الياس اسكندر
28-04-2015, 21:49
خطبة الحمعة : خطر بعض الفضائيات
الحمد لله أحمده وأستعينه ، وأستغفره وأستهديه ، وأومن به ولا أكفره،وأعادي من يكفر به ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحقّ والنور والموعظة والحكمة على فترة من الرّسل ، وقلّة من العلم وضلالة من النّاس وانقطاع من الزّمان، ودنوّ من السّاعة ، وقرب من الأجل.
من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصي الله ورسوله فقد غوى وفرّط وضلّ ضلالا بعيدا .وإنّ خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضّه على الآخرة وأن يأمره بتقوى الله ، واحذروا ما حذّركم الله من نفسه فإنّ تقوى الله لمن عمل به على وجل ومخافة من ربّه ، عون صدق على ما تبغون من أمر الآخرة . أمّا بعد عباد الله ، فحديثنا اليوم عن خطر بعض القنوات الفضائية التلفزية ، وما تبثه بعضها من سموم في عقول المسلمين.
إنّ شياطينَ الإنس يستخدمون سلاحًا لا يقلّ خطورةً ولا يهون أثرًا، ألا هو سلاح الشهوات، فتراهم يثيرون الغرائزَ في كلِّ نادي، ويهيِّجون الشهوات في كلِّ وادي، ولهم في ذلك أساليبُ ظاهرة وطرقٌ أخرى ماكِرة، لا تخفى على من أراد الله والدّارَ الآخرة، أفلامٌ تَفتلِم العقول، ومسلسلاتٌ تسلسِل الألباب، وبرامجُ حيّة شمطاء أسمُّ من حيّةٍ رَقطاء، وقنواتٌ إلى الفساد والرذيلة ممدودة، وعن الصلاح والفضيلة مسدودة، غناءٌ ماجن وفَنّ فاتِن، في عَرضٍ جمع بين الإزراء والإغراء، فلا زال مسلسل الإسفاف وتدمير الأخلاق والفضائل مستمرا، ولا زال شريط المفاسد ونبذ القيم السامية والمثل العليا متواصلا.
إنها القنوات الفضائية المسمومة التي غزت البيوت وخربت العقول وقضت على الفضيلة وهيأت أسباب الرذيلة. إن أخطر ما يواجه المسلمون اليوم ذلك الغزو الوافد إلينا عن طريق القنوات الفضائية، إنه غزو الشهوات والمخدرات، غزو المرأة الفاتنة والرقصة الماجنة والشذوذ والفساد، غزو الأفلام والمسلسلات، إنه غزو لعقيدة المسلمين في إيمانهم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره وأمور الغيب التي وردت في كتاب الله وصحت عن نبينا محمد ، إنها حرب شعواء على كلّ الأصعدة الدينية والأخلاقية والاجتماعية، تهدم العقائد الصحيحة والأخلاق الكريمة والعادات الحسنة والشمائل الطيبة والشيم الحميدة والخصال الجميلة, ومتى تخلت الأمة عن عقيدتها وأخلاقها وقيمها سقطت في بؤر الضياع والانحلال.
أما آن لهذه الفضائيات أن تكف عن هذا السيل العرم من المواد التي تعتمد على الإثارة الجنسية لدى الشباب والفتيات؟! أما آن لها أن تتّجه إلى العمل الجاد والطرح المفيد الذي يدفع بالأمة إلى التقدم والازدهار والرقي؟! أما آن لها أن تكف عن زعزعة العقائد وتعميق الخلافات وإشاعة الفوضى في المجتمعات الإسلامية؟! فأولى بتلكم القنوات أن تبحث عن حلول لمشاكل المجتمع اليومية من غلاء الأسعار والرشوة وضياع القيم و ظاهرة الانتحار لدى الأطفال والشباب...وكيفية التصدّي للإرهاب في كافة مظاهره..هذه هي المشاكل الحقيقية للمجتمع المسلم .
يقول أحد الكفرة من أعداء الإسلام وهو يخاطب قومه يقول: "إنكم إذا أعددتم جيلا من المسلمين لا يعرف الصلة بالله ولا يريد أن يعرفها أخرجتم المسلم من الإسلام وجعلتموه لا يهتم بدينه"، وقالوا أيضا: "كأس خمر ومغنية راقصة تفعل بالأمة الإسلامية ما لا تفعله الصواريخ ولا الدبابات". هذا ما قالوه منذ ما يزيد على سبعين عامًا، ولا يزالون يعملون دون كلل أو ملل؛ لأنهم يرون ثمار مخططاتهم الخبيثة تزداد يوما بعد يوم، وعاما بعد عام، ولكنّ المولى سبحانه جلّ في علاه يقول في محكم التنزيل :
(يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)، يستميتون لتحقيق غاياتهم، ينفقون من أموالهم ويبذلون من أوقاتهم، فهذه مجلة سافرة وتلك مقالة فاجرة، وهذا برنامج يشكك في الحجاب، يشيعون الفاحشة في الذين آمنوا. لقد استطاع الأعداء من خلال الفضائيات اقتحام ديارنا وبيوتنا، تُغزَى أَفكَارُ أَبنَائِنَا في عُقرِ دِيَارِنَا، وَيُحَارَبُ دِينُنَا بِأَموَالِنَا، وَتُهدَمُ أَسوَارُنَا بِسَوَاعِدِنَا، وتُخرَبُ بُيُوتُنَا بِأَيدِينَا، فَاللَّهُمَّ إِنَّا نَشكُو إِلَيكَ ضَعفَ قُوَّتِنَا وَقِلَّةَ حِيلَتِنَا وَهَوَانَنَا على النَّاس، بل تعمل هذه القنوات على تفكيك الروابط الأسرية وفصم العرى الزوجية بما تبثه من مواد تحريضية للزوجة على زوجها وللزوج على زوجته.
عباد الله، ماذا ينتظر من الأطفال إذا شاهدو أفلام العنف والقتل والتدمير؟! كيف يطالب المصلحون والمربون الشباب بالاستقامة وهذه الفضائيات تبث سمومها ليلا ونهارا لتجعل الشباب غارقين في الشهوات والمنكرات؟! أهذا هو التقدم والرقي والمدنية التي ننشدها؟! أهذا هو البناء الحضاري والتنموي الذي نريد إقامة قواعده وأسسه؟! أهذه نتائج العولمة ؟
بل إن هذه القنوات تضرب سمومها في عقيدة الولاء والبراء, فمن المعلوم في عقيدة الإسلام أن المسلم لا يحب إلا أهل الإيمان ولا يوالي إلا أهل الإسلام, لكن هذه الفضائيات قلبت الموازين، كيف لا وأنت ترى كثيرا من شباب المسلمين يحبّ هذا الفنان ولو كان فاجرا لا يؤمن بالله ورسوله، ويحب هذا المغني ولو كان لا يدين بالإسلام، ويوالي هذا اللاعب ولو كان كافرا ملحدا يسخر من الإسلام؟! والنبيّ يقول فيما رواه أحمد:
(لا يحب رجل قوما إلا جاء معهم يوم القيامة)
عباد الله ، إنّ الشيطان الرجيم يدعو إلى الفحشاء والمنكر ويحث عليها حتى يقع الإنسان فيها والعياذ بالله، (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا.)
فَلِمَاذَا ـ يَا أُمَّةَ الإِسلامِ ـ نَترُكُ هَذِهِ القَنَوَاتِ الهَابِطَةَ وَتِلكَ الأَجهِزَةَ المُدَمِّرَةَ تُرَبِّي أَبنَاءَنَا وَبَنَاتَنَا؟! هَل عَجَزنَا نحنُ عَن تَربِيَتِهِم أَم أَنَّنَا رَاضُونَ بِهَذِهِ التَّربِيَةِ الغَربِيَّةِ البَهِيمِيَّةِ الحَيَوَانِيَّةِ؟! كيف نرجو خيرا لشبابنا وفتياتنا؟! وأي مستقبل زاهر ننتظره منهم؟! وأي عز ومجد ينتظر أن يصنعه هؤلاء الأبناء وقد أصبحت الفضائيات هي المربي والموجه والمعلم لهم؟! عجبا أين دور الآباء والأمهات في التوجيه والإرشاد وقد سمحوا لأولادهم أن يتلقوا أخلاق الكفر والإلحاد والضياع؟! قال رسول الله : ((ما من عبد يسترعيه الله عز وجل رعية يموت يوم يموت وهو غاش رعيته إلا حرم الله تعالى عليه الجنة)) رواه البخاري ومسلم.
أَلَيسَ مِنَ الغِشِّ إِدخَالُ القَنَوَاتِ الهَابِطَةِ في المنزِلِ؟! أَلَيسَ مِنَ الغِشِّ تمكين الأطفال والشباب من التحكم في كل القنوات الفضائية دُونَ رَقَابَةٍ وَفِيهَا مَا فِيهَا مِنَ الشَّرِّ وَالبَاطِلِ؟! والمولى سبحانه يحذرنا أنفسنا بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُم وَأَنتُم تَعلَمُونَ)، فالأب والأم مسؤولان أمام الله عن هذا التقصير والتفريط، (كلكم راع، وكل راع مسؤول عن رعيته)
بل والله قد ضيع كثير من الناس صلاة الجماعة بسبب هذه القنوات، الصلوات وخاصة صلاة الفجر تشتكي من قلة المصلين، ما عذرك أمام الله ـ أيها المسلم ـ في ترك صلاة الفجر؟! مباريات أفلام مسلسلات؟ كلها أعذار واهية،( فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا). ألم تسمع قول رسول الله : ((لا تتركن صلاة مكتوبة متعمدا؛ فإن من ترك صلاة مكتوبة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله)) رواه أحمد.
بل ألم تسمع قوله عليه السلام: ((من سمع النداء فلم يجبه فلا صلاة له إلا من عذر)) رواه الدارقطني
ومن آثارها إضعاف مستوى التعليم، فالتلميذ الذي يقضي معظم ساعات نهاره وليله في متابعة القنوات كيف له أن يجد وقتا للبحث والدراسة والعمل الجاد نحو تحصيل علمي نافع؟! كما تثبت الدراسات الحديثة أن الأطفال يتعلمون العنف والكذب والتمرد والسرقة والتدخين والإدمان وغيرها من السلوكيات الخاطئة، كم تعمل على تضييع الأوقات! كم من أوقات وساعات ضيعت في هذه الآفة! وكم من ليال سهرت في الفضائيات! في ماذا؟ في فيلم أو رقصة أو مسلسل ماجن، ولو أن هذه الأوقات استغلت في العلوم النافعة والصناعات المفيدة لارتفع شأن الأمة وقوي.
ولا ننسى قول العزيز الوهاب:(إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً.)..نسأل الولى سبحانه أن يجنبنا الشرور ما ظهر منها وما بطن، وأن يحفظ أطفالنا وشبابنا من كل ضرّ وأن يسلّم عائلاتنا من التشتت والضياع إنه سميع قريب مجيب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الخطبة الثانية : " الباقيات الصالحات "
الحمد لله الرؤوف الرحيم الرحمن، الكريم الحكيم المنان، ذي الجلال والإكرام، لم يخلق الخلق عبثًا، ولم يتركهم سدى، وإنما ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في خلقه وحكمه وتدبيره، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
عباد الله ، مع كثرة المواعظ وتعددها لاستثمار هذه الأيام الفاضلة من شهر رجب الخير ونحوه، تجد كثيراً من الناس يغفلون أو يقصرون في شعيرة من شعائر الله هي في العمل يسير إلا أن فضلها عظيم، وأجرها جزيل، ولو أدرك أولئك الغافلون ما يفوتهم من الخير والنفع ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لفعلوا.
فلقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بالعمل الصالح في كل حين أوصاهم بالتهليل والتكبير والتحميد، إذ هي من الباقيات الصالحات التي قال فيها رب العزة والجلال (وَالبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) [الكهف: 46]، وقال أيضاً: (وَالبَاقِياتُ الصَّالِحَاتٌ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا) [مريم: 76].
وقد جاء تفسير الباقيات الصالحات صريحاً من النبي صلى الله عليه وسلم بأنها هذه الكلمات التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خذوا جُنَّتكم)، قلنا: يا رسول الله! من عدوٍّ حَضَر؟ قال: (لا ، بل جُنَّتكم من النار، قولوا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ فإنهن يأتين يوم القيامة منجيات ومقدمات، وهن الباقيات الصالحات) [رواه الحاكم والنسائي في عمل اليوم والليلة].
ما تكلم العبد بكلام أحب إلى الله تعالى -بعد القرآن- من هذه الكلمات؛ عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحبُّ الكلام إلى الله أربع، لا يَضرُّك بأيِّهنَّ بدأتَ: سبحان الله ، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) [رواه مسلم].
ومن تيسير الشرع أنه لم يشترط ترتيباً معيناً للذكر بهن، فبأيهن بدأ الإنسان تحقق له الفضل والأجر.
يحرص المسلم الصادق على ملئ صحائفه بالأعمال الصالحة، ليثقل موازينه عند الله تعالى؛ إلا أن عمر الإنسان يضيق عن إدراك كثير من الصالحات؛ فكان من لطف الله وكرمه على عباده أن جعل هذه الكلمات مباركات ؛ فهي على قلتها من حيث العدد، إلا أن لها من الأجر والفضل ما لو قضى الإنسان عمره ليفعله ما بلغ معشار ذلك، لا سيما عند تكبر سنه، ويرق عظمه، وتضعف عزيمته.
فعن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها قالت: مرَّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت: إني قد كبرت وضعفت - أو كما قالت-، فمرني بعمل أعمله وأنا جالسة، قال: (سبحي الله مائة تسبيحة؛ فإنها تعدل مائة رقبة تعتقينها من ولد إسماعيل ، واحمدي الله مائة تحميدة، تعدل لك مائة فرس مسرجة ملجمة تحملين عليها في سبيل الله، وكبّري الله مائة تكبيرة؛ فإنها تعدل لك مائة بدنة مقلدة متقبّلة، وهلل مائة تهليلة - قال الراوي: أحسبه قال: تملأ ما بين السماء والأرض-، ولا يرفع يومئذ لأحد عمل إلا أن يأتي بمثل ما أتيت) [رواه أحمد].
ولا يتوقف الأمر عند زيادة الحسنات، بل إن هذه الكلمات تكفر الذنوب وتمحو الخطيئات مهما بلغت وكثرت؛ فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما على الأرض رجل يقول: لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، إلا كفرت عنه ذنوبه، ولو كانت أكثر من زبد البحر) [رواه أحمد والترمذي والحاكم].
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بشجرة يابسة الورق، فضربها بعصاة، فتناثر الورق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لتساقط من ذنوب العبد كما تساقط ورق هذه الشجرة) [رواه الترمذي].
عن أبي سلمى رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بخ بخ، –وأشار بيده بخمس- ما أثقلهن في الميزان: سبحان الله, والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر، والولد الصالح يُتوفَّى للمرء المسلم فيحتسبه) [رواه الحاكم].
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعلّمنا أمور ديننا ودنيانا وأن ينفعنا بما علمنا إنه ولي التوفيق.،
الحمد لله أحمده وأستعينه ، وأستغفره وأستهديه ، وأومن به ولا أكفره،وأعادي من يكفر به ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحقّ والنور والموعظة والحكمة على فترة من الرّسل ، وقلّة من العلم وضلالة من النّاس وانقطاع من الزّمان، ودنوّ من السّاعة ، وقرب من الأجل.
من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصي الله ورسوله فقد غوى وفرّط وضلّ ضلالا بعيدا .وإنّ خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضّه على الآخرة وأن يأمره بتقوى الله ، واحذروا ما حذّركم الله من نفسه فإنّ تقوى الله لمن عمل به على وجل ومخافة من ربّه ، عون صدق على ما تبغون من أمر الآخرة . أمّا بعد عباد الله ، فحديثنا اليوم عن خطر بعض القنوات الفضائية التلفزية ، وما تبثه بعضها من سموم في عقول المسلمين.
إنّ شياطينَ الإنس يستخدمون سلاحًا لا يقلّ خطورةً ولا يهون أثرًا، ألا هو سلاح الشهوات، فتراهم يثيرون الغرائزَ في كلِّ نادي، ويهيِّجون الشهوات في كلِّ وادي، ولهم في ذلك أساليبُ ظاهرة وطرقٌ أخرى ماكِرة، لا تخفى على من أراد الله والدّارَ الآخرة، أفلامٌ تَفتلِم العقول، ومسلسلاتٌ تسلسِل الألباب، وبرامجُ حيّة شمطاء أسمُّ من حيّةٍ رَقطاء، وقنواتٌ إلى الفساد والرذيلة ممدودة، وعن الصلاح والفضيلة مسدودة، غناءٌ ماجن وفَنّ فاتِن، في عَرضٍ جمع بين الإزراء والإغراء، فلا زال مسلسل الإسفاف وتدمير الأخلاق والفضائل مستمرا، ولا زال شريط المفاسد ونبذ القيم السامية والمثل العليا متواصلا.
إنها القنوات الفضائية المسمومة التي غزت البيوت وخربت العقول وقضت على الفضيلة وهيأت أسباب الرذيلة. إن أخطر ما يواجه المسلمون اليوم ذلك الغزو الوافد إلينا عن طريق القنوات الفضائية، إنه غزو الشهوات والمخدرات، غزو المرأة الفاتنة والرقصة الماجنة والشذوذ والفساد، غزو الأفلام والمسلسلات، إنه غزو لعقيدة المسلمين في إيمانهم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره وأمور الغيب التي وردت في كتاب الله وصحت عن نبينا محمد ، إنها حرب شعواء على كلّ الأصعدة الدينية والأخلاقية والاجتماعية، تهدم العقائد الصحيحة والأخلاق الكريمة والعادات الحسنة والشمائل الطيبة والشيم الحميدة والخصال الجميلة, ومتى تخلت الأمة عن عقيدتها وأخلاقها وقيمها سقطت في بؤر الضياع والانحلال.
أما آن لهذه الفضائيات أن تكف عن هذا السيل العرم من المواد التي تعتمد على الإثارة الجنسية لدى الشباب والفتيات؟! أما آن لها أن تتّجه إلى العمل الجاد والطرح المفيد الذي يدفع بالأمة إلى التقدم والازدهار والرقي؟! أما آن لها أن تكف عن زعزعة العقائد وتعميق الخلافات وإشاعة الفوضى في المجتمعات الإسلامية؟! فأولى بتلكم القنوات أن تبحث عن حلول لمشاكل المجتمع اليومية من غلاء الأسعار والرشوة وضياع القيم و ظاهرة الانتحار لدى الأطفال والشباب...وكيفية التصدّي للإرهاب في كافة مظاهره..هذه هي المشاكل الحقيقية للمجتمع المسلم .
يقول أحد الكفرة من أعداء الإسلام وهو يخاطب قومه يقول: "إنكم إذا أعددتم جيلا من المسلمين لا يعرف الصلة بالله ولا يريد أن يعرفها أخرجتم المسلم من الإسلام وجعلتموه لا يهتم بدينه"، وقالوا أيضا: "كأس خمر ومغنية راقصة تفعل بالأمة الإسلامية ما لا تفعله الصواريخ ولا الدبابات". هذا ما قالوه منذ ما يزيد على سبعين عامًا، ولا يزالون يعملون دون كلل أو ملل؛ لأنهم يرون ثمار مخططاتهم الخبيثة تزداد يوما بعد يوم، وعاما بعد عام، ولكنّ المولى سبحانه جلّ في علاه يقول في محكم التنزيل :
(يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)، يستميتون لتحقيق غاياتهم، ينفقون من أموالهم ويبذلون من أوقاتهم، فهذه مجلة سافرة وتلك مقالة فاجرة، وهذا برنامج يشكك في الحجاب، يشيعون الفاحشة في الذين آمنوا. لقد استطاع الأعداء من خلال الفضائيات اقتحام ديارنا وبيوتنا، تُغزَى أَفكَارُ أَبنَائِنَا في عُقرِ دِيَارِنَا، وَيُحَارَبُ دِينُنَا بِأَموَالِنَا، وَتُهدَمُ أَسوَارُنَا بِسَوَاعِدِنَا، وتُخرَبُ بُيُوتُنَا بِأَيدِينَا، فَاللَّهُمَّ إِنَّا نَشكُو إِلَيكَ ضَعفَ قُوَّتِنَا وَقِلَّةَ حِيلَتِنَا وَهَوَانَنَا على النَّاس، بل تعمل هذه القنوات على تفكيك الروابط الأسرية وفصم العرى الزوجية بما تبثه من مواد تحريضية للزوجة على زوجها وللزوج على زوجته.
عباد الله، ماذا ينتظر من الأطفال إذا شاهدو أفلام العنف والقتل والتدمير؟! كيف يطالب المصلحون والمربون الشباب بالاستقامة وهذه الفضائيات تبث سمومها ليلا ونهارا لتجعل الشباب غارقين في الشهوات والمنكرات؟! أهذا هو التقدم والرقي والمدنية التي ننشدها؟! أهذا هو البناء الحضاري والتنموي الذي نريد إقامة قواعده وأسسه؟! أهذه نتائج العولمة ؟
بل إن هذه القنوات تضرب سمومها في عقيدة الولاء والبراء, فمن المعلوم في عقيدة الإسلام أن المسلم لا يحب إلا أهل الإيمان ولا يوالي إلا أهل الإسلام, لكن هذه الفضائيات قلبت الموازين، كيف لا وأنت ترى كثيرا من شباب المسلمين يحبّ هذا الفنان ولو كان فاجرا لا يؤمن بالله ورسوله، ويحب هذا المغني ولو كان لا يدين بالإسلام، ويوالي هذا اللاعب ولو كان كافرا ملحدا يسخر من الإسلام؟! والنبيّ يقول فيما رواه أحمد:
(لا يحب رجل قوما إلا جاء معهم يوم القيامة)
عباد الله ، إنّ الشيطان الرجيم يدعو إلى الفحشاء والمنكر ويحث عليها حتى يقع الإنسان فيها والعياذ بالله، (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا.)
فَلِمَاذَا ـ يَا أُمَّةَ الإِسلامِ ـ نَترُكُ هَذِهِ القَنَوَاتِ الهَابِطَةَ وَتِلكَ الأَجهِزَةَ المُدَمِّرَةَ تُرَبِّي أَبنَاءَنَا وَبَنَاتَنَا؟! هَل عَجَزنَا نحنُ عَن تَربِيَتِهِم أَم أَنَّنَا رَاضُونَ بِهَذِهِ التَّربِيَةِ الغَربِيَّةِ البَهِيمِيَّةِ الحَيَوَانِيَّةِ؟! كيف نرجو خيرا لشبابنا وفتياتنا؟! وأي مستقبل زاهر ننتظره منهم؟! وأي عز ومجد ينتظر أن يصنعه هؤلاء الأبناء وقد أصبحت الفضائيات هي المربي والموجه والمعلم لهم؟! عجبا أين دور الآباء والأمهات في التوجيه والإرشاد وقد سمحوا لأولادهم أن يتلقوا أخلاق الكفر والإلحاد والضياع؟! قال رسول الله : ((ما من عبد يسترعيه الله عز وجل رعية يموت يوم يموت وهو غاش رعيته إلا حرم الله تعالى عليه الجنة)) رواه البخاري ومسلم.
أَلَيسَ مِنَ الغِشِّ إِدخَالُ القَنَوَاتِ الهَابِطَةِ في المنزِلِ؟! أَلَيسَ مِنَ الغِشِّ تمكين الأطفال والشباب من التحكم في كل القنوات الفضائية دُونَ رَقَابَةٍ وَفِيهَا مَا فِيهَا مِنَ الشَّرِّ وَالبَاطِلِ؟! والمولى سبحانه يحذرنا أنفسنا بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُم وَأَنتُم تَعلَمُونَ)، فالأب والأم مسؤولان أمام الله عن هذا التقصير والتفريط، (كلكم راع، وكل راع مسؤول عن رعيته)
بل والله قد ضيع كثير من الناس صلاة الجماعة بسبب هذه القنوات، الصلوات وخاصة صلاة الفجر تشتكي من قلة المصلين، ما عذرك أمام الله ـ أيها المسلم ـ في ترك صلاة الفجر؟! مباريات أفلام مسلسلات؟ كلها أعذار واهية،( فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا). ألم تسمع قول رسول الله : ((لا تتركن صلاة مكتوبة متعمدا؛ فإن من ترك صلاة مكتوبة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله)) رواه أحمد.
بل ألم تسمع قوله عليه السلام: ((من سمع النداء فلم يجبه فلا صلاة له إلا من عذر)) رواه الدارقطني
ومن آثارها إضعاف مستوى التعليم، فالتلميذ الذي يقضي معظم ساعات نهاره وليله في متابعة القنوات كيف له أن يجد وقتا للبحث والدراسة والعمل الجاد نحو تحصيل علمي نافع؟! كما تثبت الدراسات الحديثة أن الأطفال يتعلمون العنف والكذب والتمرد والسرقة والتدخين والإدمان وغيرها من السلوكيات الخاطئة، كم تعمل على تضييع الأوقات! كم من أوقات وساعات ضيعت في هذه الآفة! وكم من ليال سهرت في الفضائيات! في ماذا؟ في فيلم أو رقصة أو مسلسل ماجن، ولو أن هذه الأوقات استغلت في العلوم النافعة والصناعات المفيدة لارتفع شأن الأمة وقوي.
