المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة عيد الأضحى المبارك لعام 1439 هـ



الشيخ/عبدالله الواكد
18-08-2018, 08:20
خطبة عيد الأضحى المبارك لعام 1439 هـ
كتبها / عبدالله بن فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل


تفضل الشيخ الدكتور / عبدالله البطي مشكورا
باختصار الخطبة من 1700 كلمة إلى 1200 كلمة تقريبا
تجدها بعد هذه الخطبة



الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ واللهُ أكبرُ
اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إله إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمدُ
اللهُ أكبرُ عَدَدَ مَنْ أَقْبَلَ وأدْبَرَ ، اللهُ أَكْبَرُ عَدَدَ مَنْ سَبَّحَ واسْتَغْفَرَ ، اللهُ أكْبَرُ عَدَدَ مَنْ هَلَّلَ وَكَبَّرَ ، اللهُ أكْبَرُ ، عَدَدَ مَنْ طَافَ وسَعَى ، وقصَّرَ ورَمَى ، اللهُ أكْبَرُ ، عَدَدَ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ ، وَرَمَى الجَمَرَاتَ ، اللهُ أكْبَرُ ولِلهِ الحَمْدُ ، وأشهَدُ أنْ لا إلَهَ إلاَّ اللهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً
أمَّا بَعْدُ أيُّهَا المُسْلِمُونَ : فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى حَقَّ التَّقْوَى ، فَإِنَّ التَّقْوَى هِيَ زِمَامُ الأُمُورِ، وهيَ الحِرْزُ مِنَ الوُقُوعِ فِي المَحْذُورِ ، وَهِيَ الجُنَّةُ مِنَ الفِتَنِ والمَهَالِكِ والشُّرُورِ ، قالَ تَعَالَى ( يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْعَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : أَصْلُ الدِّينِ وَأَسَاسُهُ ، شَهَادَةُ أُنْ لاَ إلهَ إلَّا اللهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، هَاتَانِ الشَّهَادَتَانِ هُمَا أَصْلُ الدِّينِ وَهُمَا أَصْلُ الإِسْلَام ، وَمَعْنَاهُمَا : تَوْحِيدُ اللهِ والإِخْلاصُ لَهُ ، وَالإِيمَانُ بِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسِّلامُ.
فَاْشْكُرُوُا الَّذِي أَظْهَرَ الضِّيَاءَ وَأَبْزَغَهُ ، فقَدْ بَلَغْتُمْ عِيدَكُمْ وغَيْرُكُمْ مَا بَلَغَهُ ،
أَيُّهَا النَّاسُ : كُلَّمَا نُسِّأَ لِلْمُسْلِمِ فِي أَجَلِهِ ، وَوُفِّقَ العَبْدُ لِصَالِحِ عَمَلِهِ ، كُلَّمَا رَبَتْ فِي صَحَائِفِهِ الْحَسَنَاتُ ، وأُزْلِفَتْ لَهُ الْجَنَّاتُ ، فَلِلَّهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ، وَبِهِ الرَّجَاءُ إِذَا اقْتَرَبَ الوَعْدُ ، فَالْحَمْدُ لِهِهِ ، فهو الجَدِيرُ بِأَنْ يُذْكَرَ وَيُحْمَدَ ، وَالشُّكْرُ لِلهِ ، فَهُوَالْحَقِيقُ بِأَنْ يُشْكَرَ ويُعْبَدَ ، فاحْمَدُوا حَمِيداً كَرِيماً ، واشْكُرُوا شَاكِراً عَلِيماً ، فَقَدْ بَلَغْتُمْ مَوْسِماً وَسِيماً ، وَيَوْماً عَظِيماً ، رَفَعَ اللهُ قَدْرَهُ ، وأعْلَى ذِكْرَهُ ، وَسَمَّاهُ يَوْمَ الحَجِّ الأكْبَرِ، جَعَلَهُ عِيدًا لِلْمُسْلِمِينَ ، حُجَّاجًا ومُقِيمِينَ ، صَعَدَ الْحَجِيجُ يَوْمَ الأمْسِ إِلَى عَرَفَةَ ، وَبَلَغُوا مِنَ الأَمْرِ شَرَفَهُ ، وَعَرَفَةُ يَوْمٌ عَظِيمٌ فِيهِ يَتَجَلَّى اللهُ لِعِبَادِهِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلَا يَتَجلَّى لِلْعِبَادِ يَومَ عَرَفَةَ وَيَدْنُو مِنْهُمْ كَمَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ وَيُبَاهِي بِهُمْ المَلَائِكَةَ وَيُعْتِقُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ مِنَ النَّارِ ، أَوْصَى النَبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي يَومِ عَرَفَةَ بِكِتَابِ اللهِ القُرْآنِ الكَرِيمِ وَقَالَ: إِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا مَا اعْتَصَمْتُمْ بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالْسَّلَامُ . وَلَمَّا غَرَبَتْ شَمْسُ عَرَفَةَ ، أَفَاضَ الناسُ إِلَى مُزْدَلِفَةَ ، وبَاتُوا بِهَا ، ثُمَّ أتَمُّوْا حَجَّهُمْ وقَضَوْ تَفَثَهُمْ ، وهَاهُمْ الآنَ فِي مِنىً لِإِكْمَالِ نُسُكِهِمْ ،
أيُّهَا المُسْلِمُونَ : بَشَّرَ اللهُ خَلِيلَهُ بِغُلَامٍ ، ، ثُمَّ قَالَ العَزِيزُ العَلَّامُ : ( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) ( فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ )) فَكَانَتْ الأَضَاحِي ، مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ ، وَسُنَّةَ رَسُولِنَا الكَرِيمِ ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ.
اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلاَّ اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمدُ
أيُّهَا الِإخْوَةُ المُسْلِمُونَ : حبَّذَا لَوْ تَنْحَرُونَ مَعَ الأَضَاحِي ، شَيْئاً هَتَكَ اللُّحْمَةَ ، وَشَتَّتَ الأُمَّةَ ، وَفَرَّقَ الكَلِمَةَ ، حَبَّذَا لَوْ تَذْبَحُونَ فِي هَذَا الْيَوْمِ ، نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ ، وَزَلاَّتِ اللسَانِ ، وَنَزَوَاتِ الجَوَارِحِ وَالأَرْكَانِ ، حَبَّذَا لَوْ تَدْحَرُونَ الشِّقَاقَ وَالنِّزَاعَ ، وَالتَّدَابُرَ وَالْقَطِيعَةَ ، وَالْبَغْضَاءَ والشَّحْنَاءَ ، وَالْهَجْرَ وَالْجَفَاءَ ، حَبَّذَا أَنْ يَكُونَ هَذَا الْعِيدُ ، نَاسِخاً لِمَا قَبْلَهُ مِنْ حُظُوظِ النَّفْسِ ، وَمَزَالِقِ الْهَوَى ، الدِّينُ أيُّهَا المُسْلِمُونَ : ألَّفَ بَيْنَ الأَعْدَاءِ ، فَأَصْبَحُوا بِنِعْمَةِ اللهِ أَحِبَّةً وأَشِقَّاءَ ، ( وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (
قَلَّمَا تَجِدُ قُلُوباً مُتَنَاحِرَةً ، وَنُفُوساً مُتَهَاجِرَةً ، إِلاَّ وَلِأَهْوَائِهَا عَلَى شَرْعِ اللهِ نَيْفٌ ، وَلِأَنْفُسِهَا فِي دِينِ اللهِ حَيْفٌ ، فِإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ ، وَدِينُكُمْ وَاحِدٌ ، وَشَرِيعَةُ رَبِّكُمْ وَاحِدَةٌ ، لَوْ انْجَفَلَ النَّاسُ لِدِينِهِمْ ، وَأَذَلُّوُا أَنَفَةَ نُفُوسِهِمْ لِقُرْآنِهِ ، وَاحْتَكَمُوا فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ، لِحُكْمِهِ وَفُرْقَانِهِ ، فَلَنْ تَرَى ، تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ وفَوْقَ الثَّرَى ، مِثْلَ تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ
اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحَمدُ
الإِسْلاَمُ ياَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ ، بِنَاءٌ شَامِلٌ شَامِخٌ عَظِيمٌ ، قَائِمٌ عَلَى شُؤُونِ الأَفْرَادِ وَالمُجْتَمِعَاتِ ، الإِسْلاَمُ دِينُ رَحْمَةٍ وَرِفْقٍ وَتَسَامُحٍ ، وَمَحَبَّةٍ وَإِخَاءٍ وَتَصَالُحٍ ، الإِسْلاَمُ بَرَاءٌ مِنَ القَتْلِ وَالتَّفْجِيرٍ وَالغَدْرٍ وَالتَّرْوِيعٍ ، وَأَهْلُ الإِسْلاَمِ مِنْ ذَلِكَ بُرَءَاءُ ، وَكَيْفَ يَكُونُ كَذَلِكَ ! وَهُوَ الَّذِي جَاءَ لِعِصْمَةِ الأَنْفُسِ ، وَحِفْظِ الأَمْوَالِ والأَعْرَاضِ ، كَيْفَ دَخَلَتْ هَذِهِ الأُمَمُ ، مَشَارِقَ الأَرْضِ ومغارِبَهَا دِينَ الْإِسْلاَمِ ، هَلْ دَخَلُوهُ بِالقَسْوَةِ وَالْغِلْظَةِ ؟ أمْ بِالقَتْلِ والتَّفْجِيرِ ؟ كَلَّا ، (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ) لَمْ يَنْتَشِرْ الإِسْلاَمُ بِضَلاَلِ هَؤُلاَءِ الأَغْرَارِ المُغَرَّرِ بِهِمْ ، مُسْتَحِلِّي الدِّمَاءِ المُؤْمِنَةِ ، تِلْكَ الأُمَمُ التِي دَخَلَتْ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجاً ، رَأَوْ سَمَاحَةَ الإِسْلاَمِ وصِدْقِهِ وَعَدْلِهِ وَوَفَائِهِ ، فَدَخَلُوهُ وَصَارُوا دُعَاةً لِلإِسْلاَمِ فِي بُلْدَانِهِمْ ، فَلْنُحَافِظْ عَلَى صُورَةِ الإِسْلاَمِ النَّاصِعَةِ ، وَلاَ نَطْمِسْ تِلْكَ المَآثِرَ الْمُشْرِقَةَ ، وَالأَغْصَانَ المُورِقَةَ ، بِسُوءِ فَهْمِنَا لِمَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ الْغَرَّاءِ ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحَمدُ
أيُّهَا المُسْلِمُونَ : لِتَكُنْ تَهَانِيكُمْ بِهَذَا الْعِيدِ كَنَفاً كَرِيماً ، وَقَلْباً رَحِيماً ، فَأَنْتُمْ فِي مُجْتَمَعٍ فِيهِ الْأَيْتَامُ وَالْضُعَفَاءُ ، وَالْمَسَاكِينُ وَالْفُقَرَاءُ ، وَالْمَرْضَى وَالْمُعَاقُونَ ، وَالْأَرَامِلُ ، وَالْمُغْتَرِبُونَ وَالْسُجَنَاءُ ، فَكُونُوا لِهَؤُلَاءِ أَنْهَاراً جَارِيَةً وَقُلُوباً حَانِيَةً، وَاعْلَمُوا أَنَّ لِبَاسَ الْعِيدِ الَّذِي تَلْبَسُونَ ، إنَّما هُوَ زِينَةٌ لِلْأَبْدَانِ ، ( وَلِبَاسُ التَّقْوى ذَلِكَ خَيْرٌ )
يَوْمُكُمْ هَذَا هُوَ يَوْمُ تَقْبِيلِ رُؤُوسِ الْكِبَارِ ، وَالْحُنُوِّ عَلَى الْصِّغَارِ ، هُوَ يَوْمُ الدُّعَاءِ لِلْمَوْتَى بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ ، وَلِلْمَرْضَى بِالشِّفَاءِ وَالعَافِيَةِ ، وَلِلْأَسْرَى وَالمَسْجُونِينَ ، بِالفَكَاكِ والفَرَجِ ، ولِلْغَائِبِينَ بِالعَوْدَةِ سَالِمِينَ ، وَلِأُمَّةِ الإِسْلَامِ بِالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ ، وَالثَّبَاتِ عَلَى عَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ ، العِيدُ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : عِيدُ صِلَةِ الْأَرْحَامِ ، وَنَبْذِ الْخُصُومَةِ وَالشَّحْنَاءِ ، وَتَرْكِ الْحَسَدِ وَالْحِقْدِ وَالبَغْضَاءِ ، وَالتَّخَلُّصِ مِنَ الكَذِبِ وَالْغِشِّ وَالْخِيَانَةِ ، وَالْبُعْدِ عَنْ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ ، المُسْلِمُ يَاعِبَادَ اللهِ ، إِنْمُوذَجاً لأَحَاسِنِ السُّلُوكِ ، وَمَكَارِمِ الأَخْلَاقِ اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحَمدُ
أيُّهَا المُسْلِمُونَ ، اللهَ اللهَ بِالصَّلَاةِ وبَاقِي العِبَادَاتِ ، وَاحْفَظُوا لِلْعُلَمَاءِ قَدْرَهُمْ ، وَأَطِيعُوا وُلَاةَ أَمْرِكُمْ ، وَكُونُوا يَداً وَاحِدَةً ، وَصَفاًّ وَاحِداً ، فَمَا دُمتُمْ كَذَلِكَ فَلَنْ يَنَالَ عَدُوٌّ مِنْكُمْ نَيْلاً ، فَكَمَا تَرَوْنَ المُسْلِمِينَ الْيَوْمَ ، عَنْ أَيْمَانِكُمْ وَشَمَائِلُكُمْ ، تَمُوجُ بِهِمُ الْفِتَنُ، وَتُحِيطُ بِهِمُ المَصَائِبُ وَالْمِحَنُ ، يَسْعَى الأَعْدَاءُ لِتَفْرِيقِ صُفُوفِهِمْ ، وَيَبْذُلُونَ كُلَّ جُهْدٍ وَطَاقَةٍ ، لِبَذْرِ أَسْبَابِ العَدَاءِ بَيْنَهُمْ ، وَبَثِّ رُوحِ التَّبَاغُضِ فِي المُجْتَمَعَاتِ ، فَاحْذَرُوا أَيُّهَا الشَّبَابُ مِنْ دُعَاةِ الفُرْقَةِ ، فَإِنَّ هُنَالِكَ مِمَّنْ يَنْتَسِبُونَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ ، وَهُمْ يَنْخُرُونَ فِي جَسَدِهَا ، وَيَفُتُّونَ فِي عَضُدِهَا ، فَاحْذَرُوهُمْ وَاحْذَرُوا أَبْوَاقَهُمْ وَقَنَوَاتِهِمْ ، وَاحْذَرُوا الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، إِحْذَرُوا التَّسْوِيغَ لَهاَ ، وَالتَّهْوِينَ مِنْ شَأْنِهَا ، فَأَنْتُمْ بِفَضْلِ اللهِ فِي بِلَادٍ آمِنَةٍ مُطْمَئِنَّةٍ ، والحُسَّادُ وَالْمُبْغِضُونَ ، يَتَجَلْبَبُونَ رِدَاءَ الشَّفَقَةِ عَلَيْكُمْ ، وَالوُقُوفِ مَعَكُمْ ، وَهُمْ واللهِ كَاذِبُونَ ، فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ الْعِبَارَاتُ المُنَمَّقَةُ ، وَالمَشَاعِرُ المُلَفَّقَةُ ، فَفِي الْإِنْتَرْنِتْ ، وَوَسَائِلِ التَّوَاصُلِ ، جُنُودٌ مُجَنَّدةٌ ، تَعَاضَدُوا لِسَرْدِ لُحْمَتِكُمْ ، وَشَقِّ صَفِّكُمْ ، وَتَمْزِيقِ وُحْدَتِكُمْ ، فَاحْذَرُوهُمْ ، وَالْزَمُوا الْعَقِيدَةَ الصَّافِيَةَ ، كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَعَلَيْكُمْ بِمَنْهَجِ الوَسَطِيَّةِ فِي الدِّينِ ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوُّ وَالتَّطَرُّفُ ، فَإِنَّ الفَضِيلَةَ وَسَطٌ بَيْنَ رَذِيلَتَيْنِ ، تَرَاحَمُوا وَتَلَاحَمُوا وتَسَامَحُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا ، إِحْذَرُوا الرِّبَا ، وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا، وَاجْتَنِبُوا المُسْكِرَاتِ وَالمُخَدِّرَاتِ، فَإِنَّهَا مِنَ الكَبَائِرِ ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ( مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحًا مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوٰةً طَيّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ )
وَأسْأَلُ اللهَ أَنْ يُبَارِكَ لِي ولَكُمْ فِي الْقُرْآنِ، وَيَنْفَعُنَا بِالآيَاتِ وَالْهُدَى وَالْبَيَانِ ، وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ وَتُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ .





الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ واللهُ أكبرُ.
اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحَمْدُ ، الحَمْدُ لِلهِ مُعِيدِ الأَعْيَادِ ، المُنَزَّهِ عَنِ الشُّرَكَاءِ وَالأنْدَادِ ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
عِبَادَ اللهِ : مِنْ أَعْظَمِ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ الْعِبَادُ إِلَى اللهِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الأَضَاحِي ( لَنْ يَنَالَ اهََ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ ) يَقُولُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((أَيَّامُ الْعِيدِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلهِ تَعَالى)) وَتُجْزِئُ الْضَّأْنُ وَالْمَعِزُعَنْ مُضَحٍّ وَاحِدٍ، وَالبَدَنةُ وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةِ أَشْخَاص ٍ.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : وَالذَّبْحُ يَبْدَأُ مِنْ بَعْدِ الفَرَاغِ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ وَيَنْتَهِي بِغُرُوبِ شِمْسِ اليَوْمِ الرَّابِعِ مِنْ أَيَّامِ العِيدِ ، فَمَنْ كَانَ يُحْسِنُ الذَّبْحَ فَلْيَذْبَحْ إِضْحِيتَهُ بِنَفْسِهِ، وَمَنْ لَا يُحْسِنُهُ فَلْيُوَكِّلْ غَيْرَهُ ، وَارْفُقُوا بِالْبَهَائِمِ ، وَلْيُرِحْ أَحَدُكُمْ ذَبِيحَتَهُ، وَلْيُحِدْ شَفْرَتَهُ، فِإِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى فِي ذَبْحِ الْبَهِيمَةِ، ثُمَّ لِيُسَمِّ أَحَدُكُمْ عِنْدَ ذَبْحِهَا وَيَقُولُ: بِسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ هَذَا مِنْكَ وَلَكَ، اللهُمَّ هَذِهِ عَنْ فُلَانٍ أَو فُلَانَةَ، وَيُسَمِّي صَاحِبَهَا ويُلحِقُ بِهِ مَنْ شَاءَ صَاحِبُهَا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ الْأَحْيَاءَ وَالمَيِّتِينَ ، وَكُلُوا مِنْهَا وَأَهْدُوا وَتَصَدَّقُوا قالَ تَعَالى ( فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَـٰانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ) وَلَا يُعْطَي الْجَزَّارُ أُجْرَتَهُ مِنْهَا.
اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحَمْدُ. يَا نِسَاءَ المُسْلِمِينَ : أيتُها الأخَوَاتُ المُسْلِمَاتُ المُؤْمِنَاتُ : أَنْتُنَّ أَشْرَفُ نِسَاءِ هَذَا الزَّمَانِ ، اللهُ رَفَعَكُنَّ وَشَرَّفَكُنَّ، وَأَعْلَى قَدْرَكُنَّ وَمَكَانَتَكُنَّ، وَحَفِظَ حُقُوقَكُنَّ، فَاشْكُرْنَ النِّعْمَةَ، وَاذْكُرْنَ المِنَّةَ، الحِجَابُ وَالْجِلْبَابُ مَا فُرِضَ إلاّ حِمَايَةً لِأَعْرَاضِكُنَّ وَصِيَانَةً لِنُفُوسِكُنَّ وَطَهَارَةً لِقُلُوبِكُنَّ، وَعِصْمَةً لَكُنَّ مِنْ دَوَاعِي الفِتْنَةِ ، فَعَلَيْكُنَّ بِالْحِشْمَةِ ، وَاغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِكُنَّ وَاحْفَظْنَ فُرُوجَكُنَّ، ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ) وَاحْذَرْنَ هَذَا الزَّمَانَ ، فِإنَّ حَبَائِلَ الشَّيْطَانِ فِيهِ مُشْرَعَةٌ ، فَأَنْتُنَّ مِنْ أُسَرٍ كَرِيمَةٍ ، وَمِنْ حَمَائِلَ فَاضِلَةٍ ، وَمِنْ قَبَائِلَ عَرِيقَةٍ ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْكُنَّ ، كَثْرَةُ مَنْ يَنْخُرُ فِي شَأْنِ الْمَرْأَةِ ، وَيَدْعُوا لِتَحْرِيرِهَا وَكَأَنَّهَا مُغْتَصَبَةٌ وَهيَ حُرَّةٌ فِي حِرْزِ اللهِ المكينِ ، وَفِي حِصْنِهِ الْحَصِينِ ، فَكَفَاكُنَّ اللهُ شَرَّ كُلِّ ذِي شَرٍّ ، فَحَافِظِي عَلَى دِينِ اللهِ وَالْتَزِمِي بِشَرْعِ اللهِ أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَكِ وَيَرْعَاكِ وَيَسْتُرَكِ يَا أَمَةَ اللهِ
اللهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ وَالمُسلمِينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالمُشْرِكينَ اللهُمَّ آمِنَّا فِي أوطَانِنَا وَأَصْلِحْ أئِمَتَنَا وَوُلاةَ أمُورِنَا ، وانْصُرْ جُنْدَنَا ، وَاحْفَظْ حُجَّاجَ بَيْتِكَ الحَرَامَ ، وَأَصْلِحْ أَحْوَالَ المُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ ، اللهُمَّ اجْعَلْ عِيدَنَا عيدَ أمنٍ في الأوطانٍ وصِحَّةٍ فِي الأبْدَانِ وحِفْظٍ للأهلِ والولدانِ سبحانَ ربِّكَ ربِّ العزةِ عما يصفونَ، وسلامٌ على المرسلينَ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلى اللهُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعينَ، والتابعينَ ومن تبعهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

الشيخ/عبدالله الواكد
20-08-2018, 16:54
خُطبَةُ عِيدِ الأَضْحَى المُبَارَكِ
للشيخ عبدالله بن فهد الواكد 1439 ه
( إختصار الشيخ الدكتور عبدالله البطي )

الحمدُ للهِ واللهُ أكبرُ .
اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إله إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمدُ.
اللهُ أكبرُ عَدَدَ مَنْ سَبَّحَ واسْتَغْفَرَ ، اللهُ أكْبَرُ عَدَدَ مَنْ هَلَّلَ وَكَبَّرَ ، اللهُ أكْبَرُ عَدَدَ مَنْ طَافَ وسَعَى ، وحَلَقَ أوْ قصَّرَ ، اللهُ أكْبَرُ ولِلهِ الحَمْدُ، وأشهَدُ أنْ لا إلَهَ إلاَّ اللهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وصحبه وسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً.

أمَّا بَعْدُ أيُّهَا المُسْلِمُونَ : فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى حَقَّ التَّقْوَى، (يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الأنفال: 29). ثُمَّ اعْلَمُوا أَنَّ أَصْلَ الدِّينِ وَأَسَاسَهُ ، شَهَادَةُ أُنْ لاَ إلهَ إلَّا اللهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، هَاتَانِ الشَّهَادَتَانِ هُمَا أَصْلُ الإِسْلَام ، وَمَعْنَاهُمَا: تَوْحِيدُ اللهِ والإِخْلاصُ لَهُ ، وَالإِيمَانُ بِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسِّلامُ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: احْمَدُوا الله واشْكُرُوه، فَقَدْ بَلَغْتُمْ مَوْسِماً عَظِيماً، رَفَعَ اللهُ قَدْرَهُ ، وأعْلَى ذِكْرَهُ ، وَسَمَّاهُ يَوْمَ الحَجِّ الأكْبَرِ، وجَعَلَهُ عِيدًا لِلْمُسْلِمِينَ، حُجَّاجًا ومُقِيمِينَ.

اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحَمدُ.

أيُّهَا المُسْلِمُونَ: لَقَدْ بَشَّرَ اللهُ خَلِيلَهُ إبراهيمَ بِغُلَامٍ، (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)، فَكَانَتْ الأَضَاحِي ، مِلَّةَ أبيكِم إِبْرَاهِيمَ ، وَسُنَّةَ رَسُولِكم الكَرِيمِ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ.

اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلاَّ اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحمدُ.

أيُّهَا الِإخْوَةُ المُسْلِمُونَ: حبَّذَا لَوْ تَنْحَرُونَ مَعَ الأَضَاحِي، نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ ، وَزَلاَّتِ اللسَانِ ، وَنَزَوَاتِ الجَوَارِحِ وَالأَرْكَانِ ، حَبَّذَا لَوْ تَدْحَرُونَ الشِّقَاقَ وَالنِّزَاعَ ، وَالتَّدَابُرَ وَالْقَطِيعَةَ ، وَالْبَغْضَاءَ والشَّحْنَاءَ ، وَالْهَجْرَ وَالْجَفَاءَ ، حَبَّذَا أَنْ يَكُونَ هَذَا الْعِيدُ ، نَاسِخاً لِمَا قَبْلَهُ مِنْ حُظُوظِ النَّفْسِ ، وَمَزَالِقِ الْهَوَى.
الدِّينُ أيُّهَا المُسْلِمُونَ: ألَّفَ بَيْنَ الأَعْدَاءِ ، فَأَصْبَحُوا بِنِعْمَةِ اللهِ أَحِبَّةً وأَشِقَّاءَ، واللهُ تَعَالى يَقُولُ: (واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).
فِإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ ، وَدِينُكُمْ وَاحِدٌ ، وَشَرِيعَةُ رَبِّكُمْ وَاحِدَةٌ. لَوْ أَقْبَلَ النَّاسُ على دِينِهِمْ، وَاحْتَكَمُوا فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ، لِحُكْمِ رَبِّهِمْ، فَلَنْ تَرَى ، فِي العَالَمِ مِثْلَ تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ.

اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحَمدُ.

أيُّهَا المُسْلِمُونَ: لِتَكُنْ تَهَانِيكُمْ بِهَذَا الْعِيدِ بِقُلُوبٍ رَحِيمَةٍ، فَأَنْتُمْ فِي مُجْتَمَعٍ فِيهِ الْأَيْتَامُ وَالْضُعَفَاءُ ، وَالْمَسَاكِينُ وَالْفُقَرَاءُ ، وَالْمَرْضَى وَالْمُعَاقُونَ ، والمُطَلَّقَاتُ وَالْأَرَامِلُ ، وَالْمُغْتَرِبُونَ وَالْسُجَنَاءُ ، فَكُونُوا لِهَؤُلَاءِ أَنْهَاراً جَارِيَةً وَقُلُوباً حَانِيَةً، وَاعْلَمُوا أَنَّ لِبَاسَ الْعِيدِ الَّذِي تَلْبَسُونَ ، إنَّما هُوَ زِينَةٌ لِلْأَبْدَانِ، (وَلِبَاسُ التَّقْوى ذَلِكَ خَيْرٌ).
يَوْمُكُمْ هَذَا هُوَ يَوْمُ تَقْبِيلِ رُؤُوسِ الْكِبَارِ ، وَالْحُنُوِّ عَلَى الْصِّغَارِ ، هُوَ يَوْمُ الدُّعَاءِ لِلْمَوْتَى بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ ، وَلِلْمَرْضَى بِالشِّفَاءِ وَالعَافِيَةِ، وَلِلْأَسْرَى وَالمَسْجُونِينَ بِالفَكَاكِ والفَرَجِ ، ولِلْغَائِبِينَ بِالعَوْدَةِ سَالِمِينَ ، وَلِأُمَّةِ الإِسْلَامِ بِالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ ، وَالثَّبَاتِ عَلَى عَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ.
العِيدُ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : عِيدُ صِلَةِ الْأَرْحَامِ ، وَنَبْذِ الْخُصُومَةِ وَالشَّحْنَاءِ ، وَتَرْكِ الْحَسَدِ وَالْحِقْدِ وَالبَغْضَاءِ ، وَالتَّخَلُّصِ مِنَ الكَذِبِ وَالْغِشِّ وَالْخِيَانَةِ ، وَالْبُعْدِ عَنْ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ. المُسْلِمُ يَاعِبَادَ اللهِ ، أنْمُوذَجٌ لمحَاسِنِ السُّلُوكِ، وَمَكَارِمِ الأَخْلَاقِ.

اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحَمدُ.

أيُّهَا المُسْلِمُونَ: اللهَ اللهَ في الصَّلَاةِ وبَاقِي العِبَادَاتِ ، وَاحْفَظُوا لِلْعُلَمَاءِ قَدْرَهُمْ ، وَأَطِيعُوا وُلَاةَ أَمْرِكُمْ ، وَكُونُوا يَداً وَاحِدَةً ، وَصَفاًّ وَاحِداً، فَمَا دُمتُمْ كَذَلِكَ فَلَنْ يَنَالَ عَدُوٌّ مِنْكُمْ نَيْلاً ، فَكَمَا تَرَوْنَ المُسْلِمِينَ الْيَوْمَ ، عَنْ أَيْمَانِكُمْ وَشَمَائِلُكُمْ ، تَمُوجُ بِهِمُ الْفِتَنُ، وَتُحِيطُ بِهِمُ المَصَائِبُ وَالْمِحَنُ ، يَسْعَى الأَعْدَاءُ لِتَفْرِيقِ صُفُوفِهِمْ ، وَيَبْذُلُونَ كُلَّ جُهْدٍ وَطَاقَةٍ ، لِبَذْرِ أَسْبَابِ التَّبَاغُضِ والعَدَاءِ بَيْنَهُمْ، فَاحْذَرُوا أَيُّهَا الشَّبَابُ مِنْ دُعَاةِ الفُرْقَةِ ، فَإِنَّ هُنَالِكَ مَنْ يَنْخُرُونَ فِي جَسَدِ الأُمَّةِ، وَيَفُتُّونَ فِي عَضُدِهَا ، فَاحْذَرُوهُمْ؛ فَأَنْتُمْ بِفَضْلِ اللهِ فِي بِلَادٍ آمِنَةٍ مُطْمَئِنَّةٍ ، والحُسَّادُ وَالْمُبْغِضُونَ ، يَتَظَاهَرُونَ بالشَّفَقَةِ عَلَيْكُمْ ، وَالوُقُوفِ مَعَكُمْ ، وَهُمْ كَاذِبُونَ، فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ الْعِبَارَاتُ المُنَمَّقَةُ ، وَالمَشَاعِرُ المُلَفَّقَةُ ، فَفِي الْإِنْتَرْنِتْ ، وَوَسَائِلِ التَّوَاصُلِ ، جُنُودٌ مُجَنَّدةٌ ، تَعَاضَدُوا لِهدمِ لُحْمَتِكُمْ ، وَشَقِّ صَفِّكُمْ ، وَتَمْزِيقِ وُحْدَتِكُمْ ، فَاحْذَرُوهُمْ ، وَالْزَمُوا الْعَقِيدَةَ الصَّافِيَةَ ، كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَعَلَيْكُمْ بِمَنْهَجِ الوَسَطِيَّةِ فِي الدِّينِ (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ وَالتَّطَرُّفَ، فَإِنَّ الفَضِيلَةَ وَسَطٌ بَيْنَ رَذِيلَتَيْنِ ، تَرَاحَمُوا وَتَلَاحَمُوا وتَسَامَحُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا. اِحْذَرُوا الرِّبَا ، وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا، وَاجْتَنِبُوا المُسْكِرَاتِ وَالمُخَدِّرَاتِ، فَإِنَّهَا مِنَ الكَبَائِرِ، وبَادِرُوا إِلَى التَّوْبَةِ مِنْ جَمِيعِ الذُّنُوبِ، وأَقْبِلُوا عَلَى اللهِ واحْفَظُوا حُدُودَهُ يَحْفَظْكُمْ.

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحًا مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوٰةً طَيّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ).

باركَ اللهُ لِي ولَكُمْ فِي الْقُرْآنِ، وَنْفَعُنَا بِالآيَاتِ وَالْهُدَى وَالْبَيَانِ ، وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ وَتُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ .


الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ واللهُ أكبرُ.
اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحَمْدُ.
الحَمْدُ لِلهِ مُعِيدِ الأَعْيَادِ ، المُنَزَّهِ عَنِ الشُّرَكَاءِ وَالأنْدَادِ ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

عِبَادَ اللهِ : مِنْ أَعْظَمِ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ الْعِبَادُ إِلَى اللهِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الأَضَاحِي، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: (لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ)، ويَقُولُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيَّامُ الْعِيدِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلهِ تَعَالى). وَتُجْزِئُ الْضَّأْنُ وَالْمَعِزُ عَنْ مُضَحٍّ وَاحِدٍ، وَالبَدَنةُ وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةِ أَشْخَاص .

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: يبدأُ الذَّبْحُ مِنْ بَعْدِ الفَرَاغِ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ وَيَنْتَهِي بِغُرُوبِ شِمْسِ اليَوْمِ الرَّابِعِ مِنْ أَيَّامِ العِيدِ ، فَمَنْ كَانَ يُحْسِنُ الذَّبْحَ فَلْيَذْبَحْ أُضْحِيتَهُ بِنَفْسِهِ، وَمَنْ لَا يُحْسِنْهُ فَلْيُوَكِّلْ غَيْرَهُ، وَارْفُقُوا بِالْبَهَائِمِ ، وَلْيُرِحْ أَحَدُكُمْ ذَبِيحَتَهُ، وَلْيُحِدَّ شَفْرَتَهُ، فِإِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى فِي ذَبْحِ الْبَهِيمَةِ، ثُمَّ لِيُسَمِّ أَحَدُكُمْ عِنْدَ ذَبْحِهَا وَليَقُلْ: بِسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ هَذَا مِنْكَ وَلَكَ، اللهُمَّ هَذِهِ عَنْ فُلَانٍ أَو فُلَانَةَ، وَيُسَمِّي صَاحِبَهَا ويُلحِقُ بِهِ مَنْ شَاءَ صَاحِبُهَا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ الْأَحْيَاء وَالمَيِّتِينَ ، وَكُلُوا مِنْهَا وَأَهْدُوا وَتَصَدَّقُوا، قالَ اللهُ تَعَالى: (فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَـٰانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ)، وَلَا يُعْطَى الْجَزَّارُ أُجْرَتَهُ مِنْهَا.

اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، وللهِ الحَمْدُ.

يَا نِسَاءَ المُسْلِمِينَ، أيتُها الأخَوَاتُ المُسْلِمَاتُ: لَقَدْ رَفَعَكُنَّ اللهُ وَشَرَّفَكُنَّ، وَأَعْلَى قَدْرَكُنَّ وَمَكَانَتَكُنَّ، وَحَفِظَ حُقُوقَكُنَّ، فَاشْكُرْنَ النِّعْمَةَ، وَاذْكُرْنَ المِنَّةَ، الحِجَابُ وَالْجِلْبَابُ مَا فُرِضَ إلاّ حِمَايَةً لِأَعْرَاضِكُنَّ وَصِيَانَةً لِنُفُوسِكُنَّ وَطَهَارَةً لِقُلُوبِكُنَّ، وَعِصْمَةً لَكُنَّ مِنْ دَوَاعِي الفِتْنَةِ؛ فَعَلَيْكُنَّ بِالْحِشْمَةِ ، وَاغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِكُنَّ وَاحْفَظْنَ فُرُوجَكُنَّ، (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى)، وَاحْذَرْنَ في هَذَا الزَّمَانِ ، فِإنَّ حَبَائِلَ الشَّيْطَانِ فِيهِ مُشْرَعَةٌ ، فَأَنْتُنَّ مِنْ أُسَرٍ كَرِيمَةٍ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْكُنَّ ، كَثْرَةُ مَنْ يَدْعُو إلى تَحْرِيرِ المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ وَكَأَنَّهَا مُغْتَصَبَةٌ وَهيَ حُرَّةٌ فِي حِرْزِ اللهِ المكينِ، وَفِي حِصْنِهِ الْحَصِينِ ، فَكَفَاكُنَّ اللهُ شَرَّ كُلِّ ذِي شَرٍّ ، فَحَافِظِي عَلَى دِينِ اللهِ وَالْتَزِمِي بِشَرْعِ اللهِ أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَكِ وَيَرْعَاكِ وَيَسْتُرَكِ يَا أَمَةَ اللهِ.

اللهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ وَالمُسلمِينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالمُشْرِكينَ اللهُمَّ آمِنَّا فِي أوطَانِنَا وَأَصْلِحْ أئِمَتَنَا وَوُلاةَ أمُورِنَا ، وانْصُرْ جُنْدَنَا ، وَاحْفَظْ حُجَّاجَ بَيْتِكَ الحَرَامَ ، وَأَصْلِحْ أَحْوَالَ المُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ ، اللهُمَّ اجْعَلْ عِيدَنَا عيدَ أمنٍ في الأوطانٍ وصِحَّةٍ فِي الأبْدَانِ وحِفْظٍ لِلأَهْلِ والوِلْدَانِ.
سُبْحَانَ ربِّكَ ربِّ العزةِ عما يصفونَ، وسلامٌ على المرسلينَ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلى اللهُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعينَ.