المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ( احذر عدوك !! ) خطبة الجمعة القادمة 1434/3/20



محمدالمهوس
30-01-2013, 19:31
الخطبة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله المتعالي في مجده ومُلكِه، أحمدُه سبحانه وأشكرُه، وأتوبُ إليه وأستغفرُه، وأعوذ بالله من شرور أنفسِنا، ومن سيئات أعمالنا، ومن شرّ الشيطان ِوشركهِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه، بعثه بالهدى ودينِ الحقِّ ليُِظْهِرَهُ على الدين كلِّه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الناس/ اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ))
عباد الله / عداوةٌ قائمة إلى قيام الساعة ، وحربٌ ضَروس نهايتها إما إلى جنة عالية وإما إلى نارٍ تلظى ؛ هذه الحربُ والعداوة أعلنها قائدُها بقول الله على لسانه ((لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ))
نعم - عباد الله - عداوة وحرب بين إبليس وبني آدم والذي حذرهم الله تعالى من شره وخطواتِه فقال ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ))
مارسَ إبليسُ كيدَه وفتنته مبتدئاً بالأبوين الكريمين ، دافِعُه الغيظَ والحسد كما قال تعالى ((يَـٰبَنِى آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مّنَ ٱلْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا ٱلشَّيَـٰطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ)) ]الأعراف:27 [
فتنةٌ عظمى، وبليّةٌ كُبرى حين يعْظُمُ سلطانُ إبليس فيستفزُّ القلوبَ والعقول والمشاعر في معركة صاخبةٍ تزمجر فيها الأصوات، وفيها إجلابُ الخيل والرجال للمبارزات ((وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِى ٱلاْمْوٰلِ وَٱلأولَـٰدِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ إِلاَّ غُرُورًا ))
فالوسوسةُ صنعه وشُغلُه وطريقتُه لإضلال بني آدم، يرمِي بها من أطاعَه بالشُّكوك والأوهام والظُّنون، ويقذِفُه في الهواجِسِ والخيالات، ويُردِيه في حالةٍ من الاضطرابِ والارتِياب، ويدفعُه إلى التكلُّف والتشدُّد والتنطُّع، والغلوِّ والزيادة على القدر المشروع.
ومن سلاحه: ما يُلقِيه من التشكيك والتضليلِ في كيفيَّة الخلق والبعث والاستِواء والعرشِ وغيرِها من قضايا الإيمان؛ فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يأتي الشيطانُ أحدَكم فيقولُ: من خلقَ كذا؟ من خلقَ كذا؟ حتى يقولَ: من خلقَ ربَّك؟ فإذا بلغَ ذلك فليستعِذ بالله ولينتَهِ» متفق عليه، وفي لفظٍ لمُسلم: «فمن وجدَ من ذلك شيئًا فليقُل: آمنتُ بالله».
وتترقّى خطواتُه التي يستدرج فيها ابنَ آدم حتى يتَّخذَه معبوداً له من دون الله عياذاً بالله كما قال تعالى ((أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يبَنِى ءادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَـٰنَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ)) وقال صلى الله عليه وسلم (( إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ, فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الإِسْلَامِ؛ فَقَالَ: تُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ وَآبَاءِ أَبِيكَ؟ فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ, ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ, فَقَالَ: تُهَاجِرُ وَتَدَعُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ؟ وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ, فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ, ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ, فَقَالَ: تُجَاهِدُ فَهُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالْمَالِ, فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ, فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ, وَيُقْسَمُ الْمَالُ, فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ, وَمَنْ قُتِلَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ, وَإِنْ غَرِقَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ, أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ )) أخرجه الإمام أحمد وصححه الألباني .
نعم – عباد الله - يسلكُ بالمسلم قبل أن يُوقِعَهُ في الكفر مسالكَ أخرى من خطواتِ البدع والأهواء والشبهات والشهوات.
يوقع المرءَ بالكبائر تارة، ويهوّن عليه الصغائرَ تارةً أخرى، فإن لم يُفلح في هذا ولا ذاك شغله بالمباحات وحثّه على التزوّد منها، حتى يؤثر بذلك على كثير من الواجبات، ومن ثم يشغله بالمفضول من الأعمال حتى لا يقوم بالفاضل ، وقلّ من الناس من يتنبه لهذا فإن الشيطان قد يأمر بألف باب من الخير ليتوصّل إلى باب واحد من الشرّ، فليتنَبَّه لذلك الصالحون.
عباد الله / إن الشيطان حريص في دعوته، يتدرج في المضمون، يأخذ الإنسان خطوة خطوة ويتدرّج به إلى أن يصل إلى هدفه، وهو يدخل على كل نوعية من الناس بالطريقة التي تناسبها، يدخل على الزاهد بطريقة الزهد، وعلى العالم من باب العلم، وعلى الجاهل من باب الجهل، وعلى المحتسب من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومداخل الشيطان على العباد كثيرة يصعب حصرها، ولكن له أبواب أساسية يدخل منها على الإنسان، فالغضب والشهوة والرغبة والرهبة من أوسع أبواب مداخل الشيطان على الإنسان.
يقول سفيان الثوري: "ليس للشيطان سلاحٌ على الإنسان مثل خوف الفقر، فإذا وقع في قلب الإنسان منَعَ الحقَّ وتكلّم بالهوى وظنّ بربه ظنَّ السوء". ((الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ)) أي: البخل، ((وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ))
ومن سلاحِه : الأمانيُّ ((يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا)) ويدخلُ في ذلك التسويفُ والتأجيل وطول الأمل،
اللهم إن إبليس عبد من عبيدك ناصيته بيدك يرانا من حيث لا نراه وأنت تراه من حيث لا يراك، اللهم إن أرادنا بكيد فاردده، وإن أرادنا بسوء فاصرفه، ندرأ بك اللهم في نحره، ونعوذ بك اللهم من شره.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ؛ فاستغفروه، إنه كان للأوابين غفورًا.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد : عباد الله / فالشيطانُ لا يُوقّرُ أحدًا، وما من أحد مُعْفَى من مكائده ووساوسه، فهو يجري من ابن آدم مجرى الدم، فإياكم أن يفوزَ بالاستحواذ عليكم ولو زخرف لكم القولَ ولو أظهر لكم النصح ,وعداوةُ الشيطانِ وكيدُه ومكرُه بين الله حقيقتَها لأهل الإيمان بقوله ((إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)) وبقوله ((إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْغَاوِينَ)) وذلك ياعباد الله أن المؤمن قد يَزلّ ويُخطئ !لكن سرعان ما يلوذُ بربه ويلجأ إلى ذكره ويتوب إليه من قريب فيندحر شيطانُه ((إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)) صلتُهم بالله وثيقة تعصمهم من الانسياق مع عدوِّ الله ((وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ))
فالإيمانُ بالله والتوكلُ عليه وحدَه يحمي الإنسانَ من الشيطان، ((إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)) وكذلك التحصنُ بالعلم الشرعي من مصادره الصحيحة والإخلاصُ لله وتعاهدُ ذلك كلَّ حينٍ ووقت، فإن المخلصين لا سبيل للشيطان إليهم، فقد استثناهم فقال:((إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ)) كما ذكر الله عنه.
وكذلك ذكرُ الله والاستعاذةُ من همزات الشياطين وقراءةُ المعوذتين، فقد ورد أنهما تمنعان من الشيطان، وكذلك قراءة آية الكرسي، فمن قرأها فلا يزال عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان، وذلك قبل النوم، وكذلك في أدبار الصلوات، وقول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" مائة مرة فهي حرز من الشيطان سائر اليوم لمن حافظ عليها كما في صحيح مسلم.
اللهم أصلح فساد قلوبنا، وردنا إليك ردًا جميلاً، اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئًا ونحن نعلمه، ونعوذ بك مما لا نعلمه...
هذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا – رَحِمَنِي اللهُ وَإِيّاكُم – على مَنْ أَمَرَ اللهُ باِلصّلاةِ والسّلامِ عَلَيْهِ ، فَقَال : إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا وقال ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى الله ُعَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا )) [ رواه مسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه ]اللّهم صَلّي وَسَلّم على عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحمّد ، وعلى آلِه وَصَحْبهِ أَجْمَعِينَ ، وارضَ اللّهُمَّ عن الخلفاء الراشدينَ : أبي بكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ وَعَلي ، وعن بقيةِ الْعَشَرَةِ المبشرينَ بالجنة ، وعن صحابة رسولِكَ أجْمَعينَ ، وعَنِ التابعينَ وتابعيـهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين ، وعنّا مَعَهُم بِرحمتـكَ يا أرْحم الراحمين .