ناصر الدين
07-11-2012, 14:32
الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور. خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور. أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره يجدد الأيام والشهور، ويصرف الأعوام والدهور، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، الشافع المشفع يوم النشور، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أَمَّا بَعْدُ : فَلا تَزَالُ الأَيَّامُ واللَيَالِي تَتْرَى , والشُّهُورُ والسُنُونُ تُطْوَى , والأَعْمَارُ تَتَقَضَّى , حتىَّ يَأْتِيَ يَوْمٌ فَيَأْذَنَ اللهُ بِخَرَابِ العَالَمِ , وَتَقُومُ السَّاعَةُ , وَتَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ! وَلَكِنْ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ! كَلَّا لَا وَزَرَ*إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ*يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّر !
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : هَا نَحْنُ فِي نِهَايَةِ السَّنَةِ , نُوَدِّعُ عَامَّاً وَنَسْتَقْبِلُ آخَرَ , فَلَيْتَ شِعْرِي : مَنْ مِنَّا يُدْرِكُهُ هَذَا الْوَقْتُ فِي العَامِ القَادِمِ وَهُوَ حَيٌّ يُرْزَقُ ؟ وَمَنْ مِنَّا يَأْتِي عَلَيْهِ ذَلِكَ الزَّمَنُ وَهُوَ حَبِيسُ القَبْرِ تَحْتَ أَطْبِاقِ الثَّرَى ؟ قَدْ فَارَقَ الدُّنْيَا وَتَرَكَهَا لأَهْلِهَا يَتَنَاهَبُونَهَا حتَّى تُفْنِيَهُم وَاحِداً بَعْدَ الآخَرِ وَحتَّى تَلْتَهِمَهُم جَمِيعَاً (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ*وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) ... (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : لَقَدْ كَثُرَتْ فِي السَّنَوَاتِ الأَخِيرَةِ بَعْضُ الأُمُورِ الْمُحْدَثَةِ التِي يَقُولُهَا أَوْ يَفْعَلُهَا بَعْضُ النَّاسِ بِمُنَاسَبَةِ نِهَايَةِ السَّنَةِ , وَالْغَالِبُ عَلَى هَؤُلاءِ أَنَّ غَايَاتِهِمُ جَمِيلَةٌ وَمَقَاصِدَهُم حَسَنَةٌ , وَلَكِنَّ هَذَا لا يَكْفِي لِتَكُونَ تِلْكَ الأَقْوَالُ صَحِيحَةً أَوْ تِلْكَ الأَفْعَالُ مَقْبُولَةً .
وَلِهَذَا فَاعْلَمُوا أَيَّهَا الإِخْوَةُ : أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ يُرَادُ بِهِ التَّقَرُّبُ إِلى اللهِ لابُدَّ فِيهِ مِنْ شَرْطَيْنِ لِيَكُونَ عِنْدَ اللهِ مَقْبُولا : وَهُمَا الإِخْلاصُ للهِ وَالْمُتَابَعَةُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَة) وَقَالَ سُبْحَانَهُ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) فِإِذَا فَقَدَ الْعَمُلُ الإِخْلاصَ كَانَ شِرْكَاً , وَإِذَا فَقَدَ الْمُتَابَعَةَ كَانَ بِدْعَةً , وَالشِّرْكُ ثُمَّ الْبِدْعَةُ هُمَا أَعْظَمُ الذُنُوبِ وَأَشَرُّ العُيُوبِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَبَعْضُ النَّاسِ يَعْتَقِدُ أَنَّ صِدْقَ نِيَّتِهِ وَحُبَّهُ للْخَيْرِ مُسَوِّغٌ لِكِلِّ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ يَظُنُّ أَنَّهُ يُقِرِّبُهُ إِلَى اللهِ !!! فَيُقَالُ لَهُ : لا , هَذَا لا يَكْفِي !!! بَلْ لابُدَّ مَعَ صِدْقِ النِّيَّةِ مِن صِحَّةِ الطَّرِيقَةِ , وَهِي الْمُتَابَعَةُ لِرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلِذَا كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ مِن الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم وَمَنْ بَعْدَهُمْ يَحْرِصُونَ أَشَدَّ الْحِرْصِ عَلَى تَحَرِّي السُّنَّةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ , قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُودٍ رَضْيَ اللهُ عَنْهُ : اتَّبِعُوا وَلا تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفُيتُمْ وَقَالَ عُمُرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ عَن الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم : قِفْ حَيْثُ وَقَفَ الْقَوْمُ فَإِنَّهُم عَنْ عِلْمٍ وَقَفُوا ، وَبِبَصَرٍ نَافِذٍ كَفُّوا ، وَلَهُم عَلَى كَشْفِهَا كَانُوا أَقْوَى ، وَبِالْفَضْلِ لَوْ كَانَ فِيهَا أَحْرَى ، فَلَئِنْ قُلْتُمْ : حَدَثَ بَعْدَهُمْ ، فَمَا أَحْدَثَهُ إِلَّا مَنْ خَالَفَ هَدْيَهُمْ وَرَغِبَ عَنْ سُنَّتِهِم ، فَمَا فَوْقَهَمْ مُحَسِّرٌ ، وَمَا دُونَهْم مُقَصِّرٌ . لَقَدْ قَصَّرَ عَنْهُم قَوْمٌ فَجَفُوا وَتَجَاوَزَهَمْ آخَرُونَ فَغَلَوْا وَإِنَّهُمْ فِيمَا بَيْنَ ذَلَكِ لَعَلَى هُدَىً مُسْتَقِيم
أَيُّهَا الإِخْوَةُ : تَعَالَوْا نَنْظُرُ فِي بَعْضِ مَا أَحْدَثَهُ النَّاسُ فِي آخِرِ الْعَامِ الْهِجْرِيِّ ثُمَّ نَعْرِضُهُ عَلَى السُّنَّةِ فَمَا وَافَقَهَا قَبِلْنَاهُ وَعَمِلْنَا بِهِ , وَمَا خَالَفَهَا رَدَدْنَاهُ وَنَاصَحْنَا مَنْ يَفْعَلُهُ أَوْ يَقُولُهُ !!! فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِهِم : اخْتِمْ سَنَتَكَ بِالاسْتِغْفَارِ , أَوْ اجْعَلْ فِي آَخِرِ صَحِيفَةِ هَذَا الْعَامِ عَمَلاً صَالِحَاً , وَرُبَّمَا أَمَرُوا بِالصَّدَقَةِ أَوْ الصَّيَامِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ !!! وَنَقُولُ لِهَؤُلاءِ : أَثَابَكُم اللهُ عَلَى حُسْنِ قَصْدِكُمْ وَلَكِنْ هَلْ عِنْدَكُمْ دَلِيلُ عَلَى مَا تَقُولُونَ ؟ هَلْ أرشد النَّبِيُّ صَلَىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحَابَتَهُ وَحَثَّهُمْ عَلَى مِثْلِ مَا تَقُولُونَ أَوْ تَفْعَلُونَ ؟ هَلْ سَمِعْتُمْ عَنْ أَحَدٍ مِن الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَوْ سَلَفِ الأُمَّةِ مِن الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ أَنَّهُمْ رَغَّبُوا النَّاسَ فِيهَا مِثْلَمَا أَنْتُمْ تَفْعَلُونَ ؟؟؟
الْجَوَابُ طَبْعَاً : لا
إِذَنْ : فَلْيَسَعْنَا مَا وَسِعَهُم وَلْنَقِفْ مَع هَدْيِهِم فَلَنْ يَصْلُحُ آخِرُ هَذِهِ الأُمَّةِ إِلا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُهَا .
أَعُوذُ بِاللهِ مِن الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)
الْحَمْدُ للهِ على إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ له على توفيقه وامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ ألاّ إله إلا الله تعظيماً لِشَانهِ ، وأشهدُ أن نبيّنا محمداً عبدُه ورسولُهُ الداعي إلى رضوانِهِ ، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابِهِ وأعْوانِهِ وسلم تسليماً كثيراً .
أَمَّا بَعْدُ فيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ : إِنَّ صِحَّةَ النَّيِّةِ وَتَلَمُّسَ الشَّخْصِ للْخَيْرِ لا يَعْنِي أَنَّ كُلَّ مَا يَفْعُلُهُ يَكُونُ صَحِيحاً , بَلْ لابُدَّ مِن اتِّبَاعٍ وَسُنَّةٍ وَإِلا صَارَ العَمَلُ وَبَالاً عَلَى صَاحِبِهِ وَدَخَلَ فِي بَابِ الْبِدْعَةِ , واسْتَمِعُوا لِهَذِهِ القِصَّةِ الْعَجِيبَةِ الْغَرِيبَةِ :
عَنْ عِمَارَةَ بنِ أَبِي حَسَن الْمَازِنِيِّ قَالَ : كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَبْلَ صَلاةِ الغَدَاةِ , فَإِذَا خَرَجَ مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ , فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ , فَقَالَ : أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَعْدُ ؟ قُلْنَا : لا , فَجَلَسَ مَعَنَا حتَّى خَرَجَ , فَلَمَّا خَرَجَ قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعَاً , فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى : يَا أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفَاً أَمْرَاً أَنْكَرْتُهُ , وَلَمْ أَرَ وَالْحَمْدُ للهِ إِلا خَيْرَاً ! قَالَ : فَمَا هُوَ ؟ فَقَالَ : إِنْ عِشَتَ فَسَتَرَاهُ ! قَالَ : رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمَاً حِلَقَاً جُلُوسَاً , يَنْتَظِرُونَ الصَّلاةَ , فِي كِلَّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ , وَفِي أَيْدِيهِمْ حَصَاً , فَيَقُولُ : كَبِّرُوا مِائَةً ! فُيُكَبِّرُونَ مِائَةً , فَيَقُولُ : هَلَّلُوا مِائَةً ! فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً , وَيَقُولُ : سَبِّحُوا مِائَةً ! فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً , قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضَيَ اللهُ عَنْهَ : فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ ؟ قَالَ : مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئَاً , انْتَظَارَ رَأَيِكَ أَوْ انْتِظَارَ أَمْرِكَ !!! قَالَ : أَفَلا أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ شَيءٌ ؟
ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ , حتَّى أَتَى حَلْقَةً مِن تِلْكَ الْحِلَقِ فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ : مَا هَذَا الذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ ؟ قَالُوا : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَصَا نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ والتَّهْلِيلَ والتَّسْبِيحَ ! قَالَ : فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكِم , فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لا يَضِيعَ مِن حَسَنَاتِكُم شَيْءٌ !
وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ! مَا أَسْرَعَ هَلَكَتِكُمْ ؟ هَؤُلاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ , وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ , وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ ! والذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلِّةٍ هِيَ أَهْدَى مِن مِلَّةِ مُحَمَّدٍ , أَوْ مُفْتَتِحُوا بَابِ ضَلالَةٍ !؟!؟
قَالُوا : وَاللهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ !
قَالَ : وَكَمْ مِنْ مُرْيدٍ للْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ ! رَوَاهُ الدَارمِيُّ قَالَ الأَلْبَانِيُ هَذَا إِسْنَادُ صَحِيحٌ
فَانْظُرُوا أَيُّهَا الْمُسْلِمُون : كَيْفَ أَنَّ هَؤُلاءِ يَذْكُرُونَ اللهَ وَمَعَ ذَلِكَ وَصَفَهُم هَذَا الصَّحَابِيُّ العَالِمُ بِالضَّلالَةِ , لأَنَّهُم فَعَلُوا شَيْئاً لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن التَّحَلُّقِ جَمَاعَاتٍ وَمِن وُجُودِ مُوَجِّهٍ عَلَى كُلِّ حَلْقَهٍ يَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ وَمِن عَدِّ التَّسْبِيحِ بِالحَصَى ! فَهُمْ أَرَادُوا الْخَيْرَ لكَنْ لَمَّا لَمْ يَكُونُوا عَلَى سُنَّةٍ وَقَعُوا فِي الْبِدْعَةِ , فَهَلْ نَأْمَنُ أَنْفُسَنَا نَحْن ؟ الْجَوَابُ كَلَّا , لا سِيَّمَا وَأُولَئِكَ فِي عَصْرِ التَّابِعِينَ الذِي هُوَ ثَانِي خَيْرِ القُرُونِ وَمَع هَذَا قَدِرَ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِم , فَفِي هَذَا العَصْرِ مِنْ بِابِ أَوْلَى فَاحْذَرْ يَا مُسْلِم وَأَنْقِذْ نَفْسَكَ مِن البِدْعَةِ !
