المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التبيين في أحكام اليمين ( خطبة جمعة الغد 1434/5/10هـ )



محمدالمهوس
21-03-2013, 17:23
الخطبة الأولى
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )) ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا))
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة،
وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله /ديننا الإسلامي دين عظيم جاء ليحكم الإنسان في حياته كلها وفي جميع شؤونه الخاصة والعامة، فهو يحكم الإنسان في منزله وفي عمله وفي مسجده وفي شارعه، وينظم له شؤون حياته كلها، قال تعالى: ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) ومما اعتنى الإسلام به قضية الأيْمان ؛ والأيمان جمع يمين وهي اليد وأطلقت على الحلف لأنهم كانوا إذا تحالفوا أخذ كل واحد بيمين صاحبه .
وكثرة الأحلاف ليس من صفات المؤمن الحق وهي ممقوتة شرعاً وقد قال الله فيها ((وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ)) فهي وسيلة من وسائل الكذب ،وهذا ملاحظ من الكثيرين من الناس لجهلهم وقلة فقههم ، يحلفون على الصغير والكبير ، والمهم والحقير، وقد أمرنا الله بحفظ أيماننا فقال : (( وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ )) ومن حفظ اليمين عدم الإكثار من الحلف .
وروى مسلم في صحيحه عن أبي ذرٍّ – رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (( ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مِرَارًا قَالَ أَبُو ذَرٍّ خَابُوا وَخَسِرُوا مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ))
وينعقد اليمين – عباد الله - باسم من أسماء الله تعالى ، أو بصفة من صفاته ، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : (( مَنْ حَلَفَ فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ ، أَوْ لِيَسْكُتْ ))فلايجوز الحلف بغير ذلك ، فلا يجوز الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ولا بالحياة ، ولا بالأمانة ، ولا بالأبناء ، ولا بالكعبة ،ولا بالوالدين ، ولا بالطلاق ، ولا بالجاه أو القبيلة ، ولا بأي نوع من أنواع العبادة ، كما يفعل بعض الجهلة ، لأن الحلف بغير الله شرك ـ والعياذ بالله ـ قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : (( مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ )) وقال : (( لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَفَ بِالأَمَانَةِ )) حديث صحيح
عباد الله :جاء الوعيد الشديد على من حلف وعظَّم الله كاذبًا
فاجرًا، يقول الله تعالى : ((إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) فهذا الوعيد الشديد لأولئك الذين جعلوا اليمين بالله وسيلة لأكل أموال الناس ظلمًا وعدوانًا، فحلفوا بالله على الفجور والكذب، ((أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ)) ويعاقبهم الله فـ ((لاَ يُكَلّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ وَلاَ يُزَكّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) وقال صلى الله عليه وسلم ((مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ ، هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ ، لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ )) متفق عليه
ومن الأيمان الفاجرة – عباد الله - اليمين الغموس، وسميت بذلك لأنها تغمس صاحبها في النار، وصفتها أن يحلف بالله كاذباً ليقتطع بها مال الغير، فعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: ((الإشْراكُ بِالله)) قَال: ثُمَّ مَاذا؟ قال: (( عُقُوقُ الْوَالِدَيْن)) قَال: ثُمَّ مَاذا؟ قال: ((الْيَمِينُ الْغَمُوسُ)) قُلْتُ: وَمَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ؟ قَال: ((الّذِي يَقْتَطِعُ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا كَاذِبٌ )) رواه البخاري
أما اليمن المنعقدة التي فيها الكفارة إن لم يَفِ صاحبها بما حلف، فهي التي يقصد صاحبها عقدها على أمر مستقبل ممكن، وأما إذا تلفظ باليمين بدون قصد لها؛ كما لو قال: لا ولله، وبلى والله، وهو لا يقصد اليمين، وإنما جرى على لسانه هذا اللفظ بدون قصد؛ فهو لغو، ولا كفارة فيه؛ لقوله تعالى: ((لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ)) وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في لَغْوِ الْيمين: ((هُوَ كَلامُ الرّجُلِ فِي بَيْتِهِ كَلّا واللهِ وَبَلَى وَاللهِ)) رواه أبو داود وصححه الألباني رحمهم الله .
وكذا لو حلف عن قصد يظن صدق نفسه فبان بخلافه فلا شيء عليه ، وكذلك يمين الكرم ، وإذا حلف المسلم ثم استثنى في يمينه، كما لو قال: والله لأفعلن كذا إن شاء الله، لم يحنث في يمينه إذا نقضها؛ بشرط أن يقصد الاستثناء متصلاً باليمين لفظاً وحكماً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم ((مَنْ حَلَفَ فَقَالَ : إِنْ شَاءَ الله ُ؛ لَمْ يَحْنَثْ)) رواه أحمد وصححه الألباني .
واعلموا عباد الله أنه يباح نقض اليمين فيما إذا حلف على فعل مباح أو على تركه، ورأى في نقضه خيراً له فقد قال صلى الله عليه وسلم ((مَنْ حَلَفَ عَلى يَمِينٍ فَرَأى غَيْرَها خَيراً مِنْها: فَلْيَأْتِ الّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ )) متفق عليه .
فعلى المسلم أن يتق الله في يمينة، ولا يحلف على شيء إلا وهو صادق، نسأل الله أن يحفظ ألسنتنا من الكذب، وأن يجعلنا صادقين في كل أقوالنا وأعمالنا، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد عباد الله : من آداب اليمين ، أنه من حق أخيك المسلم ، إذا أقسم عليك أن تبر بقسمه ، لأن ذلك حق من حقوقه ، ففي الحديث الصحيح يقول البراء بن عازب رضي الله عنه : أَمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ ، وذكر منهن : (( إِبْرَارُ القَسَمِ )) . فإذا حُلف عليك بأكل أو جلوس أو زيارة فكل واجلس وزر إبراراً ليمين أخيك وحصول على الأجر من الله ، أما كفارة اليمين – عباد الله - فهي كما بينتها الآية الكريمة: إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة. والْمُكفّر مخير بين هذه الثلاثة أمور.
فإن لم يجد هذه الثلاثة الأمور صام ثلاثة أيام، لقوله تعالى: ((فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ))المائدة: 89.
واشترط الجمهور في صيام ثلاثة الأيام أن تكون متتابعة؛ لقراءة عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: ((فصيام ثلاثة أيام متتابعة))
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد فقد أمركم اللهُ بالصّلاة والسّلام عليه ، فقال تعالى ((إنّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصلُّونَ عَلى النّبي يَا أيّها الّذينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ))