المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبة الجمعة القادمة بعنوان ( خلق العفــــو ) 1435/2/10هـ



محمدالمهوس
08-12-2013, 23:35
الخطبة الأولى
الحمد لله الكريم الودود، والملك المعبود، المعروف بالعفو والكرم والجود، أحمده سبحانه على ما اتصف به من صفات الجلال والإكرام، وأشكره على ما أسداه من جزيل الفضل والإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد : أيها الناس / أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ؛ فإن تقوى الله جل وعلا سعادةٌ في الدنيا والآخرة وفلاح في الدارين ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ))
لَمَّا عَفَوْتُ وَلَمْ أَحْقِدْ عَلَى أَحَدٍ * * أَرَحْتُ نَفْسِي مِنْ هَمِّ الْعَدَاوَاتِ
إنِّي أُحَيِّي عَدُوِّي عِنْدَ رُؤْيَتِهِ * * لِأَدْفَعَ الشَّرَّ عَنِّي بِالتَّحِيَّاتِ
وَأُظْهِرُ الْبِشْرَ لِلْإِنْسَانِ أَبْغَضُهُ * * كَأَنَّمَا قَدْ حَشَى قَلْبِي مَحَبَّاتِ
النَّاسُ دَاءٌ دَوَاءُ النَّاسِ قُرْبُهُمْ * * وَفِي اعْتِزَالِهِمْ قَطْعُ الْمَوَدَّاتِ

عباد الله / خَصلةٌ عظيمة من خصال الدين الرفيعة العليَّة وخَلَّة مباركة جاء التنويه بها والحث عليها والترغيب في فعلها وذِكر عظيم ثواب أهلها وجزيل أجورهم عند الله تبارك وتعالى في مواضع عديدة من كتاب الله تعالى ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ إنها شعار الصالحين الأتقياء الأنقياء .
فالعفو والصفح – عباد الله - باب عظيم من أبواب الإحسان ؛ قال الله تعالى : ((فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )) وهو بابٌ عظيمٌ من أبواب نيل الرحمة والغفران ؛ قال الله تعالى : (( وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )) وهو باب لنيل عظيم الأجور وجزيل الثواب ؛ قال الله تعالى : (( فَمَن عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ))
وهو بابٌ رفيع للفوز بالجنان ونيل رضا الرب الرحمن ؛ قال الله تعالى : (( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ))
وأهل العفو هم الأقرب لتحقيق تقوى الله جل وعلا ؛ قال الله تعالى : (( وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ))
عباد الله / العفو والصفح مقامٌ عظيم ومنزلةٌ رفيعة وهو صفة نبينا صلى الله عليه وسلم وصفة أتباعه بإحسان ؛ جاء في الترمذي وغيره عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها وقد سُئلت عن خُلُق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت:لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا ، وَلَا مُتَفَحِّشًا ، وَلَا صَخَّابًا فِي الأَسْوَاقِ ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ .
عباد الله / إن الإنسان نفسه ميَّالةٌ للانتقام والأخذ بالثأر ، وإذا حُدِّثت حظًّا وحثاً وترغيباً بالعفو والصفح كعَّت عن ذلك ونفرت منه ولم تقبِل عليه؛ لِما في النفوس من رعونة وكظاظة ولِما فيها من غلظةٍ وفظاظة ، لكن النفس البشرية عباد الله إذا روضت بالحق وزُمَّت بزمام الشرع فإنها تنقاد سلسةً بإذن الله إذا كان العبد مستعيناً بالله طالبا مدَّه وعونه وتوفيقه ، والله جل في علاه يقول ((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ )) وإذا تذكر المؤمن في هذا المقام ثواب الله وأجره وغفرانه ورحمته وما سيناله على صفحه وعفوه من أجورٍ عظيمة وثواب جزيل هان عليه ما سوى ذلك ؛ جاء في سنن أبي داود عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال ((مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ اللَّهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ مَا شَاءَ)) وقد يرى بعض الناس أن العفو ذلٌّ ومهانة وإهانة المرء لنفسه أما الناس ، وأن العزة في الانتقام ، وهذا والله مجانبة الحقيقة فالعز إنما هو في العفو قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم (( وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا)) أي أن العفو لا يزيد صاحبه إلا عزاً ورفعةً وسموَّ قدرٍ في الدنيا والآخرة. فاللهم إنك تعلم ضعف قلوبنا ، وضعف أحوالنا فنسألك أن تعيننا أجمعين على كظم الغيظ والعفو عن الناس والصفح عن المسيئين ، اللهم أعنا ولا تُعِن علينا يا رب العالمين ، اللهم يسِّر لنا ذلك ويسِّر لنا كل خير ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين .
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على إحْسانهِ، والشكرُ له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله الله وحدَه لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد عباد الله / الناس في مقام العفو أو عدمه أقسام ثلاثة : قسمٌ ينتقم ممن أساء إليه بأخذ حقه دون تجاوز ، وقسمٌ ينتقم ممن أساء إليه بظلمٍ وتجاوزٍ وتعدٍّ ، وقسمٌ ثالث يعفو ويصفح ؛ أما الأول فهو المقتصد ، وأما الثاني فهو الظالم لنفسه ولغيره ، وأما الثالث فهو السابق بالخيرات ، وقد جمع الله جل وعلا هذه الأقسام الثلاثة في قوله سبحانه (( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ )) فقوله (( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا )) هذا في حق المقتصد وهو من يأخذ حقه دون تجاوز ،وأما قوله (( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ )) فهذا في حق السابقين بالخيرات أهل العفو والصفح والإحسان ، وأما قوله (( إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ )) فهو في حق من يعتدي ويبغي ويظلم .
عباد الله / عندما نتأمل هذه الآيات العظيمة وما فيها من هداياتٍ مباركة ، وما فيها من أثرٍ على القلوب وتأثيرٍ في النفوس زكاءً وصلاحاً ورفعة ينبغي أن لا يكون حظنا من ذلك مجرد السماع ؛ بل علينا أن نجاهد أنفسنا وأن نطلب العون من ربنا جل في علاه ليعيننا على تحقيق ما نستمع إليه من الحق والهدى والخير (( وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا))
، هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد فقد أمركم اللهُ بالصّلاة والسّلام عليه ، فقال تعالى ((إنّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصلُّونَ عَلى النّبي يَا أيّها الّذينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ))