ناصر الدين
07-12-2012, 11:49
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:- (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ، عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، قال تعالى ( فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا ( 27 ) يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا ( 28 ) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً (31) وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً (33) وَالثاني صَاحِبُ جُرَيْجٍ، وَكَانَ جُرَيْجٌ رَجُلًا عَابِدًا فَاتَّخَذَ صَوْمَعَةً، فَكَانَ فِيهَا فَأَتَتْهُ أُمُّهُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، فَقَالَ: يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ، فَانْصَرَفَتْ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، فَقَالَ: يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ، فَانْصَرَفَتْ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ، فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى وُجُوهِ الْمُومِسَاتِ، فَتَذَاكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ جُرَيْجًا وَعِبَادَتَهُ، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا، فَقَالَتْ: إِنْ شِئْتُمْ لَأَفْتِنَنَّهُ لَكُمْ، قَالَ: فَتَعَرَّضَتْ لَهُ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا، فَأَتَتْ رَاعِيًا كَانَ يَأْوِي إِلَى صَوْمَعَتِهِ، فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَحَمَلَتْ، فَلَمَّا وَلَدَتْ، قَالَتْ: هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ، فَأَتَوْهُ فَاسْتَنْزَلُوهُ وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ، وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا زَنَيْتَ بِهَذِهِ الْبَغِيِّ فَوَلَدَتْ مِنْكَ، فَقَالَ: أَيْنَ الصَّبِيُّ فَجَاءُوا بِهِ، فَقَالَ: دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّيَ، فَصَلَّى فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى الصَّبِيَّ فَطَعَنَ فِي بَطْنِهِ، وَقَالَ يَا غُلَامُ: مَنْ أَبُوكَ، قَالَ: فُلَانٌ الرَّاعِي، قَالَ: فَأَقْبَلُوا عَلَى جُرَيْجٍ يُقَبِّلُونَهُ وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ ، وَقَالُوا: نَبْنِي لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: لَا، أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ، فَفَعَلُوا، وَبَيْنَما صَبِيٌّ يَرْضَعُ مِنْ أُمِّهِ، فَمَرَّ رَجُلٌ رَاكِبٌ عَلَى دَابَّةٍ فَارِهَةٍ وَشَارَةٍ حَسَنَةٍ، فَقَالَتْ أُمُّهُ: اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَ هَذَا، فَتَرَكَ الثَّدْيَ وَأَقْبَلَ إِلَيْهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهِ فَجَعَلَ يَرْتَضِعُ، قَالَ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَحْكِي ارْتِضَاعَهُ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ فِي فَمِهِ، فَجَعَلَ يَمُصُّهَا، قَالَ: وَمَرُّوا بِجَارِيَةٍ وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا وَيَقُولُونَ زَنَيْتِ سَرَقْتِ وَهِيَ، تَقُولُ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَقَالَتْ أُمُّهُ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا، فَتَرَكَ الرَّضَاعَ وَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا، فَهُنَاكَ تَرَاجَعَا الْحَدِيثَ، فَقَالَتْ حَلْقَى مَرَّ رَجُلٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهُ، فَقُلْتَ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، وَمَرُّوا بِهَذِهِ الْأَمَةِ وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا، وَيَقُولُونَ: زَنَيْتِ سَرَقْتِ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا، فَقُلْت: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا، قَالَ: إِنَّ ذَاكَ الرَّجُلَ كَانَ جَبَّارًا، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، وَإِنَّ هَذِهِ يَقُولُونَ لَهَا زَنَيْتِ، وَلَمْ تَزْنِ، وَسَرَقْتِ، وَلَمْ تَسْرِقْ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا).
هل لاحظتُم ما هو العاملُ المشتركُ في القصصِ الثلاثِ التي تكلمَ فيها الأطفالُ الرُضَّعُ؟
إنه الدفاعُ عن العِرضِ .. وما أدراكَ مالعِرضُ؟
عارهُ يهدمُ البيوتَ الرفيعةَ .. ويطأطئُ الرؤوسَ العاليةَ .. ويسودُ الوجوهَ البيضَ .. ويصبغُ بأسودَ من القارِ أنصعَ العمائمِ بياضًا .. ويُخرسُ الألسنةَ البليغةَ .. ويبدلُ أشجعَ النَّاسِ من شجاعتِهم جُبنًا لا يدانيه جبنٌ .. ويهوي بأطولِ النَّاسِ أعناقًا وأسماهُم مقامًا وأعرقِهم عزًّا إلى هاويةٍ من الذلِ والازدراءِ والحقارةِ لَيْسَ لها من قرارٍ.
لقد حمى الشرعُ الحكيمُ الأعراضَ بسياجٍ عظيمٍ .. فلم يقتصرْ على تحريمِ الزنا فقط .. بل بتحريمِ ما يُقربُ منه .. وذلك بتحريمِ كلِ وسيلةٍ تُوصلُ إليه ومن ذلك قوله تعالى (ولا تقربوا الزنى ) ومن أجلِ ذلك شُرعَ الاستئذانُ وفُرضَ الحجابُ وجُعلتِ النظرةُ المحرمةُ من سهامِ الشيطانِ وحُرمَ مسُ المرأةِ الأجنبيةِ ومصافحتُها والخلوةُ والاختلاطُ وخروجُ المرأةِ متعطرةٌ والسفرُ دونَ محرمٍ والخضوعُ بالقولِ وأن تضربَ برجلِها ليسمعَ الرجالُ خِلخالَها من تحتِ حجابِها كلُ ذلك وأكثرُ لحمايةِ الأعراضِ.
يا أهلَ الإيمانِ إن الناظرَ في أحوالِ المسلمينَ اليومَ ليجدُ تفريطاً في هذا الأمرِ الخطيرِ في مظاهرَ كثيرةٍ: منها السماحُ للنساءِ بالخروجِ بحجابٍ فاتنٍ عباياتٍ ملونةٍ مطرزةٍ مزركشةٍ مُخصرةٍ حتى أنها لتُظهرُ تفاصيلَ الجسمِ الدقيقةِ وبعد أن كان الحجابُ لأجلِ (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) أصبحَ زينةً في نفسِه وفتنةً عظيمةً وإنك لتعجبُ من الزوجِ أو الأبِ وهو يسيرُ معها كيف لا يلاحظُ ما يلاحظُه الناسُ؟
ومنها إدخالُ الأفلامٍ الهابطةٍ والأغانٍي الماجنةٍ والمقاطعَ الفاضحةٍ
مع عدمُ التهيئةِ الإيمانيةِ القويةِ مع وجودِ هذا الكمِ الهائلِ من وسائلِ الاتصالِ المختلفةِ عن طريقِ الانترنتِ أو أجهزةِ الجوالِ الذكيةِ .. حتى أن العالمَ كلَه بخيرِه وشرِه يكونُ بين أيدي فتياتِنا .. فهل ربيناهُن على مراقبةِ اللهِ عزَ وجلَ حتى إذا جاءتَها رسالةٌ من شيطانٍ ودعتْها نفسُها الأمارةُ بالسوءِ إلى فتحِها ناداها واعظُ اللهِ في قلبِ كلِ مسلمٍ: ويحكِ لا تفتَحيه، فإنك إن تفتحيه تلجيه.
كم نسمعُ من حالاتِ الابتزازِ المؤلمةِ والتي بدايتُها غالباً إرسالُ صورةٍ أو تصويرِ مقطعٍ في لحظةِ ضَعفٍ من الفتاةِ ثم يكونُ سلاحاً مسموماً في نحرِها يستخدمُه ذلك الخبيثُ للوصولِ إلى مطالبِه الحقيرةِ.
ومنها تأخيرُ الزواجِ وغلاءُ المهورِ لأسبابٍ واهيةٍ وتقاليدٍ باليةٍ حتى أصبحتِ الفتاةُ المؤمنةُ الصابرةُ كالقابضةِ على الجمرِ فحياؤُها يمنعُها من الكلامِ وخوفِ ربِها يمنعُها من الحرامِ.
نفعني اللهُ وإياكُم بالقرانِ العظيمِ ونفعني وإياكُم بما فيه من الأياتِ والذكرِ الحكيمِ ، أقولُ ما تسمعونَ وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم من كلِ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يُحبُ ربُنا ويرضى .. له الأمرُ كلُه .. وله الحمدُ كلُه .. وله الملكُ كلُه .. وإليه يرجعُ الأمرُ كلُه .. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ
أما بعد: فان موضوعُ عملِ المرأةِ .. فلم يكنْ من وسائلِ انتهاكِ العرضِ حين كانَ منضبطاً بضوابطِ الشرعِ
عبادَ اللهِ الأصلُ في المرأةِ القرارُ في البيتِ لا للبطالةِ كما يزعمونَ وإنما لأداءِ وظائفَ عظيمةٍ تحتاجُ إلى جهودٍ كبيرةٍ .. وأوقاتٍ كثيرةٍ .. فالمرأةُ في بيتِها:
مدبرةُ منزلٍ مربيةٌ طاهيةٌ غاسلةُ صحونٍ معلمةٌ ممرضةٌ مسئولةُ أمنٍ منبهُ استيقاظٍ حاضنةٌ غاسلةُ ثيابٍ خبيرةٌ اقتصاديةٌ حارسةُ منزلٍ سكرتيرةٌ مرضعةٌ جرسونةٌ (مقدمةُ طعامٍ) مستشارةٌ نفسيةٌ مرشدةٌ اجتماعيةٌ خياطةٌ محاسبةٌ مهندسةٌ ديكورٍ وغيرُها من الوظائفِ التي يُدفعُ للواحدةِ منها آلافُ الريالاتِ لو عملتْ بها خارجَ منزلِها فهل هذه المرأةُ عاطلةٌ عن العملِ؟
حينَها نستشعرُ معنى قولِه تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) وذلك حتى لا تتعطلُ هذه المهامُ التي هي الأساسُ في بناءِ أسرةٍ سعيدةٍ وذريةٍ صالحةٍ لتحقيقِ الوظيفةِ الأساسيةِ والهدفِ الأسمى من وجودِنا في هذا الكونِ (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).
وقد يقولُ قائلٌ: هناكَ من النساءِ لا يجدنَ من يُنفقْ عليهِن فنقولُ إن عليهن التوجه الى وزارةِ الشئونِ الاجتماعيةِ وسيصرف لهن الضمان الاجتماعي ما يكفيهِن ويسدُ حاجتِهن دون التعرضِ للفتنةِ أو مدِ أيديهِن للجمعياتِ الخيريةِ أو لأوساخِ الناسِ ورحمَ اللهُ الفاروقَ عمرَ رضي الله عنه حينَ قالَ: (لَئِنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ لَأَدَعَنَّ أَرَامِلَ أَهْلِ الْعِرَاقِ لَا يَحْتَجْنَ إِلَى رَجُلٍ بَعْدِي أَبَدًا) .. فإن لم يوجدْ فعليهن بالعملِ في الأعمالِ النسائيةِ التي لا اختلاطَ فيها ولا شبهةً.
اللهم استر عوراتِنا وآمن روعاتِنا واحفظ نساءَنا، اللهم احفظ نساءنَا من شرِ الأشرارِ وكيدِ الفجّارِ، اللهم من أرادَنا ونسائَنا وعلمائَنا وحكامَنا بسوءٍ وبمجتمعِنا فساداً اللهم ردَ كيدَه في نحرِه، واجعل اللهم تدبيرَه تدميراً عليه .. اللهم اغننا بحلالِك عن حرامِك وبفضلِك عمن سواك.
