محمدالمهوس
12-02-2013, 14:58
الخطبة الأولى
الحمد لله نصب الكائنات على ربوبيته وألوهيته أدلةً وحُججاً ، وجعل لمن لاذ به واتقاه من كل همٍّ فرجاً ، ومن كل ضيقٍ مخرجاً . أحمده سبحانه وأشكره شكر عبدٍ تنقل في منازل العبودية بين الإنابة والتوكل ، والرغبة والرهبة ، والخوف والرجاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، به المعتصم وإليه الملتجأ ، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله ، أنزل عليه الكتاب ولم يجعل له عوجا ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه أنوار الهدى ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان واتخذ من سبيلهم منهجا ، إلى يوم الدين .
أمّابعدُ: أيها الناس/ اتقوا الله تعالى حق التقوى ، وتفطنوا ذلك على القلوب والأعظى (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ))
الشمسُ والبدرُ مِنْ أنوارِ حكمتِه **والبرُّ والبحر فيضٌ من عَطاياهُ
الطيرُ سبّحهُ والوحشُ مجَّدَهُ**والموجُ كبَّرَهُ والحوتُ ناجاهُ
والنملُ تحت الصُّخورِ الصُّمِّ قدَّسَه**والنحلُ يَهْتُفُ حَمداً في خلاياهُ
والنّاسُ يَعْصُونَهُ جَهراً فَيَسْتُرُهُمْ **والعبدُ يَنْسَى وَرَبِّي ليْسَ يَنْساهُ
عباد الله / إنّ سياحةَ المرء بعقله, وتدبرَه بفكره, في الآيات القرآنية, ونصوصِ السنة النبوية, تورثُ العبدَ علماً جماً,
وفوائدَ شتّى, بما كان وما سيكون, ناهيك عن آيات الكون الناطقة لله تعالى بالوحدانية(وفي كلِّ شيءٍ له آيةٌ تدلُّ على أنّه الواحدُ)
من هنا كانت نصوصُ الشرع تَنُصُّ وتَحُثُّ في غير موضع, على التفكر والتأمل, كماقال الله تعالى ((إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ))
وقال سبحانه((إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)) فالتّفكرُ في خلق الله تعالى يزيد الإيمانَ في القلب ويقويه ويُرَسّخ اليقين، ويجلب الخشية لله تعالى وتعظيمِه، فإذا تأملت مافي الكون من مخلوقات الله عز وجل ، وهي دون الإنسان في المنزلة, ودونه فيما كرّمه الله به وحباه من مكانةٍ عالية, ومع ذلك فهي أطوعُ لله, وأهدى من كثير من بني آدم, ممن اسْتَنكَفُوا عن طاعة الله كماقال تعالى ((أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)) ولأجل أن نستشعر عبوديتَنا لله تعالى ،ونُعْمِلَ عبادةَ التّفكرِ , نتأملُ كمالَ عبودية بعضِ المخلوقات والجمادات لربِّ الأرضِ والسّموات في أمثلةٍ متنوعة,فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ – رضي الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ ، فَقَالَ: ((مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ ))
قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟
قَالَ : ((الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ ))رواه البخاري ومسلم
فانْظروا – عباد الله - كيف يغار الشجرُ والدّواب, من الرجل الفاجر وعصيانِه لله تعالى, فالمخلوقاتُ كلُّها مُسَبِّحَةٌ لِلّه، كماقال تعالى عنها((تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً)) وقال ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ))هذه المخلوقاتُ تعلم أنه ما ينزل بأهل الأرض من قَحْطٍ وَبلاءٍ, إلا وسببُهُ عِصْيانُ بني آدمَ لربّهِ, وفي المقابل نجد من مخلوقاتِ الله من الدّواب وغيرِها من يَفرحُ بِاسْتقامة بني آدمَ وحبِّهِ ودعوته لهذا الدين , فَتدعوا وتصلى وتستغفر لصالحِ بني آدم, قال صلى الله عليه وسلم ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةُ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتُ فِي الْبَحْرِ لَيُصَلُّونَ (أي يدعون) عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ )) رواه الترمذي وصحّحه الألباني .
بل إن الدواب جميعاً تَفْرُقُ من هول يومِ القيامة, قال النبي صلَّى الله عليه وسلم: (( مَا مِنْ دَابّةٍ إلا وَهِيَ مُصْغِيَةٌ يومَ الجُمُعةِ خَشيةَ أنْ تَقُومَ السّاعَة)) رواه أحمد.
