الياس اسكندر
30-08-2014, 13:41
خطبة الجمعة : صور ناصعة من روح الإسلام
الحمد لله ذي العزة والجلال، غافر الذنب وقابلِ التوب شديد المِحال، مانِح كلِّ غنيمةٍ وفضلٍ، كاشِفِ كل عظيمةٍ وضيقٍ، أحمده - سبحانه - على سوابغِ نعمِه وواسع كرمِه وعظيمِ آلائه، وأشهد أن لا إله إلا الله أولاً وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله، أرسلَه إلى الثَّقَلَيْن الإنسِ والجنِّ بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسِراجًا مُنيرًا، صلَّى الله وسلَّم وبارَكَ عليه، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليما.
أمّا بعد ، عباد الله فقد روى غير واحد من أهل العلم ـ منهم أبو عبيد القاسم بن سلام وابن زنجويه و الإمام السيوطي في جامع الأحاديث، وابن القيم في أحكام أهل الذمة ، قصّة سيّدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه وذلك الشيخ اليهودي
حيث ذكر أبو يوسف في كتابه " الخراج "، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه-
مر بباب قوم وعليه سائل يسأل ، شيخ كبير ضرير ،فضرب عضده من خلفه وقال له : من أيّ أهل الكتب أنت ؟ قال : يهودي.
قال : فما ألجأك إلى ما أرى ؟ قال : أسأل الجزية والحاجة والسن .
قال: فأخذ عمر - رضي الله عنه - بيده فذهب به إلى منزله،
فرضخ له - أي أعطاه- من المنزل بشيء ثمَّ أرسل إلى خازن بيت المال فقال:
انظر هذا وضرباءه ، فوالله ما أنصفناه إذا أكلنا شبيبته ثمَّ نخذله عند الهرم )
ووضع عنه الجزية وعن ضربائه..انظر معالمة الإسلام لمن يتعايش معه في سلم وتأمّل شفقة عمر الفاروق رضي الله عنه بهذا الشيخ رغم أنّه يهوديّ، فالخليفة عمر لم يحقره لدينه ولم يستخفّ به لفقره بل عامله معاملة الإسلام لكافّة النّاس معاملة من تربّى على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلّم معلّم البشريّة.
ذلك قصة عمر رضي الله عنه مع اليهودية لن تجدوا لها نظيرا، فعندما فرغت من شكواها وعمر يصغي إليها بأدب وتواضع جم بعد أن وصفت فقرها وعجزها عن علاج ابنها المريض، رقّ لحالها ، ورق قلبُه لها وأخذها إلى "بيت مال المسلمين"، وفرض لها ما يكفيها ويكفي علاج ابنها، ففرحت وشكرته ونادته بأمير المؤمنين..
رأى عمر الفاروق والحاكم العادل، وصاحب القلب الرحيم في وجه اليهودية الرضا والفرحة بعد أن شكرته على موقفه النبيل، موقف مستمد من مبدأ الإسلام الذي تربى عليه عمر على يد رسول الرحمة عليه الصلاة و السلام، فاستغل عمر هذه الفرصة واللحظات المناسبة للموقف ليطلب من اليهودية شيئا لمصلحتها دنيا وآخرة، فقال لها مشفقا:
" يا أمة الله، إني أدعوك إلى الإسلام ففيه خيري الدنيا والآخرة"، لم يقل لها، أنتِ على ضلالة ومصيرك جهنم إن لم تسلمي، ومع هذا اللطف والتلطف في القول، ومع مهابة عمر، قالت اليهودية في حرية وأمان واعتراض:
" أما هذه فلا يا أمير المؤمنين"، ونادته بالإمارة كأنها مقرة له بذالك، ولكن العصبية منعتها من دعوة عمر "إنك لا تهدي من أحببت"، فماذا كان رد عمر تجاه رفض اليهودية العجوز؟
ندم على استغلال هذه الحاجة لدعوتها إلى الإسلام، وتمنى لو دعاها في ظرف زماني آخر، وفرصة غير فرصة الحاجة والعوز، وخاطب نفسه يؤنبها قائلا:
"يا عمر!! أليس هذا من الإكراه في الدين؟"..
ويؤثر عنه قوله:
"يومان يؤرقان عمر، يوم الحديبية، ويوم قصته مع اليهودية".
يومان لا ينساهما عمر رضي الله عنهما ، لأنّه لا يحبّ أن يجبر أحدا على الدخول في الإسلام إذ " لا إكراه في الدّين" كما قال المولى عزّ وجلّ .
عظمة الزعامة والعبقرية لم تكن في الفاروق عمر قبل إسلامه، فما كان يؤثر عنه غير الغلظة وشدة البطش مع صفات أخرى فيها المحمود وفيها المذموم، وبعد أن أسلم ظهرت شخصية أخرى لعمر، وبرزت عبقريته الفذة بعد أن تتلمذ على يد مربيه وقائده رسول الله عليه الصلاة والسلام ومن بعده صاحبه الصديق الخليفة الأول، فصلى الله على شيخه ومعلمه رسول الله، ورضي الله عن صاحبه أبي بكر، ورضي الله عن الفاروق، ورزق الأمة برجل ليس مثله، وإنما برجل يحاول تقليد سيرته وقيادته وزهده وورعه..
لقد كان الفاروق عمر رضي الله عنه قدوة في عدله، فأسر القلوب وبهر العقول، فالعدل في نظره دعوة عملية للإسلام به تفتح قلوب الناس للإيمان، وقد سار على ذات نهج الرسول ، فكانت سياسته تقوم على العدل الشامل بين الناس، وقد نجح في ذلك على صعيد الواقع والتطبيق نجاحا منقطع النظير لا تكاد تصدقه العقول حتى اقترن اسمه بالعدل، وبات من الصعب جدا على كل من عرف شيئا يسيرا من سيرته أن يفصل ما بين الاثنين،
في موطأ الإمام مالك بسنده عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اخْتَصَمَ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ وَيَهُودِيٌّ، فَرَأَى عُمَرُ أَنَّ الْحَقَّ لِلْيَهُودِيِّ، فَقَضَى لَهُ، فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: وَاللَّهِ لَقَدْ قَضَيْتَ بِالْحَقِّ. فَضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالدِّرَّةِ، ثُمَّ قَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ؟ فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: إِنَّا نَجِدُ أَنَّهُ لَيْسَ قَاضٍ يَقْضِي بِالْحَقِّ إِلاَّ كَانَ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكٌ وَعَنْ شِمَالِهِ مَلَكٌ يُسَدِّدَانِهِ، وَيُوَفِّقَانِهِ لِلْحَقِّ مَا دَامَ مَعَ الْحَقِّ، فَإِذَا تَرَكَ الْحَقَّ عَرَجَا وَتَرَكَاهُ[3].
نفعنا الله وإيّاكم بما ورد من الآيات والذكر الحكيم، وغفر الله لي ولكم ببركة النبي الأمي الأمين ولا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم .
الحمد لله ذي العزة والجلال، غافر الذنب وقابلِ التوب شديد المِحال، مانِح كلِّ غنيمةٍ وفضلٍ، كاشِفِ كل عظيمةٍ وضيقٍ، أحمده - سبحانه - على سوابغِ نعمِه وواسع كرمِه وعظيمِ آلائه، وأشهد أن لا إله إلا الله أولاً وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله، أرسلَه إلى الثَّقَلَيْن الإنسِ والجنِّ بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسِراجًا مُنيرًا، صلَّى الله وسلَّم وبارَكَ عليه، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليما.
أمّا بعد ، عباد الله فقد روى غير واحد من أهل العلم ـ منهم أبو عبيد القاسم بن سلام وابن زنجويه و الإمام السيوطي في جامع الأحاديث، وابن القيم في أحكام أهل الذمة ، قصّة سيّدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه وذلك الشيخ اليهودي
حيث ذكر أبو يوسف في كتابه " الخراج "، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه-
مر بباب قوم وعليه سائل يسأل ، شيخ كبير ضرير ،فضرب عضده من خلفه وقال له : من أيّ أهل الكتب أنت ؟ قال : يهودي.
قال : فما ألجأك إلى ما أرى ؟ قال : أسأل الجزية والحاجة والسن .
قال: فأخذ عمر - رضي الله عنه - بيده فذهب به إلى منزله،
فرضخ له - أي أعطاه- من المنزل بشيء ثمَّ أرسل إلى خازن بيت المال فقال:
انظر هذا وضرباءه ، فوالله ما أنصفناه إذا أكلنا شبيبته ثمَّ نخذله عند الهرم )
ووضع عنه الجزية وعن ضربائه..انظر معالمة الإسلام لمن يتعايش معه في سلم وتأمّل شفقة عمر الفاروق رضي الله عنه بهذا الشيخ رغم أنّه يهوديّ، فالخليفة عمر لم يحقره لدينه ولم يستخفّ به لفقره بل عامله معاملة الإسلام لكافّة النّاس معاملة من تربّى على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلّم معلّم البشريّة.
ذلك قصة عمر رضي الله عنه مع اليهودية لن تجدوا لها نظيرا، فعندما فرغت من شكواها وعمر يصغي إليها بأدب وتواضع جم بعد أن وصفت فقرها وعجزها عن علاج ابنها المريض، رقّ لحالها ، ورق قلبُه لها وأخذها إلى "بيت مال المسلمين"، وفرض لها ما يكفيها ويكفي علاج ابنها، ففرحت وشكرته ونادته بأمير المؤمنين..
رأى عمر الفاروق والحاكم العادل، وصاحب القلب الرحيم في وجه اليهودية الرضا والفرحة بعد أن شكرته على موقفه النبيل، موقف مستمد من مبدأ الإسلام الذي تربى عليه عمر على يد رسول الرحمة عليه الصلاة و السلام، فاستغل عمر هذه الفرصة واللحظات المناسبة للموقف ليطلب من اليهودية شيئا لمصلحتها دنيا وآخرة، فقال لها مشفقا:
" يا أمة الله، إني أدعوك إلى الإسلام ففيه خيري الدنيا والآخرة"، لم يقل لها، أنتِ على ضلالة ومصيرك جهنم إن لم تسلمي، ومع هذا اللطف والتلطف في القول، ومع مهابة عمر، قالت اليهودية في حرية وأمان واعتراض:
" أما هذه فلا يا أمير المؤمنين"، ونادته بالإمارة كأنها مقرة له بذالك، ولكن العصبية منعتها من دعوة عمر "إنك لا تهدي من أحببت"، فماذا كان رد عمر تجاه رفض اليهودية العجوز؟
ندم على استغلال هذه الحاجة لدعوتها إلى الإسلام، وتمنى لو دعاها في ظرف زماني آخر، وفرصة غير فرصة الحاجة والعوز، وخاطب نفسه يؤنبها قائلا:
"يا عمر!! أليس هذا من الإكراه في الدين؟"..
ويؤثر عنه قوله:
"يومان يؤرقان عمر، يوم الحديبية، ويوم قصته مع اليهودية".
يومان لا ينساهما عمر رضي الله عنهما ، لأنّه لا يحبّ أن يجبر أحدا على الدخول في الإسلام إذ " لا إكراه في الدّين" كما قال المولى عزّ وجلّ .
عظمة الزعامة والعبقرية لم تكن في الفاروق عمر قبل إسلامه، فما كان يؤثر عنه غير الغلظة وشدة البطش مع صفات أخرى فيها المحمود وفيها المذموم، وبعد أن أسلم ظهرت شخصية أخرى لعمر، وبرزت عبقريته الفذة بعد أن تتلمذ على يد مربيه وقائده رسول الله عليه الصلاة والسلام ومن بعده صاحبه الصديق الخليفة الأول، فصلى الله على شيخه ومعلمه رسول الله، ورضي الله عن صاحبه أبي بكر، ورضي الله عن الفاروق، ورزق الأمة برجل ليس مثله، وإنما برجل يحاول تقليد سيرته وقيادته وزهده وورعه..
لقد كان الفاروق عمر رضي الله عنه قدوة في عدله، فأسر القلوب وبهر العقول، فالعدل في نظره دعوة عملية للإسلام به تفتح قلوب الناس للإيمان، وقد سار على ذات نهج الرسول ، فكانت سياسته تقوم على العدل الشامل بين الناس، وقد نجح في ذلك على صعيد الواقع والتطبيق نجاحا منقطع النظير لا تكاد تصدقه العقول حتى اقترن اسمه بالعدل، وبات من الصعب جدا على كل من عرف شيئا يسيرا من سيرته أن يفصل ما بين الاثنين،
في موطأ الإمام مالك بسنده عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اخْتَصَمَ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ وَيَهُودِيٌّ، فَرَأَى عُمَرُ أَنَّ الْحَقَّ لِلْيَهُودِيِّ، فَقَضَى لَهُ، فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: وَاللَّهِ لَقَدْ قَضَيْتَ بِالْحَقِّ. فَضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالدِّرَّةِ، ثُمَّ قَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ؟ فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: إِنَّا نَجِدُ أَنَّهُ لَيْسَ قَاضٍ يَقْضِي بِالْحَقِّ إِلاَّ كَانَ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكٌ وَعَنْ شِمَالِهِ مَلَكٌ يُسَدِّدَانِهِ، وَيُوَفِّقَانِهِ لِلْحَقِّ مَا دَامَ مَعَ الْحَقِّ، فَإِذَا تَرَكَ الْحَقَّ عَرَجَا وَتَرَكَاهُ[3].
نفعنا الله وإيّاكم بما ورد من الآيات والذكر الحكيم، وغفر الله لي ولكم ببركة النبي الأمي الأمين ولا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم .