الشيخ/عبدالله الواكد
12-02-2016, 04:16
خطبة جمعة بعنوان
( الميزان يوم القيامة )
من خطب الشيخ / أحمد العتيق حفظه الله مع بعض التعديلات
عبدالله بن فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخطبة الأولى
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.
عباد الله: اتقوا اللهَ -تعالى-, واعلموا أن الإيمان باليوم الآخر أصْلٌ مِن أصولِ الإيمانِ الستة, التي لا يكون العبدُ مؤمناً إلا بها ، واليومُ الآخرُ هو يومُ القيامةِ , وهو يومُ الحسابِ , هو اليومُ الذي يَبعثُ اللهُ الناسَ فيه من قبورِهم ، ليحاسِبَهُم ويجازيهِم على أعمالِهِم التي عَمِلُوها في حياتِهِمُ الدُّنيا.
ومِنَ الإيمانِ باليومِ الآخرِ -يا عِبادَ الله- الإيمانُ بالميزانِ, الذي تُوزَنُ بهِ أعمالُ العبادِ, وهو ميزانٌ حقيقيٌ له لسانٌ وكفتانِ، وهو منْ أمورِ الآخرةِ التي نؤمنُ بهاَ كما جاءتْ، ولا نبحثُ عن كيفيتِهاَ إلا على ضوءِ ما وردَ منَ النصوصِ.
والحكمةُ في وزنِ الأعمالِ , هو ظُهُورُ كمالِ عدلِ الله , وإظهارُ مقاديرِ الأعمالِ والحسناتِ والسيئاتِ؛ ليكونَ الجزاءُ بحسبِ ذلكَ ، قال تعالى (فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ)
ومعنى ذلكَ أنَّ منْ رجحتْ حسناتُهُ على سيئاتِهِ ، فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الفائزونَ الناجونَ منَ النارِ المستحقونَ لدخولِ الجنةِ وَمَنْ ثقلتْ سيئاتُهُ على حسناتِهِ فَأُوْلَئِكَ قد خابوا وصاروا إلى النارِ ماكثونَ خالدون .
وما دامَ الأمرُ كذلكَ ياعبادَ اللهِ ، فلا بُدَّ لنا أنْ نعلمَ شيئاً عنْ ذلُكمُ الميزانِ الدقيقِ وما يتعلقُ بهِ وما الذي يوزنُ والذي لا يوزنُ من الأعمالِ وما هي أثقلُ الحسناتِ في الميزانِ :
أيها الإخوةُ المسلمونَ : يتعلقُ بالميزانِ خمسةُ أمور:
أولُها: أنَّ الحسنةَ بعشرِ أمثالِها إلى سبعِمائةِ ضعفٍ, إلى أضعافٍ كثيرةٍ, وهذا مِنْ سَعَةِ رَحْمَةِ اللهِ بِعِبادِه, حَيْثُ فَتَحَ لَهُم مِنْ أبوابِ الخيرِ ما يَتَمَكّنونَ من بَذْلِ الأسبابِ التي تَرْجِحُ بِها حَسَناتُهُم على سيِّئَاتِهم, فَجَعَلَ الحَسَنَةَ بِعَشْرِ أمثالِها إلى سَبْعِمائةِ ضِعْفٍ, إلى أضعافٍ كثيرةٍ. وأما السَّيِّئَةُ فجزاؤُها مِثْلُها. وكَذلِكَ مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ كُتِبَتْ لهُ حَسَنةٌ وإِنْ لَمْ يَعْمَلْها, ومَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ لمْ تُكْتَبْ , فَإِنْ تَرَكَها لِلّهِ كُتِبَتْ حَسَنَة.
وكَذلِكَ شَرَعَ اللهُ لِعِبادِه أعمالاً قَلِيلَةً وحَسَناتُها كثيرةٌ، وأخْبَرَ اللهُ -تعالى- أنَّ الحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السيِّئاتِ.
وأَعْجَبُ مِنْ هذا كُلِّهِ أَنَّ مَنْ تابَ مِنْ ذُنُوبِه -مَهْما عَظُمَتْ- تَوْبةً نَصُوحاً صادِقَةً, وعَمِلَ صالِحاً, فإنَّ اللهَ يُبَدِّلُ سَيِّئَاتِهِ حسناتٍ! فَما الذي تُريدُهُ بَعْدَ ذلِكَ يا عَبْدَ اللهِ؟ وما هُوَ عُذْرُكَ إذا رَجَحتْ سَيِّئَاتُكَ على حَسَناتِك؟ وصَدَقَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إذْ قال: "ولا يَهْلِكُ عَلَى اللهِ إلا هالِكْ".
الأمرُالثاني: أنهُ ليسَ كُلُّ حَسَنَةٍ يأتي بها العبدُ توضَعُ في الميزان , وإنما الحسنةُ التي توضعُ في الميزانِ مقابلَ السيئةِ, هي الحسنةُ المقبولةُ , فيجبُ على المؤمنِ أن يَعْلَمَ ذلكَ , كي لا يَغْتَرَّ وَيُعْجَبَ بِعَمَلِه, فيقولُ أنا صليتُ كذاَ وكذاَ, وصُمْتُ كذاَ وكذا, وحَجَجْتُ وتصدَّقْتُ وقرأتُ القرآنَ, وغيرَ ذلكَ من الأعمالِ؛ فإنَّ العبدَ قد يَعْمَلُ العملَ الكثيرَ, ولا يُقبَلُ مِنهُ إلا القليلُ.
فالحَسَنَةُ المقبولةُ -يا عبادَ اللهِ- هي التي يتَحَقَّقُ فيها شرطانِ: وهما الإخلاصُ للهِ , ومُوافقةُ العملِ لهَدْيِ رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ . ولا بدَّ أنْ يكونَ فاعِلُ هذه الحسنةِ مؤمناً, لأنَّ الإسلامَ شرطٌ أساسٌ في كُلِّ عَمَل.
وأما الأمرُالثالثُ : فهو حُقُوقُ العِبادِ أن لا يتْرُكُها العبدُ ولا يُهمِلُها , وَقَدْ تكونُ سبباً لِذهابِ الحسناتِ التي جَمَعَها العبدُ في الدنيا، كما قالَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- : "إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ".
الأمرالرابع أيها المسلمون : فإنَّ أعْظَمَ الحسناتِ عندَ اللهِ هي حسنةُ التوحيدِ , وأثقلُ حَسَنَةٍ في ميزانِ العبدِ هي شهادَةُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ , وأنَّ محمداً رسولُ اللهِ , وهِيَ مِفتاحُ الحسناتِ الأُخرَى, فإذا وُجِدَتْ في الميزانِ, سُمِحَ للحسناتِ الأخرى, وإذا لم تُوجَدْ , رُدَّتْ بقيةُ الحسناتِ حتى لو بلَغَتْ أمثالَ الجبالِ .
وإذا كَمُلَتْ هذه الحَسَنَةُ في القلبِ, فَقَد تَطيشُ بجميعِ ما يقابلُها من سِجِلاَّتِ السيئاتِ التي دونَ الشركِ .
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم. أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَأسْتَغْفرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً.
أَمّا بَعدُ أيها المسلمون : فالأمرالخامس من الأمور الخمسة المتعلقة بالميزان يوم القيامة : هو أنَّ أعظمَ السيئاتِ وأكبرَها ، هي سَيِّئَةُ الشركِ , والشركُ ياعبادَ اللهِ : هو أنْ تجعلَ للهِ نِدًّا في ألوهِيتِهِ, أو ربوبيتِهِ, أو أسمائِهِ وصفاتِهِ ، والعملُ الصالحُ لا يكونُ صالحاً على الحقيقةِ إلا بالتوحيدِ , كماَ أنَّ الصلاةَ لا تُسمَّى صلاةً إلا بالطهارةِ ، فإذا دخلَ الشركُ في العبادةِ أفسدَهَا قال -تعالى-: (لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُك) , فكما أنَّ الحَدَثَ إذا دخلَ في الطهارةِ أفسدَهاَ, وإذا دخلَ في الصلاةِ أبطلَها ، فكذلكَ الشركُ والعياذُ باللهِ .
وهذا مِمَّا يدلُّ على أنَّ الشركَ لا تنفعُ معهُ الحسناتُ مهما كَثُرتْ؛ ولذلكَ قالتْ عائشةُ -رضي اللهُ عنها- للنبيِّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: إنَّ ابنَ جُدْعانَ كانَ يصلُ الرَّحِمَ ، ويَقْرِيءُ الضيفَ ، ويفكُّ العاني، ويُحسِنُ الجوارَ . وأثنتْ عليهِ , هلْ نفعَهُ ذلكَ ؟ فقال -عليهِ الصلاةُ والسلامُ : "لا يا عائشةُ , إنهُ لم يقُلْ يوماً: ربِّ اغفر لي خطيئتي يومَ الدين" رواه مسلم. والمرادُ بالخطيئةِ هنا : هي الشركُ ، لأنُّهُ ماتَ كافراً. ويُلْحَقُ بالشركِ كُلُّ ناقِضٍ مِن نواقضِ الإسلامِ .
فنسألُ اللهَ أن يُثَقِّلَ موازِيننا, وأن يَجْعَلَنا من المقبولين الفائزين, وأن يُعِيذَنا مِنْ شرورِ أنفُسِنا وسيئاتِ أعمالنا.
صلوا وسلموا على خيرِ البريةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم
( الميزان يوم القيامة )
من خطب الشيخ / أحمد العتيق حفظه الله مع بعض التعديلات
عبدالله بن فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخطبة الأولى
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً.
عباد الله: اتقوا اللهَ -تعالى-, واعلموا أن الإيمان باليوم الآخر أصْلٌ مِن أصولِ الإيمانِ الستة, التي لا يكون العبدُ مؤمناً إلا بها ، واليومُ الآخرُ هو يومُ القيامةِ , وهو يومُ الحسابِ , هو اليومُ الذي يَبعثُ اللهُ الناسَ فيه من قبورِهم ، ليحاسِبَهُم ويجازيهِم على أعمالِهِم التي عَمِلُوها في حياتِهِمُ الدُّنيا.
ومِنَ الإيمانِ باليومِ الآخرِ -يا عِبادَ الله- الإيمانُ بالميزانِ, الذي تُوزَنُ بهِ أعمالُ العبادِ, وهو ميزانٌ حقيقيٌ له لسانٌ وكفتانِ، وهو منْ أمورِ الآخرةِ التي نؤمنُ بهاَ كما جاءتْ، ولا نبحثُ عن كيفيتِهاَ إلا على ضوءِ ما وردَ منَ النصوصِ.
والحكمةُ في وزنِ الأعمالِ , هو ظُهُورُ كمالِ عدلِ الله , وإظهارُ مقاديرِ الأعمالِ والحسناتِ والسيئاتِ؛ ليكونَ الجزاءُ بحسبِ ذلكَ ، قال تعالى (فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ)
ومعنى ذلكَ أنَّ منْ رجحتْ حسناتُهُ على سيئاتِهِ ، فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الفائزونَ الناجونَ منَ النارِ المستحقونَ لدخولِ الجنةِ وَمَنْ ثقلتْ سيئاتُهُ على حسناتِهِ فَأُوْلَئِكَ قد خابوا وصاروا إلى النارِ ماكثونَ خالدون .
وما دامَ الأمرُ كذلكَ ياعبادَ اللهِ ، فلا بُدَّ لنا أنْ نعلمَ شيئاً عنْ ذلُكمُ الميزانِ الدقيقِ وما يتعلقُ بهِ وما الذي يوزنُ والذي لا يوزنُ من الأعمالِ وما هي أثقلُ الحسناتِ في الميزانِ :
أيها الإخوةُ المسلمونَ : يتعلقُ بالميزانِ خمسةُ أمور:
أولُها: أنَّ الحسنةَ بعشرِ أمثالِها إلى سبعِمائةِ ضعفٍ, إلى أضعافٍ كثيرةٍ, وهذا مِنْ سَعَةِ رَحْمَةِ اللهِ بِعِبادِه, حَيْثُ فَتَحَ لَهُم مِنْ أبوابِ الخيرِ ما يَتَمَكّنونَ من بَذْلِ الأسبابِ التي تَرْجِحُ بِها حَسَناتُهُم على سيِّئَاتِهم, فَجَعَلَ الحَسَنَةَ بِعَشْرِ أمثالِها إلى سَبْعِمائةِ ضِعْفٍ, إلى أضعافٍ كثيرةٍ. وأما السَّيِّئَةُ فجزاؤُها مِثْلُها. وكَذلِكَ مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ كُتِبَتْ لهُ حَسَنةٌ وإِنْ لَمْ يَعْمَلْها, ومَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ لمْ تُكْتَبْ , فَإِنْ تَرَكَها لِلّهِ كُتِبَتْ حَسَنَة.
وكَذلِكَ شَرَعَ اللهُ لِعِبادِه أعمالاً قَلِيلَةً وحَسَناتُها كثيرةٌ، وأخْبَرَ اللهُ -تعالى- أنَّ الحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السيِّئاتِ.
وأَعْجَبُ مِنْ هذا كُلِّهِ أَنَّ مَنْ تابَ مِنْ ذُنُوبِه -مَهْما عَظُمَتْ- تَوْبةً نَصُوحاً صادِقَةً, وعَمِلَ صالِحاً, فإنَّ اللهَ يُبَدِّلُ سَيِّئَاتِهِ حسناتٍ! فَما الذي تُريدُهُ بَعْدَ ذلِكَ يا عَبْدَ اللهِ؟ وما هُوَ عُذْرُكَ إذا رَجَحتْ سَيِّئَاتُكَ على حَسَناتِك؟ وصَدَقَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إذْ قال: "ولا يَهْلِكُ عَلَى اللهِ إلا هالِكْ".
الأمرُالثاني: أنهُ ليسَ كُلُّ حَسَنَةٍ يأتي بها العبدُ توضَعُ في الميزان , وإنما الحسنةُ التي توضعُ في الميزانِ مقابلَ السيئةِ, هي الحسنةُ المقبولةُ , فيجبُ على المؤمنِ أن يَعْلَمَ ذلكَ , كي لا يَغْتَرَّ وَيُعْجَبَ بِعَمَلِه, فيقولُ أنا صليتُ كذاَ وكذاَ, وصُمْتُ كذاَ وكذا, وحَجَجْتُ وتصدَّقْتُ وقرأتُ القرآنَ, وغيرَ ذلكَ من الأعمالِ؛ فإنَّ العبدَ قد يَعْمَلُ العملَ الكثيرَ, ولا يُقبَلُ مِنهُ إلا القليلُ.
فالحَسَنَةُ المقبولةُ -يا عبادَ اللهِ- هي التي يتَحَقَّقُ فيها شرطانِ: وهما الإخلاصُ للهِ , ومُوافقةُ العملِ لهَدْيِ رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ . ولا بدَّ أنْ يكونَ فاعِلُ هذه الحسنةِ مؤمناً, لأنَّ الإسلامَ شرطٌ أساسٌ في كُلِّ عَمَل.
وأما الأمرُالثالثُ : فهو حُقُوقُ العِبادِ أن لا يتْرُكُها العبدُ ولا يُهمِلُها , وَقَدْ تكونُ سبباً لِذهابِ الحسناتِ التي جَمَعَها العبدُ في الدنيا، كما قالَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- : "إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ".
الأمرالرابع أيها المسلمون : فإنَّ أعْظَمَ الحسناتِ عندَ اللهِ هي حسنةُ التوحيدِ , وأثقلُ حَسَنَةٍ في ميزانِ العبدِ هي شهادَةُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ , وأنَّ محمداً رسولُ اللهِ , وهِيَ مِفتاحُ الحسناتِ الأُخرَى, فإذا وُجِدَتْ في الميزانِ, سُمِحَ للحسناتِ الأخرى, وإذا لم تُوجَدْ , رُدَّتْ بقيةُ الحسناتِ حتى لو بلَغَتْ أمثالَ الجبالِ .
وإذا كَمُلَتْ هذه الحَسَنَةُ في القلبِ, فَقَد تَطيشُ بجميعِ ما يقابلُها من سِجِلاَّتِ السيئاتِ التي دونَ الشركِ .
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيم، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيم. أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَأسْتَغْفرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً.
أَمّا بَعدُ أيها المسلمون : فالأمرالخامس من الأمور الخمسة المتعلقة بالميزان يوم القيامة : هو أنَّ أعظمَ السيئاتِ وأكبرَها ، هي سَيِّئَةُ الشركِ , والشركُ ياعبادَ اللهِ : هو أنْ تجعلَ للهِ نِدًّا في ألوهِيتِهِ, أو ربوبيتِهِ, أو أسمائِهِ وصفاتِهِ ، والعملُ الصالحُ لا يكونُ صالحاً على الحقيقةِ إلا بالتوحيدِ , كماَ أنَّ الصلاةَ لا تُسمَّى صلاةً إلا بالطهارةِ ، فإذا دخلَ الشركُ في العبادةِ أفسدَهَا قال -تعالى-: (لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُك) , فكما أنَّ الحَدَثَ إذا دخلَ في الطهارةِ أفسدَهاَ, وإذا دخلَ في الصلاةِ أبطلَها ، فكذلكَ الشركُ والعياذُ باللهِ .
وهذا مِمَّا يدلُّ على أنَّ الشركَ لا تنفعُ معهُ الحسناتُ مهما كَثُرتْ؛ ولذلكَ قالتْ عائشةُ -رضي اللهُ عنها- للنبيِّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: إنَّ ابنَ جُدْعانَ كانَ يصلُ الرَّحِمَ ، ويَقْرِيءُ الضيفَ ، ويفكُّ العاني، ويُحسِنُ الجوارَ . وأثنتْ عليهِ , هلْ نفعَهُ ذلكَ ؟ فقال -عليهِ الصلاةُ والسلامُ : "لا يا عائشةُ , إنهُ لم يقُلْ يوماً: ربِّ اغفر لي خطيئتي يومَ الدين" رواه مسلم. والمرادُ بالخطيئةِ هنا : هي الشركُ ، لأنُّهُ ماتَ كافراً. ويُلْحَقُ بالشركِ كُلُّ ناقِضٍ مِن نواقضِ الإسلامِ .
فنسألُ اللهَ أن يُثَقِّلَ موازِيننا, وأن يَجْعَلَنا من المقبولين الفائزين, وأن يُعِيذَنا مِنْ شرورِ أنفُسِنا وسيئاتِ أعمالنا.
صلوا وسلموا على خيرِ البريةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم