المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مشروعيّة سجود التلاوة



الياس اسكندر
25-07-2013, 14:32
الخطبة الثانية : مشروعيّة سجود التلاوة


الحمد لله الذي جعل شهر رمضان شهر القرآن، وجعلنا من أمّة خير الأنام محمّد بن عبد الله رسول الهدى وإمام المسلمين من عرب ومن عجم ، صلى الله عليه وسلّم وجعلنا من شفعائه يوم الدين.

عباد الله، يحرص المسلمون في كلّ بلد على إقامة صلاة التراويح في ليالي رمضان الكريم اقتداء بالرسول الحبيب عليه أفضل صلاة وأزكى تسليم ، وقد تساءل العديد من المصلين عن مشروعيّة سجود التلاوة خلف الإمام عند أداء صلاة التراويح ، فنقول مستعينين بالله عزّ وجلّ:

اتفق الفقهاء على مشروعية سجود التلاوة ، للآيات والأحاديث الواردة فيه ، لكنهم اختلفوا في صفة مشروعيته أواجب هو أو مندوب .
فذهب الشافعية والحنابلة إلى أن سجود التلاوة سنة مؤكدة عقب تلاوة آية السجدة لقول الله تعالى : { إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا } ولما ورد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد ، اعتزل الشيطان يبكي ، يقول : يا ويلي ، وفي رواية يا ويله - أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة ، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار } . ولما روى عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة فيها السجدة فيسجد ونسجد } . وليس سجود التلاوة بواجب - عندهم - لأن النبي صلى الله عليه وسلم تركه ، وقد قرئت عليه سورة والنجم) وفيها سجدة غير مثبتة في قراءة الإمام ورش، روى زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال : { قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم والنجم فلم يسجد فيها } ، وفي رواية : { فلم يسجد منا أحد } وروى البخاري أن عمر رضي الله تعالى عنه قرأ يوم الجمعة على المنبر سورة النحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد ، فسجد الناس ، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاء السجدة قال : " يا أيها الناس ، إنا نمر بالسجود ، فمن سجد فقد أصاب ، ومن لم يسجد فلا إثم عليه ، ولم يسجد عمر رضي الله تعالى عنه ورواه مالك في الموطأ وقال فيه : على رسلكم ، إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء ، فلم يسجد ، ومنعهم أن يسجدوا ، وكان بمحضر من الصحابة ، ولم ينكروا عليه فكان إجماعا . واستدلوا أيضا بما جاء في حديث الأعرابي من قوله صلى الله عليه وسلم : { خمس صلوات في اليوم والليلة قال : هل علي غيرها ؟ قال : لا ، إلا أن تتطوع } . وبأن الأصل عدم الوجوب حتى يثبت صحيح صريح في الأمر به ولا معارض له ولم يثبت ، وبأنه يجوز سجود التلاوة على الراحلة بالاتفاق في السفر ولو كان واجبا لم يجز كسجود صلاة الفرض .

واختلف فقهاء المالكية في حكم سجود التلاوة ، هل هو سنة غير مؤكدة أو فضيلة ، والقول بالسنية شهره ابن عطاء الله وابن الفاكهاني وعليه الأكثر ، والقول بأنه فضيلة هو قول الباجي وابن الكاتب وصدّر به ابن الحاجب ومن قاعدته تشهير ما صدّر به ، وهذا الخلاف في حق المكلف . أما الصبي فيندب له فقط ، وفائدة الخلاف كثرة الثواب وقلته ، وأما السجود في الصلاة ولو فرضا فمطلوب على القولين ، وقال ابن العربي ( وسجود التلاوة واجب وجوب سنة لا يأثم من تركه عامدا .)
أمّا عدد سجدات التلاوة ففيها خلاف تبعا للرواية المتصلة بالسند عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، ففي رواية الإمام ورش عن نافع 14 سجدة ، في حين نجد 15 سجدة في رواية الإمام حفص عن عاصم .
قال الشيخ المواق في "التاج والإكليل :(من المدونة قال ابن القاسم: أكره للإمام أن يتعمد في الفريضة قراءة سورة فيها سجدة، لأنه يخلط على الناس صلاتهم، وأكره أن يتعمدها الفذ في الفريضة، وهو الذي رأيت مالكا يذهب إليه).


السنة أن يقول في سجود التلاوة: " سجد وجهي للذي خلقه، وشق سمعه وبصره بحوله ‏وقوته" رواه الترمذي والحاكم وزاد: " فتبارك الله أحسن الخالقين".‏
وأجاز بعض العلماء أن يقول سبحان ربي الأعلى، أو يفعل مثلما يفعل في سائر السجود. ‏قال الإمام النووي: (ويستحب أن يقول في سجوده: " سجد وجهي للذي خلقه وصوره ‏وشق سمعه وبصره بحوله وقوته". وأن يقول: " اللهم اكتب لي بها عندك أجراً، واجعلها لي ‏عندك ذخراً ، وضع عني بها وزراً، واقبلها مني كما قبلتها من عبدك داود عليه السلام" ولو ‏قال ما يقول في سجود صلاته جاز. ثم يرفع رأسه مكبراً كما يرفع من سجود الصلاة) ‏روضة الطالبين (1/322).
ومن العلماء من فصل بين من كان في الصلاة فاستحب له التسبيح بالإضافة إلى الدعاء المعروف ، وبين من كان خارج الصلاة فاستحب له ‏الاقتصار على الدعاء دون التسبيح.‏
والله أعلم.‏

نسأل الله العزيز الحكيم أن يعلّمنا ما ينفعنا في ديننا ويزيدنا علما إنّه سميع قريب مجيب.