أَيَّهَا الْمُؤْمِنُونَ : وَمِن الْمُحْدَثَاتِ آخِرَ العَامِ قَوْلُ بَعْضِهِم : حَلِّلُونِي أَوْ بِيحُوا مِنِّي إِنْ حَصَلَ مِنِّي خَطَأ ! وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ : إِنَّ صَحِيفَةَ العَمَلِ تُطْوَى آخِرَ العَامِ ! وَمِن الْمُنْكَرَاتِ : الاحْتِفَالُ بِرَأْسِ السَّنَةِ الْهِجْرِيَّةِ !
فَنَسْأَلُ اللهَ الْهِدَايَةَ لَنَا وَلإِخْوانِنَا الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِن الذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ وَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ .
عِبَادَ اللهِ : صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى رَسِولِ اللهِ , فَإِنَّ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرَاً , اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّد , اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مَحَبَّتَهُ واتِّبَاعَهُ ظَاهِراً وَبَاطِناً , اللَّهُمَّ احْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ وَأَسْقِنَا مِنْ حَوْضِهِ , وَأَدْخِلْنَا فِي شَفَاعَتِهِ وَاجْمَعْنَا بِهِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَوَالِدِينَا وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ . اللَّهُمَّ أَعَزَّ الإِسْلامَ وَالْمُسْلِمِينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ وَدَمِّرْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ . اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَا حَيُّ يَا قَيُّوم . اللَّهُمَّ وَحِّدْ صُفُوفَهُم وَاجْمَعْ كَلِمَتَهُم عَلَى الْقُرْآنِ والسُّنَّةِ يَا رَبَّ العَالَمِينَ . اللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ وَاحْفَظْهُم مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ , اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِم للْحَقِّ واهْدِهِم صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيم .
رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا . رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ . رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار
عِبَادَ اللهِ : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ . وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُون .
أَمَّا بَعْدُ : فَلا تَزَالُ الأَيَّامُ واللَيَالِي تَتْرَى , والشُّهُورُ والسُنُونُ تُطْوَى , والأَعْمَارُ تَتَقَضَّى , حتىَّ يَأْتِيَ يَوْمٌ فَيَأْذَنَ اللهُ بِخَرَابِ العَالَمِ , وَتَقُومُ السَّاعَةُ , وَتَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ! وَلَكِنْ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ! كَلَّا لَا وَزَرَ*إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ*يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّر !
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : هَا نَحْنُ فِي نِهَايَةِ السَّنَةِ , نُوَدِّعُ عَامَّاً وَنَسْتَقْبِلُ آخَرَ , فَلَيْتَ شِعْرِي : مَنْ مِنَّا يُدْرِكُهُ هَذَا الْوَقْتُ فِي العَامِ القَادِمِ وَهُوَ حَيٌّ يُرْزَقُ ؟ وَمَنْ مِنَّا يَأْتِي عَلَيْهِ ذَلِكَ الزَّمَنُ وَهُوَ حَبِيسُ القَبْرِ تَحْتَ أَطْبِاقِ الثَّرَى ؟ قَدْ فَارَقَ الدُّنْيَا وَتَرَكَهَا لأَهْلِهَا يَتَنَاهَبُونَهَا حتَّى تُفْنِيَهُم وَاحِداً بَعْدَ الآخَرِ وَحتَّى تَلْتَهِمَهُم جَمِيعَاً (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ*وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) ... (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : لَقَدْ كَثُرَتْ فِي السَّنَوَاتِ الأَخِيرَةِ بَعْضُ الأُمُورِ الْمُحْدَثَةِ التِي يَقُولُهَا أَوْ يَفْعَلُهَا بَعْضُ النَّاسِ بِمُنَاسَبَةِ نِهَايَةِ السَّنَةِ , وَالْغَالِبُ عَلَى هَؤُلاءِ أَنَّ غَايَاتِهِمُ جَمِيلَةٌ وَمَقَاصِدَهُم حَسَنَةٌ , وَلَكِنَّ هَذَا لا يَكْفِي لِتَكُونَ تِلْكَ الأَقْوَالُ صَحِيحَةً أَوْ تِلْكَ الأَفْعَالُ مَقْبُولَةً .
وَلِهَذَا فَاعْلَمُوا أَيَّهَا الإِخْوَةُ : أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ يُرَادُ بِهِ التَّقَرُّبُ إِلى اللهِ لابُدَّ فِيهِ مِنْ شَرْطَيْنِ لِيَكُونَ عِنْدَ اللهِ مَقْبُولا : وَهُمَا الإِخْلاصُ للهِ وَالْمُتَابَعَةُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَة) وَقَالَ سُبْحَانَهُ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) فِإِذَا فَقَدَ الْعَمُلُ الإِخْلاصَ كَانَ شِرْكَاً , وَإِذَا فَقَدَ الْمُتَابَعَةَ كَانَ بِدْعَةً , وَالشِّرْكُ ثُمَّ الْبِدْعَةُ هُمَا أَعْظَمُ الذُنُوبِ وَأَشَرُّ العُيُوبِ , قَالَ اللهُ تَعَالَى (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَبَعْضُ النَّاسِ يَعْتَقِدُ أَنَّ صِدْقَ نِيَّتِهِ وَحُبَّهُ للْخَيْرِ مُسَوِّغٌ لِكِلِّ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ يَظُنُّ أَنَّهُ يُقِرِّبُهُ إِلَى اللهِ !!! فَيُقَالُ لَهُ : لا , هَذَا لا يَكْفِي !!! بَلْ لابُدَّ مَعَ صِدْقِ النِّيَّةِ مِن صِحَّةِ الطَّرِيقَةِ , وَهِي الْمُتَابَعَةُ لِرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلِذَا كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ مِن الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم وَمَنْ بَعْدَهُمْ يَحْرِصُونَ أَشَدَّ الْحِرْصِ عَلَى تَحَرِّي السُّنَّةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ , قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُودٍ رَضْيَ اللهُ عَنْهُ : اتَّبِعُوا وَلا تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفُيتُمْ وَقَالَ عُمُرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ عَن الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم : قِفْ حَيْثُ وَقَفَ الْقَوْمُ فَإِنَّهُم عَنْ عِلْمٍ وَقَفُوا ، وَبِبَصَرٍ نَافِذٍ كَفُّوا ، وَلَهُم عَلَى كَشْفِهَا كَانُوا أَقْوَى ، وَبِالْفَضْلِ لَوْ كَانَ فِيهَا أَحْرَى ، فَلَئِنْ قُلْتُمْ : حَدَثَ بَعْدَهُمْ ، فَمَا أَحْدَثَهُ إِلَّا مَنْ خَالَفَ هَدْيَهُمْ وَرَغِبَ عَنْ سُنَّتِهِم ، فَمَا فَوْقَهَمْ مُحَسِّرٌ ، وَمَا دُونَهْم مُقَصِّرٌ . لَقَدْ قَصَّرَ عَنْهُم قَوْمٌ فَجَفُوا وَتَجَاوَزَهَمْ آخَرُونَ فَغَلَوْا وَإِنَّهُمْ فِيمَا بَيْنَ ذَلَكِ لَعَلَى هُدَىً مُسْتَقِيم
أَيُّهَا الإِخْوَةُ : تَعَالَوْا نَنْظُرُ فِي بَعْضِ مَا أَحْدَثَهُ النَّاسُ فِي آخِرِ الْعَامِ الْهِجْرِيِّ ثُمَّ نَعْرِضُهُ عَلَى السُّنَّةِ فَمَا وَافَقَهَا قَبِلْنَاهُ وَعَمِلْنَا بِهِ , وَمَا خَالَفَهَا رَدَدْنَاهُ وَنَاصَحْنَا مَنْ يَفْعَلُهُ أَوْ يَقُولُهُ !!! فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِهِم : اخْتِمْ سَنَتَكَ بِالاسْتِغْفَارِ , أَوْ اجْعَلْ فِي آَخِرِ صَحِيفَةِ هَذَا الْعَامِ عَمَلاً صَالِحَاً , وَرُبَّمَا أَمَرُوا بِالصَّدَقَةِ أَوْ الصَّيَامِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ !!! وَنَقُولُ لِهَؤُلاءِ : أَثَابَكُم اللهُ عَلَى حُسْنِ قَصْدِكُمْ وَلَكِنْ هَلْ عِنْدَكُمْ دَلِيلُ عَلَى مَا تَقُولُونَ ؟ هَلْ أرشد النَّبِيُّ صَلَىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحَابَتَهُ وَحَثَّهُمْ عَلَى مِثْلِ مَا تَقُولُونَ أَوْ تَفْعَلُونَ ؟ هَلْ سَمِعْتُمْ عَنْ أَحَدٍ مِن الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَوْ سَلَفِ الأُمَّةِ مِن الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ أَنَّهُمْ رَغَّبُوا النَّاسَ فِيهَا مِثْلَمَا أَنْتُمْ تَفْعَلُونَ ؟؟؟
الْجَوَابُ طَبْعَاً : لا
إِذَنْ : فَلْيَسَعْنَا مَا وَسِعَهُم وَلْنَقِفْ مَع هَدْيِهِم فَلَنْ يَصْلُحُ آخِرُ هَذِهِ الأُمَّةِ إِلا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُهَا .
أَعُوذُ بِاللهِ مِن الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)
الْحَمْدُ للهِ على إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ له على توفيقه وامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ ألاّ إله إلا الله تعظيماً لِشَانهِ ، وأشهدُ أن نبيّنا محمداً عبدُه ورسولُهُ الداعي إلى رضوانِهِ ، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابِهِ وأعْوانِهِ وسلم تسليماً كثيراً .
أَمَّا بَعْدُ فيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ : إِنَّ صِحَّةَ النَّيِّةِ وَتَلَمُّسَ الشَّخْصِ للْخَيْرِ لا يَعْنِي أَنَّ كُلَّ مَا يَفْعُلُهُ يَكُونُ صَحِيحاً , بَلْ لابُدَّ مِن اتِّبَاعٍ وَسُنَّةٍ وَإِلا صَارَ العَمَلُ وَبَالاً عَلَى صَاحِبِهِ وَدَخَلَ فِي بَابِ الْبِدْعَةِ , واسْتَمِعُوا لِهَذِهِ القِصَّةِ الْعَجِيبَةِ الْغَرِيبَةِ :
عَنْ عِمَارَةَ بنِ أَبِي حَسَن الْمَازِنِيِّ قَالَ : كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَبْلَ صَلاةِ الغَدَاةِ , فَإِذَا خَرَجَ مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ , فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ , فَقَالَ : أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَعْدُ ؟ قُلْنَا : لا , فَجَلَسَ مَعَنَا حتَّى خَرَجَ , فَلَمَّا خَرَجَ قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعَاً , فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى : يَا أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفَاً أَمْرَاً أَنْكَرْتُهُ , وَلَمْ أَرَ وَالْحَمْدُ للهِ إِلا خَيْرَاً ! قَالَ : فَمَا هُوَ ؟ فَقَالَ : إِنْ عِشَتَ فَسَتَرَاهُ ! قَالَ : رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمَاً حِلَقَاً جُلُوسَاً , يَنْتَظِرُونَ الصَّلاةَ , فِي كِلَّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ , وَفِي أَيْدِيهِمْ حَصَاً , فَيَقُولُ : كَبِّرُوا مِائَةً ! فُيُكَبِّرُونَ مِائَةً , فَيَقُولُ : هَلَّلُوا مِائَةً ! فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً , وَيَقُولُ : سَبِّحُوا مِائَةً ! فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً , قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضَيَ اللهُ عَنْهَ : فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ ؟ قَالَ : مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئَاً , انْتَظَارَ رَأَيِكَ أَوْ انْتِظَارَ أَمْرِكَ !!! قَالَ : أَفَلا أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ شَيءٌ ؟
ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ , حتَّى أَتَى حَلْقَةً مِن تِلْكَ الْحِلَقِ فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ : مَا هَذَا الذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ ؟ قَالُوا : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَصَا نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ والتَّهْلِيلَ والتَّسْبِيحَ ! قَالَ : فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكِم , فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لا يَضِيعَ مِن حَسَنَاتِكُم شَيْءٌ !
وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ! مَا أَسْرَعَ هَلَكَتِكُمْ ؟ هَؤُلاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ , وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ , وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ ! والذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلِّةٍ هِيَ أَهْدَى مِن مِلَّةِ مُحَمَّدٍ , أَوْ مُفْتَتِحُوا بَابِ ضَلالَةٍ !؟!؟
قَالُوا : وَاللهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ !
قَالَ : وَكَمْ مِنْ مُرْيدٍ للْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ ! رَوَاهُ الدَارمِيُّ قَالَ الأَلْبَانِيُ هَذَا إِسْنَادُ صَحِيحٌ
فَانْظُرُوا أَيُّهَا الْمُسْلِمُون : كَيْفَ أَنَّ هَؤُلاءِ يَذْكُرُونَ اللهَ وَمَعَ ذَلِكَ وَصَفَهُم هَذَا الصَّحَابِيُّ العَالِمُ بِالضَّلالَةِ , لأَنَّهُم فَعَلُوا شَيْئاً لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن التَّحَلُّقِ جَمَاعَاتٍ وَمِن وُجُودِ مُوَجِّهٍ عَلَى كُلِّ حَلْقَهٍ يَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ وَمِن عَدِّ التَّسْبِيحِ بِالحَصَى ! فَهُمْ أَرَادُوا الْخَيْرَ لكَنْ لَمَّا لَمْ يَكُونُوا عَلَى سُنَّةٍ وَقَعُوا فِي الْبِدْعَةِ , فَهَلْ نَأْمَنُ أَنْفُسَنَا نَحْن ؟ الْجَوَابُ كَلَّا , لا سِيَّمَا وَأُولَئِكَ فِي عَصْرِ التَّابِعِينَ الذِي هُوَ ثَانِي خَيْرِ القُرُونِ وَمَع هَذَا قَدِرَ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِم , فَفِي هَذَا العَصْرِ مِنْ بِابِ أَوْلَى فَاحْذَرْ يَا مُسْلِم وَأَنْقِذْ نَفْسَكَ مِن البِدْعَةِ !
أَيَّهَا الْمُؤْمِنُونَ : وَمِن الْمُحْدَثَاتِ آخِرَ العَامِ قَوْلُ بَعْضِهِم : حَلِّلُونِي أَوْ بِيحُوا مِنِّي إِنْ حَصَلَ مِنِّي خَطَأ ! وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ : إِنَّ صَحِيفَةَ العَمَلِ تُطْوَى آخِرَ العَامِ ! وَمِن الْمُنْكَرَاتِ : الاحْتِفَالُ بِرَأْسِ السَّنَةِ الْهِجْرِيَّةِ !
فَنَسْأَلُ اللهَ الْهِدَايَةَ لَنَا وَلإِخْوانِنَا الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِن الذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ وَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ .
عِبَادَ اللهِ : صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى رَسِولِ اللهِ , فَإِنَّ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرَاً , اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّد , اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مَحَبَّتَهُ واتِّبَاعَهُ ظَاهِراً وَبَاطِناً , اللَّهُمَّ احْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ وَأَسْقِنَا مِنْ حَوْضِهِ , وَأَدْخِلْنَا فِي شَفَاعَتِهِ وَاجْمَعْنَا بِهِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَوَالِدِينَا وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ . اللَّهُمَّ أَعَزَّ الإِسْلامَ وَالْمُسْلِمِينَ وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ وَدَمِّرْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ . اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَا حَيُّ يَا قَيُّوم . اللَّهُمَّ وَحِّدْ صُفُوفَهُم وَاجْمَعْ كَلِمَتَهُم عَلَى الْقُرْآنِ والسُّنَّةِ يَا رَبَّ العَالَمِينَ . اللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ وَاحْفَظْهُم مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ , اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِم للْحَقِّ واهْدِهِم صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيم .
رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا . رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ . رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار
عِبَادَ اللهِ : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ . وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُون .