المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الكنز المفقود بعد رمضان ( خطبة جمعة الغد )



محمدالمهوس
16-07-2015, 03:23
الخطبة الأولى
أيّها الناس / مضَت أيام رمضان الجميلة بفضائلها ، وكأنّها ضربُ خيال، وقطعنا فيها مرحلةً من حياتنا لن تعود، وهكذا الحياة أنفاسٌ معدودة وآجال محدودة ، وربُّنا وحدَه هو مصرِّف الأيّام والشهور، (( يُولِجُ ٱلَّيْلَ فِى ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِى ٱلَّيْلِ)) جعل لكلِّ أجلٍ كتابًا، ولكلّ عملٍ حسابًا، وجعل الدّنيا سوقًا يغدو إليها النّاس ويروحون، فبائعٌ نفسَه فمعتِقها أو موبِقها، والأيّام أجزاءٌ من العُمر ومراحل في الطّريق تفنى يومًا بعد يوم، مُضيُّها استنفادٌ للأعمار
واستكمال للآثار وقربٌ من الآجال وغَلقٌ لخزائن الأعمال.
عباد الله / إن المتأملَ والناظر للكثيرين من المسلمين في رمضان يرى العجب من إقبالهم على الله وهذا هو المقصود من خَلقهم وإيجادِهم كما قال تعالى (( وما خلقتُ الجنَّ والإنس إلا ليعبدون )) المساجد ُاكتظت بهم مابين صلاةٍ وتلاوة ِ قرآن وتسبيح واستغفارٍ ودعاء ؛ فنرجو أن يكون لنا ولهم الحظ الأوفر والجزاء الأكبر من الكريم الأكرم الذي وعد ووعده الحق بقوله : ((مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحًا مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوٰةً طَيّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)) وبقوله في الحديث القدسي :(( يَابْنَ آدَمَ ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلَا أُبَالِي ، يَا ابْنَ آدَمَ ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي ، غَفَرْتُ لَكَ ، يَا ابْنَ آدَمَ ، إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ، ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا ، لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً )) [ رواه الترمذي من حديث أنس بن مالك ]
نعم عباد الله , أقبل الأخيارُ على صلاة الجماعة لأنهم علموا أن التخلف عن صلاة الجماعة دليلٌ على ضَعف الإيمان ، وخلو القلب من تعظيم الله،وتوقيره واحترامه، وعلموا قولَ النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك الرجل الأعمى عندما أتاه وقال له ((يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ، فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: «هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَأَجِبْ )) وفي رواية لأبي داود قال: (( إِنِّي ضَرِيرُ الْبَصَرِ شَاسِعُ الدَّارِ )) رواه مسلم من حديث أبي هريرة ، وفي رواية لأبي داود أيضا والنسائي قال: ((إِنَّ الْمَدِينَةَ كَثِيرَةُ الْهَوَامِّ وَالسِّبَاعِ )). فيا سبحان الله أتجب صلاةُ الجماعة على هذا الصحابي الذي جمع بين فقد البصر، وبعد الدار، وخوف الطريق، وعدم القائد، ولا تجب على المبصر المجاور للمسجد الذي يسمع عند كل صلاة أكثر من عشرين مؤذنا كلهم ينادي (حي على الصلاة، حي على الفلاح)؟
وأقبل الكثيرون – ياعبادالله - على تلاوة كتاب الله حتى أصبحت بيوت الله لها دوي كدوي النحل من تلاوة القرآن لأنهم علموا وأيقنوا بموعود الله على لسان نبيهم – صلى الله عليه وسلم الذي قال : ((اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ)) رواه مسلم ، وبقوله: (( مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ ، وَلَامٌ حَرْفٌ ، وَمِيمٌ حَرْفٌ ))رواه الترمذي ، لقد رأينا – ياعباد الله – تسابق َالكثيرون على الصدقة والإنفاق والجود ،وسدِّ حاجة إخوانهم المحتاجين ؛تبتسم منهم الشفاه، وتضئ منهم الجباه ، تتحرَّك نفوسهم لإخوانهم بالشفقة والرحمة، وتسري في قلوبهم روحُ المحبّة والتآخي،قال صلى الله عليه وسلم : (( مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا)) رواه البخاري من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه –
أخي الحبيب / لقد رحل رمضان بكنوزه الغالية , وأيامه النفيسة وقد أودعته أعمالاً جليلة فتذكر هذه الأعمال , وسل الله قَبُوُلَها ، تذكر وأنت في شهر رمضان صفاءَ نفسِك وراحةَ ضميرِك وطُمأنينةَ قلبك وانشراحَ صدرِك وهدوءَ بالِك ؛ فهذه الأشياء والله لاتحتويها الخزائن، ولا تُشترَى بالدراهم والدنانير ولن تنالها بالمال الوفير، ولا بالجاه العريض، وإنما نلتها بفضل من الله ثم بفضلِ أعمالك الصالحة ،كما قال تعالى: ((إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلَـئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ))
فلماذا تتخلى عن هذا الكنز الثمين ( السعادة ) لتحصل على المشقة والألم، والضيق والهم والسقم، فالله الله بمداومة العمل فعبادةُ ربِّ العالمين ليست مقصورةً على رمضان، وليس للعبد منتهى من العبادةِ دون الموت، اللهم أحينا حياة السعداء، وأمتنا ممات الشهداء. أقول ماتسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم .


الخطبة الثانية
عباد الله / إنّ للقبول والرِّبح في هذا الشّهر علامات، وإنّ من علامة قبول الحسنةِ فعلُ الحسنة بعدها، قال جلّ وعلا: ((إِنَّ ٱلْحَسَنَـٰتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيّئَـٰتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذكِرِينَ)) ، ويقول النبيّ صلى الله عليه وسلم : (( اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا ، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ )) رواه الترمذي بسند جيد . ومدارُ السعادةِ – ياعباد الله - في طول العمر وحُسنِ العمل، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : ((خَيْرُ النّاسِ مَنْ طالَ عُمُرُهُ وصَلُحَ عَمَلُهُ)) ومداومة ُالمسلمُ على الطاعة من غير قَصر على زمنٍ معيّن أو شهر مخصوص أو مكان فاضل من أعظم البراهينِ على القَبول وحسنِ الاستقامة.
اللهم تقبل صيامنا وقيامنا ودعاءنا وسائر أعمالنا... اللهم صلي على نبينا وحبيبنا محمد .......