فالهُدْهدُ غار على العقيدة لمّا رأى مَنْ يَسْجدُ لغير الله ،كما قال الله على لسانه ((وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ * أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ )) وهذا هو الديكُ يدعو للخير والفلاح فقال النبي صلَّى الله عليه وسلم عَنْهُ :(( لا تَسُبُّوا الدِّيكَ ، فَإِنَّهُ يَدْعُو إِلَى الصَّلاةِ)) والحديثُ صحّحه الألباني رحمه الله ، وأما النَّجْمُ والشّجرُ فقال اللهُ في شأنِها ((وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ)) وأما الحجرُ والشّجرُ فقد أثْبتَا ولائَهُما لِلمؤمنين, ونُصرتَهُما لدين الله ،قال صلَّى الله عليه وسلم: ((لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ : يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ الحديث )) رواه مسلم
والذئبُ يدعو إلى الإسلام ويُبشّرُ برسالة نبيِّنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم ،فقد روى أبو سعيدٍ الخُدريّ رضي الله عنه أنه قال: عَدَا الذِّئْبُ عَلَى شَاةٍ، فَأَخَذَهَا، فَطَلَبَهُ الرَّاعِي، فَانْتَزَعَهَا مِنْهُ، فَأَقْعَى الذِّئْبُ عَلَى ذَنَبِهِ. قَالَ: أَلاَ تَتَّقِى اللَّهَ، تَنْزِعُ مِنِّي رِزْقاً سَاقُهُ اللَّهُ إِلَيَّ. فَقَالَ: يَا عَجَبِي ذِئْبٌ مُقْعٍ عَلَى ذَنَبِهِ يُكَلِّمُنِي كَلاَمَ الإِنْسِ!فَقَالَ الذِّئْبُ: أَلاَ أُخْبِرُكَ بِأَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ؛مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم بِيَثْرِبَ يُخْبِرُ النَّاسَ بِأَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ.
قَالَ: فَأَقْبَلَ الرَّاعِي يَسُوقُ غَنَمَهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ، فَزَوَاهَا إِلَى زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهَا، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنُودِيَ: الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ لِلرَّاعِي: «أَخْبِرْهُمْ». فَأَخْبَرَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ((صَدَقَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُكَلِّمَ السِّبَاعُ الإِنْسَ، وَيُكَلِّمَ الرَّجُلَ عَذَبَةُ سَوْطِهِ، وَشِرَاكُ نَعَْلِهِ، وَيُخْبِرَهُ فَخِذُهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ))رواه أحمدُ وصحّحه الألباني رحمه الله .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقولُ قولي هذا وأسْتغفرُ اللهَ العظيمَ من كلِّ ذنْبٍ فاسْتغفروهُ وتُوبُوا إليه إنّه هو الْغفورُ الرّحيم .
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ عَلى إحسَانِهِ ، والشُّكرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وامتِنَانِهِ ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تعظِيماً لِشَأنِهِ ، وأشهدُ أنَّ مُحمَداً عبدُهُ ورسولُهُ الدَّاعِي إلى رضوانِهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَعَلى آلهِ وأصحابِهِ وسلّمَ تَسليماً كثيرا .
أما بَعْدُ عباد الله : فَثَمَّ أمّةٌ منَ الأممِ المُسبّحةِ للهِ سبحانَهُ وتَعالى, مَعَ صِغَرِ خَلْقِها, وَهَوانِ شَأْنِها, وَازْدِرَاءِ الْبَشَرِ لها, وهي التي قال اللهُ عنْها ((حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)) بل جعل اللهُ لها سورةً في القرآن من أطْول السِّورِ ،وذكر رسولُ الله صلى الله عليه بأنّها أمّةٌ مُسَبّحةٌ لِلّه ،فعن أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « قَرَصَتْ نَمْلَةٌ نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ ، فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَحْرَقْتَ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ تُسَبِّحُ »رواه البخاري فلا إله إلا الله وصدق الله القائل ((تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا )) هذا وصلّوا وسَلّمُوا على صاحبِ الْحَوْضِ الْمَوْرُودِ واللّواءِ الْمَعْقُودِ ، نَبِيِّكم مُحمّدٍ صلى الله عليه وسلّم ، فقد أمركم اللهُ بالصّلاة والسّلام عليه ، فقال تعالى ((إنّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصلُّونَ عَلى النّبي يَا أيّها الّذينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ))
الحمد لله نصب الكائنات على ربوبيته وألوهيته أدلةً وحُججاً ، وجعل لمن لاذ به واتقاه من كل همٍّ فرجاً ، ومن كل ضيقٍ مخرجاً . أحمده سبحانه وأشكره شكر عبدٍ تنقل في منازل العبودية بين الإنابة والتوكل ، والرغبة والرهبة ، والخوف والرجاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، به المعتصم وإليه الملتجأ ، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله ، أنزل عليه الكتاب ولم يجعل له عوجا ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه أنوار الهدى ، والتابعين ومن تبعهم بإحسان واتخذ من سبيلهم منهجا ، إلى يوم الدين .
