الشيخ/عبدالله الواكد
05-01-2018, 05:50
خطبة جمعة
بعنوان
( الحس الإجتماعي )
كتبها / عبدالله فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ ، قدَّمَ من شاءَ بفضلِهِ ، وأخرَّ من شاءَ بعدلِهِ ، هو الكريمُ الوهابُ ، هازمُ الأحزابِ ، ومنشئُ السحابِ ، ومنزلُ الكتابِ ، ومسببُ الأسبابِ ، وخَالِقُ النَّاسِ مِن تُرابٍ ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ الله ، وحدَهُ ولا شريكَ لهُ ، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ صلى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلم تسليماً كثيراً
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )
أَيُّهَا الْمُسلمونَ: كانَ المجتمعُ فيماَ مضَى أشدَّ تَماسُكاً من زمانِناَ هذاَ وذلكَ بسببِ جَودةِ الشُّعُورِ الْمُجتَمَعِيِّ ورَهَافَةِ الحِسِّ الإجتماعيِّ وشُعورِ الناسِ بِالْمَسْؤُولِيَّةِ تجاهَ الآخرينَ وثِقَةِ الناسِ بمَنْ حولَهُم وصفاءِ قلوبِ الناسِ ونقاوةِ سرائرِهم ، كانَ الحيُّ في ذلكَ الزمانِ بيتاً واحداً يقومُ أدناهُ على أقصاهُ ، ويُحافظُ حاضرُهُ على غائِبِهِ ، ويجودُ موسِرُهُ على مُعسِرِهِ ، تَكافُلٌ في شتَّى المَنَاحِي ، ومحبةٌ ومودةٌ بينَ أفرادِ المجتمعِ ، فأصبحَ البيتُ الواحدُ في زمانِناَ هذاَ حارةً كاملةً كلٌّ على رأسِهِ هذاَ خارجٌ وهذا داخلٌ وهذا نائمٌ وهذا قائمٌ ، وقَدْ لا يجتمعُ أهلُ البيتِ على غداءٍ ولا عشاءٍ إلاَّ في الإسبوعِ مرةً واحدةً وإذا اجتمعُوا اجتمعُوا وكلُّ واحدٍ في وادٍ مع الجوالِ ووسائلِ التواصلِ التي قطَّعَت المَفاصلَ ، فماذا حلَّ بالناسِ ، في حيٍّ منَ الأحياءِ القريبةِ جاءتْ أمطارٌ قبلَ سنين ، وسقطَ جدارٌ يفصِلُ بينَ جارينِ ، ومكثَ هذا الجدارُ أربعينَ سنةً لم يُبنَ ، كلُّ جارٍ مستحييٍ منْ جارِهِ أنْ يُعيدَ بناؤُهُ ، وفي حيٍّ آخرَ أعادَ شيخٌ كبيرٌ صاحبُ دكانٍ إمرأةً إلى زوجِهاَ بعدما خرجتْ ناشزاً عن بيتِ زوجِها فأدخلَها هذا الشيخُ إلى زوجَتِهِ فأقنعتْهَا بالعودَةِ إلى زوجِها وعادتْ دونَ أن تَصلَ أهلَهَا أو حتى يعلمَ بها أهلُها ، وفي هذا البابِ الكثيرُ منَ القِصصِ التي لا تخطرُ على بالٍ والتي تجسِّدُ رهافةَ الحسِّ الإجتماعيِّ وعظيمَ الشعورِ بالآخرينَ ، كانَ الناسُ قائمينَ على بعضٍ ، يُصلِحُ بعضُهُم شأنَ بعضٍ ، ويُطعِمُ بعضُهُم بعضاً ، ويستعيرُ بعضُهُم من بعضٍ الأوانيَ والعُدَدَ والحاجاتِ ، أين ذَهبَتْ تلكَ الألفةُ ، ألم نكنْ نحنُ أبناؤُهُم ، بلى واللهِ ، ولكنْ الذي شعَثَنَا ومزَّقَ أوصالَ مجتمعاتِنَا ، هوَ عِدَّةُ أسبابٍ مِنْ أهَمِّهَا : زوالُ حاجةِ الناسِ إلى بعضِهِم بوجودِ العمالةِ والعُدَدِ والآلياتِ ، ثم زيادةُ الخيرِ عندَ الناسِ وللهِ الحمدُ والمنةُ ، فاغتنى كلٌّ عنِ الآخرِ ، فنحمدُ اللهَ على ذلكَ ، لكنَّهُ لا ينبغِي أنْ نَفقِدَ تلكَ الخصالَ الحميدةَ الجميلةَ الرائعةَ في مُجتمعَاتِنَا ، فيجبُ على كُلِّ فَرْدٍ مِنَّا أنْ يقومَ بِوَاجِبِهِ تُجَاهَ مُجتَمَعِهِ ، وأنْ يترُكَ آثاراً طيبةً في المجتمعِ ، كُلٌّ حَسَبَ مَوْقِعِهِ وَوَظِيفَتِهِ ومكانَتِهِ في المجتمعِ ، كَمَا أنَّهُ يَجِبُ عليناَ جميعاً أنْ نَستَحضِرَ هذا الشعورَ الطيِّبَ الحسَنَ ونستجلِبَ هذا الإحساسَ الجميلَ ، لأنَّ استشعارَ ذلكَ يَجْعَلُ كُلَّ وَاحِدٍ منا يَتَحَمَّلُ مَسؤولِيَّتَهُ، وَيُؤَدِّي أَمَانَتَه
