المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة جمعة بعنوان ( لمن استطاع إليه سبيلا )



الشيخ/عبدالله الواكد
04-09-2015, 04:08
خطبة جمعة
بعنوان

( لمن استطاع إليه سبيلا )

وتشتمل على :

- الإستطاعة
- دعوة للمتنفلين للتأجيل أثناء توسعة المسجد الحرام
- الإنابة في الحج

الجمعة 20/11/1436

جامع الواكد بحائل

كتبها / عبدالله بن فهد الواكد

الخطبة الأولى
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستهديه ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ لهُ ومن يضلل فلا هاديَ له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا،
أما بعد فاتقوا الله القائل ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) أما بعدُ فيا عبادَ الله : إنَّ الحجَّ من أفضلِ العباداتِ التي شرعَها اللهُ عزَّ وجلَّ ، وهو الركنُ الخامسُ من أركانِ الإسلامِ ، فرضَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ على عبادِه ، ولكنَّهُ سبحانَهُ وتعالى جعلَهُ مقروناً بالإستطاعةِ ، قالَ تعالى ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) وفي الحديثِ المتفقِ عليهِ ( بُنيَ الإسلامُ على خمسٍ ، شهادةِ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ محمداً رسولُ اللهِ ، وإقامِ الصلاةِ وإيتاءِ الزكاةِ وصومِ رمضانَ وحجِّ بيتِ اللهِ الحرامِ لمن استطاعَ إليهِ سبيلاً ) ومِن تيسيرِ اللهِ على عبادِهِ أنهُ أوجبَ الحجَّ على المسلمِ مرةً واحدةً في عُمُرِهِ ، وربَطَ ذلكَ بالإستطاعةِ ، قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ ( الحجُّ مرةً ، فما زادَ فهو تطوعٌ ) وقد ذكرَ العلماءُ أنَّ من شروطِ الحجِّ ، تخليةُ الطريقِ ، والمقصودُ بذلكَ خلوُّ الموانعِ في كلِّ مكانٍ بحسبِ ما يليقُ بهِ ، حتى لو كانَ في حقِّ منْ حجَّ لوحدِهِ ، واللهُ سبحانَهُ وتعالى أمرَ المؤمنينَ بالتعاونِ على البرِّ والتقوى ، وأمرَهُم أنْ لا يُلقوا بأيدِيهِمْ إلى التهلُكةِ ، وتعلمون يا عبادَ اللهِ ما يسَّرَ اللهُ لهذهِ الدولةِ المباركةِ ، من نعمةِ وشرفِ رعايةِ المسجدِ الحرامِ ، والمسجدِ النبويِّ ، وما اقتضتهُ المصلحةُ العامةُ لجميعِ المسلمينَ ، من توسعةٍ للمطافِ حولَ الكعبةِ ، مما حالَ دونَ إمكانيةِ إستيعابِ المسجدِ الحرامِ لأعدادِ الطائفينَ ، لأنَّ المطافَ والمسجدَ الحرامَ يشهدانِ الآنَ توسعةً شاملةً ضخمةً ، وقد ألحَّت الحاجةُ إلى تخفيفِ أعدادِ الحُجاجِ ، لفترةِ التوسعةِ فقط ، وصدرتْ توجيهاتُ ولاةِ الأمرِ حفظهمُ اللهُ بخفضِ عددِ حجاجِ الداخلِ إلى خمسينَ بالمئةِ ، وحجاجِ الخارجِ إلى عشرينَ بالمئةِ ، وهذا التوجيهُ ممَّا تقتضيهِ المصلحةُ العامةُ للمسلمينَ ، حفاظاً منْ ولاةِ الأمرِ على سلامةِ الناسِ ، لأنَّ النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلمَ لمَّا رأى تدافعَ الناسِ في حَجَّةِ الوداعِ قالَ ( لا يَحْطِمْ بعضُكم بعضاً ) مع قلةِ الحجاجِ يومِئِذٍ ، ولمَّا رأى صلى اللهُ عليه وسلمَ ازدحامَهُم عندَ الجمراتِ قالَ ( يا أيُّها الناسُ : لا يقتلْ بعضُكم بعضاً ، ولا يُصِبْ بعضُكم بعضاً ) رواه أحمد وأبو داوود ،
أيها المسلمونَ : ومنَ القواعدِ المقررةِ عندَ العلماءِ : أنَّ السلامةَ من إثمِ الحرامِ ، مقدمةٌ على اكتسابِ مثوبةِ النفلِ .
ولا يخفى ما يحصلُ من الحجاجِ المتنفلينَ الذين حجوا حجةَ الفريضةِ ، من التضييقِ على غيرِهِم من المسلمينَ المفترضينَ وإيذائِهم ، ومزاحمةِ المكانِ عليهِم ، وحصولِ المشقةِ والمهالكِ في مواطنِ المناسكِ والمشاعرِ ، وقد قالَ تعالى في المجالسِ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ) فإنْ كانَ هذا في حقِّ آدابِ المجالسِ عموماً ، فمن بابِ أولى أن يكونَ في آدابِ الأماكنِ المزدحمةِ ، التي يترتبُ عليها أداءُ الفرائضِ .
أيها المسلمون : المتأملُ لحالِ الناسِ اليومَ ، يسلكُ في العجبِ ، فكأنَّهُم لم يجدوا في بابِ النوافلِ إلا الحَجَّ ، فيا أخي المسلمُ : إن كانَ لديكَ من المالِ ما تستطيعُ الحجَّ بهِ ، وأنتَ قد أديتَ فريضةَ الحَجِّ ، وتريدُ الأجرَ والثوابَ من اللهِ ، فأعطِ هذا المالَ لمن لم يحُجْ ليحجَّ بهِ ، فيكونَ لكَ أجرُ حجةٍ من غيرِ أن ينقصَ من حجةِ من أعطيتَهُ المالَ شيئاً ، فالدالُ على الخيرِ كفاعلِه ، ويكونُ لكَ أجرُ العونِ والمساعدةِ ، فاللهُ في عونِ العبدِ ما دامَ العبدُ في عونِ أخيهِ ، ولكِ أجرُ التوسعةِ على إخوانِكَ المسلمينَ في المشاعرِ ، أبوابُ الخيرِ في العشرِ المباركاتِ وفي أيِّ وقتٍ كثيرةٌ جداً ، فلماذا نختزلُ الخيرَ في الحَجِّ ، والمؤمنُ البصيرُ هو من يختارُ مِنْ أعمالِ الخيرِ ما يليقُ بحالِهِ وواقِعِه ، وما يكونُ أرفقَ بزمانِهِ ومكانِهِ ، ولا يتجشمُ أموراً قد يأثمُ فيها ، وقد صدرتْ فتاوى عن هيئةِ كبارِ العلماءِ بعدمِ السماحِ للمواطنينَ والمقيمينَ بالحَجِّ إلا بعدَ مرورِ خمسِ سنواتِ ، كما أنهُ يجبُ على من أرادَ الحَجَّ الحصولَ على تصريحٍ للحَجِّ ، لئلا يقعَ في حرجٍ ومساءلةٍ ، فالتعليماتُ التي صدرت بذلكَ صارمة ، حفاظاً على أمنِ الحجاجِ وسلامتِهم ،
أيها المسلمون : الحجُّ عبادةٌ بدنيةٌ ، يُطلبُ من العبدِ فعلُها بنفسِهِ ، إن استطاعَ ذلكَ ، وإنْ لم يستطعْ ، فقد جاءت السنةُ بجوازِ الإستنابةِ فيهِ ، وذلكَ في الفريضةِ ، وفي حالِ اليأسِ من فعلِها ، وذلكَ لما وردَ في البخاريِّ ، من حديثِ بن عباسٍ رضي اللهُ عنهُما ( أنَّ امرأةً قالت يارسولَ اللهِ ، إنَّ فريضةَ اللهِ على عبادِهِ الحجَّ ، أدركتْ أبي شيخاً كبيراً ، لا يثبُتُ على الراحلةِ ، أفأحُجُّ عنهُ ؟ قالَ نعم ) وذلكَ في حَجَّةِ الوداعِ ، وفي حديثٍ آخرَ ( أنَّ امرأةً قالتْ يارسولَ اللهِ ، إنَّ أمي نذرتْ أنْ تَحُجَّ ، ولم تحجْ حتى ماتتْ ، أفأحجُّ عنها ؟ قالَ نعم ، قالَ اقضُوا حقَّ اللهِ ، فاللهُ أحقُّ بالوفاءِ ) ولا فرقَ بينَ ما كانَ أصلاً في الشريعةِ ، وما أوجبَهُ الإنسانُ على نفسِهِ ، بنذرٍ أو نحوهِ ، وهذانِ الحديثانِ يدورانِ حولَ حَجَّةِ الفريضةِ ، وحجَّةِ النذرِ وهو ما أوجبَهُ العبدُ على نفسِهِ بنذرِهِ ،
وهُنا إنتبهوا أيُّها المسلمونَ ، لا بأسَ بالإنابةِ في الحجِّ ، في حجةِ الفريضةِ وحجةِ النَّذْرِ فقطْ وأما حَجُّ التطوعِ ، وهو الزائدُ عن الفريضةِ ، فلا ينبغي الإنابةُ فيهِ ، لأنَّ الناسَ قدْ تساهلوا ، في التوكيلِ في حَجِّ التطوعِ ، وخصوصاً في زمانِنا هذا ، حتى صارتْ هذه الأيامُ موسماً لتعاطي الحِجَجِ ، وقد منعَ الإمامُ أحمدُ رحمَه اللهُ ، في إحدى روايتينِ عنهُ ، من توكيلِ القادرِ ، شخصاً آخرَ يحُجُّ عنهُ تطوُّعاً ، ولا يصلحُ التساهلُ في ذلكَ أيها المسلمونَ ، والعجيبُ أيها الناسُ ، أنهُ معَ هذا التدافعِ على حَجِّ التطوعِ ، ترى مَنْ هو كثيرَ المالِ صحيحَ البدنِ ، ومضى بهِ الكبرُ ومع ذلكَ لم يحجْ ، حجةَ الفريضةِ لم يحُجَّها ، أليستْ هذه مشكلةٌ ، ومصيبةٌ ومعضلةٌ ، ولقد قالَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ( تعجلوا الحجَّ ، فإنَّ أحدَكم لا يدري ما يعرِضُ لهُ )
وفقني اللهُ وإياكم لما يحبُّ ويرضى ،
أقولُ ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .










الخطبة الثانية
الحجُّ أيها المسلمونَ عبادةٌ ، ركنٌ من أركانِ الإسلامِ ، لا يُصرفُ ذلكَ إلى أمرٍ دنيويٍّ ، ولا تكسُّبٍ ماديٍّ ، فهناكَ من يأخذونَ هذهِ الحِجَجَ ، ، وذلكَ كلُّهُ من أجلِ المالِ فقط ، فهذا حرامٌ عليهم ، لأنَّ الحَجَّ ليسَ سلعةً ، وليسَ عملاً دنيوياً ، كبناءِ بيتٍ ، أو إقامةِ جدارٍ ، يُقصَدُ بهِ التكسبَ والتجارةَ ، وقد حفظَ الإمامُ مالكٌ رحمهُ اللهُ ، عن عطاءِ بن أبي رباح ، أنهُ قالَ : لا يُشترطُ على النُّسكِ من جهةِ المالِ ، وقد صرَّحَ الحنابلةُ رحمهُم اللهُ ، بأنَّ تأجيرَ الرجلِ الرجلَ ليحُجَّ عنهُ غيرُ صحيحٍ ، وقال شيخُ الإسلامِ بنُ تيميةَ رحمهُ اللهُ ، من حجَّ ليأخذَ المالَ ، فليسَ له في الآخرةِ من خلاقٍ إهـ ، لكنَّهُ إذا أخذَ الحجةَ ، ومقصودُهُ نفعُ أخيهِ ، وذلكَ بالحجِّ عنهُ ، وليحصلَ لهُ الدعاءُ والذكرُ والمنافعُ الأخرى في موسمِ الحجِّ ، وكانتْ نيتُهُ سليمةً ، فلا بأسَ في ذلكَ ، والمالُ الذي يدفعُهُ المستنيبُ ، صاحبُ الحِجَّةِ يكونُ كلُّهُ للوكيلِ ، إلاَّ أنْ يشترطَ عليه صاحبُ الحجةِ ، أنْ يردَّ لهُ ما بقيَ منَ المالِ ، وتكونُ العمرةُ والحجُّ لصاحبِ الحجةِ ، لثبوتِ ذلكَ في أعرافِ الناسِ ، إلاَّ أنْ يشترطَ الوكيلُ أنْ تكونَ العمرةُ لهُ ، ويقبلُ الموكِّلُ ذلكَ ، ولا يجوزُ للوكيلِ أنْ يُنيبَ غيرَهُ ، إلا برضى صاحبِ الحجةِ ، وما زادَ عن الحجةِ المتفقِ عليها ، من دعاءٍ وطوافٍ وصلاةٍ ، وتطوع ٍ خارجَ النسكِ ، فهو للوكيلِ ، وعلى الوكيلِ أنْ يقولَ عندَ الإهلالِ بالنُّسكِ عندَ الإحرامِ ، لبيكَ عمرةً متمتعاً بها إلى الحجِّ عن فلانِ بن فلان ، لمنْ كانت له الحجةُ ، وعندَ الحجِّ لبيكَ حجاًّ عن فلانِ بن فلان ، وإنْ نسيَ إسمَهُ نوى ذلكَ بقلبِهِ ، وينبغي للوكيلِ أن يتقيَ اللَهَ ، وأنْ يجتهدَ في إكمالِ النسكِ المُوكَلةِ إليهِ ، وأن يتحرَّى الإخلاصَ في أداءِ تلكَ الأمانةِ ، نسألُ اللهَ أنْ يوفِّقَ المسلمينَ لما يُحبُّهُ ويرضاهُ ، هذا وصلوا وسلموا على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه فقال ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)