الشيخ/عبدالله السالم
30-04-2015, 13:36
إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُهُ ، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا ، من يهدِهِ اللهُ فلا مضلَّ له ومن يضللْ فلا هاديَ له ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً):أما بعد:أيها الأخوةُ في اللهِ ،نقفُ وإيّاكم عندَ آيةٍ من كلامِ اللهِ عز وجل، وهي قولُه تعالى [الأنعام:59].(إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَىْء فِي ٱلأرْضِ وَلاَ فِى ٱلسَّمَاء) [آل عمران:5]رجُلانِ مِنْ قُريشٍ يجلسانِ في جوفِ الليلِ، تحتَ جدارِ الكعبةِ، قد هدأتِ الجفونُ ونامتِ العيونُ، أرخى الليلُ سدولَهُ، واختلطَ ظلامُهُ، وغارتْ نجومُهُ، وشاعَ سكونُهُ.قاما يتذاكرانِ، ويُخطِطانِ ويُدبرانِ، وظنَّا أن الحيَّ القيومَ لا يعلمُ كثيراً مما يَعْمَلُونَ.استَخفَوا من النَّاسِ ولم يَستَخفُوا من اللهِ الذي يعلمُ ما يُبيتونَ مما لا يرضى من القولِ.تذاكرا مُصابَهم في بدرٍ فقال صفوانُ وهو أحدُهم: واللهِ ما في العيشِ بعد قتلى بدرٍ خيرٌ.فقالَ عميرٌ: صدقتَ واللهِ لولا دَينٌ عليَّ ليس له قَضاءٌ، وعيالٌ أخشى عليهمُ الضيعةَ لركبتُ إلى محمدٍ حتى أقتلَهُ.صلى اللهُ على نبيِّنا محمدٍ.اغتنمَ صفوانُ ذلك الانفعالَ، وذلكَ التأثرَ وقال: عليَّ دينُكَ، وعيالُك عيالي لا يسعُني شيءٌ ويعجزُ عنهم.قالَ عميرٌ: فاكتُم شأني وشأنَكَ لا يعلمُ بذلك أحدٌ. قالَ صفوانُ: أفعلُ.فقامَ عميرٌ وشحذ سيفَهُ، وسمَّهُ، ثم انطلقَ به إلى المدينةِ.ووصلَ إلى هناكَ ، وعمرُ بنَ الخطابِ رضي اللهُ عنه، في نفرٍ من المسلمينَ.أناخَ عميرٌ على بابِ مسجدِ رسولِ اللهِ مُتوشحاً سيفَهُ.فقالَ عمرُ: عدوُ اللهِ، واللهِ ما جاءَ إلا لشرٍّ . ودخلَ عمرُ على رسولِ اللهِ وأخبرَهُ بخبرِهِ.فقالَ النبيُّ : أدخلْهُ عليَّ.فأخذَ عمرُ بحمائلِ سيفِ عُميرٍ وجعلَها له كالقلادةِ ثم دخلَ بهِ على النبيِّ ، فلما رآهُ قالَ لعمرَ: أرسلْهُ يا عمرُ.ثم قالَ ما جاءَ بِكَ يا عميرُ. وكان له أبنٌ أسيرٌ عندَ رسولِ قالَ جئتُ لهذا الأسيرِ، فأحسنوا بهِ.قالَ : فما بالُ السيفِ في عنقِكَ ؟ قالَ : قبحَها اللهُ من سيوفٍ وهل أغنتْ عنّا شيئاً.فقالَ وقدَ جاءَهُ الوحيُ بما يضمرُهُ عميرٌ، قال اصدقْني يا عميرٌ ما الَّذي جاءَ بكَ ؟ قال : ما جئتُ إلا لذاك . فقالَ : بل قعدتَ مع صفوانَ في الحِجرِ في ليلةِ كذا، وقلتَ له: كذا، وقالَ لك: كذا وتعهدَ لكَ بِدَينِكَ وعيالِكَ، واللهُ حائلٌ بيني وبينَكُ.قالَ عميرٌ: أشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأشهدُ أنكَ رسولُ اللهِ .هذا أمرٌ لم يحضُرْهُ إلاَّ أنا وصفوانُ، واللهِ إني لأعلمُ أنه ما أتاكَ بهِ الآنَ إلاَّ اللهُ، فالحمدُ للهِ الذي ساقني هذا المساقَ، والحمدُ للهِ الذي هداني للإسلامِ .يقولُ سُبحانه(مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَـٰثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَىٰ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ) [المجادلة:7]. جاءَ ليقتلَ النورَ ويطفىءَ النورَ، فرجعَ وهو شُعلَةُ نورٍ اقتبسَهُ من صاحبِ النورِ . عبادَ اللهِ، سمعتُم المؤامرةَ تحاكُ تحتَ جِدارِ الكعبةِ، في ظُلمةِ الليلِ ، لا يَعلمُ بها أحدٌ ، حتى رسولِ اللهِ لأنه لا يعلمُ الغيبَ. حُبكتْ المؤامرةُ سراً.مَنْ الَّذي أعْلَنَها؟ مَنْ الَّذي سَمِعَهما؟ وهُما يُخطِطَانِ ويُدبرانِ ويَمْكُرانِ ،عندَ بابِ الكعبةِ.إنَّهُ الَّذي (لا يخفى عليهِ شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ) إنَّهُ الَّذي ( يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى) إنَّهُ الَّذي (يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ) كم تآمرَ المتآمرونَ في ظلامِ الليلِ، كم من عدوٍّ للإسلامِ جلسَ يخططُ لضربِ الإسلامِ ، ويَظنُّ أنه يَتصَرفُ كما يَشاءُ، مُتناسياً أنَّ الَّذي (لا يخفى عليهِ شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ) يَسمَعُ ما يَقُولونَ ، ويُبطلُ كَيدَهم ، فيُصبحوا على ما أسروا في أنفسِهم نادمينَ. يا مُرتكبَ المعاصي ،مُختَفياً عن أعينِ الخلقِ ..أين اللهُ ؟ أين اللهُ ؟ ما أنتَ واللهِ إلا أَحدُ رَجُلَين : إن كُنتَ ظننتَ أن اللهَ لا يَراكَ فقد كَفْرتَ . وإن كُنتَ تعلمُ أنه يراكَ ، فَلِمَ تَجتَرئْ عليهِ، وتجعلْهُ أهونَ الناظرينَ إليكَ ؟ (يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيّتُونَ مَا لاَ يَرْضَىٰ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) يا منتهكاً حرماتِ اللهِ في الظُلماتِ، وفي الخلواتِ، وفي الفلواتِ ، بعيداً عن أعينِ المخلوقاتِ، أين اللهُ ؟ هل سألتَ نفسَكَ هذا السؤالَ . في الصحيحِ من حديثِ ثوبانَ رضي اللهُ عنه قالَ قالَ رسولُ اللهِ : {لأعلمنَ أقواماً من أمتي يومَ القيامةِ يأتونَ بحسناتٍ كأمثالِ الجبالِ بيضاً، يجعلُها اللهُ هباءً منثوراً}قال ثوبانُ: صفْهم لنا، جلِّهم لنا ، أن لا نكونَ منهم يا رسولَ اللهِ قالَ: {أما إنهم إخوانُكم ومن جلدتِكم ويأخذونَ من الليلِ كما تأخذونَ، لكنهم إذا خلوا بمحارمِ اللهِ انتهكوها}اللهم ارزقنا خشيتكَ في الغيب والشهادة , اللهم ارزقنا خشيتكَ في الغيب والشهادة، اللهم ارزقنا خشيتكَ في الغيب والشهادة أقولُ ما تسمعون واٍستغفر الله، الذي لا إلهَ إلا هوَ وأتوبُ إليه ، فاستغفروهُ يغفر لكُم ، إنه هو الغفور الرحيم
