محمدالمهوس
12-05-2014, 13:26
الخطبةُ الأولى
الحمد لله الذي أوضح منهاج الحق للراغب ، وكشف ظلمة الباطل للطالب ، وفتح لعباده الباب فهي بلا حاجب ، فما تقرّب إليه أحدٌ إلا ورجع بالمكاسب ، ولا ابتعد عنه أحدٌ إلا رجع بالمصائب ،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا ضد ولا ند ، ولا شبيه ولا مقارب ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وحبيبه وخليله صلى الله عليه ، وآله وصحبه ، وسلم تسليما كثيرا كلما أمطرت السحائب .
أما بعد :
أيها الناس / أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ))
عباد الله / يتردَّد في مجالس النّاس هذه الأيام حديثٌ عن مرض غائب وحاضر يتخوَّفون منه ويخشون من انتشاره والإصابة به ، بين حديث رجلٍ مُتَنَدِّرٍ مازح، أو رجلٍ مبيِّنٍ ناصح، أو غير ذلك من أغراض الأحاديث التي تدور حول هذا المرض . والواجب على المسلم في كلِّ حالٍ ووقت، ومع كلِّ نازلة ومصيبة أن يعتصم بالله جلّ وعلا وأن يكون انطلاقُه في الحديث عنها أو مداواتِها أو معالجتِها قائمًا على أسسٍ شرعيَّة ، وأصولٍ مرعيّة ، وخوفٍ من الله جلّ وعلا ومراقبةٍ له ، ومع هذا المرض المسمّى كورونا وغيره من الأمراض يجب أنْ نتنبّهَ لأمور منْها :
أولا : على كلٍّ مسلمٍ أنْ يكونَ في أحواله كلِّها معْتصمًا بربِّه جلّ وعلا متوكِّلاً عليه مفوضاً أمرَه إلى الله راجيًا طامعًا معتمدًا على الله ، لا يرجو عافيتَه وشفاءَه وسلامتَه إلَّا من ربِّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُعتقدًا أنّ الأمورَ كلَّها بيده ، كما قال تعالى ((مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)) ، فالأمورُ كلُّها بيد الله وطوْعِ تدبيرِه وتسخيرِهِ ؛ فما شاء الله كان وما لمْ يشأ لم يكن ولا عاصمَ إلَّا الله ((قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً)) ، وفي الحديث قال صلّى الله عليه وسلم (( وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ (( رواه الترمذي ثانياً : على كلِّ مسلمٍ أنْ يحفظَ اللهَ جلّ وعلا بحفْظِ طاعته امتثالاً لِلأوامرِ واجتنابًا للنّواهي، ويتمثّلَ قولَه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وصيّته لابن عباسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما : ((احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ)) فالمحافظةُ على أوامر الله امتثالًا لِلْمأمورِ وتركًا لِلمحْظور سببٌ لوقاية العبْد وسلامتِه وحفْظِ الله جلّ وعلا له في دنياه وأخراه ؛ فإنْ أُصيب بمصيبة أو نزلت به ضرّاءُ فلنْ تكونَ إلاَّ رفعة له عند الله ، وفي هـذا يقولُ نبيُّنا عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ : ))عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ(( رواه مسلم
فالمؤمنُ في سرّائِهِ وضرّائه وشدّته ورخائه من خيرٍ وإلى خيرٍ، وذلك كما قال نبيُّنا عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ : )) وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ((
ثالثاً : على كلِّ مسلمٍ أنْ لا ينساقَ مع إشاعاتٍ كاذبةٍ ، أو أخبارٍ لاصحةَ لها ؛ فَلَرُبَّما رَوّجَ أُمورًا أو ذكر أشياءَ لا صِحَّةَ لهَا ولا حقيقة ؛ فَيُوجِدُ بيْن النّاسِ الرُّعبَ والخَوْفَ والهَلَعَ بِلا أَسَاسٍ له ولا مُسَوِّغٍ لِوجودِهِ .
رابعاً : المصائبُ التي تُصيب المسلمَ سواءً في صحّته أو في أهلِه وولده أو في ماله وتجارته أو نحوِ ذلك إِنْ تلقَّاها بالصَّبْر والاحتساب فإنها تكون له رِفْعَة عند الله جلّ وعلا ، قال الله تعالى ((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )) ، فاللهُ تبارك و تعالى يبْتلي عبدَه لِيسمعَ شكواهُ و تضرعَه و دعاءَه و صبرَه و رضاه بما قضاه عليه
، فمنْ أُصيب بشيء من المرض أو أُصيب بشيء من الجوائح أو نقص المال أو نحو ذلك فعليه أن يحتسبَ ذلك عند الله وأن يتلقّى ذلك بالصّبر والرِّضا ليفوزَ بثواب الصّابرين ، ومن عوفي فليحمد الله ليفوز بثواب الشاكرين.
خامساً : على كل مسلم أن يعْلمَ أنَّ المصيبةَ في الدين هي أعظمُ مصائب الدنيا و الآخرة، وهي نهايةُ الخسران الذي لا ربح معه والحرمان الذي لا طمع معه، فمن أعظم المصائب ، وأعظم الابتلاءات أنْ يُبْتَلى الإنسانُ في دينه إمّا بشركٍ أو بدعةٍ أو شهوة ، ولذلك كان من دعائه صلى الله عليه وسلم كما عند الترمذي وحسنه الألباني قولُه :((ولا تجعل مُصيبتَنا في دينِنا، ولا تجعلِ الدُّنيا أكبرَ همِّنا ولا مبْلغ عِلْمِنا، ولا تسلِّطْ عليْنا مَن لا يرحمُنا )) فإذا ذَكَرَ المسلمُ ذلكَ عند مصابه في صحّته أو ماله حَمِدَ اللهَ على سلامة دينه، قال شريحٌ الْقاضي رحمه الله: « إني لأصابُ بالمصيبة فَأحْمَدِ اللهَ عليها أربعَ مرّاتٍ : أحْمَدُهُ إذْ لمْ تَكُنْ أعْظمَ ممّا هي , وأحمده إذْ رزقني الصبر عليها , وأحمده إذ وفقني للاسترجاع لما أرجو فيه من الثواب , وأحمده إذ لم يجعلها في ديني.
أسأل الله أن يتولانا أجمعين بحفظه، وأن يمنَّ علينا بالعفو والعافية في ديننا ودنيانا وأهلينا ومالنا إنه سميع قريب مجيب.
أقولُ ماتسمعون واستغفر الله العظيم الجليل ن كل ذنْبٍ فاسْتغفِرُوه وتُوبُوا إليْهِ إنّهُ هو الْغَفُورُ الرّحِيم .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ على إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ له على توفيقه وامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ ألاّ إله إلا الله تعظيماً لِشَانهِ ، وأشهدُ أن نبيّنا محمداً عبدُه ورسولُهُ الداعي إلى رضوانِهِ ، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابِهِ وأعْوانِهِ وسلم تسليماً كثيراً
أما بعدُ : عِباد الله ِ / شريعةُ الإسلام جاءت ببذْل الأسباب والدّعوة إلى التّداوي، وأنّ التَّداوي والاستشفاء لا يتنافى مع التّوكّل على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
والتّداوي الذي جاءت به شريعة الإسلام يتناول نوعي الطّب : الطّبّ الوِقَائي الذي يكون قبل نزول المرض ، والطّبّ العِلاجي الذي يكون بعد نزوله ؛ وبكلِّ ذلكم جاءت الشَّريعة. وجاء فيها أصول العلاج والشِّفاء ، وأصول التّداوي مما يحقِّق للمسلم سلامةً وعافيةً في دنياه وأخراه ، ففي مجال الطِّبّ الوقائي قال نبيُّنا عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ : ((مَنِ اصْطَبَحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةٍ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمٌّ وَلاَ سِحْرٌ )) رواه البخاري ، وجاء عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في حديث عثمان بن عفَّان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أن النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (( مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ : بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَيَضُرُّهُ شَيْءٌ )) ، وجاء عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في البخاري ومسلم أنّه قال (( مَنْ قَرَأَ بِالآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ )) أي من كلِّ آفةٍ وسوءٍ وشرٍّ ، وجاء في حديث عبد الله بن خُبَيْب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: خَرَجْنَا فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى لَنَا قَالَ : فَأَدْرَكْتُهُ فَقَالَ (( قُلْ )) فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ (( قُلْ )) فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا. قَالَ (( قُلْ )) قُلْتُ مَا أَقُولُ قَالَ (( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِى وَتُصْبِحُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ)) رواه الترمذي وصححه الألباني .
وفي مجال الطبِّ العِلاجيِّ جاء عنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ إرْشادات عظيمة وتوجيهات كريمة وأَشْفِيَة متنوّعة جاءت مبيَّنةً في سنّته عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ يطول المقامُ بذكرها أو الإشارة إليها، اللّهمَّ نسألُكَ الْعَفْوَ والعافِيةَ في الدين والدّنيا والآخِرةِ ياربّ العالمينَ .
هذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا – رَحِمَنِي اللهُ وَإِيّاكُم – على مَنْ أَمَرَ اللهُ باِلصّلاةِ والسّلامِ عَلَيْهِ ، فَقَال : إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56] وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى الله ُعَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
الحمد لله الذي أوضح منهاج الحق للراغب ، وكشف ظلمة الباطل للطالب ، وفتح لعباده الباب فهي بلا حاجب ، فما تقرّب إليه أحدٌ إلا ورجع بالمكاسب ، ولا ابتعد عنه أحدٌ إلا رجع بالمصائب ،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا ضد ولا ند ، ولا شبيه ولا مقارب ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وحبيبه وخليله صلى الله عليه ، وآله وصحبه ، وسلم تسليما كثيرا كلما أمطرت السحائب .
أما بعد :
أيها الناس / أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ))
عباد الله / يتردَّد في مجالس النّاس هذه الأيام حديثٌ عن مرض غائب وحاضر يتخوَّفون منه ويخشون من انتشاره والإصابة به ، بين حديث رجلٍ مُتَنَدِّرٍ مازح، أو رجلٍ مبيِّنٍ ناصح، أو غير ذلك من أغراض الأحاديث التي تدور حول هذا المرض . والواجب على المسلم في كلِّ حالٍ ووقت، ومع كلِّ نازلة ومصيبة أن يعتصم بالله جلّ وعلا وأن يكون انطلاقُه في الحديث عنها أو مداواتِها أو معالجتِها قائمًا على أسسٍ شرعيَّة ، وأصولٍ مرعيّة ، وخوفٍ من الله جلّ وعلا ومراقبةٍ له ، ومع هذا المرض المسمّى كورونا وغيره من الأمراض يجب أنْ نتنبّهَ لأمور منْها :
أولا : على كلٍّ مسلمٍ أنْ يكونَ في أحواله كلِّها معْتصمًا بربِّه جلّ وعلا متوكِّلاً عليه مفوضاً أمرَه إلى الله راجيًا طامعًا معتمدًا على الله ، لا يرجو عافيتَه وشفاءَه وسلامتَه إلَّا من ربِّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُعتقدًا أنّ الأمورَ كلَّها بيده ، كما قال تعالى ((مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)) ، فالأمورُ كلُّها بيد الله وطوْعِ تدبيرِه وتسخيرِهِ ؛ فما شاء الله كان وما لمْ يشأ لم يكن ولا عاصمَ إلَّا الله ((قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً)) ، وفي الحديث قال صلّى الله عليه وسلم (( وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ (( رواه الترمذي ثانياً : على كلِّ مسلمٍ أنْ يحفظَ اللهَ جلّ وعلا بحفْظِ طاعته امتثالاً لِلأوامرِ واجتنابًا للنّواهي، ويتمثّلَ قولَه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وصيّته لابن عباسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما : ((احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ)) فالمحافظةُ على أوامر الله امتثالًا لِلْمأمورِ وتركًا لِلمحْظور سببٌ لوقاية العبْد وسلامتِه وحفْظِ الله جلّ وعلا له في دنياه وأخراه ؛ فإنْ أُصيب بمصيبة أو نزلت به ضرّاءُ فلنْ تكونَ إلاَّ رفعة له عند الله ، وفي هـذا يقولُ نبيُّنا عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ : ))عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ(( رواه مسلم
فالمؤمنُ في سرّائِهِ وضرّائه وشدّته ورخائه من خيرٍ وإلى خيرٍ، وذلك كما قال نبيُّنا عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ : )) وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ((
ثالثاً : على كلِّ مسلمٍ أنْ لا ينساقَ مع إشاعاتٍ كاذبةٍ ، أو أخبارٍ لاصحةَ لها ؛ فَلَرُبَّما رَوّجَ أُمورًا أو ذكر أشياءَ لا صِحَّةَ لهَا ولا حقيقة ؛ فَيُوجِدُ بيْن النّاسِ الرُّعبَ والخَوْفَ والهَلَعَ بِلا أَسَاسٍ له ولا مُسَوِّغٍ لِوجودِهِ .
رابعاً : المصائبُ التي تُصيب المسلمَ سواءً في صحّته أو في أهلِه وولده أو في ماله وتجارته أو نحوِ ذلك إِنْ تلقَّاها بالصَّبْر والاحتساب فإنها تكون له رِفْعَة عند الله جلّ وعلا ، قال الله تعالى ((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )) ، فاللهُ تبارك و تعالى يبْتلي عبدَه لِيسمعَ شكواهُ و تضرعَه و دعاءَه و صبرَه و رضاه بما قضاه عليه
، فمنْ أُصيب بشيء من المرض أو أُصيب بشيء من الجوائح أو نقص المال أو نحو ذلك فعليه أن يحتسبَ ذلك عند الله وأن يتلقّى ذلك بالصّبر والرِّضا ليفوزَ بثواب الصّابرين ، ومن عوفي فليحمد الله ليفوز بثواب الشاكرين.
خامساً : على كل مسلم أن يعْلمَ أنَّ المصيبةَ في الدين هي أعظمُ مصائب الدنيا و الآخرة، وهي نهايةُ الخسران الذي لا ربح معه والحرمان الذي لا طمع معه، فمن أعظم المصائب ، وأعظم الابتلاءات أنْ يُبْتَلى الإنسانُ في دينه إمّا بشركٍ أو بدعةٍ أو شهوة ، ولذلك كان من دعائه صلى الله عليه وسلم كما عند الترمذي وحسنه الألباني قولُه :((ولا تجعل مُصيبتَنا في دينِنا، ولا تجعلِ الدُّنيا أكبرَ همِّنا ولا مبْلغ عِلْمِنا، ولا تسلِّطْ عليْنا مَن لا يرحمُنا )) فإذا ذَكَرَ المسلمُ ذلكَ عند مصابه في صحّته أو ماله حَمِدَ اللهَ على سلامة دينه، قال شريحٌ الْقاضي رحمه الله: « إني لأصابُ بالمصيبة فَأحْمَدِ اللهَ عليها أربعَ مرّاتٍ : أحْمَدُهُ إذْ لمْ تَكُنْ أعْظمَ ممّا هي , وأحمده إذْ رزقني الصبر عليها , وأحمده إذ وفقني للاسترجاع لما أرجو فيه من الثواب , وأحمده إذ لم يجعلها في ديني.
أسأل الله أن يتولانا أجمعين بحفظه، وأن يمنَّ علينا بالعفو والعافية في ديننا ودنيانا وأهلينا ومالنا إنه سميع قريب مجيب.
أقولُ ماتسمعون واستغفر الله العظيم الجليل ن كل ذنْبٍ فاسْتغفِرُوه وتُوبُوا إليْهِ إنّهُ هو الْغَفُورُ الرّحِيم .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ على إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ له على توفيقه وامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ ألاّ إله إلا الله تعظيماً لِشَانهِ ، وأشهدُ أن نبيّنا محمداً عبدُه ورسولُهُ الداعي إلى رضوانِهِ ، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابِهِ وأعْوانِهِ وسلم تسليماً كثيراً
أما بعدُ : عِباد الله ِ / شريعةُ الإسلام جاءت ببذْل الأسباب والدّعوة إلى التّداوي، وأنّ التَّداوي والاستشفاء لا يتنافى مع التّوكّل على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
والتّداوي الذي جاءت به شريعة الإسلام يتناول نوعي الطّب : الطّبّ الوِقَائي الذي يكون قبل نزول المرض ، والطّبّ العِلاجي الذي يكون بعد نزوله ؛ وبكلِّ ذلكم جاءت الشَّريعة. وجاء فيها أصول العلاج والشِّفاء ، وأصول التّداوي مما يحقِّق للمسلم سلامةً وعافيةً في دنياه وأخراه ، ففي مجال الطِّبّ الوقائي قال نبيُّنا عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ : ((مَنِ اصْطَبَحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةٍ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمٌّ وَلاَ سِحْرٌ )) رواه البخاري ، وجاء عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في حديث عثمان بن عفَّان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أن النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (( مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ : بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَيَضُرُّهُ شَيْءٌ )) ، وجاء عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في البخاري ومسلم أنّه قال (( مَنْ قَرَأَ بِالآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ )) أي من كلِّ آفةٍ وسوءٍ وشرٍّ ، وجاء في حديث عبد الله بن خُبَيْب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: خَرَجْنَا فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى لَنَا قَالَ : فَأَدْرَكْتُهُ فَقَالَ (( قُلْ )) فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ (( قُلْ )) فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا. قَالَ (( قُلْ )) قُلْتُ مَا أَقُولُ قَالَ (( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِى وَتُصْبِحُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ)) رواه الترمذي وصححه الألباني .
وفي مجال الطبِّ العِلاجيِّ جاء عنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ إرْشادات عظيمة وتوجيهات كريمة وأَشْفِيَة متنوّعة جاءت مبيَّنةً في سنّته عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ يطول المقامُ بذكرها أو الإشارة إليها، اللّهمَّ نسألُكَ الْعَفْوَ والعافِيةَ في الدين والدّنيا والآخِرةِ ياربّ العالمينَ .
هذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا – رَحِمَنِي اللهُ وَإِيّاكُم – على مَنْ أَمَرَ اللهُ باِلصّلاةِ والسّلامِ عَلَيْهِ ، فَقَال : إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56] وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى الله ُعَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .