محمدالمهوس
09-04-2013, 17:40
الخطبة الأولى
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )) ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا))
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة،
وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله /نعيش هذه الأيام موجةً من الغُبار ملأت الفضاءَ والهواء ، وعمَّت جميع الأرجاء . غبارٌ متطايرٌ يُضيِّقُ النَّفَس ، ويُعشي العينَ ، ويُشعثُ الشعرَ ، ويوسِّخ الجسد والثياب . ويَعظُمُ الخطبُ عند الأطفال ، والمصابين بأمراض التنفُّس والربو وغيرِه وقد ضاقت بالألوف منهم المستشفيات قبل أيام فضلاً عن الوفيات بسبب حوادث السير، ونحن نستلهمُ من التقلبات المَناخية الدروسَ والعِبَر ، والتي أولها : نعلمُ أنها كلها بأمر الله تعالى ومشيئته وإرادته ، لا يقع شيء في الكون إلا بعلمه وإذنه ومشيئته ، فهو المسبب لها والآمر لها ، وهو وحده تعالى المتصرف بالكون كله. فالخلق خلقه وهم عبيده ، والكون كونه ، وهو الرب العظيم الذي لا يُسأل عما يفعل ، ولا يحق لأحد من الخلق أن يتوجه إليه بالاعتراض أو التعقيب (( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)) ونعلم ُ ياعباد الله أنه ما نزل بلاءٌ إلا بذنب ، ولا رُفع إلا بتوبة ، وأننا في زمن قد كثُرت فيه ذنوبُ بعضنا ، وبورزَ الجبارُ بأنواعٍ من المعاصي والآثام والله يقول((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ )) ومن الدروس المستفادة اتهام النفس والاعتراف بالتقصير انطلاقاً من قولِ اللهِ تعالى ((وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِيَ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ )) ولما نزل قول الله تعالى (( وَاَلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ )) قَالَتْ عَائِشَةُ : أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ ، وَيَسْرِقُونَ ؟ قَالَ : لَا ، يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ ، وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَلَّا يُقْبَلَ مِنْهُمْ ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ))
ومن الدروس المستفادة أن الله يقدر تلك الأقدار المزعجة للناس من العجاج أو تأخر نزول المطر ، أو الحر الشديد أو البرد الشديد ، ليُحدث الناس توبة وإنابة ، وتقرباً إلى الله تعالى والتجاءً إليه ، وهذا من عظيم رحمة الله تعالى بهم ، حيث لو كانت أجواء المسلمين دائمة الصفاء ،غزيرة الأمطار ، وأرضهم دائمة الخضرة والجمال لكان ذلك سبباً في غفلتهم وقسوة قلوبهم وانصرافهم عن دينهم ، ولكن الله اللطيف الخبير الرحيم يأبى أن تقسو قلوب عباده المؤمنين ، فيحدث الله لهم ما يكون سبباً في وصلهم به
وتقربهم إليه بالدعاء وإلحاحهم عليه بسرعة الغيث وانكشاف الغمة.
ومن الدروس إن هذا الغبار والرياح مهما بلغت الشدة ، ومهما تضايق منه الناس ، إلا أنه يحمل الخير من حيث ندري أو لا ندري ، فهو يُسمّد الأرض ويعيد إليها صلاحيتها للزراعة والإنبات ، وهو يقتل حشرات لا يعلمها كثرتها إلا الله تعالى ، ولو بقيت لكان لها الأثر الكبير في الإضرار بالناس وبالممتلكات والزروع ، والرياح لها قدرة رائعة في تلقيح الأشجار وانتقال حبوب اللقاح من شجرة إلى أخرى ، فسبحان من بيده التدبير وله الحكمة البالغة.
اللهم احفظنا بحفظك وتولنا بولايتك وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ،أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا ،أما بعد عباد الله / روى مسلم في صحيحه عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : اطَّلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ . فَقَالَ : " مَا تَذْكُرُونَ ؟ " . قَالُوا : نَذْكُرُ السَّاعَةَ،قَالَ : (( إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْا قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ ، فَذَكَرَ الدُّخَانَ ، وَالدَّجَّالَ ، وَالدَّابَّةَ ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ، وَنُزُولَ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ ، وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ، وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ : خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ ، وَفِي رِوَايَةٍ : " نَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ تَسُوقُ النَّاسَ إِلَى الْمَحْشَرِ " . وَفِي رِوَايَةٍ فِي الْعَاشِرَةِ : " وَرِيحٌ تُلْقِي النَّاسَ فِي الْبَحْرِ )) فحري بالمسلم أن يتذكر هذه الآيات والتي منها الدُّخَان الذي يعُمُّ الأرض ورد في بعض الآثار أنه يكون على المؤمن مثلَ الزكمة ، وأنه يكون آخذا بنَفَس الكافر .
ومما يتذكره المسلم في مثل هذه الأجواء قولَ الله تعالى ((وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ )) ومما يتذكره المؤمن حينما يؤذيه الغبار أن يتذكر يوم يُملأ أنفُه وجسدُه غُباراً وتُراباً ، كان عمر بن عبد العزيز في جنازة فنظر إلى قوم في الجنازة قد تلثموا من الغبار وعدلوا من الشمس إلى الظل ، فنظر في وجوههم وبكى وقال :
من كان حين تصيبُ الشمسُ جبهتَه * أو الغبارُ يخافُ الشَينَ والشَعَثا
ويألف الظل كي تبقى بشاشتُه * فسوف يسكن يوماً راغما جَدَثا
في قعر مُقفرة غبراءَ مُظلمةٍ * يطيلُ تحت الثرى في جوفها اللَبَثا
اللهم اجعلنا في ذلك اليوم من السعداء ، واكتُب لنا من فضلك ما تحفظنا بما تحفظُ به عبادك الصالحين ، يا رب العالمين ، هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد فقد أمركم اللهُ بالصّلاة والسّلام عليه ، فقال تعالى ((إنّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصلُّونَ عَلى النّبي يَا أيّها الّذينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ))
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )) ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا))
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة،
وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله /نعيش هذه الأيام موجةً من الغُبار ملأت الفضاءَ والهواء ، وعمَّت جميع الأرجاء . غبارٌ متطايرٌ يُضيِّقُ النَّفَس ، ويُعشي العينَ ، ويُشعثُ الشعرَ ، ويوسِّخ الجسد والثياب . ويَعظُمُ الخطبُ عند الأطفال ، والمصابين بأمراض التنفُّس والربو وغيرِه وقد ضاقت بالألوف منهم المستشفيات قبل أيام فضلاً عن الوفيات بسبب حوادث السير، ونحن نستلهمُ من التقلبات المَناخية الدروسَ والعِبَر ، والتي أولها : نعلمُ أنها كلها بأمر الله تعالى ومشيئته وإرادته ، لا يقع شيء في الكون إلا بعلمه وإذنه ومشيئته ، فهو المسبب لها والآمر لها ، وهو وحده تعالى المتصرف بالكون كله. فالخلق خلقه وهم عبيده ، والكون كونه ، وهو الرب العظيم الذي لا يُسأل عما يفعل ، ولا يحق لأحد من الخلق أن يتوجه إليه بالاعتراض أو التعقيب (( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)) ونعلم ُ ياعباد الله أنه ما نزل بلاءٌ إلا بذنب ، ولا رُفع إلا بتوبة ، وأننا في زمن قد كثُرت فيه ذنوبُ بعضنا ، وبورزَ الجبارُ بأنواعٍ من المعاصي والآثام والله يقول((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ )) ومن الدروس المستفادة اتهام النفس والاعتراف بالتقصير انطلاقاً من قولِ اللهِ تعالى ((وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِيَ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ )) ولما نزل قول الله تعالى (( وَاَلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ )) قَالَتْ عَائِشَةُ : أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ ، وَيَسْرِقُونَ ؟ قَالَ : لَا ، يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ ، وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَلَّا يُقْبَلَ مِنْهُمْ ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ))
ومن الدروس المستفادة أن الله يقدر تلك الأقدار المزعجة للناس من العجاج أو تأخر نزول المطر ، أو الحر الشديد أو البرد الشديد ، ليُحدث الناس توبة وإنابة ، وتقرباً إلى الله تعالى والتجاءً إليه ، وهذا من عظيم رحمة الله تعالى بهم ، حيث لو كانت أجواء المسلمين دائمة الصفاء ،غزيرة الأمطار ، وأرضهم دائمة الخضرة والجمال لكان ذلك سبباً في غفلتهم وقسوة قلوبهم وانصرافهم عن دينهم ، ولكن الله اللطيف الخبير الرحيم يأبى أن تقسو قلوب عباده المؤمنين ، فيحدث الله لهم ما يكون سبباً في وصلهم به
وتقربهم إليه بالدعاء وإلحاحهم عليه بسرعة الغيث وانكشاف الغمة.
ومن الدروس إن هذا الغبار والرياح مهما بلغت الشدة ، ومهما تضايق منه الناس ، إلا أنه يحمل الخير من حيث ندري أو لا ندري ، فهو يُسمّد الأرض ويعيد إليها صلاحيتها للزراعة والإنبات ، وهو يقتل حشرات لا يعلمها كثرتها إلا الله تعالى ، ولو بقيت لكان لها الأثر الكبير في الإضرار بالناس وبالممتلكات والزروع ، والرياح لها قدرة رائعة في تلقيح الأشجار وانتقال حبوب اللقاح من شجرة إلى أخرى ، فسبحان من بيده التدبير وله الحكمة البالغة.
اللهم احفظنا بحفظك وتولنا بولايتك وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ،أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا ،أما بعد عباد الله / روى مسلم في صحيحه عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : اطَّلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ . فَقَالَ : " مَا تَذْكُرُونَ ؟ " . قَالُوا : نَذْكُرُ السَّاعَةَ،قَالَ : (( إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْا قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ ، فَذَكَرَ الدُّخَانَ ، وَالدَّجَّالَ ، وَالدَّابَّةَ ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا ، وَنُزُولَ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ ، وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ، وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ : خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ ، وَفِي رِوَايَةٍ : " نَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ تَسُوقُ النَّاسَ إِلَى الْمَحْشَرِ " . وَفِي رِوَايَةٍ فِي الْعَاشِرَةِ : " وَرِيحٌ تُلْقِي النَّاسَ فِي الْبَحْرِ )) فحري بالمسلم أن يتذكر هذه الآيات والتي منها الدُّخَان الذي يعُمُّ الأرض ورد في بعض الآثار أنه يكون على المؤمن مثلَ الزكمة ، وأنه يكون آخذا بنَفَس الكافر .
ومما يتذكره المسلم في مثل هذه الأجواء قولَ الله تعالى ((وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ )) ومما يتذكره المؤمن حينما يؤذيه الغبار أن يتذكر يوم يُملأ أنفُه وجسدُه غُباراً وتُراباً ، كان عمر بن عبد العزيز في جنازة فنظر إلى قوم في الجنازة قد تلثموا من الغبار وعدلوا من الشمس إلى الظل ، فنظر في وجوههم وبكى وقال :
من كان حين تصيبُ الشمسُ جبهتَه * أو الغبارُ يخافُ الشَينَ والشَعَثا
ويألف الظل كي تبقى بشاشتُه * فسوف يسكن يوماً راغما جَدَثا
في قعر مُقفرة غبراءَ مُظلمةٍ * يطيلُ تحت الثرى في جوفها اللَبَثا
اللهم اجعلنا في ذلك اليوم من السعداء ، واكتُب لنا من فضلك ما تحفظنا بما تحفظُ به عبادك الصالحين ، يا رب العالمين ، هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد فقد أمركم اللهُ بالصّلاة والسّلام عليه ، فقال تعالى ((إنّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصلُّونَ عَلى النّبي يَا أيّها الّذينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ))