الشيخ/عبدالله السالم
22-05-2014, 08:34
الحمدُ للهِ الذي اهتدى بهديهِ ورحمتِهِ المهتدون ، وضلَّ بعدلِهِ وحكمتِهِ الضالون ، ( لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له ، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ ، بلّغَ الرسالةَ ، وأدّى الأمانةَ ، ونصحَ الأمّةَ ، وجاهدَ في اللهِ حقَّ جهادِهِ ، وتركنا على المحجّةِ البيضاءِ ، ليلُها كنهارِها ، لا يزيغُ عنها إلا هالكٌ . صلى اللهُ عليه ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ وأتباعِهِ ، وسلّم تسليماً كثيراً إلى يومِ الدينِ . (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً): أمَّا بعد: فيا أيَّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التَّقوى.عبادَ اللهِ، إنَّ مِن أخلاقِ المؤمِنينَ إيمانَهم بالغَيب، فهم يؤمِنونَ بما غابَ عَنهم ممّا مضَى وممّا سيكونُ ويحدُثُ، قالَ جلَّ وعلا: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ *الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) [البقرة:2، 3]، فيؤمِنونَ بأخبارِ الماضينَ ، ممّا أخبرَهم به ربُّهم في كتابِهِ ، أو أخبَرَهم به نبيُّهم r ، فاللهُ أصدَقُ القائلينَ، ولا أصدَقُ منَ اللهِ حديثًا، ومحمَّدٌ r هو الصادِقُ المصدوقُ ، أصدَقُ الخلقِ مَقالاً r ، قالَ تعالى: (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) [هود:49]، وقالَ: (وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) [آل عمران:44] ، فنؤمِنُ بأخبارِ الماضينَ ، ممّا بيَّنَهُ اللهُ في كتابِهِ عِظَةً وعِبرةً، قال تعالى (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [يوسف:111]. ونُؤمنُ بما أخبَرَ بهِ اللهُ ورسولُهُ عمّا سَيَكونُ في آخرِ الزمانِ ، وعن يَومِ الآخرةِ ، وما سَيكونُ في ذلك اليومِ ، من الأمورِ العِظامِ. ونُؤمنُ ، أَنَّ مِن كمالِ علمِ اللهِ، علمَه بأعمالِ الخَليقةِ أجمعينَ ، فهو جلَّ وعلا عالمٌ ما العبادُ عامِلونَ، كتَبَ هذا العلمَ ، عندَهُ في كتابٍ ، قبلَ أن يخلقَ الخليقةَ بخمسينَ ألفَ سنَةٍ، (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) [الحج:70]. وعِلمُهُ تعالى عامٌّ للسِّرِّ والجهرِ، فاستَوى في علمِهِ ما أُسرَّ وما جهِرَ بهِ، (قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ) [آل عمران:29]، قال تعالى: (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوْ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ *أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك:13، 14]، وأَخبرَ تعالى عن كمالِ عِلمِهِ بدقيقِ أعمالِ العِبادِ وجَليلِها: فقال تعالى (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [يونس:61] ، وأخبرَ تعالى عن استِئثارِ عِلمِهِ بخمسةِ أحوالٍ، قال جلّ وعلا: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [لقمان:34] ، فعلمُ المغيَّبَاتِ ، ممّا استأثرَ اللهُ بعلمِهِ ، ولا يستطيعُ أحدٌ كشفَ ذلك، قال تعالى (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) [النمل:65]، وقال جلّ وعلا لنبيِّهِ:r (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الأعراف:188]، فلا محمّدٌ r يعلَمُ الغيبَ، ولا سائرُ الأنبياءِ والمرسلينَ، ولا الملائكةُ المقرَّبونَ، قالَ تعالى عنهم أنهم قالوا: (سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) [البقرة:32].ثُمَّ يدّعي مدَّعونَ في هذا الزّمَنِ ، ويتقوَّلُ متقوِّلونَ ، أنهم يَستطِيعونَ أن يُحدِّدُوا للعبدِ مسارَ حياتِهِ ، ويُخبروهُ بمستَقبَلِهِ وحظِّهِ ، وماذا سيكونُ له وماذا سيَجني ، وماذا سيصيرُ عليهِ ، وهؤلاء الضَّربُ من النّاسِ من مدَّعِي الكِهانةِ والاطِّلاعِ [على] علمِ الغَيبِ ، سواءً كانوا جَهَلةً ، أو على مستوًى من الثّقافةِ والعِلمِ ، لكِنَّهم على ضلالٍ في أمورِهم كلِّها، هؤلاءِ يأتيهم الجهلةُ والحمقَى والمغفَّلونَ، فيقولُ له: أعطِني حظِّي ، وصِفْ لي حَظّي في هذه الدّنيا، ماذا سَأجني؟ وماذا سيكونُ؟ وماذا سيحصُلُ؟ فيُعطيَهُ قيلاً وقالَ، كلُّها كذِبٌ وافتراءٌ ، وادِّعاءُ عِلمِ غيبٍ لا يعلمُهُ إلا اللهُ، يظنُّ الظّانُّ أنّ هؤلاءِ صادقونَ، وأنَّ لديهم قُدرةً على الاطلاعِ على المغيَّباتِ، وهذا من الجهلِ والضّلالِ، بل اعتقادُ ذلك كفرٌ والعياذُ باللهِ.
بارك اللهُ لي ولكم في القرانِ العظيمِ
ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ، فاستغفروه وتوبُوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبُّ ربُنا ويرضى، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنّ محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وصحبِهِ، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.أمّا بعد: ، لقَد كانتِ الشياطينُ قبلَ مبعَثِ محمّدٍ r يسترِقونَ السمعَ، فربّما سمعوا كلمةً فأضافوا إليها تسعًا وتسعينَ كلِمةً، كذبوا معها، فلمّا اقتربَ المبعَثُ النبويُّ ، حُرِسَتِ السّماءُ ورُمِيَتِ الشياطينُ بالشُّهبِ، فلم يستطيعوا أن يتطرَّقوا إلى الوحي، قالَ تعالى عنهم: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا *وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعْ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا *وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) [الجن:8-10]. نَعم، لقد أرادَ اللهُ بالخلقِ الرشَّدَ ، بمبعَثِ محمّدٍ r ، فحمايةً للوحيِ وصيانةً له ، مِن أن تَطرَّقَ إليهِ أيدي الشياطينِ ، حُرِسَتِ السماءُ وحفِظَتْ، فلا يُمكِنُ لِشيطَانٍ أن يستَرِقَ، قالَ تعالى: (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ *وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ) ، والسَّحَرةُ والمشعوِذونَ ، لهم في هذا البابِ حِكاياتٌ ضالّةٌ ، وأخبارٌ سيِّئةٌ، والمؤمنُ يكونُ متعلِّقاً باللهِ، واثقاً بهِ، مفوِّضاً أمرَهُ إليه، راضٍ بما قضَى اللهُ وقدَّرَ، عالمًا أنَّ ما يجرِي فبقضاءِ اللهِ وقدَرِهِ، فهو مؤمنٌ مطمئنٌّ، يسألُ اللهَ العفوَ والعافيَةَ دائمًا في الدّنيا والآخرةِ، ويصبِرُ ويرضَى ويحتسِبُ كلَّ ذلك في سبيلِ اللهِ.هكذا المؤمنُ حقًّا، لا تراهُ متعلِّقًا بأولئكَ، وإنما يعلَمُ أنَّ له ربًّا مدبِّرًا، آمَنَ بِهِ ربًّا وإلهًا، عبَدَهُ وأخلَصَ العبادةَ للهِ، وتعلَّقَ قلبُهُ به، وأيقَنَ أنَّ ما شاءَ اللهُ كانَ وما لم يشأْ لم يكنْ، فلَم يلتفِتْ لأولئكَ، ولم يغترَّ بهم، ولم ينخدِعَ بهم، وإنما هو دائمًا: "حسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ، لا حولَ ولا قوّةَ إلاّ باللهِ، تحصَّنتُ باللهِ الذي لا إلهَ إلا هو الحيُّ القيومُ، واستدفعتُ الشرَّ كلَّهُ بلا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ"، يحصِّنُ نفسَهَ بالأورادِ، فيقرأُ الأورادَ الشرعيّةَ مما في كتابِ اللهِ أو صحَّ عن رسولِ اللهِ r ، إذا أصبحَ وإذا أمسى ، فيُحَصِّنُ نفسَهُ بالأورادِ التي في القرآنِ والسنّةِ، فيكونُ ذا سببٍ لراحةِ قلبِهِ ، وطمأنينةِ نفسِهِ ، ويعلمُ أن ما شاءَ اللهُ كانَ وما لم يشأْ لم يكنْ ، والأمورُ كلُّها بيدِ اللهِ، لكن أولئكَ الضالّونَ ،المُدَّعون لعلمِ الغيبِ ، فلا يُصغِي إليهم، ولا يَلتفتُ إليهم ، ولا يَتَعلَّقُ قلبُهُ بهم، بل يبغِضُهم للهِ ، ويكرَهُهم ويبتعِدُ عنهم ، ويعلَمُ كَذِبَهم وضَلالَهم.واعلَموا ـ رحمكم الله ـ أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهدي هدي محمّدٍ r ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ الله على الجماعَة، ومن شذّ شذّ في النّار.وصلّوا ـ رحمكم الله ـ علَى عبد الله ورسوله محمّد كما أمرَكم بذلك ربّكم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].اللَّهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد، وارضَ اللَّهمَّ عن الخلفاء ، الأءمةِ الحنفاء، أبي بكرٍ وعمر ، وعثمان وعلي وعن سائِرِ أصحابِ نبيّك أجمعين ، وعن التابعين ، وتابعيهم بِإحسانٍ إلى يومِ الدّين ، وعنّا معهم ، بمنك وفضلك ورحمتك ، يا أرحم الراحمين ، اللهم أنصرْ الإسلامَ وأعزَّ المسلمينَ ، و ا نصر عبادك المجاهدين في سبيلك ، في كُلِّ مكانٍ يارب العلمين ، اللهم سدد رميهم ، ووحد صفهم ، واجمع على الحق كلمتهم ، يارب العالمين ، اللهم احفظْ بلادَنا وولاةَ أمرِنا وعلماءَنا ودُعاتَنا ، اللهم وحِّدْ كلمتَنا وقوي شوكتَنا ياربَّ العالمينَ ، واجعل هذا البلد رخاءً سخاءً ، وسائر بلاد المسلمين يا ربَّ العالمين ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنيين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، اللهم ربنا ( آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) عباد الله ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) فاذكروا الله العظيم الجليل يذكرْكم ، واشكروهُ على نعمه يزدْكم ولذكر الله أكبر والله والله يعلم ما تصنعون
بارك اللهُ لي ولكم في القرانِ العظيمِ
ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ، فاستغفروه وتوبُوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبُّ ربُنا ويرضى، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنّ محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وصحبِهِ، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.أمّا بعد: ، لقَد كانتِ الشياطينُ قبلَ مبعَثِ محمّدٍ r يسترِقونَ السمعَ، فربّما سمعوا كلمةً فأضافوا إليها تسعًا وتسعينَ كلِمةً، كذبوا معها، فلمّا اقتربَ المبعَثُ النبويُّ ، حُرِسَتِ السّماءُ ورُمِيَتِ الشياطينُ بالشُّهبِ، فلم يستطيعوا أن يتطرَّقوا إلى الوحي، قالَ تعالى عنهم: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا *وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعْ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا *وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) [الجن:8-10]. نَعم، لقد أرادَ اللهُ بالخلقِ الرشَّدَ ، بمبعَثِ محمّدٍ r ، فحمايةً للوحيِ وصيانةً له ، مِن أن تَطرَّقَ إليهِ أيدي الشياطينِ ، حُرِسَتِ السماءُ وحفِظَتْ، فلا يُمكِنُ لِشيطَانٍ أن يستَرِقَ، قالَ تعالى: (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ *وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ) ، والسَّحَرةُ والمشعوِذونَ ، لهم في هذا البابِ حِكاياتٌ ضالّةٌ ، وأخبارٌ سيِّئةٌ، والمؤمنُ يكونُ متعلِّقاً باللهِ، واثقاً بهِ، مفوِّضاً أمرَهُ إليه، راضٍ بما قضَى اللهُ وقدَّرَ، عالمًا أنَّ ما يجرِي فبقضاءِ اللهِ وقدَرِهِ، فهو مؤمنٌ مطمئنٌّ، يسألُ اللهَ العفوَ والعافيَةَ دائمًا في الدّنيا والآخرةِ، ويصبِرُ ويرضَى ويحتسِبُ كلَّ ذلك في سبيلِ اللهِ.هكذا المؤمنُ حقًّا، لا تراهُ متعلِّقًا بأولئكَ، وإنما يعلَمُ أنَّ له ربًّا مدبِّرًا، آمَنَ بِهِ ربًّا وإلهًا، عبَدَهُ وأخلَصَ العبادةَ للهِ، وتعلَّقَ قلبُهُ به، وأيقَنَ أنَّ ما شاءَ اللهُ كانَ وما لم يشأْ لم يكنْ، فلَم يلتفِتْ لأولئكَ، ولم يغترَّ بهم، ولم ينخدِعَ بهم، وإنما هو دائمًا: "حسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ، لا حولَ ولا قوّةَ إلاّ باللهِ، تحصَّنتُ باللهِ الذي لا إلهَ إلا هو الحيُّ القيومُ، واستدفعتُ الشرَّ كلَّهُ بلا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ"، يحصِّنُ نفسَهَ بالأورادِ، فيقرأُ الأورادَ الشرعيّةَ مما في كتابِ اللهِ أو صحَّ عن رسولِ اللهِ r ، إذا أصبحَ وإذا أمسى ، فيُحَصِّنُ نفسَهُ بالأورادِ التي في القرآنِ والسنّةِ، فيكونُ ذا سببٍ لراحةِ قلبِهِ ، وطمأنينةِ نفسِهِ ، ويعلمُ أن ما شاءَ اللهُ كانَ وما لم يشأْ لم يكنْ ، والأمورُ كلُّها بيدِ اللهِ، لكن أولئكَ الضالّونَ ،المُدَّعون لعلمِ الغيبِ ، فلا يُصغِي إليهم، ولا يَلتفتُ إليهم ، ولا يَتَعلَّقُ قلبُهُ بهم، بل يبغِضُهم للهِ ، ويكرَهُهم ويبتعِدُ عنهم ، ويعلَمُ كَذِبَهم وضَلالَهم.واعلَموا ـ رحمكم الله ـ أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهدي هدي محمّدٍ r ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ الله على الجماعَة، ومن شذّ شذّ في النّار.وصلّوا ـ رحمكم الله ـ علَى عبد الله ورسوله محمّد كما أمرَكم بذلك ربّكم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].اللَّهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد، وارضَ اللَّهمَّ عن الخلفاء ، الأءمةِ الحنفاء، أبي بكرٍ وعمر ، وعثمان وعلي وعن سائِرِ أصحابِ نبيّك أجمعين ، وعن التابعين ، وتابعيهم بِإحسانٍ إلى يومِ الدّين ، وعنّا معهم ، بمنك وفضلك ورحمتك ، يا أرحم الراحمين ، اللهم أنصرْ الإسلامَ وأعزَّ المسلمينَ ، و ا نصر عبادك المجاهدين في سبيلك ، في كُلِّ مكانٍ يارب العلمين ، اللهم سدد رميهم ، ووحد صفهم ، واجمع على الحق كلمتهم ، يارب العالمين ، اللهم احفظْ بلادَنا وولاةَ أمرِنا وعلماءَنا ودُعاتَنا ، اللهم وحِّدْ كلمتَنا وقوي شوكتَنا ياربَّ العالمينَ ، واجعل هذا البلد رخاءً سخاءً ، وسائر بلاد المسلمين يا ربَّ العالمين ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنيين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، اللهم ربنا ( آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) عباد الله ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) فاذكروا الله العظيم الجليل يذكرْكم ، واشكروهُ على نعمه يزدْكم ولذكر الله أكبر والله والله يعلم ما تصنعون