٍ ، فَكَمَا أَنَّ النَّاسَ تَسْعَى لِامْتِلَاكِ بَيْتٍ فِي هَذِهِ الدُّنْيا الدَّنِيَّةِ ، فَلَا بُدَّ أَنْ تَسْعَى لِبَيْتِ النَّعِيمِ المُقِيمِ ، فَقَدِّمْ يَاعَبْدَاللهِ مِنَ الأَعْمَالِ مَا يَجْعَلُكَ مِنْ نُزَلَاءِ جَنَّاتِ النَّعِيمِ قَالَ سُبْحَانَهُ (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (82) البقرة ، تُضَاعَفُ لَهُمْ الحَسَنَاتُ ، وَتُرْفَعُ لَهُمْ الدَّرَجَاتُ (وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ) (37) سبأ
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: «مَا حَسَدْتُ امْرَأَةً مَا حَسَدْتُ خَدِيجَةَ، وَمَا تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بَعْدَ مَا مَاتَتْ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ » صَحَّحَهُ الألْبَانِيُّ فَيَا أَهْلَ بُيُوتِ الجَنَّةِ ، أَيْنَكُمْ مِنْ عِمَارَتِهَا ، يَقُولُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلمَ ( مَنْ بَنَى مَسْجِدًا للهِ ، بَنَى اللهُ لَهُ فِي الجَنَّةِ مِثْلَهُ ) وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ( مَنْ بَنَى للهِ مَسْجِدًا وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ لِبَيْضِهَا بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ ) فَهَنِيئًا لِمَنْ عَمَرَ بُيُوتَ اللهِ وَأَقَامَهَا وَشَيَّدَهَا وَفَرَشَهَا وَأَسْرَجَهَا وَكَيَّفَهَا وَاعْتَنَى بِهَا ، فَإِنَّ المَسَاجِدَ بُيُوتُ اللهِ ، يُكْرِمُ اللهُ مَنْ أَكْرَمَهَا ، وَيَرْفَعُ اللهُ مَنْزِلَةَ مَنْ شَيَّدَهَا وَبَنَاهَا فَيَبْنِي لَهُ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ ، وَيُكْرِمُ اللهُ مَنْ اعْتَنَى بِهَا وَبِفَرْشِهَا وَبِنَظَافَتِهَا وَطِيبِهَا ، وَيَعْمُرُ اللهُ بِالإِيمَانِ قَلْبَ مَنْ عَمَرَهَا بِالعِبَادَةِ وَقِرَاءَةِ القُرْآنِ ، وَمَنْ غَدَا إِلَيْهَا أوْ رَاحَ ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ ( مَنْ غَدَا إِلَى المَسْجِدِ، أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ فِي الجَنَّةِ نُزُلًا، كُلَّمَا غَدَا، أَوْ رَاحَ ) وَمَنْ دَاوَمَ عَلَى صَلَاةِ النَّوَافِلِ بَنَى اللهُ تَعَالَى لَهُ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلمَ ( مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي للهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشَرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلَّا بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ )
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : إِنَّ تَرْكَ الْمِرَاءِ وَالمُجَادَلَةِ وَالمُخَاصَمَةِ وَالكَذِبِ وَالمُحَافَظَةَ عَلَى الأَخْلَاقِ الكَرِيمَةِ ، تُمَكِّنُكَ مِنَ الْحُصُولِ عَلَى بَيْتٍ فِي الجَنَّةِ ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ ( أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ المِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا ، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا ، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ ) ، وَقَالَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ( إِنَّ فِي الجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى بَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا ، وَظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا أَعَدَّهَا اللهُ لَمِنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَأَلَانَ الكَاَكمَ ، وَتَابَعَ الصِّيَامَ ، وَصَلَّى وَالنَّاُسُ نِيَامٌ ) وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ ( مَنْ عَادَ مَرِيضًا ، أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللهِ نَادَاهُ مُنَادٍ : أَنْ طِبْتَ ، وَطَابَ مَمْشَاكَ ، وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنْزِلًا ) وَمَنْ صَبَرَ عَلَى هَذِهِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا مِنَ المَصَائِبِ وَالمَتَاعِبِ ، وَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ ، قَالَ سُبحَانَهُ وَتَعالَى (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) (58-59 )العنكبوت
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ وَتَابَ عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ وَعَلَى سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ


الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَأْنِهِ ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: أَكْثِرُوا مِنَ الدُّعَاءِ وَصِدْقِ الرَّجَاءِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، كَاَا فَعَلَتْ امْرَأَةُ فِرْعَونَ ( إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (11)التحريم ، فَاسْتَجَابَ اللهُ تَعَالَى لَهَا ، وَبَنَى لَهَا بَيْتًا فِي الجَنَّةِ
وصَلُّوا وَسَلِّمُوا عِبَادَ اللهِ ، عَلَى خَيْرِ أَنْبِيَاءِ اللهِ ، وَصَفْوَةِ خَلْقِ اللهِ ، مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللهِ ، كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ سُبْحَانَهُ فَقَالَ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)

الشيخ/عبدالله الواكد
28-09-2018, 00:05
خطبة ابنِ لنفسك بيتًا في الجنة
الشيخ عبدالله الواكد 18/1/1440هـ
تهذيب الدكتور عبدالله البطي

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، جَعَلَ لِمَنْ أَطَاعَهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ، وَبَنَى لَهُمْ فِيهَا مَسَاكِنَ طَيِّبَةً فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ، وَأشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، بشّر زوجه خديجة ببيت من قصب لاصخب فيه ولا وصب، صَلَّى اللهُ وسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ أَجْمَعِينَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إلى يَومِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ: فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ القَائِلِ: (لَٰكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ) (20) الزمر.

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: مِنَ الأَحْلَامِ الَّتِي يَسْعَى الكَثِيرُ مِنَ النَّاسِ إِلَى تَحْقِيقِهَا فِي هَذَا الزَّمَانِ أن يمتلكوا بَيْتًا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا يُؤْوِيهِمْ وَيَسْتُرُ حَالَهُمْ، يَعِيشُونَ فِيهِ سَنَوَاتِ أَعْمَارِهِمْ الْقَصِيرَةِ، يُكَابِدُونَ المَصَاعِبَ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْمَسْكَنِ، وَيَتَحَمَّلُونَ القُرُوضَ وَالدُّيُونَ، الَّتِي يُسَدِّدُونَهَا سَنَوَاتٍ عَدِيدَةً، مِنْ أَجْلَ هَذَا البَيْتِ. هَذَا بَيْتُ الدُّنْيَا، الَّذِي يَسْكُنُهُ المَرْءُ ثُمَّ مَا يَلْبَثُ أَنْ يُغَادِرَهُ إِلَى بَيْتٍ آخَرَ، إِلَى الْمَسْكَنِ الأَخِيرِ، وَالْبَيْتِ الَّذِي يَمْكُثُ فِيهِ في الآخرة.
فيا ترى كيف سيكون مسكنُهُ في الآخرة؟! وأين سيكونُ نُزُلُهُ؟ كيف ستكون سعتُهُ وغرفاتُهُ؟ أين يكون مكانُهُ؟ وكيف سيكون نوعُهُ وحجارتُهُ وبلاطُهُ؟
أيها المسلمون: لقد وَعَدَ اللهُ المؤمنين بمساكنَ طيبةٍ في جناتِهِ، حيث قال سبحانه: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (72) التوبة، فَمَا أَحْسَنَ هَذِهِ المَسَاكِنَ وَمَا أَطْيَبَ هَذِهِ البُيُوتَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وقَالَ النبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلامُ في وصف بيوت الجنة: (بِنَاؤُهَا لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَلَبِنَةُ مِنْ ذَهَبٍ، وَمَلاَطُهَا المِسْكُ الأَذْفَرُ وَحَصْبَاؤُهَا اللؤْلُؤُ وَاليَاقُوتُ، وَتُرْبَتُها الزَّعْفَرَانُ، مَنْ يَدْخُلُهَا يَنْعُمُ وَلَا يَتْعَسُ، وَيَخْلُدُ وَلَا يَمُوتُ، لَا تَبْلَى ثِيَابُهُ، وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُ) رَواهُ أُحْمَدُ، وَصَفَها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنها: (جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهُمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا) قَالَ تَعَالَى: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ۖ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (71) الزخرف.

أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ: إِنَّ الحُصُولَ عَلَى بَيْتٍ فِي الجَنَّةِ، يَحْتَاجُ إِلَى عَمَلٍ، فَكَمَا أَنَّ النَّاسَ تَسْعَى لِامْتِلَاكِ بَيْتٍ فِي هَذِهِ الدُّنْيا الدَّنِيَّةِ، فَلَا بُدَّ أَنْ تَسْعَى لِبَيْتِ النَّعِيمِ المُقِيمِ، في جنات النعيم، حيثُ تُضَاعَفُ لَهُمْ الحَسَنَاتُ، وَتُرْفَعُ لَهُمْ الدَّرَجَاتُ (وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ) (37) سبأ.
فَيَا أَهْلَ بُيُوتِ الجَنَّةِ، أَيْنَكُمْ مِنْ عِمَارَتِهَا؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ: (إِنَّ فِي الجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى بَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا، وَظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا أَعَدَّهَا اللهُ لَمِنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَلَانَ الكَلاَمَ، وَتَابَعَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى وَالنَّاُسُ نِيَامٌ)، وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ: (مَنْ عَادَ مَرِيضًا، أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللهِ نَادَاهُ مُنَادٍ: أَنْ طِبْتَ، وَطَابَ مَمْشَاكَ، وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنْزِلًا)، وَمَنْ صَبَرَ عَلَى هَذِهِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا مِنَ المَصَائِبِ وَالمَتَاعِبِ، وَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ، قَالَ سُبحَانَهُ وَتَعالَى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (58-59) العنكبوت.

إِنَّ تَرْكَ الْمِرَاءِ وَالمُجَادَلَةِ وَالمُخَاصَمَةِ وَالكَذِبِ وَالمُحَافَظَةَ عَلَى الأَخْلَاقِ الكَرِيمَةِ، تُمَكِّنُكَ مِنَ الْحُصُولِ عَلَى بَيْتٍ فِي الجَنَّةِ ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ: (أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ المِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ).
ويَقُولُ النبيُ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلمَ (مَنْ بَنَى مَسْجِدًا للهِ، بَنَى اللهُ لَهُ فِي الجَنَّةِ مِثْلَهُ)، وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: (مَنْ بَنَى للهِ مَسْجِدًا وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ)، فَهَنِيئًا لِمَنْ عَمَرَ بُيُوتَ اللهِ وَأَقَامَهَا وَشَيَّدَهَا وَفَرَشَهَا وَأَسْرَجَهَا وَكَيَّفَهَا وَاعْتَنَى بِهَا، فَإِنَّ المَسَاجِدَ بُيُوتُ اللهِ، يُكْرِمُ اللهُ مَنْ أَكْرَمَهَا، وَيَرْفَعُ اللهُ مَنْزِلَةَ مَنْ شَيَّدَهَا وَبَنَاهَا فَيَبْنِي لَهُ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ، وَيُكْرِمُ اللهُ أيضًا مَنْ اعْتَنَى بِهَا وَبِفَرْشِهَا وَبِنَظَافَتِهَا وَطِيبِهَا، وَكذلك يَعْمُرُ اللهُ بِالإِيمَانِ قَلْبَ مَنْ عَمَرَهَا بِالعِبَادَةِ وَقِرَاءَةِ القُرْآنِ، وَكذلك مَنْ غَدَا إِلَيْهَا أوْ رَاحَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ: (مَنْ غَدَا إِلَى المَسْجِدِ، أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ فِي الجَنَّةِ نُزُلًا، كُلَّمَا غَدَا، أَوْ رَاحَ)، وَكذلك مَنْ دَاوَمَ عَلَى صَلَاةِ النَّوَافِلِ بَنَى اللهُ تَعَالَى لَهُ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلمَ: (مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي للهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشَرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلَّا بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ).

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ وَتَابَ عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ وَعَلَى سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.



الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَأْنِهِ ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً.

أما بعدُ، فيا عباد الله: اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واحذروا أسباب سخط الجبار؛ فإن أجسادكم على النار لا تقوى، واحذروا من بيوتٍ في النَّارِ توعّد اللهُ بها من عصاه واتبع هواه، يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: (لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ۚ ذَٰلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ ۚ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ) (16) الزمر.

أيها المسلمون: احرصوا أن تقدّموا مِنَ الأَعْمَالِ مَا يَجْعَلُكم مِنْ نُزَلَاءِ جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وأَكْثِرُوا مِنَ الدُّعَاءِ وَصِدْقِ الرَّجَاءِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا فَعَلَتْ امْرَأَةُ فِرْعَونَ (إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (11) التحريم، فَاسْتَجَابَ اللهُ تَعَالَى لَهَا، وَبَنَى لَهَا بَيْتًا فِي الجَنَّةِ.

وصَلُّوا وَسَلِّمُوا عِبَادَ اللهِ، عَلَى خَيْرِ أَنْبِيَاءِ اللهِ، وَصَفْوَةِ خَلْقِ اللهِ ، مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللهِ ، كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ سُبْحَانَهُ فَقَالَ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).