المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العلاج العجيــــــــــــــب - خطبة جمعة الغد 1434/11/21هـ -



محمدالمهوس
26-09-2013, 19:07
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله / من الأشياء التي لا تنكر ، في هذا الزمان ، كثرة الأمراض بين الناس ، فقل ما تجد بيتا ، أو أسرة ، إلا وبينهم مريض ، أو عدة مرضى ، بل ـ أيها الأخوة ـ هناك أمراض ، قد يتوارثها أهل البيت الواحد ، فالأمراض تفشت وتنوعت في هذا الزمان ، بل واستعصى بعضها على الأطباء ، رغم وجود العلاج ، إذ ما جعل الله من داء إلا جعل له دواء ، كما قال النبي  ، في الحديث الذي رواه ابن ماجه : (( تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ مَعَهُ شِفَاءً إِلَّا الْهَرَمَ ))
ولاشك أن لهذه الأمراض المنتشرة اليوم أسبابا من أهمها : المعاصي والمجاهرة بها ، يقول تبارك وتعالى :  وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ  وفي الحديث الذي رواه ابن ماجه وحسنه الألباني قال  : ((خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا ... الحديث )) وبعض الأمراض ، امتحان من الله  لعباده ، يختبر  عباده ؛ في هذه الدنيا المليئة بالمصائب والأكدار .
عباد الله / إن الكثيرين من المرضى اليوم يطرقون كل أنواع العلاج ، ويفعلون كل الأسباب ، علهم يجدون علاجا نافعا ، أو دواء شافيا ، ولكن بعضهم ، بل أكثرهم ، يغفل عن باب رب الأرباب ، يغفل عن باب الذي بيده الشفاء ، والذي عنده الدواء ، الذي يقول :  وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ  .
ومن الأشياء التي جعلها الله  سببا للشفاء : الصدقة . قال  : (( داوُوا مَرْضَاكُم بالصّدَقَةِ )) والحديث حسنه الألباني ، فالصدقة وصفة علاجية نبوية ، وفي الحديث المتفق عليه ، يقول النبي  : (( فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره ، يكفرها الصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر )) والأمراض ـ عباد الله ـ التي يصاب بها المسلم ، أو يصاب بها من تحت يده ، هي من أعظم ما يفتن به في الدنيا ، وشأن الصدقة ، شأن عظيم ، وأثرها أثر عجيب ، جاء في سير أعلام النبلاء ؛ أن رجلا ، سأل عبدالله بن المبارك ـ رحمه الله ـ عن قرحة خرجت في ركبته منذ سبع سنين ، وقد عالجها بأنواع العلاج ، وسأل الأطباء ، ولكنه لم ينتفع ، فقال له ابن المبارك : اذهب واحفر بئرا في مكان يحتاج الناس فيه إلى الماء ، فإني أرجو أن تنبع هناك عين ، ويمسك عنك الدم . ففعل الرجل ذلك فشفاه الله تعالى .
نعم – عباد الله - الصدقة شأنها شأن الرقية والدعاء والاستغفار وقراءة القرآن ، كل هذه أدوية شرعية ، ينبغي للمسلم أن يكثر من استعمالها ، فكلما أكثر كان الشفاء أكمل بإذن الله تعالى .
عباد الله / للعلاج بالصدقة آداب ، ينبغي للمريض ، الذي يريد الشفاء ، أن ينتبه لها ، منها النية ، يتصدق بنية الشفاء ، لأن النبي  في الحديث الذي رواه البخاري ، يقول : (( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى )) تتصدق بنية الشفاء ، وإذا نويت تكون جازما واثقا بالله  بأنه سيشفيك أو سيشفي مريضك .
وأن تكون الصدقة من المال الطيب ، فالله  طيب لا يقبل إلا طيبا ، يقول  :  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ 
وأن تعطى محتاجا صالحا تقيا تعينه على طاعة الله  ، ففي الحديث يقول النبي  : (( لا تصاحب إلا مؤمنا ، ولا يأكل طعامك إلا تقي )) وكلما كان الفقير أشد فقرا وحاجة للصدقة ، كلما كان أثر الصدقة أكبر وأعظم .
إمرأة أصيبت بفشل كلوي فطلبت من يتبرع لها بكلية ، مقابل مبلغ من المال ، وقد تناقل الناس الخبر ، ومن بينهم إمرأة فقيرة ، حضرت للمستشفى ، وفي اليوم المحدد ، دخلت المريضة على المتبرعة ، فإذا هي تبكي ، فسألتها عن سبب بكائها ، فأخبرتها بأنها تبرعت بسبب فقرها وحاجتها للمال ، فهدأت المريضة من روعها ، وقالت لها: المال لك ، ولا أريد منك شيئا ، وبعد أيام تأتي المريضة إلى المستشفى ، وعند الكشف عليها ، تكون المفاجأة التي أذهلت الأطباء ، فقد شفيت فلم يجدوا أثرا لمرضها .
اسأل الله  أن يشفي مرضانا ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
عباد الله / كما أن في الصدقة تنميةٌ وزيادةٌ للأموال ، وتنميةٌ للأجر والثواب الذي يحصل عليه المتصدق عند الله ، وفيها سدٌ لحاجات الفقراء والمحتاجين ، وسبيل لجلب السعادة إلى نفوسهم ، ورسم الابتسامة على شفاههم ، وهي وسيلةٌ لتحقيق التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد ، وطريقٌ إلى انتشار الرحمة والتآخي والمودة بين الناس . كما أنها تدفع - بإذن الله تعالى - النِقم والمكاره والأسقام عن صاحبها يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه الوابل الصيب : إن للصدقة تأثيرا عجيبا في دفع أنواع البلاء ، ولو كانت من فاجر أو من ظالم ، بل من كافر ! فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعا من البلاء ، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم ، وأهل الأرض كلهم مقرون به لأنهم جربوه .
فاتقوا الله تعالى – عباد الله - واحرصوا على الإكثار من الصدقات بالقول مرةً ، وبالعمل مرة ثانية ، وبالنية الصالحة مرةً ثالثة ، وعليكم ببذل المال الحلال في الصدقات ، وتسخير الجاه في سبيل الله ، واحتساب الأجر والثواب عند الله تعالى في كل شأنٍ من شؤون الحياة ، أَلاَ وصلوا رحمني اللهُ وإيَّاكم ، على الهادي البشيرِ ، والسراجِ المنيرِ ، كما أمرَكم بذلك اللطيفُ الخبيرُ ، فقال سبحانه قولاً كريما  إِنَّ اللهَ وَملاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبيْ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُواْ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً  وقد قال عليه الصلاةُ والسلامُ (( من صلّى عليّ صلاةً صَلى اللهُ عليه بها عشراً ))