محمدالمهوس
16-10-2014, 06:49
الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ الغَفُورِ الشّكور، يُطاع فيشكر، ويُعصى فَيغفر ، السعادةُ كلُّها في طاعته، والأرباحُ كُلُّها في معاملته، والمحنُ والبلايا كلُّها في معصيته ومخالفته، فليس للعبد أنفعُ من شكره، والتوبةِ إليه. فله الحمدُ على ما أعطى وما منع،ولهُ الحمْدُ على كُلِّ حال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، وأشهد أنّ مُحمّدا عبدُهُ ورسولُه ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ... أما بعد : أيها الناس / أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل ((يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ))
عباد الله / روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَلَّمْتُ ، فَإِذَا هُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى رَمْلِ حَصِيرٍ ثُمَّ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فِي الْبَيْتِ فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ إِلا أُهَبَةً ثَلاثًا ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَيْكَ ، فَقَدْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَى فَارِسَ وَالرُّومِ وَهُمْ لا يَعْبُدُونَ اللَّهَ تَعَالَى . قَالَ : فَاسْتَوَى جَالِسًا ، فَقَالَ : " أَوَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ؟ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا " ، فَقُلْتُ : اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ " .
وروى ابن ماجه في سننه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ ((منْ كانتِ الدُّنـْيا همَّه فرّق اللهُ عليه أمرَه و جعل فقْره بين عينيه و لم يأتِهِ من الدُّنيا إلا ما كُتب لهُ ، و من كانت الآخرةُ نِيّتَهُ جمّع اللهُ له أمرَه و جعل غِناهُ في قلبِهِ و أتَتْهُ الدُّنيا و هيَ راغِمةٌ )) صحّحه الألبانيُ رحمه الله .
عباد الله / في هذين الحديثين توجيهٌ كريمٌ من نبي الهُدى صلى الله عليه وسلم بالتعلق بالآخرة الباقية ، والبعدِ عن الاغترار بالدنيا الفانية ولا يتمُّ ولا يستقيمُ هذا الا بأمرين مُهمين ، الأمرُ الأول : معرفةُ حقيقةِ الدنيا بسرعة زوالها، وفنائها، وألمِ المزاحمة فِيها والحرصِ عليها، وما في ذلك من الغُصصِ والأنكاد فيها ، وآخرُ ذلك الزوالُ والانقطاع مع ما يعقُبُ من الحسرة والأسف، فطالبُها لا يَنْفك من هَمِّ قبل حُصولها ،وهم في حال الظّفر بها، وغمِّ الحُزن بعد فواتها ، قال تعالى ((إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )) وروى مُسلمٌ في صحيحه عن الْمُسْتَوْرِدُ أَخُو بَنِي فِهْرٍ , قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وسلّم :((مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَا يَرْجِعُ))
الأمرُ الثاني : النَّظرُ في الآخرة وإقبالِها ومَجِيئها ولا بد، ودوامِها وبقائها وشرفِ ما فيها من الخيرات والمسرات ، فهي كما قال تعالى (( والآخِـرَةُ خَـيْرٌ وَأَبْـقَى )) ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يقول كما في الصحيحين ((اللَّهُمَّ لا عَيْشَ إِلا عَيْشُ الآخِرَةِ )) وكان السلفُ رضي الله عنهم يملكون أشياءَ من الدنيا ويبيعون ويشترون ولكنّ الدنيا بين أيدهم والآخرةَ في قلوبِهم، وهذا على خلافِ كثيرٍ منا اليوم الذين مَلئُوا قُلوبَهُم بأعراض هذه الحياة ومشاكلِها وشهواتها وأطماعها فأصبح همُّ الآخرةِ في قلوبهم ضعيفاً .
فالتعلقُ بالآخرة , يحُثُّ على الاستكثار من الحسنات لأنّها هي الادخارُ الصحيح ؛ فالتّسْبيحُ غِراسُ الجنة، ومن صلّى السُّنَنَ الرواتبَ بَنَا اللهُ له بَيْتاً في الجنة ، وكفالةُ الأيتام والسعايةُ على الأرامل والمساكينَ سببٌ لمرافقةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم في الجنّة.
والتعلقُ بالآخرة وَبِعَيشِها, ينهاك عن الاعتداء على المخلوقين , سواءٌ في الدّماء أو الأعراض أو الأموال؛ لأنها من أعظم ما يضرُّ العبدَ عندما يقف بين يدي الله, ومن أعظم ما يأكلُ ما جمَعهُ من الحسنات في الدنيا . والتَّعَلُّقُ بالآخرة وبِعَيشِها يجعل العبدَ لا يَتَحَسّرُ على ما يرى عليه أهلُ الثراءِ ومُتْعَةِ الدنيا من نعيم, لأنه زائلٌ ومتاع قليل, ولذلك قال تعالى: (( وَلَا تَمُدَّن عَيْنَيْك إلَى مَا مَتَّعْنَا به أَزْوَاجًا منْهُمْ زَهْرَة الْحَيَاة الدُّنْيَا )) بل ولا يغُترُّ بما يَرى عليه أُمَمُ الكفرِ من متاع الدُّنيا وانْفِتَاحِها عليْهم ولَهُمْ, لأنّ اللهَ جعل جنّتَهم في دنياهم، قال تعالى: (( لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ )) وهذا المتاعُ الذي تَروْنَ عليه أُمَمُ الكفرِ اليوم, ليس جديداً, بل هو معروف من القديم,كما في حديث فارسَ والروم .
عباد الله: ومن ثمراتِ تَعَلُّقِ القلبِ بالآخرة وبِعَيْشِها: انضِباطُ أمرِ الغيرة, بحيث لا يغارُ إلا على أمر الدين. ولذلك لم ينتصر النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه قط, فإذا انتُهِكَت مَحارِمُ الله, غَضِبَ لله, صلوات الله وسلامه عليه. بخلاف ما عليه أهلُ الدنيا الذين يجعلون سَخطَهُم ورضاهُم من أجل الدنيا, إن أُعْطُوا رَضُوا, وإن لم يُعْطَوا إذا هم يسخطون. فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى, واسعوا للآخرة, فإنها مَرَدُّكُم, ولا تُلْهِيَنَّكُم الدنيا, فإنها متاع الغرور.
اللهم أيقضنا من رقدة الغافلين ، وأغثنا بالإيمان واليقين واجعلنا من عبادك الصالحين وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين . أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
عباد الله : أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل فاتقوا الله عباد الله واعلموا ن الرغبة في الآخرة لا تعني إهمالَ الدنيا وتركَها بلا جُهد لتحسينها وإصلاحِها ، وإنما الدنيا مزرعةٌ للآخرة .
عبادَ الله / المُتعلّقُونَ بالآخِرةِ همُ السّابقون في الدنيا إلى الإيمان ، والأعمال ، والخيراتِ ، وهمُ السابقون في الآخرة لدخول الجنات، وهم المقربون عند الله في جنّات النعيم في أعلى عليين. وهمُ الذين يُعْطُونَ من أنفُسهِم مِمّا أُمِروا به من كل ما يقْدرونَ عليه من صلاة وزكاة، وصيام وحج، وطاعاتٍ ،وأعمالٍ صالحة، ومع هذا قلوبُهم وَجِلَةٌ وخائفةٌ عند عرض أعمالِها على ربها، والوقوفِ بين يديه، خشيةَ أن تكونَ أعمالُهُم مَرْدُودةً عليْهم .
اللهم لاتجعلِ الدُّنيا أكبرَ همِّنا ، ولا مبلغَ عِلمنا ولا إلى النارِ مصيرَنا ، واجعلِ الجنةّ هيَ دارنا يارب العالمين ، هذاوصلّوا وسلّموا على النبي المصطفى والرسول المجتبى، فقد أمركم بذلك المولى جلّ وعلا فقال في محكم تنزيله ((إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا)) اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد ، وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهمَّ عن الخلفاء الأربعة الراشدين...
الحمدُ للهِ الغَفُورِ الشّكور، يُطاع فيشكر، ويُعصى فَيغفر ، السعادةُ كلُّها في طاعته، والأرباحُ كُلُّها في معاملته، والمحنُ والبلايا كلُّها في معصيته ومخالفته، فليس للعبد أنفعُ من شكره، والتوبةِ إليه. فله الحمدُ على ما أعطى وما منع،ولهُ الحمْدُ على كُلِّ حال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له ، وأشهد أنّ مُحمّدا عبدُهُ ورسولُه ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ... أما بعد : أيها الناس / أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل ((يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ))
عباد الله / روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَلَّمْتُ ، فَإِذَا هُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى رَمْلِ حَصِيرٍ ثُمَّ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فِي الْبَيْتِ فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ إِلا أُهَبَةً ثَلاثًا ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَيْكَ ، فَقَدْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَى فَارِسَ وَالرُّومِ وَهُمْ لا يَعْبُدُونَ اللَّهَ تَعَالَى . قَالَ : فَاسْتَوَى جَالِسًا ، فَقَالَ : " أَوَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ؟ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا " ، فَقُلْتُ : اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ " .
وروى ابن ماجه في سننه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ ((منْ كانتِ الدُّنـْيا همَّه فرّق اللهُ عليه أمرَه و جعل فقْره بين عينيه و لم يأتِهِ من الدُّنيا إلا ما كُتب لهُ ، و من كانت الآخرةُ نِيّتَهُ جمّع اللهُ له أمرَه و جعل غِناهُ في قلبِهِ و أتَتْهُ الدُّنيا و هيَ راغِمةٌ )) صحّحه الألبانيُ رحمه الله .
عباد الله / في هذين الحديثين توجيهٌ كريمٌ من نبي الهُدى صلى الله عليه وسلم بالتعلق بالآخرة الباقية ، والبعدِ عن الاغترار بالدنيا الفانية ولا يتمُّ ولا يستقيمُ هذا الا بأمرين مُهمين ، الأمرُ الأول : معرفةُ حقيقةِ الدنيا بسرعة زوالها، وفنائها، وألمِ المزاحمة فِيها والحرصِ عليها، وما في ذلك من الغُصصِ والأنكاد فيها ، وآخرُ ذلك الزوالُ والانقطاع مع ما يعقُبُ من الحسرة والأسف، فطالبُها لا يَنْفك من هَمِّ قبل حُصولها ،وهم في حال الظّفر بها، وغمِّ الحُزن بعد فواتها ، قال تعالى ((إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )) وروى مُسلمٌ في صحيحه عن الْمُسْتَوْرِدُ أَخُو بَنِي فِهْرٍ , قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وسلّم :((مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَا يَرْجِعُ))
الأمرُ الثاني : النَّظرُ في الآخرة وإقبالِها ومَجِيئها ولا بد، ودوامِها وبقائها وشرفِ ما فيها من الخيرات والمسرات ، فهي كما قال تعالى (( والآخِـرَةُ خَـيْرٌ وَأَبْـقَى )) ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يقول كما في الصحيحين ((اللَّهُمَّ لا عَيْشَ إِلا عَيْشُ الآخِرَةِ )) وكان السلفُ رضي الله عنهم يملكون أشياءَ من الدنيا ويبيعون ويشترون ولكنّ الدنيا بين أيدهم والآخرةَ في قلوبِهم، وهذا على خلافِ كثيرٍ منا اليوم الذين مَلئُوا قُلوبَهُم بأعراض هذه الحياة ومشاكلِها وشهواتها وأطماعها فأصبح همُّ الآخرةِ في قلوبهم ضعيفاً .
فالتعلقُ بالآخرة , يحُثُّ على الاستكثار من الحسنات لأنّها هي الادخارُ الصحيح ؛ فالتّسْبيحُ غِراسُ الجنة، ومن صلّى السُّنَنَ الرواتبَ بَنَا اللهُ له بَيْتاً في الجنة ، وكفالةُ الأيتام والسعايةُ على الأرامل والمساكينَ سببٌ لمرافقةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم في الجنّة.
والتعلقُ بالآخرة وَبِعَيشِها, ينهاك عن الاعتداء على المخلوقين , سواءٌ في الدّماء أو الأعراض أو الأموال؛ لأنها من أعظم ما يضرُّ العبدَ عندما يقف بين يدي الله, ومن أعظم ما يأكلُ ما جمَعهُ من الحسنات في الدنيا . والتَّعَلُّقُ بالآخرة وبِعَيشِها يجعل العبدَ لا يَتَحَسّرُ على ما يرى عليه أهلُ الثراءِ ومُتْعَةِ الدنيا من نعيم, لأنه زائلٌ ومتاع قليل, ولذلك قال تعالى: (( وَلَا تَمُدَّن عَيْنَيْك إلَى مَا مَتَّعْنَا به أَزْوَاجًا منْهُمْ زَهْرَة الْحَيَاة الدُّنْيَا )) بل ولا يغُترُّ بما يَرى عليه أُمَمُ الكفرِ من متاع الدُّنيا وانْفِتَاحِها عليْهم ولَهُمْ, لأنّ اللهَ جعل جنّتَهم في دنياهم، قال تعالى: (( لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ )) وهذا المتاعُ الذي تَروْنَ عليه أُمَمُ الكفرِ اليوم, ليس جديداً, بل هو معروف من القديم,كما في حديث فارسَ والروم .
عباد الله: ومن ثمراتِ تَعَلُّقِ القلبِ بالآخرة وبِعَيْشِها: انضِباطُ أمرِ الغيرة, بحيث لا يغارُ إلا على أمر الدين. ولذلك لم ينتصر النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه قط, فإذا انتُهِكَت مَحارِمُ الله, غَضِبَ لله, صلوات الله وسلامه عليه. بخلاف ما عليه أهلُ الدنيا الذين يجعلون سَخطَهُم ورضاهُم من أجل الدنيا, إن أُعْطُوا رَضُوا, وإن لم يُعْطَوا إذا هم يسخطون. فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى, واسعوا للآخرة, فإنها مَرَدُّكُم, ولا تُلْهِيَنَّكُم الدنيا, فإنها متاع الغرور.
اللهم أيقضنا من رقدة الغافلين ، وأغثنا بالإيمان واليقين واجعلنا من عبادك الصالحين وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين . أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
عباد الله : أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل فاتقوا الله عباد الله واعلموا ن الرغبة في الآخرة لا تعني إهمالَ الدنيا وتركَها بلا جُهد لتحسينها وإصلاحِها ، وإنما الدنيا مزرعةٌ للآخرة .
عبادَ الله / المُتعلّقُونَ بالآخِرةِ همُ السّابقون في الدنيا إلى الإيمان ، والأعمال ، والخيراتِ ، وهمُ السابقون في الآخرة لدخول الجنات، وهم المقربون عند الله في جنّات النعيم في أعلى عليين. وهمُ الذين يُعْطُونَ من أنفُسهِم مِمّا أُمِروا به من كل ما يقْدرونَ عليه من صلاة وزكاة، وصيام وحج، وطاعاتٍ ،وأعمالٍ صالحة، ومع هذا قلوبُهم وَجِلَةٌ وخائفةٌ عند عرض أعمالِها على ربها، والوقوفِ بين يديه، خشيةَ أن تكونَ أعمالُهُم مَرْدُودةً عليْهم .
اللهم لاتجعلِ الدُّنيا أكبرَ همِّنا ، ولا مبلغَ عِلمنا ولا إلى النارِ مصيرَنا ، واجعلِ الجنةّ هيَ دارنا يارب العالمين ، هذاوصلّوا وسلّموا على النبي المصطفى والرسول المجتبى، فقد أمركم بذلك المولى جلّ وعلا فقال في محكم تنزيله ((إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا)) اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد ، وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهمَّ عن الخلفاء الأربعة الراشدين...