أيُّها الإخوةُ في اللهِ : حثَّ دينُنَا الحنيفُ على ترابطِ الناسِ في بُيُوتِهِم فحثَّ على البِرِّ بالوالدينِ ورعايةِ الأبناءِ واحترامِ الإِخوةِ والأخواتِ ، والإحسانِ إلى الزوجةِ فقالَ تعالى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ في بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ) ثُمَّ ننتقِلُ بعدَ ذلكَ إلى الأقاربِ قالَ سبحانَهُ (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) ثُمَّ ننتقِلُ بعدَ ذلكَ إلى الجيرانِ ثُمَّ إلى مَنْ في المُجتَمَعِ مِنْ ضَعَفَةٍ وأيتامٍ ومساكينَ وغيرِهِم ، قالَ تعالى
( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً ) بلْ لمْ يُهمِل الشارعُ مَنْ في المجتمعِ مِنْ غيرِ المسلمينَ دونَماَ وصيةٍ وتوجيهٍ ربانيٍّ ، قالَ تعالى (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) وتدَرَّجَ الشارعُ الحكيمُ في ذكرِ فئاتِ الفردِ والمجتمعِ والواجبُ تُجَاهَ كلٍّ منهُمْ إلى أنْ وَصَلَ إلى العلماءِ وولاةِ الأمرِ فقالَ تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) فهذا الشرعُ الحكيمُ الذي حاكَ هذا النسيجَ العظيمَ ، وهذهِ البُنْيةَ الإجتماعيةَ القويمةَ مِنْ خلالِ الآياتِ العظيمةِ والأحاديثِ الكريمةِ ، لهو دليلٌ على عِظَمِ هذا الدينِ وهيمنتِهِ ، فإذَا قَامَ المسلمُ بِوَاجِبِهِ عَلَى أَحْسَنِ حَالٍ فَإِنَّهُ يُسهِمُ فِي بِنَاءِ مُجْتَمَعِهِ بناءً رصيناً ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ( إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا )
أيُّها المسلمونَ : أتدرونَ أنهُ كُلَّماَ زادَ الترابُطُ والحِسُّ الإجتماعيُّ قلت المشاكلُ الإجتماعيةُ بأسرِهَا ، فقلَّ الطلاقُ وقلَّ التقاطعُ والتدابرُ والتهاجرُ وغيرُها مما يطولُ ذكرُهُ من المشاكلِ الإجتماعيةِ ، بل وقلت المشاكلُ الأمنيةُ والجنائيةُ وتلاشت المخدراتُ ، فكلما كانَ المجتمعُ متماسكاً صَعُبَ على أهلِ الفسادِ التغلغلُ فيهِ ، ولا نزالُ نثني على مجتمعاتِناَ الآنَ فهيَ وللهِ الحمدُ بخيرٍ لكنناَ نطمعُ بالمزيدِ من الخيرِ وَالْمَعْرُوفِ،قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطَبةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
أَيُّهَا الْمُسلمونَ: إِنَّ شعورَ الناسِ بقيمةِ الترابطِ الإجتماعيِّ وإيقاظَ الحسِّ الداعمِ لهذهِ الخَصلةِ الحميدةِ لهو أمرٌ مطلوبٌ حثَّ عليه الشرعُ المطهرُ بالكتابِ والسنةِ وحثتْ عليه مكارمُ الأخلاقِ حيث أنه يُقَوِّي الْعَلاَقَاتِ الفرديةِ و الإجتماعيةِ ، وَيَرْتَقِي بِالْمُجْتَمَعِ إلى أوجِ الصحةِ المجتمعيةِ وكمالِ زهوِهَا وجمالِهَا ، فَيُصْبِحَ المجتمع مُجْتَمَعًا مُتَرَابِطًا مُتَلاَحِمًا، مُتَوَادًّا مُتَرَاحِمًا كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ، مُتَمَاسِكَا كالْبُنْيَانِ، قَوِيَّا كالأَرْكَانِ فيعين الله أفراده ( وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ) هَذَا صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