الحمدُ للهِ على إحسانِهِ ، والشكر له على توفيقهِ وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وحدهُ لا شريكَ لهُ ، تعظيماً لشانه ، وأشهد أنَّ نبينا محمّداً عبده ورسولُه ، الدّاعي إلى رضوانه ، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأعوانه ، وسلّم تسليماً مزيداً ، أمّا بعد : أيها الأحبةُ المسلمون :رجلٌ اسمُهُ نوحُ بنُ مريمَ كان ذا نعمةٍ ومالٍ وثراءٍ وجاهٍ، وفوقَ ذلك صاحبُ دينٍ وخلقٍ، وكانت له أبنةٌ غايةٌ في الجمالِ، ذاتُ منصبٍ وجمالٍ. وفوقَ ذلكَ صاحبةُ دينٍ وخلقٍ.وكانَ معه عبدٌ اسمُهُ مباركٌ، لا يملِكُ من الدُّنيا قليلاً ولا كثيراً ، ولَكِنَّهُ يملكُ الدِّينَ والْخُلقَ، وَمَنْ مَلَكَهُما ، فقد ملكَ كلَّ شيءٍ.أرسلَهُ سيدُهُ إلى بساتينَ لهُ، وقالَ له: اذهبْ إلى تلكَ البساتينِ واحفظْ ثمرَها، وكنْ على خدمتِها إلى أن آتيكَ . مضى الرجلُ وبقي في البساتينِ لمدةِ شهرينِ، وجاءَهُ سيدُهُ، جاءَ ليستجمَّ في بساتينِهِ، ليستريحَ في تلكَ البساتينِ.جلسَ تحتَ شجرةٍ وقالَ: يا مباركُ، ائتني بِقِطْفٍ من عنبٍ.فجاءَهُ بقطفٍ فإذا هو حامضٌ.فقالَ: ائتني بقطفٍ آخرَ إن هذا حامضٌ . فأتاه بآخرَ فإذا هو حامضٌ.قالَ: ائتني بآخرَ، فجاءَهُ بالثالثِ فإذا هو حامضٌ. فَغَضِب وكادَ أن يستوليَ عليهِ الغضبُ ، وقالَ: يا مُباركُ أطلبُ منكَ قطفُ عنبٍ قد نَضُجَ، وتأتيني بقطفٍ لم يَنضُجْ.ألا تَعرفُ حُلوَهُ من حَامِضِةِ ؟ قالَ: واللهِ ما أرسلتَني لأكلَهُ ، وإنما أرسلتَني لأحفظَهُ ، وأَقُومَ على خدمتِهِ. والَّذي لا إلهَ إلا هو ، ما ذقتُ منه عِنبَةً واحدةً . والَّذي لا إلهَ إلا هُو مَا راقبتُكَ، ولا راقبتُ أحداً من الكائناتِ، ولكني راقبتُ الَّذي لا يخفى عليهِ شيءٌ ، في الأرضِ ولا في السماءِ . فَأُعجبَ بهِ، وأعجبَ بورعِهِ وقالَ: الآنَ أستشيرُكَ، والمؤمنونَ نصحَةٌ، والمنافقونَ غششةٌ، والمستشارُ مُؤتمنٌ . وَقَدْ تَقَدَّمَ لابنتي فلانٌ وفلانٌ من أصحابِ الثراءِ والمالِ والجاهِ، فَمَنْ ترى أن أزوجَ هذه البنتَ ؟ فقالَ مباركٌ: لقد كانَ أهلُ الجاهليةِ يزوجونَ للأصلِ والحسبِ والنسبِ. واليهودُ يزوجونَ للمالِ. والنَّصارى للجمالِ . وعلى عهدِ رسولِ اللهِ ، يُزوجونَ للدّينِ والخلقِ. وعلى عهدِنا هذا ، للمالِ والجاهِ. والمرءُ مع من أحبَّ، ومن تشبَّهُ بقومٍ فهو منهم.أيُّ نصيحةٍ وأي مَشورةٍ ؟ نظرَ وقَدَّرَ ، وفكرَ فما وجدَ خيراً من مُباركٍ، قالَ: أنتَ حُرٌّ لوجهِ اللهِ ، أعتقَهُ أولاً.ثم قالَ لقد قَلَّبتُ النظرَ ، فرأيتُ أَنَّكَ خيرُ من يتزوجُ بهذه البنتِ.قالَ: إِعرضْ عليها. فذهبَ وَعَرضَ على البنتِ وقالَ لها: إني قَلَّبتُ ونظرتُ وحَصَلَ كذا وكذا، ورأيتُ أن تتزوجي بمباركٍ.قالتْ: أترضاهُ لي ؟ قالَ: نعم . قالتْ: فإني أرضاهُ مُراقبةً للذي لا يخفى عليهِ شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ . فكان الزَّواجُ المباركُ من مُباركٍ ... فَمَا الثمرةُ وما النتيجةُ ؟ حملتْ هذه المرأةُ وولدتْ طفلاً أسمياهُ عبدَ اللهِ، لعلَّ الكلَّ يعرفُ هذا الرجلُ . إنه عبدُ اللهِ بنُ المباركِ المحدثُ الزاهدُ العابدُ الذي ما من إنسانٍ قَلَبَ صفحةً من كُتُبِ التَّاريخِ ، إلاَّ ووجدَهُ حياً بسيرتِهِ وذكرِهِ الطيبِ.إن ذلك ثمرةُ مراقبةِ اللهِ عز وجل في كلِّ شيءٍ . أيها الأحبةُ في اللهِ يقولُ المصطفى { إن من أفضَلِ ِأيامِكُم يومُ الجمعةِ فيهِ خلقَ آدمُ وفيهِ قُبِضَ وفيهِ النفخةُ وفيه الصعقةُ فأكثروا عليَّ من الصلاةِ فيه فإنًّ صلاتَكم معروضةٌ علي قالوا وكيفَ تعرضُ صلاتُنا عليكَ وقد أرمتَ فقالَ إن اللهَ عز وجل حرمَ على الأرضِ أن تأكلَ اجسادَ الأنبياء} اللهم صل وسلّم وأنعم وأكرم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمّد ، ورض اللهم عن أصحابه الأطهار ماتعاقب الليل والنهار أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائِرِ أصحابِ نبيّك أجمعين ، وعن التابعين ، وتابعيهم بِإحسانٍ إلى يومِ الدّين ، وعنّا معهم ، بمنك وفضلك ورحمتك ، يا أرحم الراحمين ، اللهم أنصرْ الإسلامَ وأعزَّ المسلمينَ ، اللهم احفظْ بلادَنا وولاةَ أمرِنا وعلماءَنا ودُعاتَنا ، اللهم وحِّدْ كلمتَنا وقوي شوكتَنا ياربَّ العالمينَ ، واجعل هذا البلد رخاءً سخاءً آمِناً مُطمَئِناً ، وسائر بلاد المسلمين يا ربَّ العالمين ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنيين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، اللهم ربنا ( آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)
الحمدُ للهِ على إحسانِهِ ، والشكر له على توفيقهِ وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وحدهُ لا شريكَ لهُ ، تعظيماً لشانه ، وأشهد أنَّ نبينا محمّداً عبده ورسولُه ، الدّاعي إلى رضوانه ، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأعوانه ، وسلّم تسليماً مزيداً ، أمّا بعد : أيها الأحبةُ المسلمون :رجلٌ اسمُهُ نوحُ بنُ مريمَ كان ذا نعمةٍ ومالٍ وثراءٍ وجاهٍ، وفوقَ ذلك صاحبُ دينٍ وخلقٍ، وكانت له أبنةٌ غايةٌ في الجمالِ، ذاتُ منصبٍ وجمالٍ. وفوقَ ذلكَ صاحبةُ دينٍ وخلقٍ.وكانَ معه عبدٌ اسمُهُ مباركٌ، لا يملِكُ من الدُّنيا قليلاً ولا كثيراً ، ولَكِنَّهُ يملكُ الدِّينَ والْخُلقَ، وَمَنْ مَلَكَهُما ، فقد ملكَ كلَّ شيءٍ.أرسلَهُ سيدُهُ إلى بساتينَ لهُ، وقالَ له: اذهبْ إلى تلكَ البساتينِ واحفظْ ثمرَها، وكنْ على خدمتِها إلى أن آتيكَ . مضى الرجلُ وبقي في البساتينِ لمدةِ شهرينِ، وجاءَهُ سيدُهُ، جاءَ ليستجمَّ في بساتينِهِ، ليستريحَ في تلكَ البساتينِ.جلسَ تحتَ شجرةٍ وقالَ: يا مباركُ، ائتني بِقِطْفٍ من عنبٍ.فجاءَهُ بقطفٍ فإذا هو حامضٌ.فقالَ: ائتني بقطفٍ آخرَ إن هذا حامضٌ . فأتاه بآخرَ فإذا هو حامضٌ.قالَ: ائتني بآخرَ، فجاءَهُ بالثالثِ فإذا هو حامضٌ. فَغَضِب وكادَ أن يستوليَ عليهِ الغضبُ ، وقالَ: يا مُباركُ أطلبُ منكَ قطفُ عنبٍ قد نَضُجَ، وتأتيني بقطفٍ لم يَنضُجْ.ألا تَعرفُ حُلوَهُ من حَامِضِةِ ؟ قالَ: واللهِ ما أرسلتَني لأكلَهُ ، وإنما أرسلتَني لأحفظَهُ ، وأَقُومَ على خدمتِهِ. والَّذي لا إلهَ إلا هو ، ما ذقتُ منه عِنبَةً واحدةً . والَّذي لا إلهَ إلا هُو مَا راقبتُكَ، ولا راقبتُ أحداً من الكائناتِ، ولكني راقبتُ الَّذي لا يخفى عليهِ شيءٌ ، في الأرضِ ولا في السماءِ . فَأُعجبَ بهِ، وأعجبَ بورعِهِ وقالَ: الآنَ أستشيرُكَ، والمؤمنونَ نصحَةٌ، والمنافقونَ غششةٌ، والمستشارُ مُؤتمنٌ . وَقَدْ تَقَدَّمَ لابنتي فلانٌ وفلانٌ من أصحابِ الثراءِ والمالِ والجاهِ، فَمَنْ ترى أن أزوجَ هذه البنتَ ؟ فقالَ مباركٌ: لقد كانَ أهلُ الجاهليةِ يزوجونَ للأصلِ والحسبِ والنسبِ. واليهودُ يزوجونَ للمالِ. والنَّصارى للجمالِ . وعلى عهدِ رسولِ اللهِ ، يُزوجونَ للدّينِ والخلقِ. وعلى عهدِنا هذا ، للمالِ والجاهِ. والمرءُ مع من أحبَّ، ومن تشبَّهُ بقومٍ فهو منهم.أيُّ نصيحةٍ وأي مَشورةٍ ؟ نظرَ وقَدَّرَ ، وفكرَ فما وجدَ خيراً من مُباركٍ، قالَ: أنتَ حُرٌّ لوجهِ اللهِ ، أعتقَهُ أولاً.ثم قالَ لقد قَلَّبتُ النظرَ ، فرأيتُ أَنَّكَ خيرُ من يتزوجُ بهذه البنتِ.قالَ: إِعرضْ عليها. فذهبَ وَعَرضَ على البنتِ وقالَ لها: إني قَلَّبتُ ونظرتُ وحَصَلَ كذا وكذا، ورأيتُ أن تتزوجي بمباركٍ.قالتْ: أترضاهُ لي ؟ قالَ: نعم . قالتْ: فإني أرضاهُ مُراقبةً للذي لا يخفى عليهِ شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ . فكان الزَّواجُ المباركُ من مُباركٍ ... فَمَا الثمرةُ وما النتيجةُ ؟ حملتْ هذه المرأةُ وولدتْ طفلاً أسمياهُ عبدَ اللهِ، لعلَّ الكلَّ يعرفُ هذا الرجلُ . إنه عبدُ اللهِ بنُ المباركِ المحدثُ الزاهدُ العابدُ الذي ما من إنسانٍ قَلَبَ صفحةً من كُتُبِ التَّاريخِ ، إلاَّ ووجدَهُ حياً بسيرتِهِ وذكرِهِ الطيبِ.إن ذلك ثمرةُ مراقبةِ اللهِ عز وجل في كلِّ شيءٍ . أيها الأحبةُ في اللهِ يقولُ المصطفى { إن من أفضَلِ ِأيامِكُم يومُ الجمعةِ فيهِ خلقَ آدمُ وفيهِ قُبِضَ وفيهِ النفخةُ وفيه الصعقةُ فأكثروا عليَّ من الصلاةِ فيه فإنًّ صلاتَكم معروضةٌ علي قالوا وكيفَ تعرضُ صلاتُنا عليكَ وقد أرمتَ فقالَ إن اللهَ عز وجل حرمَ على الأرضِ أن تأكلَ اجسادَ الأنبياء} اللهم صل وسلّم وأنعم وأكرم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمّد ، ورض اللهم عن أصحابه الأطهار ماتعاقب الليل والنهار أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائِرِ أصحابِ نبيّك أجمعين ، وعن التابعين ، وتابعيهم بِإحسانٍ إلى يومِ الدّين ، وعنّا معهم ، بمنك وفضلك ورحمتك ، يا أرحم الراحمين ، اللهم أنصرْ الإسلامَ وأعزَّ المسلمينَ ، اللهم احفظْ بلادَنا وولاةَ أمرِنا وعلماءَنا ودُعاتَنا ، اللهم وحِّدْ كلمتَنا وقوي شوكتَنا ياربَّ العالمينَ ، واجعل هذا البلد رخاءً سخاءً آمِناً مُطمَئِناً ، وسائر بلاد المسلمين يا ربَّ العالمين ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنيين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، اللهم ربنا ( آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)