المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وصية رب العالمين بالوالدين ( خطبة جمعة الغد 1434/6/16هـ )



محمدالمهوس
25-04-2013, 14:55
الخطبة الأولى
الحمد لله أمر بالإحسان إلى الوالدين وبِرِّهما , وقَرَنَ حقَّه بحقِّهِما تعْظيماً لشأنِهِما , وبياناً لفضْلِهِما , وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسُولُه , وصفِيُّه من خلْقِه ، بعثه الله بالهدى ودين الحق , فبلَّغَ البلاغَ المبين , وأدَّى الرسالةَ , ونصحَ الأمَّةَ , وأزالَ بإذنِ ربِّه الغُمَّةَ ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبِهِ الطيبينَ الطاهرينَ والتابعين ومن تَبِعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ وسلَّم تسليماً كثيراً .
أما بعد : فيا أيها الناس / اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى ، فإنَّ تقوى الله هي العروةُ الوثقى , والسعادة الكبرى , والنجاةُ العظمى في الآخرة والأولى))يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا((
عباد الله / عبادة عظيمة من العبادات التي يُتقرب بها إلى رب البريات ، عبادة هي من أبواب الجنات ، عبادة موصلة إلى خالق الأرض والسموات ، بر الوالدين ،وما أدراك ما برُّ الوالدين يقول الله تبارك و تعالى في محكم التنزيل ((وَقَضَى رَبُّك أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا إمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبْرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا )) ،وقال صلى الله عليه وسلم كما في المسند وسنن النسائي وحسنه الألباني (( ثَلاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمُ الْجَنَّةُ : مُدْمِنُ الْخَمْرِ ، وَالْعَاقُّ ، وَالدَّيُّوثُ ، وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخَبَثَ ))
وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم (( أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ ))
وعقوق الوالدين ياعباد الله هو قطع الصلة والبر بالأب والأم ،أو الإساءة إليهما بالقول أو الفعل،وقد اتفق أهل العلم على فرضية بر الوالدين ، واتفقوا على أن عقوقهما من الكبائر .
والداك ياعبد الله : أمك وأبوك ، أمك التي حملتك في بطنها تسعة أشهر تزيد أو تنقص ، ومن هذا الذي يرفع الثقل والحِمل تسعة أشهر متواصلة في ليله ونهاره ، وحله وترحاله إلا الأم ؟
وسقتك من ثديها ، بطنها لك وعاء ، وصدرها لك سقاء ، تمرض إذا مرضت ، وتتأوه إذا تنهدت ، وتسهر عليك الليالي لا تذوق غُمضا حتى ترتاح ، تميط عنك الأذى بيدها ! ، والواحد يتأفف من أذى نفسه .
وأما أبوك : يجوب الفيافي والقفار ، ويتعب فكره وعقله وجسمه من أجلك ، من أجل أن يؤمن لك الراحة واللقمة الهنية .
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رَجُلاً أتى إِلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ ((أُمُّكَ)) قَالَ:ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ((أُمُّكَ)) قَالَ:ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ((أُمُّكَ)) قَالَ:ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ)) أَبُوكَ((
ثم بعد ذلك : تجد أبناء يعقون والديهم ! ، ولا يعرفون لهم حقهم ، ولا يحفظون لهم جميلهم ، تجد واحدهم يعق والديه قولا وفعلا ، يخاطبهم بجفوة ، يقسو عليهم ، ويحد لهم النظر ، وكأنه يريد أن يؤدبهم !! ، يقدم زوجته على والديه ! ، يطيع زوجته ويعصي والديه ! مستصحبا كل لفظ سيء في معاملتهما ، بل من الأبناء – وبئس ما يصنع – يودعهما دار العجزة ، لا يدري عنهما شيئا !! فهل هذا جزاء الإحسان ؟
شهد ابن عمر – رضي الله عنهما – رجلا يمانيا يطوف بالبيت ،
حمل أمه وراء ظهره ، يقول:
إني لها بعيرُها المذلِّلْ *** إن أُذعِرَتْ ركابهُا لم أُذْعرْ .
ثم قال : يا ابن عمر أتراني جزيتها ؟ قال : لا ، ولا بزفرة واحدة . رواه البخاري في " الأدب المفرد " وصححه الألباني
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لا يجزي ولد والده ، إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه(( رواه مسلم
فإذن لماذا هذا العقوق من بعض الأبناء رغم كل ما يفعله الوالدان لأبنائهم ؟فحب الوالد لولده حب فطرة ، ليس بملكه ، بل الله تبارك وتعالى جعل في غريزته حب الولد ، لذلك تجد الوالد مستعدا أن يفديَ ولده بنفسه ، وإذا مرض ولدُه تجده مستعدا أن يطوف به البلدان في سبيل أن يجد له العلاج ، ويبقى يكابد المشاق في سبيل ولده ، ويخسر الآلاف لكي يعالجه .
ولذلك تجد الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز أوصى الولد بوالده في سبعة مواضع أو أكثر:
فقال تعالى (( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً)) وقال (( وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا..... ))وقال (( قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)) وقال ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا))وقال (( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ))
وقال (( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ *وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ))وقال ((وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا)) وفي المقابل فإن الله تبارك وتعالى أوصى الوالد بولده في موضع واحد في القرآن في فقال: ((يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ((اللهم ألهمنا حب والدينا ، واجعلنا من البارين بهم ، اللهم إنا نعوذ من العقوق وهضم الحقوق لوالدينا يارب العالمين .
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمدُ لله علَى إحسانِه، والشّكرُ له علَى توفيقه وامتِنانِه، وأشهَد أن لا إلهَ إلا الله وَحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشَأنه، وأشهَد أنّ نبيَّنا محمّدًا عبدُه ورَسوله، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحَابه وسلم تسليماً كثيراً .... أما بعد : عباد الله / أوصيكم ونفسي بتقوى الله فاتقوا الله عباد الله ، واعلموا عباد الله أن الجزاء من جنس العمل " فمن زرع حصد ، إذا أحسنت أُحْسِن إليك ،و إذا أعنت أُعِنت ، وإذا أعطيت أُعطيت ، وإذا ساعدت سوعدت ، ودلت النصوص على هذا: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (( والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ))وكذلك في هذا المقام ، فمن بر والديه ، بره أبناؤه ، ومن عق والديه ، عقه أبناؤه ، فإن الجزاء من جنس العمل ، إنك إذا أسأت معاملتهم رزقك الله أبناءً يسيئون معاملتك .
واسمعوا لهذه القصة العجيبة التي ذكرها بعض أهل العلم :
ذكروا أن رجلا كان عنده والد كبير ، فتأفف من خدمته ، فأخذه وخرج إلى الصحراء ليذبحه، فلما وصل إلى صخرة أنزله هناك . فقال : يا بني ماذا تريد أن تفعل بي ؟ قال : أريد أن أذبحك ، قال يابني هل هذا جزاء الإحسان ؟.. قال الابن : لابد من ذبحك فقد أسأمتني .. فقال الأب : يا بني إن أبيت إلا ذبحي فاذبحني عند الصخرة التالية .. فتعجب الولد وقال: ما ضرك أن أذبحك هنا أو هناك ؟ قال : يا بني إن كان الجزاء من جنس العمل فاذبحني عند هذه الصخرة فقد ذبحت أبي هناك .. ولك يا بني مثلها " .
الله أكبر عباد الله وصدق النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال (( بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا: البغي و العقوق ))صححه الألباني .
اللهم إنا نعوذ من عقوق الوالدين ، اللهم إنا نعوذ من عقوق الوالدين ، اللهم إنا نعوذ من عقوق الوالدين ،ونسألك اللهم برَّ والدينا،هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد فقد أمركم اللهُ بالصّلاة والسّلام عليه ، فقال تعالى ((إنّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصلُّونَ عَلى النّبي يَا أيّها الّذينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ))