المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كــن شاكرا لربـــــك ( خطبة جمعة )



محمدالمهوس
16-02-2017, 00:17
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إنّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وأشْهَدُ أنّ مُـحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )) ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيِثِ كِتَابُ اللهِ ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم، وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثاتُها ،وَكُلَّ مُحْدثةٍ بِدْعَةٍ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٍ، وكُلَّ ضَلالةٍ فِي النّارِ ، أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ / شُكْرُ اللهِ تَعَالَى عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ ، وَمَنْزِلَةٌ سَامِيَةٌ رَفِيعَةٌ لَا يَبْلُغُهَا إِلَّا مَنْ مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِالْهِدَايَةِ وَالتَّوْفِيقِ، وَهِيَ صِفَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ ، وَمِنْ كَمَالِ الْإِيمَانِ وَحُسْنِ الْإِسْلَامِ ، وَشُكْرُ اللهِ تَعَالَى شَطْرُ الدِّينِ لِأَنَّ الْعَبْدَ تَكُونُ حَالُهُ إِمَّا ضَرَّاءُ فَيَصْبِرُ ، وَإِمَّا سَرَّاءُ فَيَشْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ )) رَوَاهْ مُسْلِمٌ.
وَقَدْ سُمِّيَ الشُّكْرُ بِالْحَافِظِ لِأَنَّهُ يَحْفَظُ النِّعَمَ الْمَوْجُودَةَ ، وَسُمِّيَ بِالْجَالِبِ لِأَنَّهُ يَجْلِبُ النِّعَمَ الْمَفْقُودَةَ ، وَاللَّهُ تَعَالَى يُحِبُّ الشُّكْرَ وَأَهْلَهُ ، وَيُبْغِضُ الْكَفْرَ وَأَهْلَهُ ، وَيَجْزِي عَلَى قَدْرِ شُكْرِ الْعَبْدِ لَهُ ،كَمَا قَالَ تَعَالَى((وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ )) ، وَقَالَ تَعَالَى (( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)) وَلِذَلِكَ قَسَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ فِي مَسْأَلَةِ الشُّكْرِ إِلَى قِسْمَيْنِ : فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ((إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً ، إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ))
، وَمَنْزِلَةُ الشُّكْرِ عِنْدَ اللَّهِ – عِبَادَ اللَّهِ - مَنْزِلَةٌ عَظِيمَةٌ ؛ فَقَدَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا عِبَادَهُ ، فَقَالَ(( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ )) وَحَثَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهَ عَلَيْهِ فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذِ: (( يَا مُعَاذُ إنِّي لَأُحِبُّك فَلَا تَدَعُ أَنْ تَقُولَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ : اللَّهُمَّ أَعَنِّي عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك )) وَالْحَدِيِثُ صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ .
وَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ الْعَلَمِ أُمُورًا يَقُومُ عَلَيْهَا الشُّكْرُ ، وَيَعْرِفُ الْإِنْسَانُ مِنْ خِلَالِهَا نَفْسَهُ فِي بَابِ شُكْرِ الْمُنْعِمِ وَهِيَ :
خُضُوعُ الْعَبْدُ الشَّاكِرُ لِلَّهِ ، وَحُبُّهُ لَهُ ، وَاعْتِرَافُهُ بِنِعْمَتِهِ ، وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ بِنِعَمِهِ ، وَأَنْ لَا يَسْتَعْمِلُ هَذِهِ النِّعْمَةَ فِيمَا يُغْضِبُ اللَّهَ تَعَالَى
عِبَادَ اللهِ / لَقَدْ أَعَدَّ اللَّهُ لِلشَّاكِرِينَ أُجُورًا عَظِيمَةً ، وَفَضَائِلَ كَثِيرَةً ، وَوُعُودًا صَادِقَةً ؛ يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى(( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ )) فَفِي الشُّكْرِ زِيَادَةُ الْفَضْلِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ، وَفِي الشُّكْرِ دَوَامُ النِّعَمِ وَدَفْعِ النِّقَمِ
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ / وَمِنْ أَعْظَمَ مَا يُعِيِنُ عَلَى أَدَاءِ الشُّكْرِ لِلَّهِ أُمُورٌ مِنْهَا :
اِسْتِحْضَارُ كَمَالِ قُدْرَةِ اللَّهِ وَغِنَاهُ الْمُطْلَقِ ، وَكَمَالِ رَحْمَتِهِ وَلُطْفِهِ بِالْعِبَادِ ، وَكَمَالِ حِلْمِهِ ،وَأَنَّهُ يَتَفَضَّلُ عَلَى عِبَادِهِ بِالنِّعَمِ وَيَغْمُرُهُمْ بِرَحْمَتِهِ ،وَيَجُودُ عَلَيْهِمْ رَغْمَ تَقْصِيرِهِمْ مَعَهُ ،كَمَا قَالَ تَعَالَى : (( وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ))
وَمِمَّا يُعِيِنُ عَلَى أَدَاءِ الشُّكْرِ لِلَّهِ: تُفَكِّرُ الْعَبْدُ فِي كَثْرَةِ النِّعَمِ الَّتِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُحْصِيَهَا ،مِنْ إِيمَانٍ وَأَمْنٍ ،وَسَلَامَةٍ فِي الْبَدَنِ وَالْمَالَ وَالْأَهْلَ وَالْوَلَدَ ،وَغَيْرَ ذَلِكَ ؛فَكُلُّ نِعْمَةٍ يَتَوَلَّدُ مِنْهَا نِعَمٌ كَثِيرَةٌ ،قَالَ تَعَالَى: ((وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ))
أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُعِينَنَا جَمِيعًا عَلَى ذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ ، وَأَنْ يَرْزُقَنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَحَبَّتَهُ ،وَمَحَبَّةَ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَاسْتَغْفَرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمِ .


اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَانِهِ ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ ، صَلّى الله عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ / وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يُعِيِنُ عَلَى أَدَاءِ الشُّكْرِ لِلَّهِ : الدُّعَاءُ كَمَا أَوْصَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَاذًا فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ أَنْ يَقُولَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ((اللَّهُمَّ أَعْنِي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ))
وَمِمَّا يُعِيِنُ عَلَى أَدَاءِ الشُّكْرِ لِلَّهِ : التَّأَمُّلُ فِي عَظِيمِ جَزَاءِ الشُّكْرِ فِي الْآخِرَةِ ، وَثَوَابِهِ الْعَاجِلِ فِي الدُّنْيَا ، وَالتَّأَمُّلُ فِي عَذَابِ كُفْرِ النِّعَمِ فِي الْآخِرَةِ وَمَحْقِ النِّعَمِ فِي الدُّنْيَا.
وَمِمَّا يُعِيِنُ عَلَى أَدَاءِ الشُّكْرِ لِلَّهِ : النَّظَرُ إِلَى أَحْوَالِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْمُتَضَرِّرِينَ الَّذِي أَقَلُّ مِنْهُ ! لِيُدْرِكَ قَلْبُهُ عَظِيمَ النِّعَمِ الَّتِي هُوَ فِيهَا ،فَيُحْدِثُ ذَلِكَ شُكْرَهَا لِتَثْبُتَ وَتَزِيدَ .
وَمِمَّا يُعِيِنُ عَلَى أَدَاءِ الشُّكْرِ لِلَّهِ : الْقَنَاعَةُ بِمَا عِنْدَهُ مِنْ النِّعَمِ وَعَدَمِ جُحُودِهَا ، قال يونُسُ بنُ عُبَيْدٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالى لِرجلٍ يشْكُو ضِيقَ حالِهِ : أيسُرُّكَ بِبَصرِكَ هذا مِائَةُ ألْفِ دِرْهَمٍ ؟ قالَ الرجلُ : لَا ، قالَ : فَبـِيَدَيْكَ مِائَةُ ألْفٍ ؟ قَالَ : لَا ،فَبِرِجْلَيْكَ مِائَةُ ألْفٍ ؟ قَالَ : لَا ، فذكَّرَهُ نِعَمَ اللهِ عَلَيْهِ ،فَقَالَ : يُونُسُ : أَرَىَ عِنْدَكَ مِئِينَ الأُلوفِ وأنْتَ تَشْكُو الْحَاجَةَ .
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ولازِمُوا الشُّكْرَ عَلَى النِّعمِ فَقَلَّ نِعْمةٌ زَالَتْ عَنْ قَوْمٍ فَعَادَتْ إِلَيْهِمْ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ، ومِنْ دُعَاءٍ لاَ يُسْمَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ، وَمِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ ، اللهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ ، وَنَسْأَلُكَ قَلْوباً سَلِيمَةً ، وَألِسَنَةً صَادِقَةً ، يَا أرْحَمَ الرَّاحِمينَ .
، هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ ، فَقَالَ (( إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا )) وقال ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(( مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى الله ُعَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) رَوَاهُ مُسْلِم .