سبحانَ ربِك ربِ العزةِ عما يصفون، وسلامٌ على المرسلينَ، والحمدُ للهِ ربِ العالمين.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ، عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، قال تعالى ( فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا ( 27 ) يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا ( 28 ) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً (31) وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً (33) وَالثاني صَاحِبُ جُرَيْجٍ، وَكَانَ جُرَيْجٌ رَجُلًا عَابِدًا فَاتَّخَذَ صَوْمَعَةً، فَكَانَ فِيهَا فَأَتَتْهُ أُمُّهُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، فَقَالَ: يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ، فَانْصَرَفَتْ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، فَقَالَ: يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ، فَانْصَرَفَتْ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ، فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى وُجُوهِ الْمُومِسَاتِ، فَتَذَاكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ جُرَيْجًا وَعِبَادَتَهُ، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا، فَقَالَتْ: إِنْ شِئْتُمْ لَأَفْتِنَنَّهُ لَكُمْ، قَالَ: فَتَعَرَّضَتْ لَهُ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا، فَأَتَتْ رَاعِيًا كَانَ يَأْوِي إِلَى صَوْمَعَتِهِ، فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَحَمَلَتْ، فَلَمَّا وَلَدَتْ، قَالَتْ: هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ، فَأَتَوْهُ فَاسْتَنْزَلُوهُ وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ، وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا زَنَيْتَ بِهَذِهِ الْبَغِيِّ فَوَلَدَتْ مِنْكَ، فَقَالَ: أَيْنَ الصَّبِيُّ فَجَاءُوا بِهِ، فَقَالَ: دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّيَ، فَصَلَّى فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى الصَّبِيَّ فَطَعَنَ فِي بَطْنِهِ، وَقَالَ يَا غُلَامُ: مَنْ أَبُوكَ، قَالَ: فُلَانٌ الرَّاعِي، قَالَ: فَأَقْبَلُوا عَلَى جُرَيْجٍ يُقَبِّلُونَهُ وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ ، وَقَالُوا: نَبْنِي لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: لَا، أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ، فَفَعَلُوا، وَبَيْنَما صَبِيٌّ يَرْضَعُ مِنْ أُمِّهِ، فَمَرَّ رَجُلٌ رَاكِبٌ عَلَى دَابَّةٍ فَارِهَةٍ وَشَارَةٍ حَسَنَةٍ، فَقَالَتْ أُمُّهُ: اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَ هَذَا، فَتَرَكَ الثَّدْيَ وَأَقْبَلَ إِلَيْهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهِ فَجَعَلَ يَرْتَضِعُ، قَالَ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَحْكِي ارْتِضَاعَهُ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ فِي فَمِهِ، فَجَعَلَ يَمُصُّهَا، قَالَ: وَمَرُّوا بِجَارِيَةٍ وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا وَيَقُولُونَ زَنَيْتِ سَرَقْتِ وَهِيَ، تَقُولُ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَقَالَتْ أُمُّهُ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا، فَتَرَكَ الرَّضَاعَ وَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا، فَهُنَاكَ تَرَاجَعَا الْحَدِيثَ، فَقَالَتْ حَلْقَى مَرَّ رَجُلٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهُ، فَقُلْتَ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، وَمَرُّوا بِهَذِهِ الْأَمَةِ وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا، وَيَقُولُونَ: زَنَيْتِ سَرَقْتِ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا، فَقُلْت: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا، قَالَ: إِنَّ ذَاكَ الرَّجُلَ كَانَ جَبَّارًا، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، وَإِنَّ هَذِهِ يَقُولُونَ لَهَا زَنَيْتِ، وَلَمْ تَزْنِ، وَسَرَقْتِ، وَلَمْ تَسْرِقْ، فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا).
هل لاحظتُم ما هو العاملُ المشتركُ في القصصِ الثلاثِ التي تكلمَ فيها الأطفالُ الرُضَّعُ؟
إنه الدفاعُ عن العِرضِ .. وما أدراكَ مالعِرضُ؟
عارهُ يهدمُ البيوتَ الرفيعةَ .. ويطأطئُ الرؤوسَ العاليةَ .. ويسودُ الوجوهَ البيضَ .. ويصبغُ بأسودَ من القارِ أنصعَ العمائمِ بياضًا .. ويُخرسُ الألسنةَ البليغةَ .. ويبدلُ أشجعَ النَّاسِ من شجاعتِهم جُبنًا لا يدانيه جبنٌ .. ويهوي بأطولِ النَّاسِ أعناقًا وأسماهُم مقامًا وأعرقِهم عزًّا إلى هاويةٍ من الذلِ والازدراءِ والحقارةِ لَيْسَ لها من قرارٍ.
لقد حمى الشرعُ الحكيمُ الأعراضَ بسياجٍ عظيمٍ .. فلم يقتصرْ على تحريمِ الزنا فقط .. بل بتحريمِ ما يُقربُ منه .. وذلك بتحريمِ كلِ وسيلةٍ تُوصلُ إليه ومن ذلك قوله تعالى (ولا تقربوا الزنى ) ومن أجلِ ذلك شُرعَ الاستئذانُ وفُرضَ الحجابُ وجُعلتِ النظرةُ المحرمةُ من سهامِ الشيطانِ وحُرمَ مسُ المرأةِ الأجنبيةِ ومصافحتُها والخلوةُ والاختلاطُ وخروجُ المرأةِ متعطرةٌ والسفرُ دونَ محرمٍ والخضوعُ بالقولِ وأن تضربَ برجلِها ليسمعَ الرجالُ خِلخالَها من تحتِ حجابِها كلُ ذلك وأكثرُ لحمايةِ الأعراضِ.
يا أهلَ الإيمانِ إن الناظرَ في أحوالِ المسلمينَ اليومَ ليجدُ تفريطاً في هذا الأمرِ الخطيرِ في مظاهرَ كثيرةٍ: منها السماحُ للنساءِ بالخروجِ بحجابٍ فاتنٍ عباياتٍ ملونةٍ مطرزةٍ مزركشةٍ مُخصرةٍ حتى أنها لتُظهرُ تفاصيلَ الجسمِ الدقيقةِ وبعد أن كان الحجابُ لأجلِ (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) أصبحَ زينةً في نفسِه وفتنةً عظيمةً وإنك لتعجبُ من الزوجِ أو الأبِ وهو يسيرُ معها كيف لا يلاحظُ ما يلاحظُه الناسُ؟
ومنها إدخالُ الأفلامٍ الهابطةٍ والأغانٍي الماجنةٍ والمقاطعَ الفاضحةٍ
مع عدمُ التهيئةِ الإيمانيةِ القويةِ مع وجودِ هذا الكمِ الهائلِ من وسائلِ الاتصالِ المختلفةِ عن طريقِ الانترنتِ أو أجهزةِ الجوالِ الذكيةِ .. حتى أن العالمَ كلَه بخيرِه وشرِه يكونُ بين أيدي فتياتِنا .. فهل ربيناهُن على مراقبةِ اللهِ عزَ وجلَ حتى إذا جاءتَها رسالةٌ من شيطانٍ ودعتْها نفسُها الأمارةُ بالسوءِ إلى فتحِها ناداها واعظُ اللهِ في قلبِ كلِ مسلمٍ: ويحكِ لا تفتَحيه، فإنك إن تفتحيه تلجيه.
كم نسمعُ من حالاتِ الابتزازِ المؤلمةِ والتي بدايتُها غالباً إرسالُ صورةٍ أو تصويرِ مقطعٍ في لحظةِ ضَعفٍ من الفتاةِ ثم يكونُ سلاحاً مسموماً في نحرِها يستخدمُه ذلك الخبيثُ للوصولِ إلى مطالبِه الحقيرةِ.
ومنها تأخيرُ الزواجِ وغلاءُ المهورِ لأسبابٍ واهيةٍ وتقاليدٍ باليةٍ حتى أصبحتِ الفتاةُ المؤمنةُ الصابرةُ كالقابضةِ على الجمرِ فحياؤُها يمنعُها من الكلامِ وخوفِ ربِها يمنعُها من الحرامِ.
نفعني اللهُ وإياكُم بالقرانِ العظيمِ ونفعني وإياكُم بما فيه من الأياتِ والذكرِ الحكيمِ ، أقولُ ما تسمعونَ وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم من كلِ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يُحبُ ربُنا ويرضى .. له الأمرُ كلُه .. وله الحمدُ كلُه .. وله الملكُ كلُه .. وإليه يرجعُ الأمرُ كلُه .. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ
أما بعد: فان موضوعُ عملِ المرأةِ .. فلم يكنْ من وسائلِ انتهاكِ العرضِ حين كانَ منضبطاً بضوابطِ الشرعِ
عبادَ اللهِ الأصلُ في المرأةِ القرارُ في البيتِ لا للبطالةِ كما يزعمونَ وإنما لأداءِ وظائفَ عظيمةٍ تحتاجُ إلى جهودٍ كبيرةٍ .. وأوقاتٍ كثيرةٍ .. فالمرأةُ في بيتِها:
مدبرةُ منزلٍ مربيةٌ طاهيةٌ غاسلةُ صحونٍ معلمةٌ ممرضةٌ مسئولةُ أمنٍ منبهُ استيقاظٍ حاضنةٌ غاسلةُ ثيابٍ خبيرةٌ اقتصاديةٌ حارسةُ منزلٍ سكرتيرةٌ مرضعةٌ جرسونةٌ (مقدمةُ طعامٍ) مستشارةٌ نفسيةٌ مرشدةٌ اجتماعيةٌ خياطةٌ محاسبةٌ مهندسةٌ ديكورٍ وغيرُها من الوظائفِ التي يُدفعُ للواحدةِ منها آلافُ الريالاتِ لو عملتْ بها خارجَ منزلِها فهل هذه المرأةُ عاطلةٌ عن العملِ؟
حينَها نستشعرُ معنى قولِه تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) وذلك حتى لا تتعطلُ هذه المهامُ التي هي الأساسُ في بناءِ أسرةٍ سعيدةٍ وذريةٍ صالحةٍ لتحقيقِ الوظيفةِ الأساسيةِ والهدفِ الأسمى من وجودِنا في هذا الكونِ (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).
وقد يقولُ قائلٌ: هناكَ من النساءِ لا يجدنَ من يُنفقْ عليهِن فنقولُ إن عليهن التوجه الى وزارةِ الشئونِ الاجتماعيةِ وسيصرف لهن الضمان الاجتماعي ما يكفيهِن ويسدُ حاجتِهن دون التعرضِ للفتنةِ أو مدِ أيديهِن للجمعياتِ الخيريةِ أو لأوساخِ الناسِ ورحمَ اللهُ الفاروقَ عمرَ رضي الله عنه حينَ قالَ: (لَئِنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ لَأَدَعَنَّ أَرَامِلَ أَهْلِ الْعِرَاقِ لَا يَحْتَجْنَ إِلَى رَجُلٍ بَعْدِي أَبَدًا) .. فإن لم يوجدْ فعليهن بالعملِ في الأعمالِ النسائيةِ التي لا اختلاطَ فيها ولا شبهةً.
اللهم استر عوراتِنا وآمن روعاتِنا واحفظ نساءَنا، اللهم احفظ نساءنَا من شرِ الأشرارِ وكيدِ الفجّارِ، اللهم من أرادَنا ونسائَنا وعلمائَنا وحكامَنا بسوءٍ وبمجتمعِنا فساداً اللهم ردَ كيدَه في نحرِه، واجعل اللهم تدبيرَه تدميراً عليه .. اللهم اغننا بحلالِك عن حرامِك وبفضلِك عمن سواك.
سبحانَ ربِك ربِ العزةِ عما يصفون، وسلامٌ على المرسلينَ، والحمدُ للهِ ربِ العالمين.