الشيخ/عبدالله الواكد
01-08-2018, 03:10
خطبة جمعة
بعنوان
النيابة في الحج
كتبها / عبدالله فهد الواكد
جامع الواكد بحائل
الخطبة الأولى
الحَمْدُ للهِ مامتدتْ لمسألتِهِ أكفُّ السائلينَ ، وخرَّتْ لعبادتِهِ جباهُ العابدينَ ، وطمَحَتْ لكرمِهِ أبصارُ الآملينَ ، وتلهَّفَتْ لعفوِهِ قلوبُ المذنبينَ ، فطُوبى لمنْ عبدَ ، وويلٌ لمن جحدَ ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَه ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ ، اللهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى محمدٍ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وأَصْحابِهِ الغُرِّ المَيامِينِ، والتَّابعينَ لَهُمْ بإحسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أمَّا بعدُ: فأوصيكُمْ ونفْسِي بتقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ القائل ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) عبادَ اللهِ : إنَّ الحَجَّ مِنْ أَفضَلِ العباداتِ التي شرَعَهَا اللهُ عزَّ وجلَّ ، وهوَ الركنُ الخامسُ مِنْ أركانِ الإسلامِ ، فرضَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ على عِبادِهِ ، ولكنَّهُ سُبحانَهُ وتعالى جَعَلهُ مقروناً بالإستطاعةِ ، قالَ تعالى ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) وفي الصحيحينِ مِنْ حَديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضيَ اللهُ عنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ قَالَ : « العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا ، وَالحَجُّ الـمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ » وفي الصحيحينِ مِنْ حَديثِ أبي هُريرةَ رضيَ اللهُ عَنْهُ قالَ : سَمِعْتُ رسُولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ يَقولُ : « منْ حجَّ فَلَم يرْفُثْ، وَلَم يفْسُقْ، رجَع كَيَومِ ولَدتْهُ أُمُّهُ »
إنَّ الحَجَّ عبادَ اللهِ : عبادةٌ بدنيةٌ ، يُطلبُ مِنَ العبدِ فعلُها بنفسِهِ ، إنِ استطاعَ ذلكَ ، وإنْ لمْ يَستطعْ ، فقدْ جاءَت السُنةُ بجوازِ الإستنابةِ فيهِ ، وذلكَ في الفريضةِ ، وفي حالِ اليأسِ مِن فِعلِها ، وذلكَ لِما وردَ في البُخاريِّ ، مِن حديثِ بنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهُما ، أنَّ امرأةً قالتْ يارسولَ اللهِ ، إنَّ فريضةَ اللهِ على عبادِهِ الحَجَّ ، أدْرَكَتْ أبي شيخاً كبيراً ، لا يثبُتُ على الرَّاحِلةِ ، أفأحُجُّ عنهُ ؟ قالَ : « نعَم » وذلكَ في حَجَّةِ الوداعِ ، وروى النسائيُّ مِنْ حديثِ بنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهُمَا ، أنَّ امرأةً قالتْ يارسولَ اللهِ ، إنَّ أمي نذرَتْ أنْ تَحُجَّ ، ولم تَحُجْ حتى ماتَتْ ، أفأحُجُّ عنها ؟ قالَ : « نعم » ، قالَ : « اقضُوا حقَّ اللهِ ، فاللهُ أحقُّ بالوفاءِ » ولا فرقَ بينَ ما كانَ أصلاً في الشريعةِ ، وما أوجَبَهُ الإنسانُ على نَفسِهِ ، بنذرٍ أو نحوِهِ ، وهذانِ الحديثانِ يَدُورَانِ حولَ حَجَّةِ الفريضةِ ، وحَجَّةِ النذرِ وهوَ ما أوجَبَهُ العبدُ على نَفسِهِ بنذرِهِ ،
وهُناَ يَجِبُ الإنتباهُ أيُّهاَ المسلمونَ ، أنَّهُ لا بَأسَ بالإنابةِ في الحَجِّ ، في حَجَّةِ الفريضةِ وحَجَّةِ النذرِ فقط وأماَّ حَجُّ التَطَوُّعِ ، وهوَ الزائدُ عنِ الفريضةِ ، فلا ينبغي الإنابةُ فيهِ ، فجديرٌ بمنْ كانَ قادراً على الحَجِّ بِنَفسِهِ ، أنْ يَحُجَّ ، ولا يَصِحُّ لهُ أنْ يُوكِّلَ مَنْ يَحُجُّ عَنهُ ، لأنَّ شرطَ الإستطاعةِ ، مُتحقِّقٌ عندَهُ ، وقدْ منعَ الإمامُ أحمدُ رحمَهُ اللهُ ، في إحدى روايتينِ عنهُ ، مِنْ تَوْكيلِ القادرِ شخصاً آخرَ يَحُجُّ عَنهُ تطوُّعاً ، ولا يَصْلُحُ التسَاهُلُ في ذلكَ أيُّها المسلمونَ ، فإمَّا أنْ يَحُجَّ تَطوُّعاً بنفسِهِ ، أو يبذلُ المالَ الذي يُريدُ الحَجَّ بِهِ لِمَنْ لم يَحُجْ ، أعْطِ هذا المالَ لأخِيكَ المسلمِ الذي لمْ يَحُجْ فيكونُ لكَ مثلُ مالَهُ مِنَ الأجرِ والثوابِ ، دونَ أنْ يَنقُصَ ذلكَ مِنْ أجرهِ شيئاً ،
وكَمَا ترونَ الناسَ أيُّها الأحِبَّةُ : مِنْهُمْ ، مَنْ هُوَ كثيرُ المالِ صَحيحُ البَدَنِ ، وبَلغَ بِهِ الكِبَرُ مَبْلَغاً ، ومَعَ ذلكَ لمْ يَحُجْ حَجَّةَ الفريضةِ ، وقدْ رَوَى الإمامُ أحمدُ عنِ ابنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهُمَا قالَ : قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ : « تعجلوا الحَجَّ – يعني الفريضةَ – فإنَّ أحدَكُم لا يَدرِي مَا يَعْرِضُ لهُ » ، ومِنَ الناسِ مَنْ يَحُجُّ كلَّ سَنَةٍ ، ولمْ يَحْسِبْ للإزدِحَامِ ومشقةِ الناسِ ، وضِيقِ المَشَاعِرِ أيَّ حِسابٍ ، ونَحْنُ لا نَقولُ في حَجِّهِ شَيْئاً ، لأنَّ الحَجَّ مِنْ أفضَلِ الأعمَالِ ، ولكنَّ الإحتسابَ في التوسيعِ على المسلمينَ ، فطالماَ أنَّهُ حَجَّ حَجَّةَ الفريضةِ ، وحَجَّ تَطَوُّعاً مرةً أو مرتينِ ، وهنا يكونُ تَوسِيعُهُ على المسلمينَ مِنْ ناحيتينِ ،
الأولى : أنَّهُ أفسحَ المكانَ لغيرِهِ قالَ تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ) فإنْ كانَ هذا في حَقِّ آدابِ المجالسِ ، فمِنْ بابِ أولى أنْ يكونَ في آدابِ الأماكنِ المزدحمةِ ، التي يترتبُ على إفْسَاحِهَا أداءُ الفرائضِ ،
والثانيةُ : أنَّهُ وسَّعَ على المسلمينَ ، بدَفْعِ ذلكَ المالِ الذي يُزمِعُ الحَجَّ بِهِ ، إلى غيرِ القادرِ مالياًّ ليَحُجَّ بِهِ فَرِيضَتَهُ ، أوْ إلى الفقراءِ واليتامى والمساكينِ ، سِيَّمَا وأنَّهُم بِأَمَسِّ الحاجَةِ إلى المالِ في أيامِ عشرِ ذي الحِجَّةِ ، ولِمُسْتَلْزَمَاتِ العيدِ والإضحيةِ
لأنَّ القُرُباتِ المُتَعَدِّيَ نَفعُها للآخَرينَ ، خيرٌ مِنَ القرُباتِ اللآزمَةِ ، وذلكَ في غيرِ الفرائضِ ،
الحجُّ أيها المسلمونَ عِبَادةُ ، وركنٌ مِنْ أركانِ الإسلامِ ، لا يُصرَفُ ذلكَ إلى أمرٍ دُنيَويٍّ ، ولا تكسُّبٍ ماليٍّ ، لأنَّ هناكَ مَنْ يأخذونَ هذهِ الحِجج ، ويبحثونَ عمَّنْ يُنيبُهُمْ ، وذلكَ كلُّهُ مِنْ أجلِ المالِ فقط ، فهذا حرامٌ عليهِمْ ، لأنَّ الحَجَّ ليسَ سِلعَةً ، وليسَ عملاً دنيويًّا ، كبناءِ بيتٍ ، أو إقامةِ جدارٍ ، يُقصَدُ بهِ التكسبَ والتجارةَ ، بلْ إنَّ مِنْ هؤلاءِ مَنْ يُكاسِرُ ويُفاصِلُ على الحِجَّةِ ، ويَتشكى مِنْ قِلةِ المالِ المدفوعِ ، حتى صارت العبادةُ حِرْفةً وصَنْعةً ، وقدْ حَفِظَ الإمامُ مالكُ رحمَهُ اللهُ ، عنْ عَطاءِ بنِ أبي رباحَ ، أنهُ قالَ : لا يُشتَرَطُ على النُّسُكِ مِنْ جِهةِ المالِ ، وقدْ صرَّحَ فُقهَاءُ الحَنَابلةِ رحمَهُمُ اللهُ ، بأنَّ تأجيرَ الرجلِ الرجلَ ليَحُجَّ عَنْهُ غيرُ صحيحٍ ، وقالَ شيخُ الإسلامِ بنُ تيميةَ رحمَهُ اللهُ : المستحبُّ أنْ يأخذَ ليَحُجَّ ، لا أنْ يَحُجَّ ليأخُذَ .
أيها المسلمون : لكنَّهُ إذا أخذَ الحِجَّةَ ، ومقصودُهُ نفعُ أخيهِ ، وذلكَ بالحجِّ عنهُ ، وليحصُلَ لهُ الدعاءُ والذكرُ والمنافعُ الأخرى في موسمِ الحَجِّ ، وكانَتْ نيتُهُ سليمةً ، فلا بأسَ في ذلكَ ، والمالُ الذي يدفعُهُ المستنيبُ ، صاحبُ الحِجَّةِ يكونُ كلُّهُ للوكيلِ ، إلا أنْ يَشترِطَ عليهِ صاحبُ الحِجَّةِ ، أنْ يَرُدَّ لهُ ما بقيَ مِنَ المالِ ، وتكونُ العُمرةُ والحَجُّ لصاحبِ الحِجَّةِ ، لثبوتِ ذلكَ في أعرافِ الناسِ ، إلاَّ أنْ يَشترطَ الوكيلُ أنْ تكونَ العُمرةُ لهُ ، ويقبلُ الموكِّلُ ذلكَ ، ولا يَجُوزُ للوكيلِ أنْ يُنيبَ غيرَهُ ، إلا بِرِضَى صاحبِ الحِجَّةِ ، وما زادَ عَنْ الحِجَّةِ المُتَّفَقِ عليها ، مِنْ دُعَاءٍ وطوافٍ وصلاةٍ ، وتَطوُّعٍ خارجَ النُّسُكِ ، فهو للوكيلِ ، وعلى الوكيلِ أنْ يقولَ عندَ الإهلالِ بالنُّسُكِ عِندَ الإحرامِ ، لبَّيْكَ عُمرةً مُتَمَتِّعًا بهَا إلى الحَجِّ عَنْ فُلانِ بنِ فُلان ، لِمَنْ كانتْ لهُ الحِجَّةُ ، وعندَ الحَجِّ لبَّيَكَ حَجَّا عن فلانِ بنِ فلان ، وإنْ نَسِيَ إسمَهُ نوى ذلِكَ بِقَلبِهِ ، وينبغي للوكيلِ أنْ يتقيَ اللهَ ، وأنْ يَجتهدَ في إكمالِ النسُكِ المُوكَلَةِ إليهِ ، وأنْ يَتَحَرَّى الإخلاصَ في أداءِ تلكَ الأمانةِ ، وفقني اللهُ وإياكُمْ لما يُحبُّهُ ويَرْضَاهُ ،
أقولُ ما تَسمعونَ وأستغفرُ اللهَ العليَّ العظيمَ لي ولكُمْ مِنْ كُلِّ ذنْبٍ فاستغفروهُ وتوبوا إليهِ إنَّهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ .
الخطبةُ الثانيةُ
الحمدُ للهِ نحمدهُ ونستعينهُ ونستهديه ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفُسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا مَنْ يهدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِيَ لهُ وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وسلمَ تسليمًا كثيرًا ،
إخوةَ الإسلامِ : إشتهَرَ عندَ كثيرٍ منَ الناسِ ، وخُصُوصًا في مجتمعاتِنَا ، أنْ يكونَ مِنْ حَقِّ الوالدينِ على أولادِهِمَا إذاَ ماتَا ، أنْ يَحُجُّوا عَنهُمَا ، وهُمَا قدْ أدَّيَا الفريضَةَ ، ورُبَّمَا حَجَّا تَطوُّعًا أكثرَ مِنْ مَرَّةٍ ، وهذا العملُ ليسَ عليهِ دليلٌ ، إنمَا هُوَ إجتهادٌ في غيرِ مَحَلِّهِ ، ولَوْ دُفِعَتْ هذهِ الأموالُ لِمَنْ لمْ يَحُجْ لِيَحُجَّ وينويَ بذلكَ الأجرَ لوَالِدَيْهِ ، لأدركَ فضَائلَ شَتَّى ، وأجورًا كثيرةً ، ولو دفعَ ذلكَ المالَ للضَّعَفَةِ منَ الأقاربِ والجيرانِ ، واليتامى والمساكينِ ، ونوى أجرَ ذلكَ لوالِدَيْهِ ، لكانَ في ذلكَ خيرٌ كثيرٌ ، وبِرٌّ عظيمٌ ، فما أكثرَ الفقراءَ والمساكينَ ، التي تَكفِيهِمْ قيمةَ هذهِ الحِجَّةَ شهرَ ذِي الحِجَّةِ كاملاً ، بإضحِيَتِهِ ، وملابسِ العيدِ ، ومستلزماتِ فرحَتِهِ ودواعي الكفافِ بقدومِهِ ، فنسألُ اللهَ ، أنْ يُوفقَ المسلمينَ لما يُحِبُّهُ ويَرضاهُ ، هذا وصَلُّوا وسَلمُوا على رسولِ اللهِ محمدٍ قالَ تعالى ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)
بعنوان
النيابة في الحج
كتبها / عبدالله فهد الواكد
جامع الواكد بحائل
الخطبة الأولى
الحَمْدُ للهِ مامتدتْ لمسألتِهِ أكفُّ السائلينَ ، وخرَّتْ لعبادتِهِ جباهُ العابدينَ ، وطمَحَتْ لكرمِهِ أبصارُ الآملينَ ، وتلهَّفَتْ لعفوِهِ قلوبُ المذنبينَ ، فطُوبى لمنْ عبدَ ، وويلٌ لمن جحدَ ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَه ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ ، اللهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى محمدٍ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وأَصْحابِهِ الغُرِّ المَيامِينِ، والتَّابعينَ لَهُمْ بإحسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أمَّا بعدُ: فأوصيكُمْ ونفْسِي بتقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ القائل ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) عبادَ اللهِ : إنَّ الحَجَّ مِنْ أَفضَلِ العباداتِ التي شرَعَهَا اللهُ عزَّ وجلَّ ، وهوَ الركنُ الخامسُ مِنْ أركانِ الإسلامِ ، فرضَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ على عِبادِهِ ، ولكنَّهُ سُبحانَهُ وتعالى جَعَلهُ مقروناً بالإستطاعةِ ، قالَ تعالى ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) وفي الصحيحينِ مِنْ حَديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضيَ اللهُ عنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ قَالَ : « العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا ، وَالحَجُّ الـمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ » وفي الصحيحينِ مِنْ حَديثِ أبي هُريرةَ رضيَ اللهُ عَنْهُ قالَ : سَمِعْتُ رسُولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ يَقولُ : « منْ حجَّ فَلَم يرْفُثْ، وَلَم يفْسُقْ، رجَع كَيَومِ ولَدتْهُ أُمُّهُ »
إنَّ الحَجَّ عبادَ اللهِ : عبادةٌ بدنيةٌ ، يُطلبُ مِنَ العبدِ فعلُها بنفسِهِ ، إنِ استطاعَ ذلكَ ، وإنْ لمْ يَستطعْ ، فقدْ جاءَت السُنةُ بجوازِ الإستنابةِ فيهِ ، وذلكَ في الفريضةِ ، وفي حالِ اليأسِ مِن فِعلِها ، وذلكَ لِما وردَ في البُخاريِّ ، مِن حديثِ بنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهُما ، أنَّ امرأةً قالتْ يارسولَ اللهِ ، إنَّ فريضةَ اللهِ على عبادِهِ الحَجَّ ، أدْرَكَتْ أبي شيخاً كبيراً ، لا يثبُتُ على الرَّاحِلةِ ، أفأحُجُّ عنهُ ؟ قالَ : « نعَم » وذلكَ في حَجَّةِ الوداعِ ، وروى النسائيُّ مِنْ حديثِ بنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهُمَا ، أنَّ امرأةً قالتْ يارسولَ اللهِ ، إنَّ أمي نذرَتْ أنْ تَحُجَّ ، ولم تَحُجْ حتى ماتَتْ ، أفأحُجُّ عنها ؟ قالَ : « نعم » ، قالَ : « اقضُوا حقَّ اللهِ ، فاللهُ أحقُّ بالوفاءِ » ولا فرقَ بينَ ما كانَ أصلاً في الشريعةِ ، وما أوجَبَهُ الإنسانُ على نَفسِهِ ، بنذرٍ أو نحوِهِ ، وهذانِ الحديثانِ يَدُورَانِ حولَ حَجَّةِ الفريضةِ ، وحَجَّةِ النذرِ وهوَ ما أوجَبَهُ العبدُ على نَفسِهِ بنذرِهِ ،
وهُناَ يَجِبُ الإنتباهُ أيُّهاَ المسلمونَ ، أنَّهُ لا بَأسَ بالإنابةِ في الحَجِّ ، في حَجَّةِ الفريضةِ وحَجَّةِ النذرِ فقط وأماَّ حَجُّ التَطَوُّعِ ، وهوَ الزائدُ عنِ الفريضةِ ، فلا ينبغي الإنابةُ فيهِ ، فجديرٌ بمنْ كانَ قادراً على الحَجِّ بِنَفسِهِ ، أنْ يَحُجَّ ، ولا يَصِحُّ لهُ أنْ يُوكِّلَ مَنْ يَحُجُّ عَنهُ ، لأنَّ شرطَ الإستطاعةِ ، مُتحقِّقٌ عندَهُ ، وقدْ منعَ الإمامُ أحمدُ رحمَهُ اللهُ ، في إحدى روايتينِ عنهُ ، مِنْ تَوْكيلِ القادرِ شخصاً آخرَ يَحُجُّ عَنهُ تطوُّعاً ، ولا يَصْلُحُ التسَاهُلُ في ذلكَ أيُّها المسلمونَ ، فإمَّا أنْ يَحُجَّ تَطوُّعاً بنفسِهِ ، أو يبذلُ المالَ الذي يُريدُ الحَجَّ بِهِ لِمَنْ لم يَحُجْ ، أعْطِ هذا المالَ لأخِيكَ المسلمِ الذي لمْ يَحُجْ فيكونُ لكَ مثلُ مالَهُ مِنَ الأجرِ والثوابِ ، دونَ أنْ يَنقُصَ ذلكَ مِنْ أجرهِ شيئاً ،
وكَمَا ترونَ الناسَ أيُّها الأحِبَّةُ : مِنْهُمْ ، مَنْ هُوَ كثيرُ المالِ صَحيحُ البَدَنِ ، وبَلغَ بِهِ الكِبَرُ مَبْلَغاً ، ومَعَ ذلكَ لمْ يَحُجْ حَجَّةَ الفريضةِ ، وقدْ رَوَى الإمامُ أحمدُ عنِ ابنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهُمَا قالَ : قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ : « تعجلوا الحَجَّ – يعني الفريضةَ – فإنَّ أحدَكُم لا يَدرِي مَا يَعْرِضُ لهُ » ، ومِنَ الناسِ مَنْ يَحُجُّ كلَّ سَنَةٍ ، ولمْ يَحْسِبْ للإزدِحَامِ ومشقةِ الناسِ ، وضِيقِ المَشَاعِرِ أيَّ حِسابٍ ، ونَحْنُ لا نَقولُ في حَجِّهِ شَيْئاً ، لأنَّ الحَجَّ مِنْ أفضَلِ الأعمَالِ ، ولكنَّ الإحتسابَ في التوسيعِ على المسلمينَ ، فطالماَ أنَّهُ حَجَّ حَجَّةَ الفريضةِ ، وحَجَّ تَطَوُّعاً مرةً أو مرتينِ ، وهنا يكونُ تَوسِيعُهُ على المسلمينَ مِنْ ناحيتينِ ،
الأولى : أنَّهُ أفسحَ المكانَ لغيرِهِ قالَ تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ) فإنْ كانَ هذا في حَقِّ آدابِ المجالسِ ، فمِنْ بابِ أولى أنْ يكونَ في آدابِ الأماكنِ المزدحمةِ ، التي يترتبُ على إفْسَاحِهَا أداءُ الفرائضِ ،
والثانيةُ : أنَّهُ وسَّعَ على المسلمينَ ، بدَفْعِ ذلكَ المالِ الذي يُزمِعُ الحَجَّ بِهِ ، إلى غيرِ القادرِ مالياًّ ليَحُجَّ بِهِ فَرِيضَتَهُ ، أوْ إلى الفقراءِ واليتامى والمساكينِ ، سِيَّمَا وأنَّهُم بِأَمَسِّ الحاجَةِ إلى المالِ في أيامِ عشرِ ذي الحِجَّةِ ، ولِمُسْتَلْزَمَاتِ العيدِ والإضحيةِ
لأنَّ القُرُباتِ المُتَعَدِّيَ نَفعُها للآخَرينَ ، خيرٌ مِنَ القرُباتِ اللآزمَةِ ، وذلكَ في غيرِ الفرائضِ ،
الحجُّ أيها المسلمونَ عِبَادةُ ، وركنٌ مِنْ أركانِ الإسلامِ ، لا يُصرَفُ ذلكَ إلى أمرٍ دُنيَويٍّ ، ولا تكسُّبٍ ماليٍّ ، لأنَّ هناكَ مَنْ يأخذونَ هذهِ الحِجج ، ويبحثونَ عمَّنْ يُنيبُهُمْ ، وذلكَ كلُّهُ مِنْ أجلِ المالِ فقط ، فهذا حرامٌ عليهِمْ ، لأنَّ الحَجَّ ليسَ سِلعَةً ، وليسَ عملاً دنيويًّا ، كبناءِ بيتٍ ، أو إقامةِ جدارٍ ، يُقصَدُ بهِ التكسبَ والتجارةَ ، بلْ إنَّ مِنْ هؤلاءِ مَنْ يُكاسِرُ ويُفاصِلُ على الحِجَّةِ ، ويَتشكى مِنْ قِلةِ المالِ المدفوعِ ، حتى صارت العبادةُ حِرْفةً وصَنْعةً ، وقدْ حَفِظَ الإمامُ مالكُ رحمَهُ اللهُ ، عنْ عَطاءِ بنِ أبي رباحَ ، أنهُ قالَ : لا يُشتَرَطُ على النُّسُكِ مِنْ جِهةِ المالِ ، وقدْ صرَّحَ فُقهَاءُ الحَنَابلةِ رحمَهُمُ اللهُ ، بأنَّ تأجيرَ الرجلِ الرجلَ ليَحُجَّ عَنْهُ غيرُ صحيحٍ ، وقالَ شيخُ الإسلامِ بنُ تيميةَ رحمَهُ اللهُ : المستحبُّ أنْ يأخذَ ليَحُجَّ ، لا أنْ يَحُجَّ ليأخُذَ .
أيها المسلمون : لكنَّهُ إذا أخذَ الحِجَّةَ ، ومقصودُهُ نفعُ أخيهِ ، وذلكَ بالحجِّ عنهُ ، وليحصُلَ لهُ الدعاءُ والذكرُ والمنافعُ الأخرى في موسمِ الحَجِّ ، وكانَتْ نيتُهُ سليمةً ، فلا بأسَ في ذلكَ ، والمالُ الذي يدفعُهُ المستنيبُ ، صاحبُ الحِجَّةِ يكونُ كلُّهُ للوكيلِ ، إلا أنْ يَشترِطَ عليهِ صاحبُ الحِجَّةِ ، أنْ يَرُدَّ لهُ ما بقيَ مِنَ المالِ ، وتكونُ العُمرةُ والحَجُّ لصاحبِ الحِجَّةِ ، لثبوتِ ذلكَ في أعرافِ الناسِ ، إلاَّ أنْ يَشترطَ الوكيلُ أنْ تكونَ العُمرةُ لهُ ، ويقبلُ الموكِّلُ ذلكَ ، ولا يَجُوزُ للوكيلِ أنْ يُنيبَ غيرَهُ ، إلا بِرِضَى صاحبِ الحِجَّةِ ، وما زادَ عَنْ الحِجَّةِ المُتَّفَقِ عليها ، مِنْ دُعَاءٍ وطوافٍ وصلاةٍ ، وتَطوُّعٍ خارجَ النُّسُكِ ، فهو للوكيلِ ، وعلى الوكيلِ أنْ يقولَ عندَ الإهلالِ بالنُّسُكِ عِندَ الإحرامِ ، لبَّيْكَ عُمرةً مُتَمَتِّعًا بهَا إلى الحَجِّ عَنْ فُلانِ بنِ فُلان ، لِمَنْ كانتْ لهُ الحِجَّةُ ، وعندَ الحَجِّ لبَّيَكَ حَجَّا عن فلانِ بنِ فلان ، وإنْ نَسِيَ إسمَهُ نوى ذلِكَ بِقَلبِهِ ، وينبغي للوكيلِ أنْ يتقيَ اللهَ ، وأنْ يَجتهدَ في إكمالِ النسُكِ المُوكَلَةِ إليهِ ، وأنْ يَتَحَرَّى الإخلاصَ في أداءِ تلكَ الأمانةِ ، وفقني اللهُ وإياكُمْ لما يُحبُّهُ ويَرْضَاهُ ،
أقولُ ما تَسمعونَ وأستغفرُ اللهَ العليَّ العظيمَ لي ولكُمْ مِنْ كُلِّ ذنْبٍ فاستغفروهُ وتوبوا إليهِ إنَّهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ .
الخطبةُ الثانيةُ
الحمدُ للهِ نحمدهُ ونستعينهُ ونستهديه ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفُسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا مَنْ يهدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِيَ لهُ وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وسلمَ تسليمًا كثيرًا ،
إخوةَ الإسلامِ : إشتهَرَ عندَ كثيرٍ منَ الناسِ ، وخُصُوصًا في مجتمعاتِنَا ، أنْ يكونَ مِنْ حَقِّ الوالدينِ على أولادِهِمَا إذاَ ماتَا ، أنْ يَحُجُّوا عَنهُمَا ، وهُمَا قدْ أدَّيَا الفريضَةَ ، ورُبَّمَا حَجَّا تَطوُّعًا أكثرَ مِنْ مَرَّةٍ ، وهذا العملُ ليسَ عليهِ دليلٌ ، إنمَا هُوَ إجتهادٌ في غيرِ مَحَلِّهِ ، ولَوْ دُفِعَتْ هذهِ الأموالُ لِمَنْ لمْ يَحُجْ لِيَحُجَّ وينويَ بذلكَ الأجرَ لوَالِدَيْهِ ، لأدركَ فضَائلَ شَتَّى ، وأجورًا كثيرةً ، ولو دفعَ ذلكَ المالَ للضَّعَفَةِ منَ الأقاربِ والجيرانِ ، واليتامى والمساكينِ ، ونوى أجرَ ذلكَ لوالِدَيْهِ ، لكانَ في ذلكَ خيرٌ كثيرٌ ، وبِرٌّ عظيمٌ ، فما أكثرَ الفقراءَ والمساكينَ ، التي تَكفِيهِمْ قيمةَ هذهِ الحِجَّةَ شهرَ ذِي الحِجَّةِ كاملاً ، بإضحِيَتِهِ ، وملابسِ العيدِ ، ومستلزماتِ فرحَتِهِ ودواعي الكفافِ بقدومِهِ ، فنسألُ اللهَ ، أنْ يُوفقَ المسلمينَ لما يُحِبُّهُ ويَرضاهُ ، هذا وصَلُّوا وسَلمُوا على رسولِ اللهِ محمدٍ قالَ تعالى ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)