ولا ننسى قول العزيز الوهاب:(إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً.)..نسأل الولى سبحانه أن يجنبنا الشرور ما ظهر منها وما بطن، وأن يحفظ أطفالنا وشبابنا من كل ضرّ وأن يسلّم عائلاتنا من التشتت والضياع إنه سميع قريب مجيب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الخطبة الثانية : " الباقيات الصالحات "
الحمد لله الرؤوف الرحيم الرحمن، الكريم الحكيم المنان، ذي الجلال والإكرام، لم يخلق الخلق عبثًا، ولم يتركهم سدى، وإنما ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في خلقه وحكمه وتدبيره، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
عباد الله ، مع كثرة المواعظ وتعددها لاستثمار هذه الأيام الفاضلة من شهر رجب الخير ونحوه، تجد كثيراً من الناس يغفلون أو يقصرون في شعيرة من شعائر الله هي في العمل يسير إلا أن فضلها عظيم، وأجرها جزيل، ولو أدرك أولئك الغافلون ما يفوتهم من الخير والنفع ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لفعلوا.
فلقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بالعمل الصالح في كل حين أوصاهم بالتهليل والتكبير والتحميد، إذ هي من الباقيات الصالحات التي قال فيها رب العزة والجلال (وَالبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) [الكهف: 46]، وقال أيضاً: (وَالبَاقِياتُ الصَّالِحَاتٌ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا) [مريم: 76].
وقد جاء تفسير الباقيات الصالحات صريحاً من النبي صلى الله عليه وسلم بأنها هذه الكلمات التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خذوا جُنَّتكم)، قلنا: يا رسول الله! من عدوٍّ حَضَر؟ قال: (لا ، بل جُنَّتكم من النار، قولوا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ فإنهن يأتين يوم القيامة منجيات ومقدمات، وهن الباقيات الصالحات) [رواه الحاكم والنسائي في عمل اليوم والليلة].
ما تكلم العبد بكلام أحب إلى الله تعالى -بعد القرآن- من هذه الكلمات؛ عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحبُّ الكلام إلى الله أربع، لا يَضرُّك بأيِّهنَّ بدأتَ: سبحان الله ، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) [رواه مسلم].
ومن تيسير الشرع أنه لم يشترط ترتيباً معيناً للذكر بهن، فبأيهن بدأ الإنسان تحقق له الفضل والأجر.
يحرص المسلم الصادق على ملئ صحائفه بالأعمال الصالحة، ليثقل موازينه عند الله تعالى؛ إلا أن عمر الإنسان يضيق عن إدراك كثير من الصالحات؛ فكان من لطف الله وكرمه على عباده أن جعل هذه الكلمات مباركات ؛ فهي على قلتها من حيث العدد، إلا أن لها من الأجر والفضل ما لو قضى الإنسان عمره ليفعله ما بلغ معشار ذلك، لا سيما عند تكبر سنه، ويرق عظمه، وتضعف عزيمته.
فعن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها قالت: مرَّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت: إني قد كبرت وضعفت - أو كما قالت-، فمرني بعمل أعمله وأنا جالسة، قال: (سبحي الله مائة تسبيحة؛ فإنها تعدل مائة رقبة تعتقينها من ولد إسماعيل ، واحمدي الله مائة تحميدة، تعدل لك مائة فرس مسرجة ملجمة تحملين عليها في سبيل الله، وكبّري الله مائة تكبيرة؛ فإنها تعدل لك مائة بدنة مقلدة متقبّلة، وهلل مائة تهليلة - قال الراوي: أحسبه قال: تملأ ما بين السماء والأرض-، ولا يرفع يومئذ لأحد عمل إلا أن يأتي بمثل ما أتيت) [رواه أحمد].
ولا يتوقف الأمر عند زيادة الحسنات، بل إن هذه الكلمات تكفر الذنوب وتمحو الخطيئات مهما بلغت وكثرت؛ فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما على الأرض رجل يقول: لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، إلا كفرت عنه ذنوبه، ولو كانت أكثر من زبد البحر) [رواه أحمد والترمذي والحاكم].
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بشجرة يابسة الورق، فضربها بعصاة، فتناثر الورق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لتساقط من ذنوب العبد كما تساقط ورق هذه الشجرة) [رواه الترمذي].
عن أبي سلمى رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بخ بخ، –وأشار بيده بخمس- ما أثقلهن في الميزان: سبحان الله, والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر، والولد الصالح يُتوفَّى للمرء المسلم فيحتسبه) [رواه الحاكم].
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعلّمنا أمور ديننا ودنيانا وأن ينفعنا بما علمنا إنه ولي التوفيق.،