الشيخ/عبدالله السالم
15-01-2015, 15:10
الحمدُ للهِ ما انتظمتْ بتدبيرِهِ الأمُورْ ، وتوالتْ بحكمتِهِ السّينينَ والشهورْ ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَهُ لاشَرِيكَ له ، وسعَ المُقترفين بعفوِهِ وغُفرانِهْ ، وعمَّ المُفتقرين بفضلِهِ وإحسانِهْ ، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ صلى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وأعوَنِه ، وسلم تسليماً كثيراً : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) أما بعد :أيها الأحبةُ في الله ، فَإنَّ القلوبَ … تَحملُ على من حولَها في بَعضِ الأحيان ، رُبَّما مِن مُوقِفٍ ما ، أوكلِمَةٍ ما ، يَحصُلُ الغضبُ والشحناء ، أوالغيضُ والبغضاءُ ، والحِقدُ والحَنَق ، فإن بادرَ أصحابُها بتنقيتِها ، زالَ كلُّ كدرٍ ، وعمَّ الصفاءُ وسَلِمَت الصّدُورُ، وإذا أهملوا ذلكَ ، تراكمتْ المواقفُ ، وتَتَابعتْ المآخذُ ، حتى يُصبحَ في كلِّ قلبٍ على أخيهِ بغضاءٌ ، لا تزولُ إلا بمعالجةٍ شديدةٍ ، وربما تركتْ خدشاً لا يمحوهُ الزمانُ ، ورُبما لقيَ اللهَ بهذا القلبِ الخربِ ، المليءِ بالبغضاءِ والغيضِ والحقدِ والحسدِ والكبرِ ، وهذه الأدواءِ ، إذا توالت على قلبٍ أهلكته ،يَومَ أن يلقى الله ،واللهُ عزَّ وجلَّ يقول ( يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ*إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) وسلامةُ القلبِ أيها الأحبة ، هيَ سلامتُهُ من كلِّ غلٍّ وحَسَدٍ وحِقدٍ وبغضاءٍ وَكبرٍ على المسلمين ، وسلامَتُةُ من هذه الأدواء ، تُعتَبَرُ من أعظمِ الخصالِ وأشرفِ الخلالِ ، ثم هي من بعدُ خُلَةٍ لا يقوى عليها إلاَّ الرجالُ ، ولقد كان الرسولُ أحرصَ الناسِ على سلامةِ قلبِهِ ، فكان يَقُولُ فيما رواه عنه ابنُ مسعودٍ:رضي اللهُ عنه { لَا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ }هكذا يقولُ بأبي هوَ وأُمي { فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ } لأنَّ سلامةَ الصدرِ ، سببٌ لنجاةِ يوم العرضِ على الله ، وسببٌ في قَبُولِ الأعمالِ ، ففي الحديثِ: { تُعرضُ الأعمالُ كلَّ يومِ اثنينِ وخميسٍ، فيغفرُ اللهُ عز وجل في ذلك اليومِ لكلِّ امرئٍ لا يشركُ باللهِ شيئاً إلا امرءاً كانتْ بينَهُ وبين أخيهِ شحناءٌ فيقولُ: أَنْظِروا هذين حتى يصطلحا } فانظرْ كم يُضَيّعُ الإنسانُ على نفسِهِ من الخيرِ ،وهُوَ يَحملُ في قلبِهِ هذهِ الأحقادَ والضغائنَ ، قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ :َ أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: {كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ} قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْب؟ِ قَالَ {هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ لَا إِثْمَ فِيهِ وَلَا بَغْيَ وَلَا غِلَّ وَلَا حَسَدَ } وفي وصفِ أولِ زُمرةٍ تَلجُ الجنةَ ، يقولُ عليهِ الصلاةُ والسلام { لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَبَاغُضَ ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ } وسلامةُ الصدرِ طريقٌ إلى الجنةِ أيضاً، فقد قالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: { يطلعُ عليكم الآنَ رجلٌ من أهلِ الجنةِ فطلعَ رجلٌ من الأنصارِ تنطفُ لحيتُهُ من الوضوءِ}، تكررَ ذلك ثلاثَ مراتٍ في ثلاثةِ أيامٍ ، فأحبَّ عبدُ اللهِ بنُ عمروٍ أن يعرفَ خبيئةَ هذا الرجلِ ، فباتَ عندَه ثلاثاً فلم يرَهُ كثيرَ صلاةٍ ولا صيامٍ، فسألَهُ فَقَالَ: [ مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا وَلَا أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ] فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيق.،، أفرأيتَ كيفَ سَمَتْ به سلامةُ صدرِهِ ، حتى بُشرَ بالجنةِ ثلاثَ مراتٍ؟!!وانظرْ يارعاكَ اللهُ ، إلى عِظمِ الأمرِ ، فإذا كان مثلُ ابنِ عمروٍ وهو من هو ، وكان جلداً في العبادةِ يقولُ: وهي التي لا نطيقُ ، فما يقولُ مَنْ دونَهُ ؟ وما كانتْ هذه الكلمةُ من ابنِ عمروٍ ، تثبيطاً عن هذا الخُلقِ العَظيمِ ، وإنَّما كانت بياناً لعظمِ منزلتِهِ ، وحاجتِهِ إلى المجاهدةِ العظيمةِ ، نعم فالنفوسُ الكبيرةُ وحدَها ، هي القادرةُ على تجاوزِ الإساءةِ ، ومقابلتِها بالإحسانِ ، ومن ثم المحافظةُعلى القلبِ نقياً ، والصدرِ سليماً،..
لا يحملُ الْحِقدَ من تَعلُو بِهِ الرُتُبُ
ولاينالُ العُلا مَن ْطبعُهُ الغضبُ ،. كانَ يوسفُ عليه السلامُ مثلاً فذاً في سلامةِ الصدرِ، فَبَعدَ أن فعلَ به إخوانُهُ ما فعلوا، وبعدَ أن صارَ في منزلةٍ يقدرُ فيها على الانتقامِ ، أبى أَن يَثأرَ لنفسِهِ ، ووفَّى لإخوتِهِ الكيلَ ثم قالَ لهم: (لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ) فَعَفَا عَنْهُم ، ثم استغفرَ لهم ، وأَعجَبُ من هذا ، أنه التمسَ لهم العذرَ فيما فعلوه ، قالَ (مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ ٱلشَّيْطَـٰنُ بَيْنِى وَبَيْنَ إِخْوَتِى) ونبيُنَا محمدٌ كانَ رَحِيمِاً حتى بِأعدَائِهِ ، لَمَّا دَخَلَ يَومَ الفَتحِ مَكَةَ على قُرَيشٍ ، وَقد أُجْلِسُوا بالمسجدِ الحرامِ ، وصَحْبُهُ يَنتَظِرونَ أَمْرَهُ فِيهم ، مِن قَتْلٍ أو غَيرِهِ ، قالَ ما تَظنُونَ أَنّي فَاعِلٌ بِكُمْ ؟ قَالُوا خَيراً ، أَخٌ كَرِيمٌ وابنُ أخٍ كَريمٍ ، فَقَالَ أَقُولُ كَمَا قاَلَ أخي يُوسُفُ (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ) أذهبُوا فَأَنتُمْ الطُلَقَاءُ ، قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ دَخَلُوا عَلَى بَعْضِ الصَّحَابَةِ فِي مَرَضِهِ وَوَجْهُهُ يَتَهَلَّلُ وفي روايةٍ دخلوا على أبي دُجانةَ الأنصاريَّ ، وكان وجهُهُ يتهللُ ، فَسَأَلُوهُ عَنْ سَبَبِ تَهَلُّلِ وَجْهِهِ ، فَقَالَ مَا مِنْ عَمَلٍ أَوْثَقُ عِنْدِي مِنْ خَصْلَتَيْنِ ، كُنْتُ لَا أَتَكَلَّمُ فِيمَا لَا يَعْنِينِي ، وَكَانَ قَلْبِي سَلِيمًا لِلْمُسْلِمِينَ . بارك الله لي ولكم في القران العظيم ،
الحمد لله على إحسانه ، والشكرله على توفيقهِ وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وحدهُ لا شريكَ لهُ ، تعظيماً لشانه ، وأشهد أنَّ نبينا محمّداً عبده ورسولُه ، الدّاعي إلى رضوانه ، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأعوانه ، وسلّم تسليماً مزيداً: أما بعدُ : أيُّها الأحبةُ ، لَجَّ خُصومُ ابنِ تيميةَ في خصومتِهِ ، حتى أودعوهُ السجنَ ، وضيقوا عليه ، فلما ماتَ أحدُ كبارِ أعدائِهِ ، كانَ ابنُ تيميةَ أولَ من عزَّى أهلَهُ ،بل قالَ لهم: أنا أكونُ لكم مكانَهُ!! وحيَن قالَ له مُحِبوهُ : ألا تأذنَ لنا فنؤذي من آذاكَ ؟قال لهم: إني قد أحللتُ كلَّ من آذاني ، ولا أحلُّ أحداً آذى أحداً بسببي!!ومَرِضَ الشافعيُّ فعادَهُ بعضُ أصحابِهِ فقالَ له: قوى اللهُ ضعفَكَ! فقالَ الشافعيُّ: لو قوى ضعفِي لقتلني! فقالَ: يا إمامُ ، واللهِ ما أردتُ إلا الخيرَ، فقالَ: أعلمُ أنك لو شتمتَني ما أردتَ إلا الخيرَ ، واعجباهُ!! إنها قُلُوبٌ تسامتْ عن ذاتِها، وتعالتْ عن الغضبِ لنفسِها،فأينَ من هؤلاءِ مَنْ يحملُ على أخيهِ ،لمجردِ أنه نسي دعوتَهُ إلى وليمةٍ ؟ وأين من هؤلاء من يحملُ على أخيهِ ، لكلمةٍ خرجتْ من غيرِ قصدٍ ، فيحملُها على الشرِّ وهو يجدُ لها في الخيرِ محملاً ؟ ، وأين من هؤلاء ، من يجعلُ من ذهنِهِ حاسوباً ، يُسجِلُ فيه كلَّ صغيرةٍ وكبيرةٍ ، من هفواتِ إخوانِهِ وأصدقَائِه ، حتى إذا غَضِبَ على أحدِهم ، أخرجَ له قائمةً طويلةً ، فيها الحوادثُ والأرقامُ والتواريخُ ؟ وأين من هؤلاءِ ، من لا يكادُ يصفو قلبُهُ لأحدٍ ، فهو يَحسِدُ هذا، ويَحقِدُ على ذاك، ويغضبُ على الثالثِ، ويسيءُ الظنَّ بالرابعِ، ويَتَهِمُ الخامسَ وهكذا دواليك ؟ ، فلماذا التعاتبُ بين الإخوةِ ،كلٌّ منهم ، يطلبُ من صاحبِهِ أن يكونَ معصوماً ؟ أليس التغافرُ وسلامةُ الصدرِ ، أولى وأطهرَ وأبردَ للقلبِ؟ أليس جمالُ الحياةِ ، أن تقولَ لأخيكَ كلما صافحتَهُ: ربِّ اغفرْ لي ولأخي هذا، ثم تُضمِرُ في قلبِكَ ، أنك قد غفرتَ له تقصيرَهُ تجاهَكَ ؟ بلى واللهِ ، بلى واللهِ ، بلى واللهِ ،عِباد الله صلوا رحمني اللهُ وإيَّاكم ، على الهادي البشيرِ ، والسراجِ المنيرِ ، كما أمرَكم بذلك اللطيفُ الخبيرُ ،بِقَولِهِ سُبحانه ( إِنَّ اللهَ وَملاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبيْ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُواْ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) وقد قال عليه الصلاةُ والسلامُ { حيثما كنتم فصلوا عليَّ فإنَّ صلاتَكم تبلغني }وقال{ من صلى علي صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشراً } اللهم صلِّ وسلمْ وأنعمْ وأكرمْ وزدْ وباركْ ، على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ ، وارضَ اللهم عن أصحابِهِ الأطهارِ ، ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ ، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ ، وعن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين ، وعن التابعينَ وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعنَّا معَهم بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ .اللهم أعزَّ الإسلامَ المسلمينَ ، ودمرْ أعداءَ الدينِ من اليهودِ والنصارى ، وجميعِ الكفرةِ الملحدينَ ، اللّهُم يا عظيمَ العفوِ ، ويا وسعَ المغفرةِ ، ويا قريبَ الرّحمةِ ، ويا ذا الجلالِ والإكرامِ ، هبْ لنا العافيةَ ، في الدُنيا والآخرةِ ، اللّهُم اجعلْ رزقَنَا رغداً ، ولا تُشمتْ بنا أحداً ، اللهم إنا نسألُكَ ، بعزِّكَ الذي لا يرامُ ، وملكِكَ الذي لا يُضامُ ، وبنورِكَ الذي ملأ أركانَ عرشِكَ ، أن تكفيَنا شرَّ ما أهمَنا وما لا نهتمُ به ، وأن تعيذَنا من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا ، اللهم رَغّبْنا فيما يبقى ، وَزَهّدْنا فيما يفنى ، وهبْ لنا اليقينَ ، الذي لا تسكنْ النفوسُ إلا إليهِ ، ولا يُعوَّلُ في الدينِ إلا عليهِ ، اللهم اجعلْ بَلدَنا هذا آمناً مطمئناً ، وسائرَ بلادِ المسلمينَ ، اللهم أيدْ إمامَنا بتأيدِكَ ، وانصرْ بهِ دينَكَ ، ووفقْهُ إلى هُدَاكَ ، واجعلْ عمَلَهُ في رضاكَ ، وارزقْهُ اللهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ ، التي تدلُهُ على الخيرِ ، وتعينه عليه، اللهم أرحمْ موتانا ، وعافي مُبتلانا ، واقضِ الدينَ عن مدينِنا ، وردَّ ضالَنا إليكَ رداً جميلاً ، ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ، عبادَ اللهِ إن اللهَ يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذا القربى وينهى عن الفحشاءِ والمنكرِ والبغي يعظُكم لعلكم تذكرونَ ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ )
لا يحملُ الْحِقدَ من تَعلُو بِهِ الرُتُبُ
ولاينالُ العُلا مَن ْطبعُهُ الغضبُ ،. كانَ يوسفُ عليه السلامُ مثلاً فذاً في سلامةِ الصدرِ، فَبَعدَ أن فعلَ به إخوانُهُ ما فعلوا، وبعدَ أن صارَ في منزلةٍ يقدرُ فيها على الانتقامِ ، أبى أَن يَثأرَ لنفسِهِ ، ووفَّى لإخوتِهِ الكيلَ ثم قالَ لهم: (لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ) فَعَفَا عَنْهُم ، ثم استغفرَ لهم ، وأَعجَبُ من هذا ، أنه التمسَ لهم العذرَ فيما فعلوه ، قالَ (مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ ٱلشَّيْطَـٰنُ بَيْنِى وَبَيْنَ إِخْوَتِى) ونبيُنَا محمدٌ كانَ رَحِيمِاً حتى بِأعدَائِهِ ، لَمَّا دَخَلَ يَومَ الفَتحِ مَكَةَ على قُرَيشٍ ، وَقد أُجْلِسُوا بالمسجدِ الحرامِ ، وصَحْبُهُ يَنتَظِرونَ أَمْرَهُ فِيهم ، مِن قَتْلٍ أو غَيرِهِ ، قالَ ما تَظنُونَ أَنّي فَاعِلٌ بِكُمْ ؟ قَالُوا خَيراً ، أَخٌ كَرِيمٌ وابنُ أخٍ كَريمٍ ، فَقَالَ أَقُولُ كَمَا قاَلَ أخي يُوسُفُ (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ) أذهبُوا فَأَنتُمْ الطُلَقَاءُ ، قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ دَخَلُوا عَلَى بَعْضِ الصَّحَابَةِ فِي مَرَضِهِ وَوَجْهُهُ يَتَهَلَّلُ وفي روايةٍ دخلوا على أبي دُجانةَ الأنصاريَّ ، وكان وجهُهُ يتهللُ ، فَسَأَلُوهُ عَنْ سَبَبِ تَهَلُّلِ وَجْهِهِ ، فَقَالَ مَا مِنْ عَمَلٍ أَوْثَقُ عِنْدِي مِنْ خَصْلَتَيْنِ ، كُنْتُ لَا أَتَكَلَّمُ فِيمَا لَا يَعْنِينِي ، وَكَانَ قَلْبِي سَلِيمًا لِلْمُسْلِمِينَ . بارك الله لي ولكم في القران العظيم ،
الحمد لله على إحسانه ، والشكرله على توفيقهِ وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وحدهُ لا شريكَ لهُ ، تعظيماً لشانه ، وأشهد أنَّ نبينا محمّداً عبده ورسولُه ، الدّاعي إلى رضوانه ، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأعوانه ، وسلّم تسليماً مزيداً: أما بعدُ : أيُّها الأحبةُ ، لَجَّ خُصومُ ابنِ تيميةَ في خصومتِهِ ، حتى أودعوهُ السجنَ ، وضيقوا عليه ، فلما ماتَ أحدُ كبارِ أعدائِهِ ، كانَ ابنُ تيميةَ أولَ من عزَّى أهلَهُ ،بل قالَ لهم: أنا أكونُ لكم مكانَهُ!! وحيَن قالَ له مُحِبوهُ : ألا تأذنَ لنا فنؤذي من آذاكَ ؟قال لهم: إني قد أحللتُ كلَّ من آذاني ، ولا أحلُّ أحداً آذى أحداً بسببي!!ومَرِضَ الشافعيُّ فعادَهُ بعضُ أصحابِهِ فقالَ له: قوى اللهُ ضعفَكَ! فقالَ الشافعيُّ: لو قوى ضعفِي لقتلني! فقالَ: يا إمامُ ، واللهِ ما أردتُ إلا الخيرَ، فقالَ: أعلمُ أنك لو شتمتَني ما أردتَ إلا الخيرَ ، واعجباهُ!! إنها قُلُوبٌ تسامتْ عن ذاتِها، وتعالتْ عن الغضبِ لنفسِها،فأينَ من هؤلاءِ مَنْ يحملُ على أخيهِ ،لمجردِ أنه نسي دعوتَهُ إلى وليمةٍ ؟ وأين من هؤلاء من يحملُ على أخيهِ ، لكلمةٍ خرجتْ من غيرِ قصدٍ ، فيحملُها على الشرِّ وهو يجدُ لها في الخيرِ محملاً ؟ ، وأين من هؤلاء ، من يجعلُ من ذهنِهِ حاسوباً ، يُسجِلُ فيه كلَّ صغيرةٍ وكبيرةٍ ، من هفواتِ إخوانِهِ وأصدقَائِه ، حتى إذا غَضِبَ على أحدِهم ، أخرجَ له قائمةً طويلةً ، فيها الحوادثُ والأرقامُ والتواريخُ ؟ وأين من هؤلاءِ ، من لا يكادُ يصفو قلبُهُ لأحدٍ ، فهو يَحسِدُ هذا، ويَحقِدُ على ذاك، ويغضبُ على الثالثِ، ويسيءُ الظنَّ بالرابعِ، ويَتَهِمُ الخامسَ وهكذا دواليك ؟ ، فلماذا التعاتبُ بين الإخوةِ ،كلٌّ منهم ، يطلبُ من صاحبِهِ أن يكونَ معصوماً ؟ أليس التغافرُ وسلامةُ الصدرِ ، أولى وأطهرَ وأبردَ للقلبِ؟ أليس جمالُ الحياةِ ، أن تقولَ لأخيكَ كلما صافحتَهُ: ربِّ اغفرْ لي ولأخي هذا، ثم تُضمِرُ في قلبِكَ ، أنك قد غفرتَ له تقصيرَهُ تجاهَكَ ؟ بلى واللهِ ، بلى واللهِ ، بلى واللهِ ،عِباد الله صلوا رحمني اللهُ وإيَّاكم ، على الهادي البشيرِ ، والسراجِ المنيرِ ، كما أمرَكم بذلك اللطيفُ الخبيرُ ،بِقَولِهِ سُبحانه ( إِنَّ اللهَ وَملاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبيْ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُواْ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) وقد قال عليه الصلاةُ والسلامُ { حيثما كنتم فصلوا عليَّ فإنَّ صلاتَكم تبلغني }وقال{ من صلى علي صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشراً } اللهم صلِّ وسلمْ وأنعمْ وأكرمْ وزدْ وباركْ ، على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ ، وارضَ اللهم عن أصحابِهِ الأطهارِ ، ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ ، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ ، وعن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين ، وعن التابعينَ وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعنَّا معَهم بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ .اللهم أعزَّ الإسلامَ المسلمينَ ، ودمرْ أعداءَ الدينِ من اليهودِ والنصارى ، وجميعِ الكفرةِ الملحدينَ ، اللّهُم يا عظيمَ العفوِ ، ويا وسعَ المغفرةِ ، ويا قريبَ الرّحمةِ ، ويا ذا الجلالِ والإكرامِ ، هبْ لنا العافيةَ ، في الدُنيا والآخرةِ ، اللّهُم اجعلْ رزقَنَا رغداً ، ولا تُشمتْ بنا أحداً ، اللهم إنا نسألُكَ ، بعزِّكَ الذي لا يرامُ ، وملكِكَ الذي لا يُضامُ ، وبنورِكَ الذي ملأ أركانَ عرشِكَ ، أن تكفيَنا شرَّ ما أهمَنا وما لا نهتمُ به ، وأن تعيذَنا من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا ، اللهم رَغّبْنا فيما يبقى ، وَزَهّدْنا فيما يفنى ، وهبْ لنا اليقينَ ، الذي لا تسكنْ النفوسُ إلا إليهِ ، ولا يُعوَّلُ في الدينِ إلا عليهِ ، اللهم اجعلْ بَلدَنا هذا آمناً مطمئناً ، وسائرَ بلادِ المسلمينَ ، اللهم أيدْ إمامَنا بتأيدِكَ ، وانصرْ بهِ دينَكَ ، ووفقْهُ إلى هُدَاكَ ، واجعلْ عمَلَهُ في رضاكَ ، وارزقْهُ اللهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ ، التي تدلُهُ على الخيرِ ، وتعينه عليه، اللهم أرحمْ موتانا ، وعافي مُبتلانا ، واقضِ الدينَ عن مدينِنا ، وردَّ ضالَنا إليكَ رداً جميلاً ، ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ، عبادَ اللهِ إن اللهَ يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذا القربى وينهى عن الفحشاءِ والمنكرِ والبغي يعظُكم لعلكم تذكرونَ ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ )