محمدالمهوس
05-04-2018, 01:13
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إنّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وأشْهَدُ أنّ مُـحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )) ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيِثِ كِتَابُ اللهِ ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم، وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثاتُها ،وَكُلَّ مُحْدثةٍ بِدْعَةٍ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٍ، وكُلَّ ضَلالةٍ فِي النّارِ .
أيُّهَا الْمُـْـسلِمُونَ / رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ : بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْيَمَنِ بِذَهَبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ ، لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا ، قَالَ : فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ : كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهَذَا مِنْ هَؤُلَاءِ ، قَالَ : فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " أَلَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً " ، قَالَ : فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ ، مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ ،نَاشِزُ الْجَبْهَةِ ،كَثُّ اللِّحْيَةِ ،مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، مُشَمَّرُ الْإِزَارِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ ، فَقَالَ : " وَيْلَكَ أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الْأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ " ، قَالَ : ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ ، فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ ؟ ، فَقَالَ : " لَا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي " ، قَالَ خَالِدٌ : وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ ، وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ " ، قَالَ : ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِ وَهُوَ مُقَفٍّ ، فَقَالَ : " إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا ، قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ رَطْبًا ، لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ " ، قَالَ : أَظُنُّهُ قَالَ : " لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ "
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنْ شَرِيكِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ :
كُنْتُ أَتَمَنَّى أَنْ أَلْقَى رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحَدِّثُنِي عَنِ الْخَوَارِجِ ، فَلَقِيتُ أَبَا بَرْزَةَ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَقُلْتُ : يَا أَبَا بَرْزَةَ ، حَدِّثْنَا بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ فِي الْخَوَارِجِ . قَالَ : أُحَدِّثُكَ بِمَا سَمِعَتْ أُذُنَايَ وَرَأَتْ عَيْنَايَ : أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَنَانِيرَ يُقَسِّمُهَا ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ أَسْوَدُ ، مَطْمُومُ الشَّعْرِ ، عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَبْيَضَانِ ، بَيْنَ عَيْنَيْهِ أَثَرُ السُّجُودِ ، فَتَعَرَّضَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا ، فَأَتَاهُ مِنْ قِبَلِ يَمِينِهِ فَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا ، ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ فَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا ، فَقَالَ : وَاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ مَا عَدَلْتَ فِي الْقِسْمَةِ مُنْذُ الْيَوْمِ . فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَضَبًا شَدِيدًا ثُمَّ قَالَ : " وَاللَّهِ لَا تَجِدُونَ بَعْدِي أَحَدًا أَعْدَلَ عَلَيْكُمْ مِنِّي " قَالَهَا ثَلَاثًا .
ثُمَّ قَالَ : " يَخْرُجُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ رِجَالٌ هَدْيُهُمْ هَكَذَا ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ ، كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ، لَا يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ " . وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ " سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ ، لَا يَزَالُونَ يَخْرُجُونَ حَتَّى يَخْرُجَ آخِرُهُمْ ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ " قَالَهَا ثَلَاثًا " شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ " قَالَهَا ثَلَاثًا .
إِنَّهُمْ الْـخَوَارِجُ وَمَنْ نَهَجَ مَنْهَجَهَمْ، وَشَابَهَ طَرِيقَتَهُمْ مِمَّنْ جُرِّمُوا فِي بِلَادِهِمْ ، وَعُلِّقَتْ لـَهُمُ الْـمـَشَانِقُ فِي دُوَلِهِمْ ،فَلَجَأُوا إِلَى بِلَادِنَا, فَأَمَّنَتْهُمْ ،وَحَفِظَتْ كَرَامَتَهُمْ وَحَقُوقَهَمْ ،فَتَمَسْكَنُوا حَتَّى تَمَكَّنُوا بِالْـمُجْتَمَعِ !كَحَيَّةٍ خَبِيثَةٍ مُتَلَوِّنَةٍ لَهَا مِائَةُ رَأْسٍ ، فِي كُلِّ رَأْسِ مِائَةُ نَابٍ ، وَكُلُّ نَابٍ يَقْطُرُ سُمــَّا تَغْرِسُهُ فِي جَسَدِ بِلَادِنَا عَبْرَ فِكْرِ الإِخْوَانِ العَفِنِ ،الَّذِي يُبَرِّرُ كُلَّ وَسِيلَةٍ تُوُصِلُ إِلَى غَايَاتِهِمْ الأَرْضِيَّةِ التَّافِهَةِ, وَنَظَرِيَّاتِهِمُ العَمْيَاءِ الَّتِي تُخَالِفُ نُصُوصَ القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَمَا عَلَيْهِ سَلَفُ الأُمَّةِ, فَتَغَلْغَلُوا بِمَدَارِسِنَا وَجَامِعَاتِنَا وَمَسَاجِدِنَا وَإِعْلَامِنَا! بَلْ تَعَدَّدَتْ مَدَاخِلُهُمْ وَمَنَافِذُهُمْ ،فَنَشَرُوا فِكْرَهَمُ الإِخْوَانِيَّ التَّكْفِيرِيَّ بَيْنَ أَوْسَاطِ شَبَابِنَا ، فَخَرَجَ مِنْهُمْ مَنْ يُقَلِّلُ مِنْ قِيمَةِ العَقِيدَةِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ ،وَمَنْهَجِ الصَّحَابَةِ وَمِنْ تَبَعِهُمْ بِإِحْسَانٍ ، وَخَرَجَ مِنْهُمْ مَنْ يَصِفُ عُلَمَاءَ هَذِهِ البِلَادِ بِالجَهْلِ، وَعَدَمِ إِدْرَاكِ المَصَالِحِ وَالمَفَاسِدِ, وَأَنَّهُمْ عُلَمَاءُ السَّلَاطِينِ، نَاهِيكَ عَنْ الطَّعْنِ بِوَلَاةِ أَمْرِ هَذِهِ البِلَادِ ، وَتَكْفِيرِهِمْ, وَجَوَازِ الخُرُوجِ عَلَيْهِمْ !
وَمِمَّا يَزِيدُ فِي خَطَرِهِمْ وَشَرِّهِمْ وَضَرَرِهِمْ, أَنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ مِنْ كَلَامِ خَيْرِ البَرِّيَّةِ, وَيَقْرَأُونَ القُرْآنَ, وَيَتَعَمَّقُونَ بِالدَيْنِ, وَفِي وُجُوهِهِمْ كَرُكَبِ الْـمِعْزَاءِ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ؛ وَيَتَكَلَّمُونَ بِمَا يَهُمُّ النَّاسَ فِي أُمُورِ الدُّنْيا كَغَلاءِ الأَسْعَارِ ، والْبَطَالَةِ ، وَحُقُوقِ الْمَرْأَةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ ؛ لِيُوغِلُوا صُدُور الْعَامَّةِ عَلَى وِلاَةِ أَمْرِهِمْ ؛ وَلِذَلِكَ سَارَعَتْ فِي قُبُولِ ذَلِكَ النَّتْنِ الخَبِيثِ مِنْ قَيْءِ عُقُولِهِمْ، وَرَجِيعِ أَفْكَارِهِمْ فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ, مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَهُمْ بِسُفَهَاءِ الأَحْلَامِ, لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ, وَأَنَّهُمْ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِيمَانِ وَ يَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ, فَلَا تَسْتَغْرِبْ مِنْ تَحَالُفٍ بَيْنَ اليَهُودِ وَبَيْنَ حِزْبِ الإِخْوَانِ ،فَضْلًا عَنْ تَحَالُفِهِمْ مَعَ الصُّوفِيَّةِ وَالرَّافِضَةِ وَالعَلْمَانِيَّةِ ضِدَّ أَهْلِ التَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ, واللهُ يَقُولُ :(لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْكِتَابِ والسُّنَّةِ، وَنَفَعَنَا بِما فِيهِمَا مِنَ الْآياتِ وَالْحِكْمَةِ ،أقولُ قَوْلِي هَذا، واسْتَغْفِرِ اللهُ لِي وَلَكُم مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَإنّه هُوَ الْغَفُورُ الرَّحيم .
اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَانِهِ ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً ، أمّا بَعْدُ : أيُّهَا الْمُـْـسلِمُونَ / أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ أَبِي عَامِرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لُحَيٍّ، قَالَ: حَجَجْنَا مَعَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَامَ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ ، فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ تَفَرَّقُوا فِي دِينِهِمْ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً وَهِيَ الْجَمَاعَةُ ، وإنه سيخرجُ من أمتي أقوامٌ تَتَجَارَى بهمُ الأهْوَاءُ كما يتَجَارَى الكَلَبُ بصاحِبِه، فلا يَبقَى مِنه عِرْقٌ وَلَا مِفْصَلٌ إِلا دَخَلَهُ " حَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ .
فَفِي هَذَا الحَدِيثِ يُبُنُ عَلَيْهِ السَلَامُ أَنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِهِ جَمَاعَاتٌ تَتَجَارَى بِهِمُ الأَهْوَاءُ أَيْ البِدَعُ, كَمَا يَتَجَارَى الكَلَبُ بِصَاحِبِهِ ، وَالكَلَبُ: داءٌ يُصِيبُ الإنسَانَ مِنْ عَضَّةِ الْكَلْبِ .
فَاتَّقُوْا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - وَاحْذَرُوا هَذِهِ الجَمَاعَةَ وَغَيْرَهَا مِنْ أَهْلِ الأَهْوَاءِ وَالبِدَعِ, الَّذِينَ يَسْعَوْنَ لِإِيجَادِ الفُرْقَةِ وَالاِخْتِلَافِ، وَالفِتَنِ وَالمَشَاكِلِ، وَاخْتِلَالِ الأَمْنِ فِي بِلَادِنَا, وَعَلَيْكُمْ بِلُزُومِ جَمَاعَةِ المُسْلِمِينَ وَإِمَامِهِمْ, فَقَدْ قَالَ حُذَيْفَةُ بِنُ أَلْيَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ ؟ قَالَ : "نَعَمْ " قُلْتُ :وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ ؟ قَالَ : " نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ " قُلْتُ : وَمَا دَخَنُهُ ؟ قَالَ: "قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِ ، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ " قُلْتُ : فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ ؟ قَالَ : "نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا ، قَالَ: "هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا "قُلْتُ : فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ ، قَالَ :" تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ .. الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ ، فَقَالَ: (إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا ) وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا" رَوَاهُ مُسْلِم .
إنّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وأشْهَدُ أنّ مُـحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )) ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيِثِ كِتَابُ اللهِ ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم، وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثاتُها ،وَكُلَّ مُحْدثةٍ بِدْعَةٍ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٍ، وكُلَّ ضَلالةٍ فِي النّارِ .
أيُّهَا الْمُـْـسلِمُونَ / رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ : بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْيَمَنِ بِذَهَبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ ، لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا ، قَالَ : فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ : كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهَذَا مِنْ هَؤُلَاءِ ، قَالَ : فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " أَلَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً " ، قَالَ : فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ ، مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ ،نَاشِزُ الْجَبْهَةِ ،كَثُّ اللِّحْيَةِ ،مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، مُشَمَّرُ الْإِزَارِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ ، فَقَالَ : " وَيْلَكَ أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الْأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ " ، قَالَ : ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ ، فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ ؟ ، فَقَالَ : " لَا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي " ، قَالَ خَالِدٌ : وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ ، وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ " ، قَالَ : ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِ وَهُوَ مُقَفٍّ ، فَقَالَ : " إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا ، قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ رَطْبًا ، لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ " ، قَالَ : أَظُنُّهُ قَالَ : " لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ "
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنْ شَرِيكِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ :
كُنْتُ أَتَمَنَّى أَنْ أَلْقَى رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحَدِّثُنِي عَنِ الْخَوَارِجِ ، فَلَقِيتُ أَبَا بَرْزَةَ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَقُلْتُ : يَا أَبَا بَرْزَةَ ، حَدِّثْنَا بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ فِي الْخَوَارِجِ . قَالَ : أُحَدِّثُكَ بِمَا سَمِعَتْ أُذُنَايَ وَرَأَتْ عَيْنَايَ : أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَنَانِيرَ يُقَسِّمُهَا ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ أَسْوَدُ ، مَطْمُومُ الشَّعْرِ ، عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَبْيَضَانِ ، بَيْنَ عَيْنَيْهِ أَثَرُ السُّجُودِ ، فَتَعَرَّضَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا ، فَأَتَاهُ مِنْ قِبَلِ يَمِينِهِ فَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا ، ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ فَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا ، فَقَالَ : وَاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ مَا عَدَلْتَ فِي الْقِسْمَةِ مُنْذُ الْيَوْمِ . فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَضَبًا شَدِيدًا ثُمَّ قَالَ : " وَاللَّهِ لَا تَجِدُونَ بَعْدِي أَحَدًا أَعْدَلَ عَلَيْكُمْ مِنِّي " قَالَهَا ثَلَاثًا .
ثُمَّ قَالَ : " يَخْرُجُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ رِجَالٌ هَدْيُهُمْ هَكَذَا ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ ، كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ، لَا يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ " . وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ " سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ ، لَا يَزَالُونَ يَخْرُجُونَ حَتَّى يَخْرُجَ آخِرُهُمْ ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ " قَالَهَا ثَلَاثًا " شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ " قَالَهَا ثَلَاثًا .
إِنَّهُمْ الْـخَوَارِجُ وَمَنْ نَهَجَ مَنْهَجَهَمْ، وَشَابَهَ طَرِيقَتَهُمْ مِمَّنْ جُرِّمُوا فِي بِلَادِهِمْ ، وَعُلِّقَتْ لـَهُمُ الْـمـَشَانِقُ فِي دُوَلِهِمْ ،فَلَجَأُوا إِلَى بِلَادِنَا, فَأَمَّنَتْهُمْ ،وَحَفِظَتْ كَرَامَتَهُمْ وَحَقُوقَهَمْ ،فَتَمَسْكَنُوا حَتَّى تَمَكَّنُوا بِالْـمُجْتَمَعِ !كَحَيَّةٍ خَبِيثَةٍ مُتَلَوِّنَةٍ لَهَا مِائَةُ رَأْسٍ ، فِي كُلِّ رَأْسِ مِائَةُ نَابٍ ، وَكُلُّ نَابٍ يَقْطُرُ سُمــَّا تَغْرِسُهُ فِي جَسَدِ بِلَادِنَا عَبْرَ فِكْرِ الإِخْوَانِ العَفِنِ ،الَّذِي يُبَرِّرُ كُلَّ وَسِيلَةٍ تُوُصِلُ إِلَى غَايَاتِهِمْ الأَرْضِيَّةِ التَّافِهَةِ, وَنَظَرِيَّاتِهِمُ العَمْيَاءِ الَّتِي تُخَالِفُ نُصُوصَ القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَمَا عَلَيْهِ سَلَفُ الأُمَّةِ, فَتَغَلْغَلُوا بِمَدَارِسِنَا وَجَامِعَاتِنَا وَمَسَاجِدِنَا وَإِعْلَامِنَا! بَلْ تَعَدَّدَتْ مَدَاخِلُهُمْ وَمَنَافِذُهُمْ ،فَنَشَرُوا فِكْرَهَمُ الإِخْوَانِيَّ التَّكْفِيرِيَّ بَيْنَ أَوْسَاطِ شَبَابِنَا ، فَخَرَجَ مِنْهُمْ مَنْ يُقَلِّلُ مِنْ قِيمَةِ العَقِيدَةِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ ،وَمَنْهَجِ الصَّحَابَةِ وَمِنْ تَبَعِهُمْ بِإِحْسَانٍ ، وَخَرَجَ مِنْهُمْ مَنْ يَصِفُ عُلَمَاءَ هَذِهِ البِلَادِ بِالجَهْلِ، وَعَدَمِ إِدْرَاكِ المَصَالِحِ وَالمَفَاسِدِ, وَأَنَّهُمْ عُلَمَاءُ السَّلَاطِينِ، نَاهِيكَ عَنْ الطَّعْنِ بِوَلَاةِ أَمْرِ هَذِهِ البِلَادِ ، وَتَكْفِيرِهِمْ, وَجَوَازِ الخُرُوجِ عَلَيْهِمْ !
وَمِمَّا يَزِيدُ فِي خَطَرِهِمْ وَشَرِّهِمْ وَضَرَرِهِمْ, أَنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ مِنْ كَلَامِ خَيْرِ البَرِّيَّةِ, وَيَقْرَأُونَ القُرْآنَ, وَيَتَعَمَّقُونَ بِالدَيْنِ, وَفِي وُجُوهِهِمْ كَرُكَبِ الْـمِعْزَاءِ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ؛ وَيَتَكَلَّمُونَ بِمَا يَهُمُّ النَّاسَ فِي أُمُورِ الدُّنْيا كَغَلاءِ الأَسْعَارِ ، والْبَطَالَةِ ، وَحُقُوقِ الْمَرْأَةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ ؛ لِيُوغِلُوا صُدُور الْعَامَّةِ عَلَى وِلاَةِ أَمْرِهِمْ ؛ وَلِذَلِكَ سَارَعَتْ فِي قُبُولِ ذَلِكَ النَّتْنِ الخَبِيثِ مِنْ قَيْءِ عُقُولِهِمْ، وَرَجِيعِ أَفْكَارِهِمْ فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ, مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَهُمْ بِسُفَهَاءِ الأَحْلَامِ, لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ, وَأَنَّهُمْ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِيمَانِ وَ يَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ, فَلَا تَسْتَغْرِبْ مِنْ تَحَالُفٍ بَيْنَ اليَهُودِ وَبَيْنَ حِزْبِ الإِخْوَانِ ،فَضْلًا عَنْ تَحَالُفِهِمْ مَعَ الصُّوفِيَّةِ وَالرَّافِضَةِ وَالعَلْمَانِيَّةِ ضِدَّ أَهْلِ التَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ, واللهُ يَقُولُ :(لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْكِتَابِ والسُّنَّةِ، وَنَفَعَنَا بِما فِيهِمَا مِنَ الْآياتِ وَالْحِكْمَةِ ،أقولُ قَوْلِي هَذا، واسْتَغْفِرِ اللهُ لِي وَلَكُم مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَإنّه هُوَ الْغَفُورُ الرَّحيم .
اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَانِهِ ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً ، أمّا بَعْدُ : أيُّهَا الْمُـْـسلِمُونَ / أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ أَبِي عَامِرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لُحَيٍّ، قَالَ: حَجَجْنَا مَعَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَامَ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ ، فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ تَفَرَّقُوا فِي دِينِهِمْ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً وَهِيَ الْجَمَاعَةُ ، وإنه سيخرجُ من أمتي أقوامٌ تَتَجَارَى بهمُ الأهْوَاءُ كما يتَجَارَى الكَلَبُ بصاحِبِه، فلا يَبقَى مِنه عِرْقٌ وَلَا مِفْصَلٌ إِلا دَخَلَهُ " حَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ .
فَفِي هَذَا الحَدِيثِ يُبُنُ عَلَيْهِ السَلَامُ أَنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِهِ جَمَاعَاتٌ تَتَجَارَى بِهِمُ الأَهْوَاءُ أَيْ البِدَعُ, كَمَا يَتَجَارَى الكَلَبُ بِصَاحِبِهِ ، وَالكَلَبُ: داءٌ يُصِيبُ الإنسَانَ مِنْ عَضَّةِ الْكَلْبِ .
فَاتَّقُوْا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - وَاحْذَرُوا هَذِهِ الجَمَاعَةَ وَغَيْرَهَا مِنْ أَهْلِ الأَهْوَاءِ وَالبِدَعِ, الَّذِينَ يَسْعَوْنَ لِإِيجَادِ الفُرْقَةِ وَالاِخْتِلَافِ، وَالفِتَنِ وَالمَشَاكِلِ، وَاخْتِلَالِ الأَمْنِ فِي بِلَادِنَا, وَعَلَيْكُمْ بِلُزُومِ جَمَاعَةِ المُسْلِمِينَ وَإِمَامِهِمْ, فَقَدْ قَالَ حُذَيْفَةُ بِنُ أَلْيَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ ؟ قَالَ : "نَعَمْ " قُلْتُ :وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ ؟ قَالَ : " نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ " قُلْتُ : وَمَا دَخَنُهُ ؟ قَالَ: "قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِ ، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ " قُلْتُ : فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ ؟ قَالَ : "نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا ، قَالَ: "هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا "قُلْتُ : فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ ، قَالَ :" تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ .. الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ ، فَقَالَ: (إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا ) وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا" رَوَاهُ مُسْلِم .