أمّابعدُ: أيها الناس/ اتقوا الله تعالى حق التقوى ، وتفطنوا ذلك على القلوب والأعظى (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ))
الشمسُ والبدرُ مِنْ أنوارِ حكمتِه **والبرُّ والبحر فيضٌ من عَطاياهُ
الطيرُ سبّحهُ والوحشُ مجَّدَهُ**والموجُ كبَّرَهُ والحوتُ ناجاهُ
والنملُ تحت الصُّخورِ الصُّمِّ قدَّسَه**والنحلُ يَهْتُفُ حَمداً في خلاياهُ
والنّاسُ يَعْصُونَهُ جَهراً فَيَسْتُرُهُمْ **والعبدُ يَنْسَى وَرَبِّي ليْسَ يَنْساهُ
عباد الله / إنّ سياحةَ المرء بعقله, وتدبرَه بفكره, في الآيات القرآنية, ونصوصِ السنة النبوية, تورثُ العبدَ علماً جماً,
وفوائدَ شتّى, بما كان وما سيكون, ناهيك عن آيات الكون الناطقة لله تعالى بالوحدانية(وفي كلِّ شيءٍ له آيةٌ تدلُّ على أنّه الواحدُ)
من هنا كانت نصوصُ الشرع تَنُصُّ وتَحُثُّ في غير موضع, على التفكر والتأمل, كماقال الله تعالى ((إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ))
وقال سبحانه((إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)) فالتّفكرُ في خلق الله تعالى يزيد الإيمانَ في القلب ويقويه ويُرَسّخ اليقين، ويجلب الخشية لله تعالى وتعظيمِه، فإذا تأملت مافي الكون من مخلوقات الله عز وجل ، وهي دون الإنسان في المنزلة, ودونه فيما كرّمه الله به وحباه من مكانةٍ عالية, ومع ذلك فهي أطوعُ لله, وأهدى من كثير من بني آدم, ممن اسْتَنكَفُوا عن طاعة الله كماقال تعالى ((أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)) ولأجل أن نستشعر عبوديتَنا لله تعالى ،ونُعْمِلَ عبادةَ التّفكرِ , نتأملُ كمالَ عبودية بعضِ المخلوقات والجمادات لربِّ الأرضِ والسّموات في أمثلةٍ متنوعة,فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ – رضي الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ ، فَقَالَ: ((مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ ))
قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟
قَالَ : ((الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ ))رواه البخاري ومسلم
فانْظروا – عباد الله - كيف يغار الشجرُ والدّواب, من الرجل الفاجر وعصيانِه لله تعالى, فالمخلوقاتُ كلُّها مُسَبِّحَةٌ لِلّه، كماقال تعالى عنها((تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً)) وقال ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ))هذه المخلوقاتُ تعلم أنه ما ينزل بأهل الأرض من قَحْطٍ وَبلاءٍ, إلا وسببُهُ عِصْيانُ بني آدمَ لربّهِ, وفي المقابل نجد من مخلوقاتِ الله من الدّواب وغيرِها من يَفرحُ بِاسْتقامة بني آدمَ وحبِّهِ ودعوته لهذا الدين , فَتدعوا وتصلى وتستغفر لصالحِ بني آدم, قال صلى الله عليه وسلم ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةُ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتُ فِي الْبَحْرِ لَيُصَلُّونَ (أي يدعون) عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ )) رواه الترمذي وصحّحه الألباني .
بل إن الدواب جميعاً تَفْرُقُ من هول يومِ القيامة, قال النبي صلَّى الله عليه وسلم: (( مَا مِنْ دَابّةٍ إلا وَهِيَ مُصْغِيَةٌ يومَ الجُمُعةِ خَشيةَ أنْ تَقُومَ السّاعَة)) رواه أحمد.
فالهُدْهدُ غار على العقيدة لمّا رأى مَنْ يَسْجدُ لغير الله ،كما قال الله على لسانه ((وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ * أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ )) وهذا هو الديكُ يدعو للخير والفلاح فقال النبي صلَّى الله عليه وسلم عَنْهُ :(( لا تَسُبُّوا الدِّيكَ ، فَإِنَّهُ يَدْعُو إِلَى الصَّلاةِ)) والحديثُ صحّحه الألباني رحمه الله ، وأما النَّجْمُ والشّجرُ فقال اللهُ في شأنِها ((وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ)) وأما الحجرُ والشّجرُ فقد أثْبتَا ولائَهُما لِلمؤمنين, ونُصرتَهُما لدين الله ،قال صلَّى الله عليه وسلم: ((لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ : يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ الحديث )) رواه مسلم
والذئبُ يدعو إلى الإسلام ويُبشّرُ برسالة نبيِّنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم ،فقد روى أبو سعيدٍ الخُدريّ رضي الله عنه أنه قال: عَدَا الذِّئْبُ عَلَى شَاةٍ، فَأَخَذَهَا، فَطَلَبَهُ الرَّاعِي، فَانْتَزَعَهَا مِنْهُ، فَأَقْعَى الذِّئْبُ عَلَى ذَنَبِهِ. قَالَ: أَلاَ تَتَّقِى اللَّهَ، تَنْزِعُ مِنِّي رِزْقاً سَاقُهُ اللَّهُ إِلَيَّ. فَقَالَ: يَا عَجَبِي ذِئْبٌ مُقْعٍ عَلَى ذَنَبِهِ يُكَلِّمُنِي كَلاَمَ الإِنْسِ!فَقَالَ الذِّئْبُ: أَلاَ أُخْبِرُكَ بِأَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ؛مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم بِيَثْرِبَ يُخْبِرُ النَّاسَ بِأَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ.
قَالَ: فَأَقْبَلَ الرَّاعِي يَسُوقُ غَنَمَهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ، فَزَوَاهَا إِلَى زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهَا، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنُودِيَ: الصَّلاَةُ جَامِعَةٌ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ لِلرَّاعِي: «أَخْبِرْهُمْ». فَأَخْبَرَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ((صَدَقَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُكَلِّمَ السِّبَاعُ الإِنْسَ، وَيُكَلِّمَ الرَّجُلَ عَذَبَةُ سَوْطِهِ، وَشِرَاكُ نَعَْلِهِ، وَيُخْبِرَهُ فَخِذُهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ))رواه أحمدُ وصحّحه الألباني رحمه الله .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقولُ قولي هذا وأسْتغفرُ اللهَ العظيمَ من كلِّ ذنْبٍ فاسْتغفروهُ وتُوبُوا إليه إنّه هو الْغفورُ الرّحيم .
الخطبة الثانية
الحَمْدُ للهِ عَلى إحسَانِهِ ، والشُّكرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وامتِنَانِهِ ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تعظِيماً لِشَأنِهِ ، وأشهدُ أنَّ مُحمَداً عبدُهُ ورسولُهُ الدَّاعِي إلى رضوانِهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَعَلى آلهِ وأصحابِهِ وسلّمَ تَسليماً كثيرا .
أما بَعْدُ عباد الله : فَثَمَّ أمّةٌ منَ الأممِ المُسبّحةِ للهِ سبحانَهُ وتَعالى, مَعَ صِغَرِ خَلْقِها, وَهَوانِ شَأْنِها, وَازْدِرَاءِ الْبَشَرِ لها, وهي التي قال اللهُ عنْها ((حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)) بل جعل اللهُ لها سورةً في القرآن من أطْول السِّورِ ،وذكر رسولُ الله صلى الله عليه بأنّها أمّةٌ مُسَبّحةٌ لِلّه ،فعن أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « قَرَصَتْ نَمْلَةٌ نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ ، فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَحْرَقْتَ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ تُسَبِّحُ »رواه البخاري فلا إله إلا الله وصدق الله القائل ((تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا )) هذا وصلّوا وسَلّمُوا على صاحبِ الْحَوْضِ الْمَوْرُودِ واللّواءِ الْمَعْقُودِ ، نَبِيِّكم مُحمّدٍ صلى الله عليه وسلّم ، فقد أمركم اللهُ بالصّلاة والسّلام عليه ، فقال تعالى ((إنّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصلُّونَ عَلى النّبي يَا أيّها الّذينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ))