المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : آيـــة الليل



الشيخ/عبدالله السالم
07-05-2015, 11:51
الحمدُ للهِ ( الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) واشهدُ ألا الهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ يعلمُ ما كانَ وما يكونُ وما تسرونَ وما تعلنونَ. واشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ الصادقَ المأمون، صلى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ الذين كانوا يهدونَ بالحقِّ وبه يعدلونَ. وسلم تسليما كثيرا إلى يومِ يبعثونَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) :أما بعد : أيها الأحبةُ في الله:لقد خلَق الله الخلقَ وَأَتقَنَه، ودبَّر ما خلقَ فقدَّره، وفتَقَ السماءَ عن الأرضِ وزيَّنها،يقولُ سُبحانه (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) وجَعَلَ سُبحانَهُ وتعالى اللّيل والنهار آيَتَين، يقولُ سُبحانه (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً) وجَعْلُ الليلَ بعد إدبارِ النَّهار ، آيةً من آياتِ الله الدالَة على وحدانيّته، قال تعالى(وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ) وأقسَمَ اللهُ عزَّ وجلَّ بالليل ، في مواضِعَ عدة لعظمه ؛ فأقسم بولوجِه على النَّهارِ شيئًا فشَيئًا ، من غير إفزاعٍ للبشر فقال:سُبحانه (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ) وأقسم به إذا غشِي الشمسَ حين تغيب:فقال جلَّ في عُلاه (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا) وأقسم به إذا غطَّى الخلائق بظلامِه: فقال:سُبحانه (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) وأقسم به إذا سكَن فأظلم: فقال:سُبحانه (وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى) وأقسم به إذا جَمَعَ ظلامَهُ وادلهمَّ:قالَ تعالى (وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ) وأقسم به إذا كشف غِطاءَهُ عن الخلقِ فاستناروا: فقال:سُبحانه (وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ)وآيةُ الليلِ أيُّها الأحبةُ ، آيةٌ تُرى بالأَبصار ، وتَدعُو إلى تعظيمِ العزيزِ الغفَّار ، الذي جَعَلَها رحمةٌ مِنهُ بِعبَادِهِ، كما قال تعالى (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وتَقْلِيبُ الليلِ والنّهار ، بُرهانٌ على قوَّتِهِ وإِحكامِ مُلكِه ، وبيانٌ على عجزَ الخلق جميعًا ، على أن يُحوِّلوا الليلَ نهارًا : يقولُ سُبحانه(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء) وتدبيرُه له بتقديرٍ يجهَلُه البشر كما قال تعالى (وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ)والتفكُّر في تدبيرِهِ ، يدعُو إلى عبادةِ الله وذِكرِه وشُكرِه ، كما قال تعالى (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) وهو مِنَّةٌ من اللهِ تعالى ، أمَر عبادَه أن يشكروهُ عليها، قال تعالى (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) والليلُ داعٍ إلى إيمانِ العِبَادِ بِربِّهِم ، يقولُ تعالى (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)وجعل اللهُ تعالى العبادةَ في الليلِ ، لها مَزِيّةٌ خاصّةٌ ، حيث تَعلُّقُ القلوبِ بالله أَرجَى ، فأمر الله رسولَه بالإكثارِ من الصلاةِ والتسبيحِ فيه ، فقال سُبحانه (قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً) وقالَ تقدَّسَ في عُلاه (وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً) والنافلةُ في الليل أفضلُ من نافلةِ النّهار، كما قال عليه الصلاة والسلام: (أفضلُ الصلاةِ بعد الْفريضةِ صلاةُ اللّيل) رواه مسلم. وفي الليل صلاةُ الوتر، واللهُ وِترٌ يُحبُّ الوتر، وصلاةُ آخر الليل مشهودةٌ، ومن صلَّى العشاء في جماعة فكأنما قام نصفَ الليل، ومن صلَّى الفجرَ في جماعةٍ فكأنما قام الليلَ كلَّه. و{في الليل ساعةٌ من مغيبِ الشمس لا يوافقها عبدٌ مسلم يسأَلُ اللهَ من خَيرَي الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه}رواه مسلم، وفي الثلثِ الأخير من الليل يَنزل ربُّنا إلى السَّمَاءِ الدُّنيا فيقول: من يَدعوني فَأسْتجيبَ له، من يسألني فأعطيَه، من يستغفرني فأغفرَ له. وهو زمنٌ تُرجَى فيه توبةُ التائبين، نزَلت توبةُ الذين خُلِّفوا في الثلُث الأخير من الليل . وفي صلاةِ الفجر تجتَمعُ ملائكةُ الليل وملائكةُ النَّهَار، والقرآنُ نزَل ليلاً كما قال تعالى (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ) وأفضلُ زمن لتلاوته هو اللّيل قال عزّ وجلّ: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً) وفيه ليلةُ القدرِ خيرٌ من ألفِ شَهر. وأُسرِيَ بالنبيِّ ليلاً، وفي الليل تُطوَى الأرضُ للمُسافر، واللّيلُ بظلامه مُفزِع{و مَنْ قَرَأَ بِالآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِى لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ } أي: كفتاه من الشرور. متفق عليه ، وفي أول الليل تَنتَشِرُ الشياطين ، فأمَر النبيُّ { إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ - أَوْ أَمْسَيْتُمْ - فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَحُلُّوهُمْ ، وَأَغْلِقُوا الأَبْوَابَ ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا }رواه البُخاري من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه ، فالسعيدُ أيُّها الأحبةُ ، مَن تفكَّر في خلقِ الأرضِ والسماوات ، واغتَنَم أَنفَسَ دَهرِهِ بالقرُبات، ودَخَلَ في ليلِهِ وخَرَجَ مِنهُ بالأعمالِ الصالحات ، ومجانبةِ السيَّئات. بارك الله لي ولكم في القرآنِ العظيمِ،
الحمد للهِ ، حمداً يَلِيقُ بكريمِ وجهِهِ ، وبعظيمِ سلطانهِ ، وأشهدُ أن لا إله إلا هو وَحدَهُ لا شريك له ولاندَّ ولاشبيه . وأَشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ ، وصفيُهُ وخليلُهُ ، نبياً شرحَ اللهُ صدرَهُ ، ووضعَ عنه وزرَهُ ورفعَ ذكرَهُ . صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وأصحابِهِ ، الطيبينَ الطاهرينَ ، وعلى من سارَ على نهجِهِم إلى يومِ الدينِ ، وسلم تسليماً كثير اً : أما بعد : أيها الأخوةُ في الله ، فإنَّ عُمْرَ الإنسانِ ،هُوَ ليلُه ونهاره ،كما قال الحسن رحمه الله ، إنَّما أنت بين مطيتين يُوضعانِكَ ، يُوضِعُك النهار إلى الليل ، والليل إلى النهار ، حتى يُسلِمَانِك إلى الآخرة ، فمن أعظم منك يا ابنَ آدم خطراً ،ومَنزلتُ ابن آدمَ في الآخرةِ بأعمالِه في الدّنيا، وساعاتُ الليلِ خيرُ أزمانِ الأعمار ، وولوجُ ليلِ كلِّ يومٍ يُدنِي من الحِساب ، والبصيرُ من سابَقَ إلى الخيراتِ ، وابتعَدَ عنِ السيِّئات، والله مُطَّلِعٌ على عبادِه بالليلِ والنَّهارِ ، يعلَمُ سرَّهُم وعَلانيتَهُم ، وما اقترفوه من سيِّئات، فَاجتَهدِوا في طاعةِ ربِّكُم ، وتدبَّرُوا أحوال دهركم . واعلموا أنّ الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيِّهِ، فقال في محكم التنزيل: ( إِنَّ اللهَ وَملاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبيْ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُواْ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) وقد قال عليه الصلاةُ والسلامُ { حَيْثُمَا كُنْتُمْ فَصَلُّوا عَلَيَّ ، فَإِنَّ صَلاتَكُمْ تَبْلُغُنِي }وقال{ مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا } اللهم صلِّ وسلمْ وأنعمْ وأكرمْ وزدْ وباركْ ، على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ ، وارضَ اللهم عن أصحابِهِ الأطهارِ ، ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ ، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ ، وعن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين ، وعن التابعينَ وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعنَّا معَهم بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ .اللهم أعزَّ الإسلامَ المسلمينَ ، ودمرْ أعداءَ الدينِ من اليهودِ والنصارى ، وجميعِ الكفرةِ الملحدينَ ، اللّهُم يا عظيمَ العفوِ ، ويا وسعَ المغفرةِ ، ويا قريبَ الرّحمةِ ، ويا ذا الجلالِ والإكرامِ ، هبْ لنا العافيةَ ، في الدُنيا والآخرةِ ، اللهم وفقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك، اللهم اجعلنا ممن أطاعك واتقاك واتبع رضاك. اللهم انا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى اللهم ارزقنا حبك وحبَ من يحبك وحبَ كلِ عمل صالح يقربنا من حبِك، أعمر بمحبتك قلوبَنا، وأنزل سكينتك على نفوسنا ، اللهم تب علينا توبة نصوحاً لا معصية بعدها اللهم آت نفوسنا تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها ، اللهم احفظْ بلادَنا وولاةَ أمرِنا وعلماءَنا ودُعاتَنا ، اللهم وحِّدْ كلمتَنا وقوي شوكتَنا ياربَّ العالمينَ ، واجعل هذا البلد رخاءً سخاءً آمِناً مُطمَئِناً ، وسائر بلاد المسلمين يا ربَّ العالمين ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنيين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، اللهم ربنا ( آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)