المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كأنك لم تحزن على ابن طريف!



روح التميمي
10-03-2013, 11:34
كأنك لم تحزن على ابن طريف!*

فياشجر الخابور مالك مورقا
[SIZE=4][FONT=][COLOR=navy].............. كأنك لم تحزن على ابن طريف!

بيت من مرثية نادرة قالتها الفارعة وهي أخت الوليد بن طريف الشيباني, ويسمى أيضا الوليد بن طريف الشاري نسبة إلى (الشُّراة), وهم فرقة من الخوارج, وسُمُّوا بهذا الاسم لقولهم "إنا شرينا أنفسنا في طاعة الله" أي بعناها. كان الوليد بن طريف رأس الخوارج وكان مقيما بـ (نصيبين) و(الخابور) وتلك النواحي, وخرج في خلافة الرشيد وبغى, وحشد جموعا كثيرة, فأرسل إليه هارون الرشيد جيشا كثيفا مقدمه أبوخالد يزيد بن مزيد الشيباني ـ ويلاحظ أنه من عشيرة الوليد ـ فجعل يخاتله ويماكره, ولم يكن البرامكة وزراء الرشيد على وفاق مع يزيد, فأغروا به الرشيد, وقالوا إنه يراعيه لأجل الرحم, وإلا فشوكة الوليد يسيرة, وهو يواعده وينتظر ما يكون من امره, فوجه إليه الرشيد كتاب مغضب, وقال: لو وجهت أحد الخدم لقام بأكثر مما تقوم به ولكنك مداهن متعصب, وأمير المؤمنين يُقسم بالله لئن أخرت مناجزة الوليد ليبعثن إليك من يحمل رأسك إلى أمير المؤمنين. فلقي الوليد فظهر عليه فقتله, وذلك في سنة 179هـ عشية أول خميس من رمضان, وهي واقعة مشهورة تضمنتها كتب التواريخ.
وكان للوليد أخت تسمى الفارعة, وقيل فاطمة وكانت تجيد الشعر, وتسلك سبيل الخنساء في مراثيها لأخيها صخر, فرثت الفارعة أخاها الوليد بقصيدة منها البيت الذي صدرنا به هذه الموضوع, وسنذكرها كاملة في نهايته. وللفارعة في أخيها مراث كثيرة. وكان الوليد يوم المصاف ينشد:
أنا الوليد بن طريف الشاري
قسورةٌ .. لا يُصطلى بنـاري
جوركمو أخرجـني من داري
ويقال إنه لما انكسر جيش الوليد وانهزم تبعه يزيد بنفسه حتى لحقه على مسافة غير بعيدة فقتله, وأخذ رأسه, ولما قتله وعلمت بذلك أخته الفارعة لبست عدة حربها وحملت على جيش يزيد, فقال يزيد: دعوها, ثم خرج فضرب بالرمح فرسها, وقال: اغربي غرّب الله عينك, فقد فضحت العشيرة, فاستحيت وانصرفت.
وأنا يعني من هذا كله هنا هذا البيت الرائع الذي تعاتب فيه الشاعرة شجر الخابور على إيراقه وصحته البادية في نضرته, ولم يشارك في الجزع على أخيها ابن طريف!
والجمال في البيت يكمن في سهولته, وفي فكرته الغريبة (معاتبة الشجر) وفي الأجواء النفسية التي تنثرها ألفاظه (شجر الخابور ـ مورقا ـ لم تحزن على ابن طريف), وفي الأجواء النفسية التي يبثها المعنى وهو إعلان عظم المصيبة بالتلميح بأن الكون كله إنسه وجنه وحيوانه ونباته وجماده .. قد جزع لوفاة ابن طريف, وفي هذا ما يكفي لإيصال شحنة التفجع إلى القارئ وجذب مشاركته الوجدانية للشاعرة مع أن القتيل كان ـ كما تقول الرواية ـ خارجيا متشددا متنطعا معتديا خارجا على السلطة! وتوّجت كل هذه المحتويات المادية والمعنوية والنفسية الجميلة, هذه الصياغة الرائعة للبيت, ابتداء من الافتتاح بالنداء الموبّخ (فياشجر الخابور) ومرورا بالاستفهام الإنكاري التوبيخي (مالك مورقا؟!) وانتهاء بذلك التفسير المعنوي (لم تحزن على ابن طريف) لحالة مادية هي الإيراق والإشراق, وهذا هو الشعر المؤثر, مزيج من حالات مادية ومعنوية تتشكل منها لوحة قراءتها مفككة لا تعطي نفس النتيجة عند قراءتها مركبة, وهذا هو الإبداع.
سمعت البيت أو قرأته لأول مرة عندما كنت طالبا في الجامعة, وقد مر بنا في درس النحو, وكان شاهدا من الشواهد, فهزني معناه, وراعتني صياغته, ونقلتني عبارة (يا شجر الخابور) إلى عوالم خيالية رائعة, والإنسان مأسور بالخضرة والماء والجمال, إضافة إلى أن شجر الخابور غير معروف في نجد, ولهذا فإن الخيال يسرح بتصوره في مشهد أعلى ما يكون من جمال الخضرة, وقد تخيلته مورقا في مجرى واد ممرع لا تزال مياه الأمطار تغمره. وإليكم القصيدة كاملة:


