المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أقرب من شِراك النَّــعْـل



محمدالمهوس
16-11-2017, 12:40
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إنّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وأشْهَدُ أنّ مُـحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاس / أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللّهِ تَعَالَى فَهِيَ وَصِيَّةُ اللهِ تَعَالَى لِلأَوَّلِينَ وَالآخَرِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ((وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ))
أَيُّها الْمُسْلِمونَ / الجَنَّةُ أَمْنِيَةُ كُلِّ مُؤْمِنٍ، وَحِلْمُ كُلِّ مُسْلِمٍ، وَمَطْلَبُ كُلِّ مُوَحِّدٍ، وَفَوْزُ كُلِّ تَقِيٍّ، مِنْ أَجْلِهَا جَدَّ المُخْلِصُونَ، وَاِجْتَهَدَ المُوَحِّدُونَ، وَشَمَّرَ الْمُـتَّقُونَ.
الفَوْزُ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ هُوَ الفَوْزُ الحَقِيقِيُّ العَظِيمُ، كَمَا قَالَ الرَّبُّ الكَرِيمُ ((فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ))
وَقَدْ يَتَصَوَّرُ البَعْضُ أَنَّ طَرِيقَ الجَنَّةِ طَوِيلٌ وَشَاقٌّ يَحْتَاجُ إِلَى أَعْمَالٍ مُتْعِبَةٍ وَجُهُودٍ مُضْنِيَةٍ لَا يَسْتَطِيعُ إِلَيْهَا سَبِيلًا، وَلَا لَهَا وُصُولًا ؛إِلَّا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَّرَنَا بِأَنَّ طَرِيقَ الجَنَّةِ سَهْلٌ مُيَسِّرٌ قَرِيبٌ لِمَنْ وَفْقُهُ اللّهُ تَعَالَى وَأَعَانَهُ، فَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ اِبْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "الجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ " وَشِرَاكُ النَّعْلِ هُوَ سيْرُ النَّعْلِ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ ،وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الإِنْسَانِ جِدًّا، وَيُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي القُرْبِ، وَهَذَا الحَدِيثُ مِمَّا يَبْعَثُ فِي النَّفْسِ الرَّجَاءَ العَظِيمَ وَالأَمَلَ، كَمَا يَبْعَثُ فِيهَا الخَوْفَ الشَّدِيدَ وَالْوَجَلَ؛ لِأَنَّ الجَنَّةَ وَالنَّارَ كِلَاهُمَا قَرِيبَتَانِ لِلعَبْدِ، وَلِذَلِكَ قَالَ اِبْنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ الله: يَنْبَغِي لِلمَرءِ أَلَّا يَزْهَدَ فِي قَلِيلٍ مِنْ الخَيْرِ أَنْ يَأْتِيَهُ، وَلَا فِي قَلِيلٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَجْتَنِبَهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ الحَسَنَةَ الَّتِي يَرْحَمُهُ اللهُ بِهَا، وَلَا السَّيِّئَةَ الَّتِي سَخِطَ عَلَيْهِ بِهَا. أ.ه
وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِي اللهُ عَنْهُ ، قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ "
قَالَ اِبْنُ الْـجَوْزِيُّ رَحِمَهُ اللهُ : تَحْصِيلُ الجَنَّةِ سَهْلٌ بِتَصْحِيحِ القَصْدِ وَفِعْلِ الطَّاعَةِ، وَالنَّارُ كَذَلِكَ بِمُوَافَقَةِ الْـهَـــوَى وَفِعْلِ المَعْصِيَةِ.
