الشيخ/عبدالله الواكد
26-09-2012, 02:15
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
خطبة الجمعة لهذا الاسبوع
12/11/1433 هـ
بإذن الله تعالى
بعنوان
الهواتف المحمولة
أو
الهواتف النقالة
أو
الجوالات
كتبها / عبدالله بن فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخطبة الأولى
أيها الأحبةُ المسلمونَ : قال اللهُ سبحانَهُ وتعالى ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَنَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) وفي صحيح مسلم عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال ( إن الدنيا حلوة خضرة , وإن الله مستخلفكم فيها . فينظر كيف تعملون . ) الحديث
أيها الأحبة في الله : لقدْ تسجَّى الناسُ بنِعمٍ غامرةٍ ، وأفضالٍ عامرةٍ ، مجردُ نظرةٍ خاطفةٍ للماضي القريبِ ، تخلقُ في نظرِ الناظرِ ، بَوناً شاسعاً بينَ ذلكَ الزمانِ العطرِ ، والدهرِ العبقِ ، الذي كانَ الناسُ فيهِ في راحةٍ وطمأنينةٍ ، وأُنسٍ وسعادةٍ ، مجالسُهُم تفوحُ بالرجولةِ ، وتزدانُ بالأنسِ ، وتطيبُ بالحديثِ ، قبلَ أنْ تفيضَ عليهِم هذهِ الدنيا ، منْ فيضِ عطاءِ اللهِ ، سُبلَ الرفاهِ والسعةِ ، وقبلَ أنْ تُكدِّرَ عليهِم الحضارةُ والتقنيةُ ، نقاوةَ زمانِهِم ، وصفاءَ مكانِهِم ، حطَّت الصناعاتُ والإختراعاتُ بثُقلِها ، فتقاربت البلدانُ ، وتلاحمت الأوطانُ ، وتطورتْ وسائلُ الإتصالِ ، حتى أصبحَ الهاتفُ النقالُ في جيوبِ الصبيانِ والأطفالِ ، دُهِشَ الناسُ وشُدِهُوا ، إغتراباً وعجباً ، مِنْ هذهِ الوسيلةِ ، ومنْ هذا الجهازِ ، الذي قضى على الرسائلِ والخطاباتِ ، التي كانتْ وسائلَ للإتصالِ زمناً طويلاً ، جاءَ الهاتفُ الجوالُ ، فكانَ شيئاً أغربَ مِنَ الخيالِ ، نمى وتطورَ فأُلْحِقَتْ بهِ وسائلُ التسجيلِ ، وكمراتُ التصويرِ ، وبرامجُ الكتابةِ والتدوينِ ، فأصبحَ مكتباً متنقلاً في جيبِ الإنسانِ ، تُعرضُ عليهِ القنواتُ ، وتُسمَعُ بهِ التسجيلاتُ ، فسبحانَ اللهِ ، هذهِ الدنيا كُلَّماَ أعطتْ أخذَتْ ، وكُلماَ أَترفَتْ أَتلفَتْ ، لقدْ سرقت هذهِ الأجهزةُ من حياةِ الناسِ الشيءَ الكثيرَ ، وكدَّرت عليهم صَفْوَ أيامِهِم ، كانَ الناسُ إلى عهدٍ قريبٍ ، يَقْدِرُونَ للمجالسِ قَدْرَهاَ ، ويعرفونَ آدابَها وأصولَها ، فلا يجتريءُ صغيرٌ بالكلامِ أمامَ الكبيرِ ، ولا يُقاطِعُ المتحدثَ أحدٌ حتى يُنهي حديثَهُ ، ولا يلهوا أحدٌ بشيءٍ عندَ جليسِهِ ، فللمجالسُ آدابٌ حثَّتْ عليهاَ شريعةُ اللهِ ، وسنةُ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ، التزمَ الناسُ بها لأنَّها ضَرْبٌ من ضروبِ الأخلاقِ التي تقومُ عليها العاداتُ الإجتماعيةُ ، والمُثُلُ الأخلاقيةُ ، فهي أصولٌ تتفرعُ منها الفضائلُ الجميلةُ والشمائلُ الأصيلةُ ، جاءتْ هذه الجوالاتُ ، فكانت نعمةً من نعمِ اللهِ ، تُقضى بها الحاجاتُ ، وتُنهى بها المُهِمَّاتُ ، وتُنقلُ بها الأخبارُ ، وتُقضى بها الأوطارُ ، ثم طُوِّرَتْ هذهِ الوسائلُ حتى أصبحت مراكزَ للمعلوماتِ ، وأجهزةً تضمُّ العديدَ من الخدماتِ ، فعكفَ عليها أهلُها عكوفاً شديداً أشدَّ من عكوفِهِم على تلاوةِ كتابِ اللهِ ، وعلى قراءةِ سنةِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ، أصبحَ إنهماكُ الناسِ على شاشاتِها ظاهرةً مزعجةً ، وقضيةً مقلقةً ، ينموا في ظِلِّها مع الأيامِ سلوكاً انطوائياً ، وتشتُّتاً إجتماعياً ، وشطَطاً تربوياً ، واللهِ إنَّكَ لتدخلَ البيتَ فتجدُ أهلَ البيتِ الصغيرَ والكبيرَ ، كلَّ واحدٍ منهُم في يدِهِ جوالٌ ، قد أرْخَوْ رؤوسَهم على شاشاتِ جوالاتِهم ، , إجتمعتْ أجسادُهُم وتفرقت أرواحُهُم وعقولُهُم ، مشكلةٌ كبيرةٌ ، ومعضلةٌ عظيمةٌ ، تدخلُ مجلساً من المجالسِ ، فيه من الشبابِ وربما من الرجالِ ، قد تقابَلوا واجتمعوا ، وتَنتَظِرُ مِنْهُم أنْ يكونَ للحديثِ بينَهُم تجاذبٌ ، فإذا بِهِم صرعى على هذه الجوالاتِ ، كأَنَّ على رؤوسِهُمُ الطيرَ ، لا يُكَلِّمُ أحدٌ أحداً ، ما هذهِ الظاهرةُ المزعجةُ ، وما هذا السلوكُ الغريبُ ، أنُزِعَ الحياءُ من البيوتِ ، ومن المجالسِ ، وأمسى الجليسُ ليسَ لهُ قيمةٌ ، والضيفُ ليسَ لهُ حضوةٌ ، هذهِ الأجهزةُ ، دخَلتْ في حياتِنا فصنَعَت الكثيرَ ، وغيرت الكثيرَ ، وأتلفت الكثيرَ ، فقد تجاوزَ الناسُ الحدَّ في الإستفادةِ منها ، حتى انقلبتْ إلى وسائلِ شرٍّ ووبالٍ ، فكم سبَّبَت من مشاكلَ وخصوماتٍ ، وفُرقةٍ وخلافاتٍ ، وكم أتلفت من أموالٍ ، حتى أصبحَ الأكلُ والشربُ أرخصَ من الكلامِ ، وكم سببت من حوادثَ ووفياتٍ ، وكم كانت سبباً في إزعاجِ البيوتِ وإيذاءِ المصلينَ ، وسَلْبِ خشوعِ الخاشعينَ ، ما كنتُ أظُنُّ أنها تبلُغُ هذا المبلغَ ، ذكرَ لي أحدُ الشبابِ أنهُ رأى في أحدِ مساجدِ الجمعةِ شباباً منهمكونَ على أجهزةِ جوالاتِهِم ، البلاك بيري ، الإمامُ يخطبُ ، وهم يتحادثونَ بالرسائلِ ، ألهذا الحدِّ أيها المسلمونَ ، سيطَرَتْ هذهِ الأجهزةُ على سلوكِنا وسلوكِ أبنائِناَ ، أصبحَ الواحدُ منا يتكلمُ بالساعاتِ المتواصلةِ ، دونَ أنْ يحسِبَ أيَّ حسابٍ لصحتِهِ ولمالِهِ ولمن عندَهُ من الجالسينَ ، ورُبَّما دخلَ أحدُكُم على دائرةٍ حكوميةٍ أو شركةٍ خدماتيةٍ ، فبدلاً مِنْ أنْ يُرحبَ بهِ الموظفونَ وينجزوا لهُ عملَهُ ، تدخلُ على بعضِهِم هداهُمُ اللهُ وهُمْ في عالمٍ آخرَ معَ هذه الجوالاتِ ، وأما الشوارعُ والطرقاتُ فهي أكثرُ نفيراً فقلَّماَ تمرُّ بجانبِ سيارةٍ إلا وصاحبُها منهمكٌ مع جوالِهِ ، إما يقرأُ أو يكتبُ أو يتحدثُ ، يسيرُ في الطريقِ ، وفي وسطِ الناسِ ، وبينَ السياراتِ ، وربما معَهُ أسرتُهُ وأبناؤُهُ وهو منهمكٌ بالحديثِ أو مشغولٌ بالرسائلِ أو بغيرِها ، مشكلةٌ عظيمةٌ ، ومعضلةٌ جسيمةٌ ، أيها المسلمونَ : إنَّ مِنْ أسبابِ حفظِ النعمةِ ، هو تقنينُها ، وتقنينُ استخدامِها في محيطِ الفائدةِ المحضةِ ، أرأيتُمُ النارَ التي في بُيُوتِكُم ، هل هي نعمةٌ أم نقمةٌ ؟ لا واللهِ بلْ نعمةٌ عظيمةٌ من نِعَمِ اللهِ قال اللهُ تعالى فيها ( أفرأيتُم النارَ التي تورون ) ولا يخلوا بيتٌ من موقدٍ للنارِ لكنَّها إنْ خرجَتْ عن محيطِ استخدامِها المقننِ ، سببت الحرائقَ العظيمةَ ، فأزهقت الأنفسَ وأتلفت الممتلكاتِ ، نسألُ اللهَ أنْ يحفظَناَ وإياكم من كُلِّ سوءٍ ، باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ ....
الخطبة الثانية
الهاتفُ الجوالُ أيها المسلمونَ : وسيلةٌ يتوسلُ بها الناسُ لمآربَ أخرى ، وليسَ غايةً بعينِه ، فيجبُ على الناسِ إقتصارُ استخدامِهِ على الحاجاتِ المهمةِ والملحةِ ، وأنْ يتقي اللهَ السائقونَ في أنفسِهِم وفيمنْ حولَهم من الغادينَ والرائحينَ وأنْ يتركوا استخدامَهُ أثناءَ القيادةِ وخصوصاً في الأماكنِ المزدحمةِ ، علماً أنَّ أنظمةَ المرورِ في كثيرٍ من الدولِ تمنعُ ذلكَ ، وأنْ يُعَنِّزَ الجالسونَ على مَنْ يعبثُ بهِ بينَهُم ويؤنبُوهُ لأنَّ المجالسَ لها آدابُها ، ومع ذلكَ كُلِّه فلا بأسَ أنْ يطَّلعَ الإنسانُ على ما يردُ من خلالِهِ مِن رسائلَ نافعةٍ وأخبارٍ ، ولكنْ ليسَ بينَ الناسِ ولاَ وهُوَ يقودُ السيارةَ ، إنما يجعلُ لهُ أوقاتاً مخصصةً في بيتِهِ ولوحدِهِ ، وعلى المسلمِ أنْ يبتعدَ عن وضعِ الموسيقى ونحوِها تنبيهاً لجوالِهِ ، وأنْ يحرصَ المسلمُ على قفلِ جوالِهِ عندَ دخولِهِ المسجدِ ومعَ وضْعِهِ لحذائِهِ ، فإذا خرجَ من الصلاةِ فتحَهُ مع لبسِهِ لحذائِهِ ، لأنَّ المصلينَ يتأذَّوْنَ من أصواتِ الجوالاتِ ، بل وتسلُبُ الخشوعَ والطمأنينةَ من قلوبِ المصلينَ ، فلا تَكُنْ باركَ اللهُ فيكَ سبباً في قتلِ الفضائلِ وهدمِ السلوكِ الحسنِ ولا تكن سبباً في إيذاءِ الناسِ وإلحاقِ الضررِ بِهم بسببِ هذا الجوالِ ، حفظَناَ وإياكَ الكبيرُ المتعالُ ، صلوا وسلموا على محمد
خطبة الجمعة لهذا الاسبوع
12/11/1433 هـ
بإذن الله تعالى
بعنوان
الهواتف المحمولة
أو
الهواتف النقالة
أو
الجوالات
كتبها / عبدالله بن فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخطبة الأولى
أيها الأحبةُ المسلمونَ : قال اللهُ سبحانَهُ وتعالى ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَنَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) وفي صحيح مسلم عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال ( إن الدنيا حلوة خضرة , وإن الله مستخلفكم فيها . فينظر كيف تعملون . ) الحديث
أيها الأحبة في الله : لقدْ تسجَّى الناسُ بنِعمٍ غامرةٍ ، وأفضالٍ عامرةٍ ، مجردُ نظرةٍ خاطفةٍ للماضي القريبِ ، تخلقُ في نظرِ الناظرِ ، بَوناً شاسعاً بينَ ذلكَ الزمانِ العطرِ ، والدهرِ العبقِ ، الذي كانَ الناسُ فيهِ في راحةٍ وطمأنينةٍ ، وأُنسٍ وسعادةٍ ، مجالسُهُم تفوحُ بالرجولةِ ، وتزدانُ بالأنسِ ، وتطيبُ بالحديثِ ، قبلَ أنْ تفيضَ عليهِم هذهِ الدنيا ، منْ فيضِ عطاءِ اللهِ ، سُبلَ الرفاهِ والسعةِ ، وقبلَ أنْ تُكدِّرَ عليهِم الحضارةُ والتقنيةُ ، نقاوةَ زمانِهِم ، وصفاءَ مكانِهِم ، حطَّت الصناعاتُ والإختراعاتُ بثُقلِها ، فتقاربت البلدانُ ، وتلاحمت الأوطانُ ، وتطورتْ وسائلُ الإتصالِ ، حتى أصبحَ الهاتفُ النقالُ في جيوبِ الصبيانِ والأطفالِ ، دُهِشَ الناسُ وشُدِهُوا ، إغتراباً وعجباً ، مِنْ هذهِ الوسيلةِ ، ومنْ هذا الجهازِ ، الذي قضى على الرسائلِ والخطاباتِ ، التي كانتْ وسائلَ للإتصالِ زمناً طويلاً ، جاءَ الهاتفُ الجوالُ ، فكانَ شيئاً أغربَ مِنَ الخيالِ ، نمى وتطورَ فأُلْحِقَتْ بهِ وسائلُ التسجيلِ ، وكمراتُ التصويرِ ، وبرامجُ الكتابةِ والتدوينِ ، فأصبحَ مكتباً متنقلاً في جيبِ الإنسانِ ، تُعرضُ عليهِ القنواتُ ، وتُسمَعُ بهِ التسجيلاتُ ، فسبحانَ اللهِ ، هذهِ الدنيا كُلَّماَ أعطتْ أخذَتْ ، وكُلماَ أَترفَتْ أَتلفَتْ ، لقدْ سرقت هذهِ الأجهزةُ من حياةِ الناسِ الشيءَ الكثيرَ ، وكدَّرت عليهم صَفْوَ أيامِهِم ، كانَ الناسُ إلى عهدٍ قريبٍ ، يَقْدِرُونَ للمجالسِ قَدْرَهاَ ، ويعرفونَ آدابَها وأصولَها ، فلا يجتريءُ صغيرٌ بالكلامِ أمامَ الكبيرِ ، ولا يُقاطِعُ المتحدثَ أحدٌ حتى يُنهي حديثَهُ ، ولا يلهوا أحدٌ بشيءٍ عندَ جليسِهِ ، فللمجالسُ آدابٌ حثَّتْ عليهاَ شريعةُ اللهِ ، وسنةُ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ، التزمَ الناسُ بها لأنَّها ضَرْبٌ من ضروبِ الأخلاقِ التي تقومُ عليها العاداتُ الإجتماعيةُ ، والمُثُلُ الأخلاقيةُ ، فهي أصولٌ تتفرعُ منها الفضائلُ الجميلةُ والشمائلُ الأصيلةُ ، جاءتْ هذه الجوالاتُ ، فكانت نعمةً من نعمِ اللهِ ، تُقضى بها الحاجاتُ ، وتُنهى بها المُهِمَّاتُ ، وتُنقلُ بها الأخبارُ ، وتُقضى بها الأوطارُ ، ثم طُوِّرَتْ هذهِ الوسائلُ حتى أصبحت مراكزَ للمعلوماتِ ، وأجهزةً تضمُّ العديدَ من الخدماتِ ، فعكفَ عليها أهلُها عكوفاً شديداً أشدَّ من عكوفِهِم على تلاوةِ كتابِ اللهِ ، وعلى قراءةِ سنةِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ، أصبحَ إنهماكُ الناسِ على شاشاتِها ظاهرةً مزعجةً ، وقضيةً مقلقةً ، ينموا في ظِلِّها مع الأيامِ سلوكاً انطوائياً ، وتشتُّتاً إجتماعياً ، وشطَطاً تربوياً ، واللهِ إنَّكَ لتدخلَ البيتَ فتجدُ أهلَ البيتِ الصغيرَ والكبيرَ ، كلَّ واحدٍ منهُم في يدِهِ جوالٌ ، قد أرْخَوْ رؤوسَهم على شاشاتِ جوالاتِهم ، , إجتمعتْ أجسادُهُم وتفرقت أرواحُهُم وعقولُهُم ، مشكلةٌ كبيرةٌ ، ومعضلةٌ عظيمةٌ ، تدخلُ مجلساً من المجالسِ ، فيه من الشبابِ وربما من الرجالِ ، قد تقابَلوا واجتمعوا ، وتَنتَظِرُ مِنْهُم أنْ يكونَ للحديثِ بينَهُم تجاذبٌ ، فإذا بِهِم صرعى على هذه الجوالاتِ ، كأَنَّ على رؤوسِهُمُ الطيرَ ، لا يُكَلِّمُ أحدٌ أحداً ، ما هذهِ الظاهرةُ المزعجةُ ، وما هذا السلوكُ الغريبُ ، أنُزِعَ الحياءُ من البيوتِ ، ومن المجالسِ ، وأمسى الجليسُ ليسَ لهُ قيمةٌ ، والضيفُ ليسَ لهُ حضوةٌ ، هذهِ الأجهزةُ ، دخَلتْ في حياتِنا فصنَعَت الكثيرَ ، وغيرت الكثيرَ ، وأتلفت الكثيرَ ، فقد تجاوزَ الناسُ الحدَّ في الإستفادةِ منها ، حتى انقلبتْ إلى وسائلِ شرٍّ ووبالٍ ، فكم سبَّبَت من مشاكلَ وخصوماتٍ ، وفُرقةٍ وخلافاتٍ ، وكم أتلفت من أموالٍ ، حتى أصبحَ الأكلُ والشربُ أرخصَ من الكلامِ ، وكم سببت من حوادثَ ووفياتٍ ، وكم كانت سبباً في إزعاجِ البيوتِ وإيذاءِ المصلينَ ، وسَلْبِ خشوعِ الخاشعينَ ، ما كنتُ أظُنُّ أنها تبلُغُ هذا المبلغَ ، ذكرَ لي أحدُ الشبابِ أنهُ رأى في أحدِ مساجدِ الجمعةِ شباباً منهمكونَ على أجهزةِ جوالاتِهِم ، البلاك بيري ، الإمامُ يخطبُ ، وهم يتحادثونَ بالرسائلِ ، ألهذا الحدِّ أيها المسلمونَ ، سيطَرَتْ هذهِ الأجهزةُ على سلوكِنا وسلوكِ أبنائِناَ ، أصبحَ الواحدُ منا يتكلمُ بالساعاتِ المتواصلةِ ، دونَ أنْ يحسِبَ أيَّ حسابٍ لصحتِهِ ولمالِهِ ولمن عندَهُ من الجالسينَ ، ورُبَّما دخلَ أحدُكُم على دائرةٍ حكوميةٍ أو شركةٍ خدماتيةٍ ، فبدلاً مِنْ أنْ يُرحبَ بهِ الموظفونَ وينجزوا لهُ عملَهُ ، تدخلُ على بعضِهِم هداهُمُ اللهُ وهُمْ في عالمٍ آخرَ معَ هذه الجوالاتِ ، وأما الشوارعُ والطرقاتُ فهي أكثرُ نفيراً فقلَّماَ تمرُّ بجانبِ سيارةٍ إلا وصاحبُها منهمكٌ مع جوالِهِ ، إما يقرأُ أو يكتبُ أو يتحدثُ ، يسيرُ في الطريقِ ، وفي وسطِ الناسِ ، وبينَ السياراتِ ، وربما معَهُ أسرتُهُ وأبناؤُهُ وهو منهمكٌ بالحديثِ أو مشغولٌ بالرسائلِ أو بغيرِها ، مشكلةٌ عظيمةٌ ، ومعضلةٌ جسيمةٌ ، أيها المسلمونَ : إنَّ مِنْ أسبابِ حفظِ النعمةِ ، هو تقنينُها ، وتقنينُ استخدامِها في محيطِ الفائدةِ المحضةِ ، أرأيتُمُ النارَ التي في بُيُوتِكُم ، هل هي نعمةٌ أم نقمةٌ ؟ لا واللهِ بلْ نعمةٌ عظيمةٌ من نِعَمِ اللهِ قال اللهُ تعالى فيها ( أفرأيتُم النارَ التي تورون ) ولا يخلوا بيتٌ من موقدٍ للنارِ لكنَّها إنْ خرجَتْ عن محيطِ استخدامِها المقننِ ، سببت الحرائقَ العظيمةَ ، فأزهقت الأنفسَ وأتلفت الممتلكاتِ ، نسألُ اللهَ أنْ يحفظَناَ وإياكم من كُلِّ سوءٍ ، باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ ....
الخطبة الثانية
الهاتفُ الجوالُ أيها المسلمونَ : وسيلةٌ يتوسلُ بها الناسُ لمآربَ أخرى ، وليسَ غايةً بعينِه ، فيجبُ على الناسِ إقتصارُ استخدامِهِ على الحاجاتِ المهمةِ والملحةِ ، وأنْ يتقي اللهَ السائقونَ في أنفسِهِم وفيمنْ حولَهم من الغادينَ والرائحينَ وأنْ يتركوا استخدامَهُ أثناءَ القيادةِ وخصوصاً في الأماكنِ المزدحمةِ ، علماً أنَّ أنظمةَ المرورِ في كثيرٍ من الدولِ تمنعُ ذلكَ ، وأنْ يُعَنِّزَ الجالسونَ على مَنْ يعبثُ بهِ بينَهُم ويؤنبُوهُ لأنَّ المجالسَ لها آدابُها ، ومع ذلكَ كُلِّه فلا بأسَ أنْ يطَّلعَ الإنسانُ على ما يردُ من خلالِهِ مِن رسائلَ نافعةٍ وأخبارٍ ، ولكنْ ليسَ بينَ الناسِ ولاَ وهُوَ يقودُ السيارةَ ، إنما يجعلُ لهُ أوقاتاً مخصصةً في بيتِهِ ولوحدِهِ ، وعلى المسلمِ أنْ يبتعدَ عن وضعِ الموسيقى ونحوِها تنبيهاً لجوالِهِ ، وأنْ يحرصَ المسلمُ على قفلِ جوالِهِ عندَ دخولِهِ المسجدِ ومعَ وضْعِهِ لحذائِهِ ، فإذا خرجَ من الصلاةِ فتحَهُ مع لبسِهِ لحذائِهِ ، لأنَّ المصلينَ يتأذَّوْنَ من أصواتِ الجوالاتِ ، بل وتسلُبُ الخشوعَ والطمأنينةَ من قلوبِ المصلينَ ، فلا تَكُنْ باركَ اللهُ فيكَ سبباً في قتلِ الفضائلِ وهدمِ السلوكِ الحسنِ ولا تكن سبباً في إيذاءِ الناسِ وإلحاقِ الضررِ بِهم بسببِ هذا الجوالِ ، حفظَناَ وإياكَ الكبيرُ المتعالُ ، صلوا وسلموا على محمد