بعنوان
( الحس الإجتماعي )
كتبها / عبدالله فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ ، قدَّمَ من شاءَ بفضلِهِ ، وأخرَّ من شاءَ بعدلِهِ ، هو الكريمُ الوهابُ ، هازمُ الأحزابِ ، ومنشئُ السحابِ ، ومنزلُ الكتابِ ، ومسببُ الأسبابِ ، وخَالِقُ النَّاسِ مِن تُرابٍ ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ الله ، وحدَهُ ولا شريكَ لهُ ، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ صلى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلم تسليماً كثيراً
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )
أَيُّهَا الْمُسلمونَ: كانَ المجتمعُ فيماَ مضَى أشدَّ تَماسُكاً من زمانِناَ هذاَ وذلكَ بسببِ جَودةِ الشُّعُورِ الْمُجتَمَعِيِّ ورَهَافَةِ الحِسِّ الإجتماعيِّ وشُعورِ الناسِ بِالْمَسْؤُولِيَّةِ تجاهَ الآخرينَ وثِقَةِ الناسِ بمَنْ حولَهُم وصفاءِ قلوبِ الناسِ ونقاوةِ سرائرِهم ، كانَ الحيُّ في ذلكَ الزمانِ بيتاً واحداً يقومُ أدناهُ على أقصاهُ ، ويُحافظُ حاضرُهُ على غائِبِهِ ، ويجودُ موسِرُهُ على مُعسِرِهِ ، تَكافُلٌ في شتَّى المَنَاحِي ، ومحبةٌ ومودةٌ بينَ أفرادِ المجتمعِ ، فأصبحَ البيتُ الواحدُ في زمانِناَ هذاَ حارةً كاملةً كلٌّ على رأسِهِ هذاَ خارجٌ وهذا داخلٌ وهذا نائمٌ وهذا قائمٌ ، وقَدْ لا يجتمعُ أهلُ البيتِ على غداءٍ ولا عشاءٍ إلاَّ في الإسبوعِ مرةً واحدةً وإذا اجتمعُوا اجتمعُوا وكلُّ واحدٍ في وادٍ مع الجوالِ ووسائلِ التواصلِ التي قطَّعَت المَفاصلَ ، فماذا حلَّ بالناسِ ، في حيٍّ منَ الأحياءِ القريبةِ جاءتْ أمطارٌ قبلَ سنين ، وسقطَ جدارٌ يفصِلُ بينَ جارينِ ، ومكثَ هذا الجدارُ أربعينَ سنةً لم يُبنَ ، كلُّ جارٍ مستحييٍ منْ جارِهِ أنْ يُعيدَ بناؤُهُ ، وفي حيٍّ آخرَ أعادَ شيخٌ كبيرٌ صاحبُ دكانٍ إمرأةً إلى زوجِهاَ بعدما خرجتْ ناشزاً عن بيتِ زوجِها فأدخلَها هذا الشيخُ إلى زوجَتِهِ فأقنعتْهَا بالعودَةِ إلى زوجِها وعادتْ دونَ أن تَصلَ أهلَهَا أو حتى يعلمَ بها أهلُها ، وفي هذا البابِ الكثيرُ منَ القِصصِ التي لا تخطرُ على بالٍ والتي تجسِّدُ رهافةَ الحسِّ الإجتماعيِّ وعظيمَ الشعورِ بالآخرينَ ، كانَ الناسُ قائمينَ على بعضٍ ، يُصلِحُ بعضُهُم شأنَ بعضٍ ، ويُطعِمُ بعضُهُم بعضاً ، ويستعيرُ بعضُهُم من بعضٍ الأوانيَ والعُدَدَ والحاجاتِ ، أين ذَهبَتْ تلكَ الألفةُ ، ألم نكنْ نحنُ أبناؤُهُم ، بلى واللهِ ، ولكنْ الذي شعَثَنَا ومزَّقَ أوصالَ مجتمعاتِنَا ، هوَ عِدَّةُ أسبابٍ مِنْ أهَمِّهَا : زوالُ حاجةِ الناسِ إلى بعضِهِم بوجودِ العمالةِ والعُدَدِ والآلياتِ ، ثم زيادةُ الخيرِ عندَ الناسِ وللهِ الحمدُ والمنةُ ، فاغتنى كلٌّ عنِ الآخرِ ، فنحمدُ اللهَ على ذلكَ ، لكنَّهُ لا ينبغِي أنْ نَفقِدَ تلكَ الخصالَ الحميدةَ الجميلةَ الرائعةَ في مُجتمعَاتِنَا ، فيجبُ على كُلِّ فَرْدٍ مِنَّا أنْ يقومَ بِوَاجِبِهِ تُجَاهَ مُجتَمَعِهِ ، وأنْ يترُكَ آثاراً طيبةً في المجتمعِ ، كُلٌّ حَسَبَ مَوْقِعِهِ وَوَظِيفَتِهِ ومكانَتِهِ في المجتمعِ ، كَمَا أنَّهُ يَجِبُ عليناَ جميعاً أنْ نَستَحضِرَ هذا الشعورَ الطيِّبَ الحسَنَ ونستجلِبَ هذا الإحساسَ الجميلَ ، لأنَّ استشعارَ ذلكَ يَجْعَلُ كُلَّ وَاحِدٍ منا يَتَحَمَّلُ مَسؤولِيَّتَهُ، وَيُؤَدِّي أَمَانَتَه
أيُّها الإخوةُ في اللهِ : حثَّ دينُنَا الحنيفُ على ترابطِ الناسِ في بُيُوتِهِم فحثَّ على البِرِّ بالوالدينِ ورعايةِ الأبناءِ واحترامِ الإِخوةِ والأخواتِ ، والإحسانِ إلى الزوجةِ فقالَ تعالى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ في بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ) ثُمَّ ننتقِلُ بعدَ ذلكَ إلى الأقاربِ قالَ سبحانَهُ (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) ثُمَّ ننتقِلُ بعدَ ذلكَ إلى الجيرانِ ثُمَّ إلى مَنْ في المُجتَمَعِ مِنْ ضَعَفَةٍ وأيتامٍ ومساكينَ وغيرِهِم ، قالَ تعالى
( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً ) بلْ لمْ يُهمِل الشارعُ مَنْ في المجتمعِ مِنْ غيرِ المسلمينَ دونَماَ وصيةٍ وتوجيهٍ ربانيٍّ ، قالَ تعالى (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) وتدَرَّجَ الشارعُ الحكيمُ في ذكرِ فئاتِ الفردِ والمجتمعِ والواجبُ تُجَاهَ كلٍّ منهُمْ إلى أنْ وَصَلَ إلى العلماءِ وولاةِ الأمرِ فقالَ تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) فهذا الشرعُ الحكيمُ الذي حاكَ هذا النسيجَ العظيمَ ، وهذهِ البُنْيةَ الإجتماعيةَ القويمةَ مِنْ خلالِ الآياتِ العظيمةِ والأحاديثِ الكريمةِ ، لهو دليلٌ على عِظَمِ هذا الدينِ وهيمنتِهِ ، فإذَا قَامَ المسلمُ بِوَاجِبِهِ عَلَى أَحْسَنِ حَالٍ فَإِنَّهُ يُسهِمُ فِي بِنَاءِ مُجْتَمَعِهِ بناءً رصيناً ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ( إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا )
أيُّها المسلمونَ : أتدرونَ أنهُ كُلَّماَ زادَ الترابُطُ والحِسُّ الإجتماعيُّ قلت المشاكلُ الإجتماعيةُ بأسرِهَا ، فقلَّ الطلاقُ وقلَّ التقاطعُ والتدابرُ والتهاجرُ وغيرُها مما يطولُ ذكرُهُ من المشاكلِ الإجتماعيةِ ، بل وقلت المشاكلُ الأمنيةُ والجنائيةُ وتلاشت المخدراتُ ، فكلما كانَ المجتمعُ متماسكاً صَعُبَ على أهلِ الفسادِ التغلغلُ فيهِ ، ولا نزالُ نثني على مجتمعاتِناَ الآنَ فهيَ وللهِ الحمدُ بخيرٍ لكنناَ نطمعُ بالمزيدِ من الخيرِ وَالْمَعْرُوفِ،قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطَبةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
أَيُّهَا الْمُسلمونَ: إِنَّ شعورَ الناسِ بقيمةِ الترابطِ الإجتماعيِّ وإيقاظَ الحسِّ الداعمِ لهذهِ الخَصلةِ الحميدةِ لهو أمرٌ مطلوبٌ حثَّ عليه الشرعُ المطهرُ بالكتابِ والسنةِ وحثتْ عليه مكارمُ الأخلاقِ حيث أنه يُقَوِّي الْعَلاَقَاتِ الفرديةِ و الإجتماعيةِ ، وَيَرْتَقِي بِالْمُجْتَمَعِ إلى أوجِ الصحةِ المجتمعيةِ وكمالِ زهوِهَا وجمالِهَا ، فَيُصْبِحَ المجتمع مُجْتَمَعًا مُتَرَابِطًا مُتَلاَحِمًا، مُتَوَادًّا مُتَرَاحِمًا كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ، مُتَمَاسِكَا كالْبُنْيَانِ، قَوِيَّا كالأَرْكَانِ فيعين الله أفراده ( وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ) هَذَا صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.