المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العمل الصالح في الأيام العشر ( خطبة جمعة )



محمدالمهوس
23-08-2017, 17:21
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إنّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وأشْهَدُ أنّ مُـحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )) ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيِثِ كِتَابُ اللهِ ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم، وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثاتُها ،وَكُلَّ مُحْدثةٍ بِدْعَةٍ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٍ، وكُلَّ ضَلالةٍ فِي النّارِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ / نحنُ فيِ أيَّامٍ فضَّل اللهُ زمَانَها، وعَظَّم اللهُ شأنَها، وأقْسَمَ اللهُ بِهَا فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ: ((وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ )) فمِنَ الْواجِبِ عَلَيْنَا تعظيمَ هَذهِ الأيَّامِ وَتَـمْيِيزَها عَنْ غَيْرِهَا بِشَتَّى أَنْواعِ الْعِبَاداتِ
وفي البخاري وغيرِه عنِ ابنِ عَباسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((مَا مِنْ أيّامٍ الْعَمَلُ الصّالِحُ فِيهنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْهُ في هذِهِ الأيّامِ الْعَشْرِ)) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا الْـجِهَادُ فِي سَبيلِ اللهِ؟ قال: ((ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ، إلّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ولَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذلك بِشيءٍ))
فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى عِظَمِ هَذِهِ الأَيَّامِ، وَفَضْلِ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فِيهَا، حَتَّى إِنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ الجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا مَنْ خَرَجَ لِيُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَاُسْتُشْهِدَ وَسُلِبَ مَالُهُ وَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلكَ بِشَيْءٍ.
وَالْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ اِسْمٌ عَامٌّ لِكُلِّ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ مِنْ الأَقْوالِ وَالأعْمَالِ الظَّاهِرَةِ والْبَاطِنَةِ ، وَتَشْمَلُ صِيامَ هَذِهِ الْأيَّامِ، أَوْ مَا تَيْسَرَ مِنهَا، وَبِالْأَخَصِّ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَتَشْمَلُ نَوَافِلَ الْعِبَادَاتِ مِنْ صَلَاَةٍ، وَصدقةٍ، وَتِلَاوَةٍ لِكِتَابِ اللَّهِ، وَأَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ، وَنَهْيٍ عَنْ مُنْكِرٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ،
وَيَعُودُ سَبَبُ تَعْظِيمِ هَذِهِ الْأيَّامِ عِبَاد اللَّهِ لِعِدَّةِ أُمُورٍ مِنْها : أَنَّ فِيهَا الْأيَّامَ الْمُبَارَكَةَ كَيَوْمِ التَّرْوِيَةِ ، وَيَوْمِ عرفةَ، الَّذِي هُوَ يَوْمُ الْمَغْفِرَةِ وَالرّحمةِ وَالتَّجَلِّي وَالْمُبَاهَاةِ، فَفِي صَحِيح مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ ))
وَقَدْ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عرفةَ فَقَالٍ:(( يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ)) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ.
فَهَذِهِ الْأيَّامُ هِي الْأيَّامُ الَّتِي جَمَعَتْ أَرْكَانَ الْإِسْلَامِ، فَفِيهَا ذِكْرٌ وَشَهَادَةٌ وَإحْسَانٌ وَتَوْحِيدٌ، وَكَثْرَةُ عِبَادَةٍ مَنْ صِيَام وَصَلَاَةٍ وَحَجٍّ، وَغيرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَهِيَ قَلِيلَةٌ فِي عَدَدِهَا، وَلَكِنّهَا كَثِيرَةٌ بِأَعْمَالِ الْخَيْرِ وَالْبَرِّ، وَالْفَضْلِ فِيهَا لِلْحَاجِّ وَغَيْرِ الْحَاجِّ.
وَفِي هَذِهِ الْأيَّامِ يَوْمُ النَّحْرِ وَهُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرِ وَالَّذِي اِجْتَمَعَ مَعَ أفْضَلِ أيَّامِ الْأُسْبُوعِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ؛ كَمَا فِي حَديثِ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ يَوْمُ الجُمُعَةِ؛ فيه خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ منها، ولا تَقُومُ السَّاعَةُ إلا في يَوْمِ الجُمُعَةِ))؛ رَوَاهُ مُسْلِم .
وَفِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ أَعْلَنَ أَبُو بِكْرٍ رَضِيَ اللَّه عَنهُ لَمَّا حَجَّ بِالنَّاسِ سَنَةَ تِسْع تَحْرِيمَ الْحَجِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَتَخْصِيصَ حَرَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنَاسِكَهُ لِلْمُوَحِّدِينَ ؛ تَطْهِيرًا لِلْبَيْتِ وَالْمَنَاسِكِ مِنَ الشِّرْكِ وَأَهِلِهِ، وَتَمْهِيدًا لِحَجِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَانَ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ؛ قَالَ أَبَو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَنِي أبو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في تِلْكَ الحَجَّةِ في المُؤَذِّنِينَ، بَعَثَهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ يُؤَذِّنُونَ بِمِنًى: أَلاَّ يَحُجَّ بَعْدَ العَامِ مُشْرِكٌ، ولا يَطُوفَ بِالبَيْتِ عُرْيَانٌ))
وَهَذَا الْيَوْمُ هُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأكْبَرِ فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ وَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ وَقَالَ ((هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ )) رَواهُ الْبُخَارِيُّ
وَفِيهِ تُذْبَحُ الضَّحَايَا وَالهَدَايَا، وَفِيهِ وَدَّعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ، فَعَلِمَ بَعْضُ الصحابة بِقُرْبِ أَجَلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي حَدِيثِ اِبْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: وَقَفَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْـجَمَرَاتِ في الحَجَّةِ التي حَجَّ بِـهَا، وَقَالَ: ((هذا يَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ))، فَطَفِقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :((اللَّهُمَّ اشْهَدْ، وَوَدَّعَ النَّاسَ)) فَقَالُوا: هَذِهِ حَجَّةُ الوَدَاعِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
فَاِتَّقَوْا اللّه تَعَالَى وَعَظِّمُوا شَعَائِرَهُ، وَقِفُوا عِنْدَ حُدُودِهُ، وَاِجْتَنِبُوا حُرْمَاتِهُ (( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ ((
، باركَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الكتابِ والسُّنة، وَنَفَعنا بِما فِيهِما مِنَ الآياتِ وَالْحِكْمَةِ ،أقولُ قَوْلِي هَذا، واسْتغفرِ اللهُ لِي وَلَكُم مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَإنّه هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمِ
اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَانِهِ ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً ، أمّا بَعْدُ :
اِتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ وَاِحْرِصُوا عَلَى مُضَاعَفَةِ العَمَلِ الصَّالِحِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ المُبَارَكَةِ فَالعَمَلُ الصَّالِحُ الخَالِصُ لِلهِ تَعَالَى سَبَبٌ لِتَكْفِيرِ العَمَلِ الفَاسِدِ كَمَا قَالَ تَعَالَى ((وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ )) وَالعَمَلُ الصَّالِحٌ سَبَبُ سَعَادَةِ العَبْدِ فِي الدَّارَيْنِ وَطَرِيقٍ مُوصِلٍ إِلَى جَنَّتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى ((وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ((فَاتَّقُوْا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا وَاسْئَلُوا رَبَّكُمْ الرَّحْمَةَ وَالْمَغْفِرَةَ وَالقَبُولَ، فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( لَنْ يُنَجِّيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ قَالُوا وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَاغْدُوا وَرُوحُوا وَشَيْءٌ مِنْ الدُّلْجَةِ وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا)) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ ، فَقَالَ (( إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا )) وقال ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(( مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) رَوَاهُ مُسْلِم .