فَإِذَا أَخْلَصَ العَبْدُ فِي عِبَادَتِهِ ،وَاحْتَسَبَ الأَجْرَ مِنَ اللّهِ تَعَالَى فِي عَمَلِهِ ،فَلَا يَحْتَقِرُ أَيَّ عَمَلٍ يَصْنَعُهُ، كَمَا لَا يَحْتَقِرُ أَيَّ مَعْصِيَةٍ يَفْعَلُهَا، فَقَدْ تَكُونُ الطَّاعَةُ تِلْكَ سَبَبًا فِي نَجَاتِهِ وَدُخُولِهِ الجَنَّةِ، وَقَدْ تَكُونُ المَعْصِيَةُ أَيْضاً سَبَبًا فِي هَلَاكِهِ وَدُخُولِهِ النَّارِ؛ وَلَوْ كَانَتْ كَلِمَةٌ ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :"إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ" رَواهُ الْبُخَارِيُّ
فَبِكَلِمَةٍ قُدْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ . وَبِسَبَبِ كَلِمَةٍ قُدْ يَدْخُلُ العَبْدُ النَّارَ ، فَعَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قَالَ رَجُلٌ : وَاللَّهِ لا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلانٍ ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلِيَّ أنْ لا أَغْفِرَ لِفُلانٍ ،فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلانٍ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ " رَواهُ مُسْلِمٌ
وَقَدْ دَخَلَ رَجُلٌ الجَنَّةَ بِغُصْنِ شَوْكٍ نَحَّاهُ عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ ،فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " نَزَعَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ غُصْنَ شَوْكٍ عَنِ الطَّرِيقِ ، إِمَّا كَانَ فِي شَجَرَةٍ فَقَطَعَهُ فَأَلْقَاهُ ، وَإِمَّا كَانَ مَوْضُوعًا فَأَمَاطَهُ ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ بِهَا ، فَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ "مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
وَدَخَلَتِ اِمْرَأَةٌ النَّارَ بِسَبَبٍ هِرَّةٍ ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
فَالْجَنَّةُ قَرِيبَةٌ وَيَسِيرَةٌ عَلَى مَنْ وَفَّقَهُ اللهُ ، وَفَتَحَ لَهُ أَبْوَابَ الطَّاعَةِ وَالخَيْرَ. وَالنَّارُ قَرِيِبَةٌ مِنَ الْـمَخْذُولِ الشَّقِيِّ الَّذِي أَوْبَقَتْهُ الذُّنُوبُ ،وَفَارِقَهُ عُونُ اللهِ وَتَوْفِيقُهُ.
اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لَنَا، وَاِرْحَمْنَا، وَارْضَ عَنَا، وَتَقَبَّلْ مِنَّا، وَأَدْخِلْنَا الجَنَّةَ، وَنَجِّنَا مِنْ النَّارِ، وَأَصْلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ يَارَبَّ العَالَمِينَ.
،باركَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الكتابِ والسُّنة، وَنَفَعنا بِما فِيهِما مِنَ الآياتِ وَالْحِكْمَةِ ،أقولُ قَوْلِي هَذا، واسْتغفرِ اللهُ لِي وَلَكُم مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَإنّه هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيِمِ

اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَانِهِ ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً ، أمّا بَعْدُ :
عِبَادَ اللهِ / اِتَّقَوْا اللّه تَعَالَى، وَتَأَمَّلُوا سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ ((وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ))
فَهَؤُلَاءِ قَالُوا فَقَطْ كَلَامَاً فِيمَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ قَالُوا : مَا رَأَيْنَا مِثْلَ قُرَّائِنَا هَؤُلَاءِ ، أَرْغَبَ بُطُونًا ، وَلَا أَكْذَبَ أَلْسُنًا ، وَلَا أَجْبَنَ عِنْدَ اللِّقَاءِ؛ فَكَانَ كَلَامُهُمْ سَبَبًا فِي كُفْرِهِمْ وَدُخُولِهِمُ النَّارِ.
فَيَنْبَغِي الحَذَرُ مِنْ الكَلَامِ بِالنَّاسِ، وَاِنْتِقَاصِهِمْ وَازْدِرَائِهِمْ فَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللهِ الَّذِي قَالَ فِيهِمْ رَسُولُنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ " رَواهُ الْبُخَارِي
قَالَ عَلِيٌّ بِنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ: إِنَّ اللهَ أَخْفَى اِثْنَتَيْنِ: أَخْفَى اللهُ أَوْلِيَاءَهُ فِي عِبَادِهِ، فَلَا تَدْرِي مَنْ تَلْقَاهُ أَيُّهُمْ وَلِيٌّ لِلّهِ، وَأَخْفَى رِضَاهُ فِي طَاعَتِهِ، فَلَا تَدْرِي أَيَّ طَاعَةٍ أَطَعْتَ اللهُ بِهَا كَانَتْ سَبَبًا فِي رِضْوَانِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْكَ.
فَاتَّقُوْا الله عِبَادَ اللهِ، وَاجْمَعُوا بِيْنَ الإِخْلَاصِ وَالاِتِّبَاعِ، وَاكْثِرُوا مِنْ العَمَلِ الصَّالِحِ مَا اِسْتَطَعْتُمْ وَسَلُوا رَبَّكُمُ القَبُولُ ، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ ، فَقَالَ (( إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا )) وقال ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(( مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) رَوَاهُ مُسْلِم .