محمدالمهوس
15-06-2017, 18:26
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إنّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وأشْهَدُ أنّ مُـحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )) ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيِثِ كِتَابُ اللهِ ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم، وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثاتُها ،وَكُلَّ مُحْدثةٍ بِدْعَةٍ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٍ، وكُلَّ ضَلالةٍ فِي النّارِ . أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ / وَمضَتِ اللّياليُ والأيامُ، فإذا نحنُ الآنَ في أفْضَلِ ليالي العام، العشرِ المباركة، عشرِ التجلياتِ والنفحات وإقالةِ العثرات واستجابةِ الدعوات.
وإنها - والله - لنعمةٌ كبرى أنْ تفضّلَ اللهُ علينا ومدَّ في أعمارنا حتى بلغنا هذه العشْر المباركة، وإنَّ منْ تمامِ شُكر هذه النعمة أنْ نَغْتَنِمَها بالأعْمالِ الصَّالحة، فهل نحنْ كذلك؟! نشْكو إلى الله ضعفًا في نفوسنا ، وقسوةً في قلوبنا الغارقةِ في بُحور الغفلة.
عبادَ الله / ظاهرةٌ مؤسِفةٌ يتألمُ لها المؤمنُ ويحترقُ لها قلبُه حسرةً في مثلِ هذه الأيام المباركة، إنَّها ظاهرةُ ضعفِ الإقْبال على العبادة ،والطاعةِ في العشر الأواخر من رمضان، يَظْهَرُ هذا الأمرُ جليًا في عدد المصلين في الأيّام الأولى منْ رمضان، وعددِهم في الأيام الأخيرة منه.
فَسُبحانَ الله! تُهْجرُ المساجدُ وتُعْمَرُ الأسواقُ في أعظمِ لياليِ السنة وأفضلِها، بل وفي الساعة المباركةِ التي ينزلُ فيها ربُّنا تبارك وتعالى إلى السَّماءِ الدنيا ليُعطيَ السائلينَ ,ويغفرُ لِلمُذنِبينَ في الثُّلث الأخير من الليل.
فاللهَ اللهَ - أيُّها الْمُسْلِمونَ - باغتنامِ هذه الفرصةِ العظيمة، فواللهِ لا يدري أحدُنا هل يدركُها مرةً أخرى أم يكونُ ساعتَها تحتَ الأرض مرهوناً بما قدّم لنفسه. وهي ليالٍ معدودةٍ تمرُّ سريعًا، والمُوفّقُ من وفّقه الله لِاغْتنامها والإقبالِ على الله فيها.
معَ أنَّ الإقبالَ على طاعة الله والتقربَ إليه مطلوبٌ في كل حال، ولكنّه في العشر الأخيرة من رمضان أعظمُ فضلاً وأكثرُ أجرًا حيث يقترن فيها الفضلُ بالفضل، فضلُ العبادة وفضلُ الزمان ، ولنا في مُرْشدِ البشرية صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيرُ أسوةٍ ، فقد روَى البخاري ومسلم من حديثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ. وفي رواية لمسلم: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ.
عبادَ الله / اهْجُرُوا لذيذَ النَّوم وجحيمَ الكسل، وانصِبُوا أقدامَكم، وارْفَعُوا هِمَمَكُمْ، وادفِنوا فُتُوركَم، وكونُوا ممن قال اللهُ فيهم: ((تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا )) واحْرصوا أنْ تُدركوا الليلةَ العظيمةَ التي لا يُحرم خيرُها إلا محرومٌ، ليلةُ العتق والمباهاة، ليلة القرب والمناجاة، ليلة نزول القرآن، ليلة الرحمة والغفران، ليلةٌ هِيَ أمُّ الليالي، كثيرةُ البرَكات، عزِيزَةُ السّاعات، القليلُ منَ العمَلِ فيها كَثير، والكثيرُ منه مضَاعَف، ((لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا))
ليلةٌ قال عنها رسولُنا صلى الله عليه وسلم ((مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)) متفق عليه من حديث أبي هريرة
عبادَ الله / أكْثروا من دعاءِ ربِّكم ،وألحُّوا على الكريم الأكرم في هذه الأيّام خصوصاً وفي غيرها ،فأبوابُ الكريمِ فيها تُفْتَح، والكريم فيها يمنَح، فسَلوا فيها ما شِئْتُم فالمعطِي عظيم، وأيقِنوا بالإجابةِ فالرَّبُّ كريمٌ ، وقدْ سألتْ أمُّ المؤمنينَ عائشةُ رَضِيَ اللهُ عَنْها رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَدْعُو؟ قَالَ: (( تَقُولِينَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي ))
رواه ابنُ ماجه في سننه وصححه الألباني .
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكَمَ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنْ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمِ .
اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَانِهِ ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ ، صَلّى الله عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً ، أمّا بعدُ عباد الله / فإنَّ من السُّننِ المؤكدةِ في هذه العشرِ والَّتي كانَ يُحافِظ عليها المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يتركْها حتى مات، سُنّة ُالاعْتكاف،فقد كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعتكفُ هذه العشرَ طلبًا لِليْلة القدر حتى توفاه الله، ثمّ اقْتدى به في ذلك أزواجُه وأصحابُه رضي الله عنهم أجمعين. فمن تيسّرت له هذه السُّنةُ فلا يَحْرِمْ نفسَه من هذه السُّنّةِ المحمديّة ؛ فإنَّها بَلسمٌ للقلوب ودواءٌ لآفاتها، فإنْ لمْ يتيسرْ له اعتكافَ العَشرِ فلْيعتكفْ بعضَ الأيام، فإنْ لمْ يتيسرْ لهُ فلْيعتكفْ ليلةً، فمن دخلَ المسجد قبل المغرب وخرج بعد الفجر كُتِبَ له اعتكافُ ليلةٍ .
فاتَّقُوا اللهَ - عباد الله - وأنِيبُوا إليه، وأخْلِصُوا لهُ، ولازِمُوا التوبةَ والاستغفار، واشكروا الله الذي هداكم للإيمان وبلّغكم شهرَ الصيام وأعانَكم على صيامه وقيامه، واغتنموا هذه العشرَ الأواخرَ بالاجتهادِ في العبادة متأسّينَ بِرسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابِهِ منَ بعده، لتِفُوزوا بخيري الدنيا والآخرة.
اللهم يسّر لنا الأمور ، واشرحْ لنا الصُّدور ، وزدْنا هُدىً وسداداً , وفلاحاً ورشاداً ياربَّ العالمين .
هذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا – رَحِمَنِي اللهُ وَإِيّاكُم – على مَنْ أَمَرَ اللهُ باِلصّلاةِ والسّلامِ عَلَيْهِ ، فَقَال : إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56] وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى الله ُعَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) [ رواه مسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه ]
اللّهم صَلّي وَسَلّم على عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحمّد ، وعلى آلِه وَصَحْبهِ أَجْمَعِينَ ، وارضَ اللّهُمَّ عن الخلفاء الراشدينَ : أبي بكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ وَعَلي ، وعن بقيةِ الْعَشَرَةِ المبشرينَ بالجنة ، وعن صحابة رسولِكَ أجْمَعينَ ، وعَنِ التابعينَ وتابعيـهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين ، وعنّا مَعَهُم بِرحمتـكَ يا أرْحم الراحمين .
إنّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وأشْهَدُ أنّ مُـحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )) ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيِثِ كِتَابُ اللهِ ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم، وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثاتُها ،وَكُلَّ مُحْدثةٍ بِدْعَةٍ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٍ، وكُلَّ ضَلالةٍ فِي النّارِ . أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ / وَمضَتِ اللّياليُ والأيامُ، فإذا نحنُ الآنَ في أفْضَلِ ليالي العام، العشرِ المباركة، عشرِ التجلياتِ والنفحات وإقالةِ العثرات واستجابةِ الدعوات.
وإنها - والله - لنعمةٌ كبرى أنْ تفضّلَ اللهُ علينا ومدَّ في أعمارنا حتى بلغنا هذه العشْر المباركة، وإنَّ منْ تمامِ شُكر هذه النعمة أنْ نَغْتَنِمَها بالأعْمالِ الصَّالحة، فهل نحنْ كذلك؟! نشْكو إلى الله ضعفًا في نفوسنا ، وقسوةً في قلوبنا الغارقةِ في بُحور الغفلة.
عبادَ الله / ظاهرةٌ مؤسِفةٌ يتألمُ لها المؤمنُ ويحترقُ لها قلبُه حسرةً في مثلِ هذه الأيام المباركة، إنَّها ظاهرةُ ضعفِ الإقْبال على العبادة ،والطاعةِ في العشر الأواخر من رمضان، يَظْهَرُ هذا الأمرُ جليًا في عدد المصلين في الأيّام الأولى منْ رمضان، وعددِهم في الأيام الأخيرة منه.
فَسُبحانَ الله! تُهْجرُ المساجدُ وتُعْمَرُ الأسواقُ في أعظمِ لياليِ السنة وأفضلِها، بل وفي الساعة المباركةِ التي ينزلُ فيها ربُّنا تبارك وتعالى إلى السَّماءِ الدنيا ليُعطيَ السائلينَ ,ويغفرُ لِلمُذنِبينَ في الثُّلث الأخير من الليل.
فاللهَ اللهَ - أيُّها الْمُسْلِمونَ - باغتنامِ هذه الفرصةِ العظيمة، فواللهِ لا يدري أحدُنا هل يدركُها مرةً أخرى أم يكونُ ساعتَها تحتَ الأرض مرهوناً بما قدّم لنفسه. وهي ليالٍ معدودةٍ تمرُّ سريعًا، والمُوفّقُ من وفّقه الله لِاغْتنامها والإقبالِ على الله فيها.
معَ أنَّ الإقبالَ على طاعة الله والتقربَ إليه مطلوبٌ في كل حال، ولكنّه في العشر الأخيرة من رمضان أعظمُ فضلاً وأكثرُ أجرًا حيث يقترن فيها الفضلُ بالفضل، فضلُ العبادة وفضلُ الزمان ، ولنا في مُرْشدِ البشرية صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيرُ أسوةٍ ، فقد روَى البخاري ومسلم من حديثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ. وفي رواية لمسلم: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ.
عبادَ الله / اهْجُرُوا لذيذَ النَّوم وجحيمَ الكسل، وانصِبُوا أقدامَكم، وارْفَعُوا هِمَمَكُمْ، وادفِنوا فُتُوركَم، وكونُوا ممن قال اللهُ فيهم: ((تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا )) واحْرصوا أنْ تُدركوا الليلةَ العظيمةَ التي لا يُحرم خيرُها إلا محرومٌ، ليلةُ العتق والمباهاة، ليلة القرب والمناجاة، ليلة نزول القرآن، ليلة الرحمة والغفران، ليلةٌ هِيَ أمُّ الليالي، كثيرةُ البرَكات، عزِيزَةُ السّاعات، القليلُ منَ العمَلِ فيها كَثير، والكثيرُ منه مضَاعَف، ((لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا))
ليلةٌ قال عنها رسولُنا صلى الله عليه وسلم ((مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)) متفق عليه من حديث أبي هريرة
عبادَ الله / أكْثروا من دعاءِ ربِّكم ،وألحُّوا على الكريم الأكرم في هذه الأيّام خصوصاً وفي غيرها ،فأبوابُ الكريمِ فيها تُفْتَح، والكريم فيها يمنَح، فسَلوا فيها ما شِئْتُم فالمعطِي عظيم، وأيقِنوا بالإجابةِ فالرَّبُّ كريمٌ ، وقدْ سألتْ أمُّ المؤمنينَ عائشةُ رَضِيَ اللهُ عَنْها رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَدْعُو؟ قَالَ: (( تَقُولِينَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي ))
رواه ابنُ ماجه في سننه وصححه الألباني .
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكَمَ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنْ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمِ .
اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَانِهِ ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ ، صَلّى الله عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً ، أمّا بعدُ عباد الله / فإنَّ من السُّننِ المؤكدةِ في هذه العشرِ والَّتي كانَ يُحافِظ عليها المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يتركْها حتى مات، سُنّة ُالاعْتكاف،فقد كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعتكفُ هذه العشرَ طلبًا لِليْلة القدر حتى توفاه الله، ثمّ اقْتدى به في ذلك أزواجُه وأصحابُه رضي الله عنهم أجمعين. فمن تيسّرت له هذه السُّنةُ فلا يَحْرِمْ نفسَه من هذه السُّنّةِ المحمديّة ؛ فإنَّها بَلسمٌ للقلوب ودواءٌ لآفاتها، فإنْ لمْ يتيسرْ له اعتكافَ العَشرِ فلْيعتكفْ بعضَ الأيام، فإنْ لمْ يتيسرْ لهُ فلْيعتكفْ ليلةً، فمن دخلَ المسجد قبل المغرب وخرج بعد الفجر كُتِبَ له اعتكافُ ليلةٍ .
فاتَّقُوا اللهَ - عباد الله - وأنِيبُوا إليه، وأخْلِصُوا لهُ، ولازِمُوا التوبةَ والاستغفار، واشكروا الله الذي هداكم للإيمان وبلّغكم شهرَ الصيام وأعانَكم على صيامه وقيامه، واغتنموا هذه العشرَ الأواخرَ بالاجتهادِ في العبادة متأسّينَ بِرسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابِهِ منَ بعده، لتِفُوزوا بخيري الدنيا والآخرة.
اللهم يسّر لنا الأمور ، واشرحْ لنا الصُّدور ، وزدْنا هُدىً وسداداً , وفلاحاً ورشاداً ياربَّ العالمين .
هذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا – رَحِمَنِي اللهُ وَإِيّاكُم – على مَنْ أَمَرَ اللهُ باِلصّلاةِ والسّلامِ عَلَيْهِ ، فَقَال : إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56] وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى الله ُعَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) [ رواه مسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه ]
اللّهم صَلّي وَسَلّم على عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحمّد ، وعلى آلِه وَصَحْبهِ أَجْمَعِينَ ، وارضَ اللّهُمَّ عن الخلفاء الراشدينَ : أبي بكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ وَعَلي ، وعن بقيةِ الْعَشَرَةِ المبشرينَ بالجنة ، وعن صحابة رسولِكَ أجْمَعينَ ، وعَنِ التابعينَ وتابعيـهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين ، وعنّا مَعَهُم بِرحمتـكَ يا أرْحم الراحمين .