المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة جمعة بعنوان ( سحائب المغفرة 1439 )



الشيخ/عبدالله الواكد
09-02-2018, 02:21
خطبة جمعة

بعنوان

( سحائب المغفرة 1439 )

عبدالله بن فهد الواكد

إمام وخطيب جامع الواكد بحائل


الخطبة الأولى

أيها الأحبةُ المسلمون:

من الذي يبسُطُ يدَهُ بالليلِ ليتوبَ مسيءُ النهارِ، ويبسُطُ يدَهُ بالنهارِ ليتوبَ مسيءُ الليلِ ؟
من الذي ينادي في كلِّ ليلةٍ ، هل مِن سائلٍ فأعطيَهُ ، هل من مستغفرٍ فأغفرُ لهُ ؟
من الذي ينادي : يا ابنَ آدمَ لو بلغَتْ ذنوبُكَ عَنانَ السماءِ ثم استغفرتَنِي لغفرتُها لكَ ولا أبالي ؟ من الذي يُنادي : يا عبادي إنكم تخطئونَ في الليلِ والنهارِ وأنا أغفرُ الذنوبَ جميعاً فاستغفروني اغفرْ لكم ؟
من الذي ينادي: ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
من الذي يرحمُ التائبينَ ، ويشملُهم بعفوِهِ ومغفرتِهِ وهو خيرُ الغافرين ؟
من الذي عجَّتْ ببابِهِ الأصواتُ ، فلهجتْ بالمعذرةِ والمسائلِ والحاجاتِ ؟
هو الغفورُ الرحيمُ سبحانَهُ ،
اتصفَ بهذهِ الصفةِ سبحانَهُ ، لوجودِ المذنبينَ ، ولكثرةِ الخطائينَ ، ولوفرةِ المقصرينَ ، ليمحوَا ما اخترمتْهُ أنفسُنا ، وما أكتسبتْهُ أيدينا ، فهوَ خيرُ الغافرينَ ، وهو أرحمُ الراحمينَ.
قد يغفرُ اللهُ للعبدِ مغفرةً ، فيمشي على وجهِ الأرضِ ، وما عليهِ من خطيئةٍ ، فقد غفرَ اللهُ ذنوبَ خلقهِ ، برحمتِهم لخلقِهِ ، مرَّتْ بغيٌّ من بغايا بني إسرائيلَ ، كانتْ على المعاصي والفجورِ، مرتْ على أنجسِ البهائمِ ، مرتْ على كلبٍ يلهثُ عطشاً ، ويتقلبُ على الأرضِ ظمأً ، فانكسرَ قلبُها ، ورقَّ فؤادُها ، وتهاطلتْ رحماتُ هذه المرأةِ الزانيةِ البغيِّ لكلبٍ ، كلبٍ من الكلابِ ، فنزلتْ إلى البئرِ ، فملأتْ خفَّها ماءً ، وسقتْ الكلبَ الظمآنَ ، فشكرَ اللهُ لها ، وغفرَ ذنوبَها.
ومرَّ رجلٌ على غُصنِ شوكٍ في طريقِ المسلمينَ ، فلما رآهُ ، تداعى قلبُهُ شفقةً على الناسِ ، وقالَ واللهِ لأنحينَّهُ عن طريقِ المسلمينَ حتى لا يؤذيَهُم ، فأزاحَهُ عن طريقِهم ، فزحزَحَهُ اللهُ عن نارِ جهنَّمَ وغُفِرتْ ذنوبُهُ.
اللهُ هو الغفارُ ، وهو الواحدُ القهارُ ، إذا أرادَ أنْ يغفرَ لعبدِهِ ، من الذي سيسألُهُ ( لا يُسألُ عما يفعلُ وهم يُسألون ) إذا غفرَ اللهُ لعبدِهِ ، واللهِ لا يُسألُ عن أمرِهِ ، ولا يعقّبُ في حكمهِ سبحانَهُ وتعالى.
أيها الأحبةُ المؤمنونَ : ، إذا وقفَ العبدُ بينَ يدي اللهِ ، وتمثلَ بين يدي سيدِهِ ومولاهُ ، يناديه رباهُ رباه ، قد ذهبت اللذةُ ، وانقضت الشهوةُ ، وبقي العذابُ والهوانُ ، بقي ذلُّ المعصيةِ ، يُنادي ربَّهُ ، وهو بينَ ذنوبٍ وخطايا ، وعيوبٍ ورزايا ، قد أقضَّتْ مضجِعَهُ ، وكدرتْ مهجَعَهُ ، لم يجدْ ملجأ إلا إلى اللهِ ، يقفُ هذا العبدُ الضعيفُ المسكينُ ، بينَ يدي اللهِ وقدْ أحزنَتْهُ ذنوبُهُ ، وأهمتهُ عيوبُهُ ، ينظرُ يميناً فإذا بالنفسِ الأمارةِ بالسوءِ قد خذلتْهُ ، وينظرُ شمالا وإذا بالشيطانِ قد تخلى عنهُ ، فلم يجد إلا اللهَ ، لم يجد إلا الذي يبسطُ يدَهُ بالليلِ ليتوبَ مسيءُ النهارِ ، ويبسطُ يدَهُ بالنهارِ ليتوبَ مسيءُ الليلِ ، فيلوذُ ببابِ اللهِ معتذراً، ويقفُ بينَ يديه منكسِرا.
يناديه : يا ربِ يا رب ، وإذا بالرحمانِ جلَّ جلالُهُ ، وإذا بالغنيِّ عن العبادِ ، الذي لا تنفعُهُ الطاعةُ ، ولا تضرهُ المعصيةُ ، فإذا بذي العفوِ والغفرانِ ، لا ينظرُ إلى ما مضى من إساءَتِهِ ، ولكنْ يفرحُ بإنابتِهِ وتوبتِهِ ، فتصعدُ تلكَ الكلماتُ والدعواتُ ، فتنتهي إلى ما شاءَ اللهُ ، فيغفرُ اللهُ لهُ ، ويتوبُ عليهِ ،
وقدْ يكونُ هذا العبدُ ، إبنَ ستينَ وسبعينَ سنةٍ ، فيغفرُ اللهُ له في طرفةِ عينٍ ، فيحثُوا الشيطانُ على نفسِهِ الخيبةَ والخسارةَ ويقولُ: يا ويلتاهُ ، أغويه من ستينَ وسبعينَ ، ويُغفرُ له في طرفةِ عينٍ ، فإذا غُفرت الذنوبُ ، وسُترت العيوبُ ، ورأى العبدُ بشائرَ فضلِ اللهِ وإحسانِهِ ، وكرمِهِ وامتنانِهِ ، أصبحَ ولسانُ حالِهِ يقولُ : يا ربِّ أسئتُ في ما مضى من عَملي ، فأحسنْ لي في ما بقيَ من عُمُري، وأحسنْ لي في ما بقيَ من أَجلي ، فيفتحُ اللهُ في وجهِهِ أبوابَ البِرِّ، فينطلقُ ذلكَ العبدُ المذنبُ المسيءُ ، إلى أبوابِ الخيرِ والتوفيقِ ، بسببِ توبتهِ وإنابتهِ ، فإذا بالذنوبِ قد تبدلتْ ، وإذا بالسيئاتِ قد تحسَّنتْ ، قال تعالى ( إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الفرقان:70)
أيها المسلمون : مَن الذي يحولُ بينَ العبدِ وربِّه ، قال سبحانَهُ في الحديثِ القدسيِّ: يا ابنَ آدمَ إنكَ ما دعوتَني ‏ورجوتَني غفرتُ لكَ على ما كانَ منكَ ولا أبالي ، يا ابنَ آدمَ لو بلغتَ ذنوبُك عنانَ ‏السماءِ، ثم استغفرتني، غفرتُ لك، يا ابن آدمَ إنكَ لو أتيتني بقرابِ الأرضِ خطايا، ثم ‏لقيتني لا تشركُ بي شيئاً لأتيتُكَ بقرابِها مغفرةً
فمن الذي يحولُ بيننا وبينَ الله ؟ من الذي يقفُ بينناَ وبينَ ربنَا؟
ليسَ بيننا وبينَ اللهِ أحدٌ، ليس بيننا وبينَ اللهِ حجابٌ ولا ترجمانٌ ولا إنسٌ ولا جانٌ
أبوابُ اللهِ مشرعةٌ للتائبينَ ، وأسحارُ الليلِ مفتوحةٌ للمستغفرينَ ،
عن ابنِ عمرَ رضيَ اللهُ عنهما أنَّ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) قالَ: إنَّ اللهَ يُدني العبدَ يومَ القيامةِ ثم يُلقِي عليهِ كنفَهُ ثم يكونُ في سترٍ لا يسمعُ ما يقولُ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له فيقولُ لهُ:
يا عبدي عملتَ كذا وكذا يومَ كذا وكذا.
فيقولُ نعم يا رب.
فيقولُ عبدي عملتَ كذا وكذا يومَ كذا وكذا.
فيقولُ نعم يا ربي، حتى إذا كُشفتْ العيوبُ وكشفت الذنوبُ، وأشفقَ العبدُ على نفسِهِ.
قال الحليمُ الرحيمُ، عبدي سترتُها عليكَ في الدنيا وها أنا أستُرُها عليكَ اليومَ، فيسترُهُ اللهُ بسترِهِ، ويشملُهُ بعفوِهِ ومغفرتُهُ، ويدخلُه الجنة.
ليس بينَ العبدِ وبينَ الله ِأحدٌ ، لا يستطيعُ أحدٌ أنْ يحرمَكَ من رحمةِ ربِّكَ، ولا يستطيعُ كائنٌ من كانَ أن يقفلَ أبوابَ فضلِ اللهِ عليكَ ، فانهبْ أثباجَ العُمُرِ إلى تدارُكِهِ ، وشمِّرْ إلى طريقِ الخيرِ ومسالِكِه ، فإنما هما سبيلانِ سبيلُ الضلالِ والخيبةِ وسبيلُ والندمِ والتوبهِ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر:53)

الثانية

أيها المسلمون : تفطنوا لأماراتِ التوبةِ ، وعلاماتِ الأوبةِ ، فإنَّ دلائلَ التوبةِ ثلاثٌ
إذا رَزقَهَا اللهُ العبدَ غُفرت ذنوبُهُ، وسُترتْ عيوبُهُ، وزالت عنه خطاياه.
أولُها وأجلُها وأعظمُها ندمُ القلبِ والجنان.
وثانيها استغفارُ اللسان.
وثالثُها الإقلاعُ وصلاحُ حالِ الجوارحِ والأركانِ.
فإذا تحركَ دمُ الندمِ في القلوبِ جاءتْ رحمةُ علامِ الغيوبِ. الندمُ هو بشيرُ التوبةِ ، ولا يتحركُ الندمُ إلا حينما يُقلبُ الإنسانُ الذنبَ في نفسِهِ، فتلومُهُ نفسُهُ، ويلومُهُ قلبُهُ ، فإذا ندمَ القلبُ والجنانُ ، تحركَ اللسانُ بالإستغفارِ وقالَ العبدُ المذنبُ النادمُ : اللهم إني فعلتُ كذا وكذا فاغفرْ لي فانطلقتْ هذه الكلمةُ الطيبةُ ، لتقرَعَ أبوابَ السماءِ ، فإذا قبلَ اللهُ استغفارَ العبدِ، وقبلَ اللهُ توبتَهُ أصلحَ حالَهُ فجاءت العلامةُ الثالثةُ وهي الإقلاعُ عن الذنوبِ والمعاصيِ ومقتِها في جنبِ اللهِ سبحانه وتعالى. فكانَ هنالكَ العبدُ مِن أسعدِ الناسِ حظَّا وأوفرِهم ربحاً ، فلا يقنطنكم الشيطانُ عن رحمةِ الرحمانِ ،
، نسأل الله أن يجعلنا من التوابين ، ومن المستغفرين صلو وسلموا على رسول الله محمد وعلى آله وصحابته أجمعين