بتلِّ نهاكـي رسمُ قبـرٍ كأنـهُ
.................. على جبلٍ فوق الجبال منيفِ(1)
تضمّن مجداً عدْ مليـاً وسؤدداً
................. وهمةَ مقـدامٍ ورأسَ حصيف(2)
فيا شجر الخابورِ مالـكَ مورقا!
............. كأنك لم تحزنْ على ابن طريف
فتى لا يحب الزادَ إلا من التقى
............... ولا المـالَ إلا من قنـاً وسيوف
ولا الذخر إلا كلَّ جرداء صلـدمٍ
.................... مُعـاودةٍ للكرتين صفـوف(3)
كأنك لم تشهـدْ هناك ولم تقـمْ
............. مقاماً على الأعداء غيرَ خفيـف
ولم تستلمْ يوماً لردّ كريهةٍ
.......... من السرْدِ في خضراءَ ذاتِ رفيف(4)
ولم تسعَ يوم الحربِ والحربُ لاقحٌ
.................. . وسمرُ القنا ينكْزنهـا بأنوف(5)
حليفُ الندى ماعاش يرضى به الندى
............. فإن مات لايرضى الندى بحليف
فقدناكَ فُقـدانَ الربيعِ وليتنــا
................... فدينـاكَ مـن فتياننـا بألـوف
وما زال حتى أزهق الموتُ نفسه
.................. شجاً لعدوٍّ أو نجـاً لضعيف(6)
ألا يا لَقومي للنوائـبِ والردى
.................. ودهـرٍ ملـحٍ بالكرام عنيـف
ألا يا لقومي للنوائـب والردى
............... وللأرضِ همّـت بعده برجوف
وللبدرِ من بين الكواكب قد هوى
................. وللشمـس همّتْ بعده بكسوف
وللَيث كـلّ الليـثِ إذ يحملونه
.................... إلى حفـرةٍ ملحودةٍ وسقيـف
ألا قاتلَ اللهُ الحشى حيث أضمرت
............... فتىً كان للمعروف غير عيوف
فإن يكن أرداهُ يزيدُ بـنُ مزيدٍ
................... فربَّ زحوفٍ لفّها بزحـوف(7)
عليـه سـلامُ الله وقْفاً فإننـي
................ أرى الموتَ وقّاعاً بكلِّ شريف

ـــــــــــــ
(1) تل نهاكي: الموضع الذي دفن فيه الوليد بن طريف الشاري
(2) عدملي: نسبة إلى عدمل جد الوليد.
(3) الصلدم: الفرس القوية، والصَّفُوف: الكثيرة اللبن.
(4) السرد: الدرع أو حلق الدرع.
(5) ينكزنها: يغرزنها.
(6) الشجا: عظم يعترض في حلق الإنسان ويكنى به عن الألم.
(7) يزيد بن مزيد: قائد الرشيد في محاربة الخوارج أتباع الوليد.


*تم النقل ـ مع التصرف ـ من كتاب وفيات الأعيان

الجازي
10-03-2013, 16:59
البيت فعلاً جميل


بل هو أجمل مافي القصيدة برأيي


سلمت يداك

روح التميمي
11-03-2013, 10:36
البيت فعلاً جميل


بل هو أجمل مافي القصيدة برأيي


سلمت يداك

أهلا بك يا سيدتي
وشكرا لتفضلك بالتوقيع في سجل الموضوع
ممتن لحضورك ولكلماتك ..
تقبلي تحياتي


rooose2