المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حقيقة اإفلاس ... يوم جمع الناس ( خطبة جمعة الغد 1434/12/20هـ )



محمدالمهوس
24-10-2013, 23:32
الخطبة الأولى
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )) ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا))
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة،وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله : رَوَىَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللّهَ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( أَتَدْرُونَ مَن الْمُفْلِسُ ؟ )) قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ فَقَالَ : (( إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي ، من يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي وقَدْ شَتَمَ هَـٰذَا ، وَقَذَفَ هَـٰذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَـٰذَا ، وَسَفَكَ دَمَ هَـٰذَا ، وَضَرَبَ هَـٰذَا ، فَيُعْطَىٰ هَـٰذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَـٰذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ ، قَبْلَ أَنْ يُقْضَىٰ مَا عَلَيْهِ ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ((
عباد الله / كثير من الناس يعملون فى التجارة، فيربح أحدهم تارة ويخسر أخرى، وربما يُشهر أحدُهم إفلاسه، فتكون كبوة قد لا تطول، وبلاء ربما يزول، غير أن الإفلاس الحقيقي والهلاك اليقيني هو يوم يقف المرء أمام رب العالمين، ولا يجد لنفسه حسنة، بل تتحول أعماله الصالحة إلى سيئات.
لقد فنيت حسنات هذا المسكين، وانهارت الحصون التى كان بإمكانه الاحتماءُ بها، ليتقيَ العذاب، ولكن الأمر لم يقف عند هذا، فها هى قذائف السيئات تلقى عليه، لتثقل كاهله الواهن، وهو لا يستطيع لها دفعا، ولا منها فكاكا وهربا، ثم يكون المصير الذليل وهو يحمل سيئاته يطوف بها فى أرض المحشر، ثم فى النهاية يطرح فى النار كما تطرح نفايات القُمامة بلا قيمة أو احترام.
والسبب ظلمه وتعدِّيه على الناس ومع ذلك ترى في هذا المفلس ظاهر الصلاح والاستقامة على دين الله وشرعة ومع ذلك أفلس بل ربما وجد في سجله يوم القيامة أنه سرق وهو لم يسرق وشرب الخمر وهو لم يشرب وزنى وهو لم يزني ؛ وهي سيئات قد ارتكبها من ظلمهم وتعدّى عليهم فأخذت منهم وطرحت في سجله وطرح بالنار.
الظلم - عباد الله - منبع الرذائل والموبقات ، ومصدر الشرور والسيئات ، وهو الذنب العظيم ، وسبب الفساد والفتن ، والبلاء والإحن ، والعقاب والمحن ، الظلم متى فشا في أمة أذن الله بأفولها , ومتى شاع في بلدة توفرت أسباب زوالها ، وانعقدت دوافع سفولها ، ومتى حصل من الأشخاص انتقم الجبار منهم ؛ الذي أفنى أمماً ماضية كانت ظاهرة قاهرة ولكنها ظالمة ((وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً )) فمهما بلغت قوّةُ الظلوم ، وضعفُ المظلوم ، فإنَّ الظالم مقهور مخذول ، مصفّد مغلول ، وأقربُ الأشياء ، صرعة الظلوم ، وأنفذ السهام ، دعوة المظلوم ، يرفعها الحيّ القيوم ، فوق عَنان الغيوم ، يقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم : )) ثلاثةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ : الصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ ، وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ الْغَمَامِ ، وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، وَيَقُولُ الرَّبُّ : وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِين)) رواه الترمذي وصححه الألباني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
فالله جعل الظالم مهاناً ،وللمظلوم شرفاً ومكاناً عن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ((إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ قَالَ ثُمَّ قَرَأَ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ )) متفق عليه
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً ** فالظلم ترجع عقباه إلى الندم
تنام عينك والمظلوم منتبه ** يدعو عليك وعين الله لم تنم قَالَ قال أَبو هُريرةَ رضِي اللَّهُ عنْه : قِيلَ لِلنَّبي صلى الله عليه وسلم : إِنَّ فُلاَنَةً تَقُوم اللَّيْلَ ، وَتَصُومُ النَّهَارَ ، وَتَفْعَلُ الْخَيْرَاتِ ، وَتَتَصَّدَّقُ ، وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (( لاَ خَيْرَ فِيهَا ، هِيَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ )) أخرجه الحاكم وقال : صحيح الإسناد ، ووافقه الألباني رحمه الله في الصحيحة
فكم من الناس من يرجو رحمة الله ، ويخشى عقابه ، وهو مع ذلك قد ظلم عباد الله ، واعتدى عليهم في أموالهم وأعراضهم فاستحق من العقوبة على ظلمه وبغيه .
فاحذروا الظلم يا عباد الله ، فأجسادكم على النار لا تقوى ، واخشوا القبر ولظى ، فالنار موعد من ظلم وطغى ، قال الله تعالى (( إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ ))

بارك الله لي ولكم ....
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ على إحْسانهِ، والشكرُ له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله الله وحدَه لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليما كثيرا.
عباد الله / أن لظلم الناس صوراً وأشكالا ، فمن الظلم الاعتداء على الموظفين الغرباء الذين لا يملكون لأنفسهم ضرّاً ولا نفعًا ، بحرمانه من وظيفته ظلماً وجوراً ، أو منعه من مرتبة أو درجة هو مستحقها محاباة وعدوى ، أوحجز راتبه ومستحقاته عدواناً وهوىً ، والله يقول (( فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ))
ومن أنواع الظلم – عباد الله - توظيف من لا يستحق ، وتأخير المستحق ، وتقديم المفضول ، وتأخير الفاضل ، ممن اتضح نفعه ، وعلا سهمه وحظه ، لاسيما في أمور الدين ، بدوافع المحسوبية ، أو من أجل جنسية أو قبلية عصبية ، أو مصالح مشتركة ، وواسطة محرمة ، وهذا من أشد الظلم والحيف ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) رواه البخاري .
ومن الظلم ظلم الأجراء والعمال ، وبخسهم حقوقهم ، وحرمانهم أجورهم ، وتأخير رواتبهم ، عن أبـي هريرةَ رضي الله عنه قالَ : قالَ رسولُ الله صَلَّـى الله عَلَـيْهِ وَسَلَّـمَ : قالَ رَبُّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ : (( ثلاثةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يومَ القـيامةِ ، ومن كنتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ ، رجلٌ أَعْطَى بِـي ثم غَدَرَ ، ورجلٌ باعَ حراً فَأَكَلَ ثَمَنَهُ ، ورجلٌ اسْتَأْجَرَ أجيراً ، فاسْتَوْفَـى منهُ ولـم يُوْفِه أَجْرَهُ )) رواه البخاري فاتقوا الله – عباد الله – واحذروا الظلم فالظلم ظلمات يوم القيامة ، وصلوا وسلموا على النذير البشير ، والسراج المنير ، فقد أمركم بذلك الحكيم الخبير ، فقال العلي الكبير (( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ))