الشيخ/عبدالله السالم
27-12-2012, 10:57
الحمدُ للهِ الذي اهتدى بهديه ورحمتِهِ المهتدون ، وضلَّ بعدلِهِ وحكمتِهِ الضالون ، ( لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له ، وأشهد أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ ، بلّغَ الرسالةَ ، وأدّى الأمانةَ ، ونصحَ الأمّةَ ، وجاهدَ في اللهِ حقَّ جهادِهِ ، وتركَنا على المحجّةِ البيضاءِ ، ليلُها كنهارِها ، لا يزيغُ عنها إلا هالكٌ . صلى اللهُ عليه ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ وأتباعِهِ ، وسلّمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ الدينِ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) ( يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ،يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) أما بعد :أيها الأحبةُ في اللهِ: الحياةُ الدنيا مليئةٌ بالمحنِ والمتاعبِ ، ومليئةٌ بالبلايا والرزايا ، والشدائدِ والنكباتِ ، إن صَفتْ يوماً كَدَّ رَتْ أياماً ، وإن أضحَكَتْ ساعةً أبكَتْ ساعاتٍ ،
مَيَّزتُ بين جَمَالِهــا وفِعالِهــا
فإذا الْمَلاحـةُ بالقباحــةِ لا تفي
حَلَفَتْ لنا أن لا تَخُـونَ عُهودَنـا
فكأنَّمَـا حَلَفـتْ لنا أن لا تَفِـي
هذي هي الدُنيا ، ماتدومُ على حالٍ ، ولن تصفوَ من غيرِ كدرٍ ..ولن تحلوَ من غيرِ ألمٍ أو مرارةٍ ، يقولُ الكبيرُ المُتعالِ ( وَتِلْكَ ٱلاْيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ ) فقرٌ وغنى ، وعافيةٌ وبلاءٌ ، وصحةٌ ومرضٌ وعزٌّ وذلٌ ، فهذا مصابٌ بالعللِ والأسقامِ ، وذاك مصابٌ بعقوقِ الأبناءِ ، وهذا مصابٌ بسوءِ خلقِ زوجتِهِ وسوءِ عشرتِها، وتلك مصابةٌ بزوجٍ سيءِ الأخلاقِ ،سيءِ العشرةِ ، وثالثٌ مصابٌ بكسادِ تجارتِهِ ، ورابِعٌ مصاب ٌبِسوءِ معاملةِ الجيرانِ ، وهكذا : إلى نهايةِ سلسلةِ الآلامِ ، التي لا تقفُ عند حدٍّ، ولا يحصيها عدٌّ ، والتقلبُ بينَ الشدةِ والرخاءِ ، حالٌ يعيشُها أهلُ هذه الدنيا .. فلهم أيامٌ شديدةٌ تضيقُ عليهم بها ، ويصبحُ ذلك الأفقُ الفسيحُ أضيقَ في أعينِهِم من سمِّ الخياطِ ..، ولهم فيها أيامٌ يتقلبونَ فيها في الرخاءِ وسعةِ العيشِ، ولكنَّها ممزوجٌةٌ بالنَّغصِ والغُصَصِ .. موعودَةٌ بالفناءِ والانقضاءِ .. فلا تدومُ الدنيا على حالٍ .. وتلك سجيةُ هذه الدارِ.
جُبلتْ على كدرٍ وأنتَ تُرِيدُهــا
صفوًا من الأقـذاءِ والأكــدارِ
ومكلفُ الأيامِ ضدَّ طباعِهــا
متطلبٌ في الماءِ جذوةَ نـــارِ
ولا يُزيلُ هذه الآلامَ ، ويَكشِفُ هذه الكروبَ ، إلا اللهُ علامُ الغيوبِ الذي ( يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ) ، والمسلمُ حالُهُ في البأساءِ ، الصبرُ والإنابةُ إلى اللهِ ، يتوسلُ بالأسبابِ الموصلةِ إلى كشفِ المكروهِ ، لا يَستَكِينُ للحادثاتِ ، ولا يضعُفُ أمامَ الْمُلِمَاتِ ، يُحاولُ التخلصَ منها في حَزمِ الأقوياءِ ، وعَزيمةِ الأصفياءِ ، قُدوتُهُ في ذلك سيدُ المرسلينَ ، وإمامُ الصابرينَ ، فقد حلَّ به e وبأصحابِهِ الكرامِ ،من الشدائدِ والمحنِ والابتلاءِ ، ما تُقَشْعِرُّ مِنهُ الأبدانُ ، فما وَهنُوا، وما ضَعُفوا، وما استكَانوا، بل قابَلُوا تلك الخطوبَ ، بالصبرِ والثباتِ ، ومن هنا .. أيها الأخوةُ في الله .. أوجهُ حديثًا .. إلى ذاك الذي اجتمعتْ عليه الهمومُ .. وصاحبتهُ شدةٌ طالَ عليه أمدُها .. ولازمتهُ كربةٌ أُحْكِمَتْ عليه حَلقَاتُها .. ونظرَ إلى أيامِهِ فرأى بعضَها يُرَقِقُ بعضًا .. يعيشُ في أرضٍ يَعرِفُها ، ولكنَّهُ غريبٌ عنها ، بهمومِهِ وأحزانِهِ .. ويسكنُ في دارٍ فسيحةِ الأرجاءِ ، ولكنَّها تبدو في عينِهِ ،مع جَمَالِها وسِعَتِها كُوخًا صغيرًا ، عاثَ الزمانُ به ، فأبلى أخشابَهَ ، وقَيّضَ أركانَهُ ، لا يَهنأُ بِطُعمَةٍ شهيةٍ ، أو شَربةٍ هنيةٍ، ولسانُ حالِهِ يقولُ:
عجبًا للزمـانِ في حَالَتَيـِهِ ولأمْرٍ دُفعـتُ منه إليـهِ
رُبَّ يومٍ بكيتُ منه فلمـا صرتُ في غيرِهِ بكيتُ عليـهِ
إلى ذاك الّذي طالَ به البلاءُ ، فَتَربعَ اليأسُ في قلبِهِ وجثمتْ الغُمُومُ ، على نفسِهِ ..إليه . ليعلمَ ، أنَهُ ليس وحيدَ الحالِ ، ولا فردَ الطريقِ ، بل الشدةُ والبلاءُ ، طريقٌ سارَ فيه الأنبياءُ ، وسلكَهُ الصالحون الأولياءُ .. فتمحصتْ القلوبُ ، وعادتْ نقيةً لا شائبةَ فيها ، تأملْ في حياةِ الأنبياءِ عليهم الصلاةُ والسلامُ .. كيف كانتْ تتعاقبُ عليهم الشدائدُ . وتتوالى عليهم الابتلاءاتُ ،وهم أكرمُ الخلقِ على اللهِ تعالى ،وتأمّلْ فقط في قِصَّةِ أيوبَ عليه السلامُ، الَّذي كانَ ذا مالٍ وأهلٍ وولدٍ ، صحيحَ البدنِ سليمَ الأعضاءِ ، فابتلاهُ اللهُ ..فسلبَ ذلك كلَّهُ، وداهمَهُ المرضُ من كلِّ صوبٍ ، يتقلبُ فيه ثمانيَ عشرةَ سنةً، فصبرَ واحتسبَ، حتى أتاه الغوثُ والفرجُ ،يقولُ تعالى ( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنّى مَسَّنِىَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ * فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرّ وَءاتَيْنَـٰهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَـٰبِدِينَ ) فيأخي المسلمُ لا تجزعْ مما أصابَكَ ، ولا تحزنْ ، فإن ذلك لا يَرُدُّ فائتاً، ولا يَدفَعُ واقِعاً ، فاتركْ الحزنَ والهمَّ ، وكنْ مُستَعيناً باللهِ متوكلاً عليه ، وخُذْ من الأسبابِ ما يُفرِّجُ كُرَبَكَ ، ويُذهبُ همَّكَ ، من تقوى اللهِ عز وجل ، والإنابةِ إليه ، والتوكلِ عليه ، والتَعَرُفِ إليه في الرخاءِ ، قال تعالى: ( وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ ٱللَّهَ بَـٰلِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلّ شَىْء قَدْراً ) يقولُ أبو الدرداءِ رضي الله عنه : إن من شأنِهِ سبحانه أن يغفرَ ذنباً، ويَكْشِفَ كَرباً ، ويرفعَ أقواماً ، ويَضعَ آخرين ، ومَهْمَا اشتدَّ البلاءُ ، فإن الفرجَ يَعْقبُهُ . ومهما قَويَ العُسرُ فإن اليُسرَ يَغلِبُهُ (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) ويقولُ المصطفى e{ وأنَّ الفرجَ مع الكربِ ، وإنَّ مع العسرِ يسراً }ويقولُ عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رضي الله عنه: لو دخلَ العسرُ في جُحْرٍ ، لجاءَ اليسرُ حتى يَدخُلَ عليه ؛ لأن اللهَ تعالى يقولُ : ( إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً ).
ضاقتْ فلما استحكمتْ حلقاتُها فُرجتْ وكنتُ أظنُّها لا تفرجُ
بارك الله لي ولكم في القران العظيم ،
الحمد لله على إحسانه ، والشكرله على توفيقهِ وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وحدهُ لا شريكَ لهُ ، تعظيماً لشانه ، وأشهد أنَّ نبينا محمّداً عبده ورسولُه ، الدّاعي إلى رضوانه ، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأعوانه ، وسلّم تسليماً مزيداً ، أيها الأخ ُالمكــروبُ:-إليك هذه الوصايا .. وأنت تعالجُ شدتَكَ وضيقَكَ ، أسوقُها إليكَ من النبعِ الصافي .. لتكونَ نبراسًا لك في حياتِكَ .. ولتنفتحَ أمامَكَ سبلُ الأملِ القريبِ، ولتعلمَ أن الأمرَ دونَ ما تقاسي .. والفرجَ أقربُ إليك من شراكِ نعلِكَ ، فأوصيكَ أولاً بتقوى اللهِ تعالى ... فهي مخرجٌ من الشدائدِ والكرباتِ كما قال سبحانــه: (وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ) وأكثرْ من قولِ [لا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ]وعليك بالاستغفارِ، فإنه سببٌ لتفريجِ الكروبِ ، وإزالةِ الغمومِ قال تعالى: ( فَٱسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبّى قَرِيبٌ مُّجِيبٌ ) ويقول تعالى ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً) وجاءَ عن المعصومِ e قولُهُ: { من لزمَ الاستغفارَ – أو أكثرَ من الاستغفارِ – جعلَ اللهُ له من كلِّ همٍّ فرجاً، ومن كلِّ ضيقٍ مخرجاً، ويرزقُهُ من حيثُ لا يحتسبُ } ثم عليكَ بالدعاءِ فإن به تفريجَ الكروبِ والهمومِ.(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ)وعليك الأدعيةِ التي وردتْ عن الحبيبِ e ، فإن فِيها ذهابَ الهمومِ والغمومِ ، ومن ذلك قولُهُ e : {لا إلهَ إلا اللهُ العظيمُ الحليمْ ، لا إلهَ إلا اللهُ ربُّ العرشِ العظيمْ ، لا إلهَ إلا اللهُ ربُّ السمواتِ وربُّ العرشِ الكريمْ ، لا إلهَ إلا اللهُ الحليمُ الكريمْ } [متفق عليه].وأخرجَ أحمدُ بسندِهِ عن النبيِّ e أنه قالَ : {دعوةُ ذي النونِ عليه السلامُ إذ هو في بطنِ الحوتِ: لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَكَ إني كنتُ من الظالمينَ ، لم يدعُ بها مسلمٌ ربَّهُ في شيءٍ قطٌّ ، إلا استجابَ له } واعلم يقيناً ، أن الَّذي يكشفُ البلوى هو اللهُ، فاعتصمْ به ، واعتمدْ عليه ، اللهم صلِ وسلّم وباركْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمّدٍ ، صاحبِ الوجهِ الأنورِ ، والجبينِ الأزهرِ ، الشافعِ المُشَّفَعِ في المحشرِ ، وارضَ اللهم عن الخلفاءِ ، الأءمةِ الحنفاءِ، أبي بكرٍ وعمرَ ، وعثمانَ وعلي وعن سائِرِ أصحابِ نبيّك أجمعين ، وعن التابعين ، وتابعيهم بِإحسانٍ إلى يومِ الدّينِ ، وعنّا معهم ، بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ ، يا أرحم الراحمين ، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين ، واحمِ حوزة الدين ، واجعل هذا البلد رخاءً سخاءً ، وسائر بلاد المسلمين يا ربَّ العالمين ، وآمِنًّا في دورنا ، وأصلح أءمتنا وولاة أُمورنا ، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك ، واتبع رضاك ، برحمتك يا أرحم الرحمين ، اللهم عليك باليهود الحاقدين ، والنصارى المُعتدين ، اللهم عليك بهم فإنّهم لا يُعجزونك ، اللهم زلزل الأرض من تحتهم ، وصُبَّ عليهم العذاب من فوقهم ، واقذف الرعب في قلوبهم ، واجعلهم عبرةً للمُعتَبرين ، اللهم أرنا فيهم يوماً كيومِ عادٍ وثمود ، اللهم احصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تُغادر منهم أحدا ، إنك على ذالك قدير وبالإجابة جدير ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنيين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، اللهم ربنا ( آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) عباد الله ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) فاذكروا الله العظيم الجليل يذكرْكم ، واشكروهُ على نعمه يزدْكم ولذكر الله أكبر والله والله يعلم ما تصنعون
مَيَّزتُ بين جَمَالِهــا وفِعالِهــا
فإذا الْمَلاحـةُ بالقباحــةِ لا تفي
حَلَفَتْ لنا أن لا تَخُـونَ عُهودَنـا
فكأنَّمَـا حَلَفـتْ لنا أن لا تَفِـي
هذي هي الدُنيا ، ماتدومُ على حالٍ ، ولن تصفوَ من غيرِ كدرٍ ..ولن تحلوَ من غيرِ ألمٍ أو مرارةٍ ، يقولُ الكبيرُ المُتعالِ ( وَتِلْكَ ٱلاْيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ ) فقرٌ وغنى ، وعافيةٌ وبلاءٌ ، وصحةٌ ومرضٌ وعزٌّ وذلٌ ، فهذا مصابٌ بالعللِ والأسقامِ ، وذاك مصابٌ بعقوقِ الأبناءِ ، وهذا مصابٌ بسوءِ خلقِ زوجتِهِ وسوءِ عشرتِها، وتلك مصابةٌ بزوجٍ سيءِ الأخلاقِ ،سيءِ العشرةِ ، وثالثٌ مصابٌ بكسادِ تجارتِهِ ، ورابِعٌ مصاب ٌبِسوءِ معاملةِ الجيرانِ ، وهكذا : إلى نهايةِ سلسلةِ الآلامِ ، التي لا تقفُ عند حدٍّ، ولا يحصيها عدٌّ ، والتقلبُ بينَ الشدةِ والرخاءِ ، حالٌ يعيشُها أهلُ هذه الدنيا .. فلهم أيامٌ شديدةٌ تضيقُ عليهم بها ، ويصبحُ ذلك الأفقُ الفسيحُ أضيقَ في أعينِهِم من سمِّ الخياطِ ..، ولهم فيها أيامٌ يتقلبونَ فيها في الرخاءِ وسعةِ العيشِ، ولكنَّها ممزوجٌةٌ بالنَّغصِ والغُصَصِ .. موعودَةٌ بالفناءِ والانقضاءِ .. فلا تدومُ الدنيا على حالٍ .. وتلك سجيةُ هذه الدارِ.
جُبلتْ على كدرٍ وأنتَ تُرِيدُهــا
صفوًا من الأقـذاءِ والأكــدارِ
ومكلفُ الأيامِ ضدَّ طباعِهــا
متطلبٌ في الماءِ جذوةَ نـــارِ
ولا يُزيلُ هذه الآلامَ ، ويَكشِفُ هذه الكروبَ ، إلا اللهُ علامُ الغيوبِ الذي ( يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ) ، والمسلمُ حالُهُ في البأساءِ ، الصبرُ والإنابةُ إلى اللهِ ، يتوسلُ بالأسبابِ الموصلةِ إلى كشفِ المكروهِ ، لا يَستَكِينُ للحادثاتِ ، ولا يضعُفُ أمامَ الْمُلِمَاتِ ، يُحاولُ التخلصَ منها في حَزمِ الأقوياءِ ، وعَزيمةِ الأصفياءِ ، قُدوتُهُ في ذلك سيدُ المرسلينَ ، وإمامُ الصابرينَ ، فقد حلَّ به e وبأصحابِهِ الكرامِ ،من الشدائدِ والمحنِ والابتلاءِ ، ما تُقَشْعِرُّ مِنهُ الأبدانُ ، فما وَهنُوا، وما ضَعُفوا، وما استكَانوا، بل قابَلُوا تلك الخطوبَ ، بالصبرِ والثباتِ ، ومن هنا .. أيها الأخوةُ في الله .. أوجهُ حديثًا .. إلى ذاك الذي اجتمعتْ عليه الهمومُ .. وصاحبتهُ شدةٌ طالَ عليه أمدُها .. ولازمتهُ كربةٌ أُحْكِمَتْ عليه حَلقَاتُها .. ونظرَ إلى أيامِهِ فرأى بعضَها يُرَقِقُ بعضًا .. يعيشُ في أرضٍ يَعرِفُها ، ولكنَّهُ غريبٌ عنها ، بهمومِهِ وأحزانِهِ .. ويسكنُ في دارٍ فسيحةِ الأرجاءِ ، ولكنَّها تبدو في عينِهِ ،مع جَمَالِها وسِعَتِها كُوخًا صغيرًا ، عاثَ الزمانُ به ، فأبلى أخشابَهَ ، وقَيّضَ أركانَهُ ، لا يَهنأُ بِطُعمَةٍ شهيةٍ ، أو شَربةٍ هنيةٍ، ولسانُ حالِهِ يقولُ:
عجبًا للزمـانِ في حَالَتَيـِهِ ولأمْرٍ دُفعـتُ منه إليـهِ
رُبَّ يومٍ بكيتُ منه فلمـا صرتُ في غيرِهِ بكيتُ عليـهِ
إلى ذاك الّذي طالَ به البلاءُ ، فَتَربعَ اليأسُ في قلبِهِ وجثمتْ الغُمُومُ ، على نفسِهِ ..إليه . ليعلمَ ، أنَهُ ليس وحيدَ الحالِ ، ولا فردَ الطريقِ ، بل الشدةُ والبلاءُ ، طريقٌ سارَ فيه الأنبياءُ ، وسلكَهُ الصالحون الأولياءُ .. فتمحصتْ القلوبُ ، وعادتْ نقيةً لا شائبةَ فيها ، تأملْ في حياةِ الأنبياءِ عليهم الصلاةُ والسلامُ .. كيف كانتْ تتعاقبُ عليهم الشدائدُ . وتتوالى عليهم الابتلاءاتُ ،وهم أكرمُ الخلقِ على اللهِ تعالى ،وتأمّلْ فقط في قِصَّةِ أيوبَ عليه السلامُ، الَّذي كانَ ذا مالٍ وأهلٍ وولدٍ ، صحيحَ البدنِ سليمَ الأعضاءِ ، فابتلاهُ اللهُ ..فسلبَ ذلك كلَّهُ، وداهمَهُ المرضُ من كلِّ صوبٍ ، يتقلبُ فيه ثمانيَ عشرةَ سنةً، فصبرَ واحتسبَ، حتى أتاه الغوثُ والفرجُ ،يقولُ تعالى ( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنّى مَسَّنِىَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ * فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرّ وَءاتَيْنَـٰهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَـٰبِدِينَ ) فيأخي المسلمُ لا تجزعْ مما أصابَكَ ، ولا تحزنْ ، فإن ذلك لا يَرُدُّ فائتاً، ولا يَدفَعُ واقِعاً ، فاتركْ الحزنَ والهمَّ ، وكنْ مُستَعيناً باللهِ متوكلاً عليه ، وخُذْ من الأسبابِ ما يُفرِّجُ كُرَبَكَ ، ويُذهبُ همَّكَ ، من تقوى اللهِ عز وجل ، والإنابةِ إليه ، والتوكلِ عليه ، والتَعَرُفِ إليه في الرخاءِ ، قال تعالى: ( وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ ٱللَّهَ بَـٰلِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلّ شَىْء قَدْراً ) يقولُ أبو الدرداءِ رضي الله عنه : إن من شأنِهِ سبحانه أن يغفرَ ذنباً، ويَكْشِفَ كَرباً ، ويرفعَ أقواماً ، ويَضعَ آخرين ، ومَهْمَا اشتدَّ البلاءُ ، فإن الفرجَ يَعْقبُهُ . ومهما قَويَ العُسرُ فإن اليُسرَ يَغلِبُهُ (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) ويقولُ المصطفى e{ وأنَّ الفرجَ مع الكربِ ، وإنَّ مع العسرِ يسراً }ويقولُ عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رضي الله عنه: لو دخلَ العسرُ في جُحْرٍ ، لجاءَ اليسرُ حتى يَدخُلَ عليه ؛ لأن اللهَ تعالى يقولُ : ( إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً ).
ضاقتْ فلما استحكمتْ حلقاتُها فُرجتْ وكنتُ أظنُّها لا تفرجُ
بارك الله لي ولكم في القران العظيم ،
الحمد لله على إحسانه ، والشكرله على توفيقهِ وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وحدهُ لا شريكَ لهُ ، تعظيماً لشانه ، وأشهد أنَّ نبينا محمّداً عبده ورسولُه ، الدّاعي إلى رضوانه ، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأعوانه ، وسلّم تسليماً مزيداً ، أيها الأخ ُالمكــروبُ:-إليك هذه الوصايا .. وأنت تعالجُ شدتَكَ وضيقَكَ ، أسوقُها إليكَ من النبعِ الصافي .. لتكونَ نبراسًا لك في حياتِكَ .. ولتنفتحَ أمامَكَ سبلُ الأملِ القريبِ، ولتعلمَ أن الأمرَ دونَ ما تقاسي .. والفرجَ أقربُ إليك من شراكِ نعلِكَ ، فأوصيكَ أولاً بتقوى اللهِ تعالى ... فهي مخرجٌ من الشدائدِ والكرباتِ كما قال سبحانــه: (وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ) وأكثرْ من قولِ [لا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ]وعليك بالاستغفارِ، فإنه سببٌ لتفريجِ الكروبِ ، وإزالةِ الغمومِ قال تعالى: ( فَٱسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبّى قَرِيبٌ مُّجِيبٌ ) ويقول تعالى ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً) وجاءَ عن المعصومِ e قولُهُ: { من لزمَ الاستغفارَ – أو أكثرَ من الاستغفارِ – جعلَ اللهُ له من كلِّ همٍّ فرجاً، ومن كلِّ ضيقٍ مخرجاً، ويرزقُهُ من حيثُ لا يحتسبُ } ثم عليكَ بالدعاءِ فإن به تفريجَ الكروبِ والهمومِ.(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ)وعليك الأدعيةِ التي وردتْ عن الحبيبِ e ، فإن فِيها ذهابَ الهمومِ والغمومِ ، ومن ذلك قولُهُ e : {لا إلهَ إلا اللهُ العظيمُ الحليمْ ، لا إلهَ إلا اللهُ ربُّ العرشِ العظيمْ ، لا إلهَ إلا اللهُ ربُّ السمواتِ وربُّ العرشِ الكريمْ ، لا إلهَ إلا اللهُ الحليمُ الكريمْ } [متفق عليه].وأخرجَ أحمدُ بسندِهِ عن النبيِّ e أنه قالَ : {دعوةُ ذي النونِ عليه السلامُ إذ هو في بطنِ الحوتِ: لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَكَ إني كنتُ من الظالمينَ ، لم يدعُ بها مسلمٌ ربَّهُ في شيءٍ قطٌّ ، إلا استجابَ له } واعلم يقيناً ، أن الَّذي يكشفُ البلوى هو اللهُ، فاعتصمْ به ، واعتمدْ عليه ، اللهم صلِ وسلّم وباركْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمّدٍ ، صاحبِ الوجهِ الأنورِ ، والجبينِ الأزهرِ ، الشافعِ المُشَّفَعِ في المحشرِ ، وارضَ اللهم عن الخلفاءِ ، الأءمةِ الحنفاءِ، أبي بكرٍ وعمرَ ، وعثمانَ وعلي وعن سائِرِ أصحابِ نبيّك أجمعين ، وعن التابعين ، وتابعيهم بِإحسانٍ إلى يومِ الدّينِ ، وعنّا معهم ، بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ ، يا أرحم الراحمين ، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين ، واحمِ حوزة الدين ، واجعل هذا البلد رخاءً سخاءً ، وسائر بلاد المسلمين يا ربَّ العالمين ، وآمِنًّا في دورنا ، وأصلح أءمتنا وولاة أُمورنا ، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك ، واتبع رضاك ، برحمتك يا أرحم الرحمين ، اللهم عليك باليهود الحاقدين ، والنصارى المُعتدين ، اللهم عليك بهم فإنّهم لا يُعجزونك ، اللهم زلزل الأرض من تحتهم ، وصُبَّ عليهم العذاب من فوقهم ، واقذف الرعب في قلوبهم ، واجعلهم عبرةً للمُعتَبرين ، اللهم أرنا فيهم يوماً كيومِ عادٍ وثمود ، اللهم احصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تُغادر منهم أحدا ، إنك على ذالك قدير وبالإجابة جدير ، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنيين والمؤمنات ، الأحياء منهم والأموات ، اللهم ربنا ( آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) عباد الله ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) فاذكروا الله العظيم الجليل يذكرْكم ، واشكروهُ على نعمه يزدْكم ولذكر الله أكبر والله والله يعلم ما تصنعون