محمدالمهوس
31-05-2017, 01:55
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إنّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وأشْهَدُ أنّ مُـحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )) ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيِثِ كِتَابُ اللهِ ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم، وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثاتُها ،وَكُلَّ مُحْدثةٍ بِدْعَةٍ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٍ، وكُلَّ ضَلالةٍ فِي النّارِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ / روَى البُخاريُّ ومُسلمٌ في صَحيحَيْهِما عن عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَلَّمْتُ ، فَإِذَا هُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى رَمْلِ حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فِي الْبَيْتِ فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ إِلا أُهَبَةً ثَلاثًا ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَيْكَ ، فَقَدْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَى فَارِسَ وَالرُّومِ وَهُمْ لا يَعْبُدُونَ اللَّهَ تَعَالَى . قَالَ : فَاسْتَوَى جَالِسًا ، فَقَالَ : " أَوَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ؟ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا " ،فَقُلْتُ: اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ "
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ / في هذا الحديثِ توجيهٌ كريمٌ من نبي الهُدى صلى الله عليه وسلم بِالتعلق بالآخرة الباقية ، والبعدِ عن الاغترار بالدنيا الفانية ،ولا يتمُّ ولا يستقيمُ هذا الا بأمرين مُهِمّيْنِ ، الأمرُ الأول : معرفةُ حقيقةِ الدنيا بِسُرعة زوالها، وفنائها، وما في فيها من الغُصصِ والأنكاد فيها ، كما قال تعالى ((إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )) وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وسلّم :((مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَا يَرْجِعُ)) رَواهُ مُسلمٌ
الأمرُ الثاني : النَّظرُ في الآخرة وإقبالِها ومَجِيئها ولا بُد، ودوامِها وبقائها وشرفِ ما فيها من الخيرات والمسرات ، فهي كما قال تعالى (( والآخِـرَةُ خَـيْرٌ وَأَبْـقَى )) ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يقول كما في الصحيحين ((اللَّهُمَّ لا عَيْشَ إِلا عَيْشُ الآخِرَةِ )) وكان السَّلفُ رضي الله عنهم يملكون أشياءَ من الدنيا ويَبيعونَ ويشترون ولكنّ الدنيا بين أيدهم والآخرةَ في قلوبِهم، وهذا على خلافِ كثيرٍ منا اليوم الذين مَلئُوا قُلوبَهُم بأعراض هذه الحياة ومشاكلِها وشهواتها وأطماعها فأصْبَحَ همُّ الآخرةِ في قلوبهم ضعيفاً .
النَفسُ تَبكي عَلى الدُنيا وَقَد عَلِمَت
إِنَّ السَلامَةَ فيها تَركُ ما فيها
لا دارَ لِلمَرءِ بَعدَ المَوتِ يَسكُنُه
إِلّا الَّتي كانَ قَبلَ المَوتِ بانيها
فَإِن بَناها بِخَيرٍ طابَ مَسكَنُها
وَإِن بَناها بَشَرٍّ خابَ بانيها
فالتَّعلقُ بالآخرة , يحُثُّ على الاستكثار من الحسنات لأنّها هي الادخارُ الصحيح ؛ لاسِيَّما ونحْنُ فِيِ هذا الشهرِ المُباركِ ؛ فالتّسْبيحُ غِراسُ الجنة، ومن صلّى السُّنَنَ الرواتبَ بَنَا اللهُ له بَيْتاً في الجنة ، وكفالةُ الأيتام والسعايةُ على الأرامل والمساكينَ سببٌ لمرافقةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم في الجنّة .
والتَّعَلُّقُ بالآخرة وبِعَيشِها يجعل العبدَ لا يَتَحَسّرُ على ما يرى عليه أهلُ الثراءِ ومُتْعَةِ الدنيا من نعيم, لأنه زائلٌ ومتاعٌ قليل, ولذلك قال تعالى: (( لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ)) بل ولا يغُترُّ بما يَرى عليه أُمَمُ الكفرِ من متاع الدُّنيا وانْفِتَاحِها عليْهم ولَهُمْ, لأنّ اللهَ جعل جنّتَهم في دنياهم، قال تعالى: (( لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ )) وهذا المتاعُ الذي تَروْنَ عليه أُمَمُ الكفرِ اليوم, ليس جديداً, بل هو معروف من القديم,كما في حديث فارسَ والروم
عباد الله: ومن ثمراتِ تَعَلُّقِ القلبِ بالآخرة وبِعَيْشِها: انضِباطُ أمرِ الغيرة, بحيث لا يغارُ إلا على أمر الدين. ولذلك لم ينتصر النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه قط, فإذا انتُهِكَت مَحارِمُ الله, غَضِبَ لله, صلوات الله وسلامه عليه. بخلاف ما عليه أهلُ الدنيا الذين يجعلون سَخطَهُم ورضاهُم من أجل الدنيا, إن أُعْطُوا رَضُوا, وإن لم يُعْطَوا إذا هم يسخطون. فيا عباد الله: اتَّقُوا اللهَ تعالى, واسْعَوا لِلآخرةِ , فإنَّها مَرَدُّكُم, ولا تُلْهِيَنَّكُم الدنيا, فإنَّها متاعُ الغُرور.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمِ .
اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَانِهِ ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً ...
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ / أُوصِيكُم ونفْسي بِتقْوى اللهِ عزَّ وجلّ ،واعْلَمُوا أنَّ المُتعلّقِينَ بالآخِرةِ همُ السّابِقونَ فِي الدُّنيا إلى الإيمانِ والأعمالِ والْخيراتِ ، وَهُمُ السَّابقونَ في الآخِرةِ لِدُخولِ الجنَّات، وهمُ الْمُقرَّبونَ عندَ الله في جنّات النَّعيمِ في أعلى الدَّرجات .
اللهم لا تَجْعَلِ الدُّنيا أكبرَ هَمِّنا ، ولا مبلغَ عِلْمِنا ولا إلى النَّارِ مَصِيرَنا ، واجْعلِ الجنَّةَ هيَ دارَنا ياربَّ العالمينَ ، هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ ، فَقَالَ (( إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا )) وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(( مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى الله ُعَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) رَوَاهُ مُسْلِم .
إنّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وأشْهَدُ أنّ مُـحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )) ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيِثِ كِتَابُ اللهِ ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم، وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثاتُها ،وَكُلَّ مُحْدثةٍ بِدْعَةٍ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٍ، وكُلَّ ضَلالةٍ فِي النّارِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ / روَى البُخاريُّ ومُسلمٌ في صَحيحَيْهِما عن عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَلَّمْتُ ، فَإِذَا هُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى رَمْلِ حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فِي الْبَيْتِ فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ إِلا أُهَبَةً ثَلاثًا ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَيْكَ ، فَقَدْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَى فَارِسَ وَالرُّومِ وَهُمْ لا يَعْبُدُونَ اللَّهَ تَعَالَى . قَالَ : فَاسْتَوَى جَالِسًا ، فَقَالَ : " أَوَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ؟ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا " ،فَقُلْتُ: اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ "
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ / في هذا الحديثِ توجيهٌ كريمٌ من نبي الهُدى صلى الله عليه وسلم بِالتعلق بالآخرة الباقية ، والبعدِ عن الاغترار بالدنيا الفانية ،ولا يتمُّ ولا يستقيمُ هذا الا بأمرين مُهِمّيْنِ ، الأمرُ الأول : معرفةُ حقيقةِ الدنيا بِسُرعة زوالها، وفنائها، وما في فيها من الغُصصِ والأنكاد فيها ، كما قال تعالى ((إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )) وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وسلّم :((مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَا يَرْجِعُ)) رَواهُ مُسلمٌ
الأمرُ الثاني : النَّظرُ في الآخرة وإقبالِها ومَجِيئها ولا بُد، ودوامِها وبقائها وشرفِ ما فيها من الخيرات والمسرات ، فهي كما قال تعالى (( والآخِـرَةُ خَـيْرٌ وَأَبْـقَى )) ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يقول كما في الصحيحين ((اللَّهُمَّ لا عَيْشَ إِلا عَيْشُ الآخِرَةِ )) وكان السَّلفُ رضي الله عنهم يملكون أشياءَ من الدنيا ويَبيعونَ ويشترون ولكنّ الدنيا بين أيدهم والآخرةَ في قلوبِهم، وهذا على خلافِ كثيرٍ منا اليوم الذين مَلئُوا قُلوبَهُم بأعراض هذه الحياة ومشاكلِها وشهواتها وأطماعها فأصْبَحَ همُّ الآخرةِ في قلوبهم ضعيفاً .
النَفسُ تَبكي عَلى الدُنيا وَقَد عَلِمَت
إِنَّ السَلامَةَ فيها تَركُ ما فيها
لا دارَ لِلمَرءِ بَعدَ المَوتِ يَسكُنُه
إِلّا الَّتي كانَ قَبلَ المَوتِ بانيها
فَإِن بَناها بِخَيرٍ طابَ مَسكَنُها
وَإِن بَناها بَشَرٍّ خابَ بانيها
فالتَّعلقُ بالآخرة , يحُثُّ على الاستكثار من الحسنات لأنّها هي الادخارُ الصحيح ؛ لاسِيَّما ونحْنُ فِيِ هذا الشهرِ المُباركِ ؛ فالتّسْبيحُ غِراسُ الجنة، ومن صلّى السُّنَنَ الرواتبَ بَنَا اللهُ له بَيْتاً في الجنة ، وكفالةُ الأيتام والسعايةُ على الأرامل والمساكينَ سببٌ لمرافقةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم في الجنّة .
والتَّعَلُّقُ بالآخرة وبِعَيشِها يجعل العبدَ لا يَتَحَسّرُ على ما يرى عليه أهلُ الثراءِ ومُتْعَةِ الدنيا من نعيم, لأنه زائلٌ ومتاعٌ قليل, ولذلك قال تعالى: (( لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ)) بل ولا يغُترُّ بما يَرى عليه أُمَمُ الكفرِ من متاع الدُّنيا وانْفِتَاحِها عليْهم ولَهُمْ, لأنّ اللهَ جعل جنّتَهم في دنياهم، قال تعالى: (( لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ )) وهذا المتاعُ الذي تَروْنَ عليه أُمَمُ الكفرِ اليوم, ليس جديداً, بل هو معروف من القديم,كما في حديث فارسَ والروم
عباد الله: ومن ثمراتِ تَعَلُّقِ القلبِ بالآخرة وبِعَيْشِها: انضِباطُ أمرِ الغيرة, بحيث لا يغارُ إلا على أمر الدين. ولذلك لم ينتصر النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه قط, فإذا انتُهِكَت مَحارِمُ الله, غَضِبَ لله, صلوات الله وسلامه عليه. بخلاف ما عليه أهلُ الدنيا الذين يجعلون سَخطَهُم ورضاهُم من أجل الدنيا, إن أُعْطُوا رَضُوا, وإن لم يُعْطَوا إذا هم يسخطون. فيا عباد الله: اتَّقُوا اللهَ تعالى, واسْعَوا لِلآخرةِ , فإنَّها مَرَدُّكُم, ولا تُلْهِيَنَّكُم الدنيا, فإنَّها متاعُ الغُرور.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمِ .
اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَانِهِ ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً ...
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ / أُوصِيكُم ونفْسي بِتقْوى اللهِ عزَّ وجلّ ،واعْلَمُوا أنَّ المُتعلّقِينَ بالآخِرةِ همُ السّابِقونَ فِي الدُّنيا إلى الإيمانِ والأعمالِ والْخيراتِ ، وَهُمُ السَّابقونَ في الآخِرةِ لِدُخولِ الجنَّات، وهمُ الْمُقرَّبونَ عندَ الله في جنّات النَّعيمِ في أعلى الدَّرجات .
اللهم لا تَجْعَلِ الدُّنيا أكبرَ هَمِّنا ، ولا مبلغَ عِلْمِنا ولا إلى النَّارِ مَصِيرَنا ، واجْعلِ الجنَّةَ هيَ دارَنا ياربَّ العالمينَ ، هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ ، فَقَالَ (( إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا )) وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(( مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى الله ُعَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) رَوَاهُ مُسْلِم .