المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثمرة الصيــــــــــــام ( خطبة الجمعة القادمة 8 رمضان 1433هـ )



محمدالمهوس
26-07-2012, 16:53
بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم. {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} {يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} أما بعد :
فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
عليكَ بتَقوى اللّه في كل أمرِه ... تجد غبها يوم الحسابِ المطَّولِ
ألا إِن تقوى اللّه خيرُ مغبةٍ ... وأفضلُ زادِ الظاعنِ المتحملِ
ولا خيرَ في طولَ الحياةِ وعيشِها ... إِذا أنتَ منها بالتقى لم ترحلِ
عباد الله / يقول الله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } فمن أهم ثمار شهر الصيام تقوى الله عز وجل ، فقوله { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} تعليل لفرضية الصيام ؛ ببيان فائدته الكبرى ، وحكمته العظمى . وهي تقوى الله وهى التي سأل أميرُ المؤمنين عمرُ رضي الله عنه الصحابيَّ الجليل ؛ أُبيَّ بن كعب رضي الله عنه عن معنى التقوى ومفهومها ؟ فقال يا أمير المؤمنين : أما سلكت طريقا ذا شوك ؟ قال : بلى .. قال : فما صنعت ؟ قال إذا رأيت الشوك عزلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه ، قال : ذاك التقوى .
دخل علي رضي الله عنه المقبرة فقال: يا أهل القبور ما خبركم ؟: فخبرنا ألأموال قسمت والبيوت سكنت والنساء تزوجت، ثم بكى ثم قال: والله لو استطاعوا أن ينطقوا لقالوا: تزودوا فإن خير الزاد التقوى .
تقوى الله ياعباد الله حساسيةٌ في الضمير ، وشفافيةٌ في الشعور ، وخشيةٌ مستمرة ، وحذرٌ دائم ، وتوق لأشواكِ الطريق ؛طريقِ الحياة الذي تتجاذبُه أشواكُ الرغائبِ والشهوات ، والمخاوفِ والهواجس ، والفتنِ والموبقات ، وأشواكُ الرجاءِ الكاذب فيمن لا يملكُ إجابةَ الرجاء ، وأشواكُ الخوف الكاذب ممن لا يملكُ نفعاً ولا ضراً ، وعشراتٌ غيرُها من الأشواك
يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يعبر عن التقوى بقوله : هي الخوفُ من الجليل ، والعملُ بالتنزيلُ ، والقناعةُ بالقليل ، والاستعدادُ ليوم الرحيل . هذه حقيقة التقوى ، وهذا مفهومها فأين نحن من هذه المعاني المشرقةِ المضيئة ؟ .. لقد كان المجتمعُ الإسلاميُ الأول مضربَ المثل في نزاهتهِ ، وعظمةِ أخلاقه ، وتسابقِ أفرادهِ إلى مرضاةِ ربهمِ جل جلاله ، وكانت التقوى سمةً بارزة في محيا ذلكِ الجيلِ العظيم الذي سادَ الدنيا بشجاعتهِ وجهاده ،وسارت بأخلاقهِ وفضائلهِ الركبان مشرقاً ومغرباً ، فقد كان إمام المتقين عليه الصلاة والسلام قمةً في تقواه وورعهِ ، وشدةِ خوفهِ من ربهِ العظيمِ الجليل ، فكان يقومُ الليل يصلي ويتهجد حتى تفطرتْ قدماه ، وكان يُسمعُ لصدره أزيزٌ كأزيزِ المرجل من النشيجِ والبكاء ، وهو الذي غُفر له ذنبه ما تقدم وما تأخر ، فسار على خطاه صحابتُه رضوانُ الله عليهم فحقّقوا التقوى مع ربّهم ومع نبيّهم ومع مجتمعهم حتى أصبحوا مَضْربَ المثل في التقوى فهذا صِدّيقُ الأمة يقول : يا ليتني كنت شجرةً تعضدُ ثم تؤكل !! وكان له خادمٌ يأتيه بالطعام ، وكان من عادةِ الصديق أن يسأله في كل مرة عن مصدرِ الطعام ؛ تحرزاً من الحرام !! فجاءه خادمُه مرةً بطعامه ، فنسي أن يسألَه كعادته فلما أكلَ منه لقمة قال له خادمُه : لمَ لم تسألني - يا خليفة رسولِ الله - كسؤالكِ في كلِ مرة ؟ قال أبو بكر : فمن أين الطعامُ يا غلام ؟ قال : دَفعه إليَّ أناسٌ كنتُ أحسنتُ إليهم في الجاهلية بكهانةٍ صنعتُها لهم ، وهنا ارتعدتْ فرائصُ الصديق ، وأدخلَ يده في فمــه ، وقاء كلَّ ما في بطنهِ وقال : "واللهِ لو لم تخرجْ تلك اللقمة إلا مع نفسي لأخرجتها" ، كل ذلك من شدةِ خوفه وتقواه وتورعهِ عن الحرام ، وأما خوفُ عمر رضي الله عنه وشدةِ تقواه فعجبٌ من العجب ، سمع قارئاً يقرأُ قولَه تعالى (( يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً )) فمرض ثلاثاً يعـودهُ الناس . بل إنه قرأ مرةً قولَه تعالى ((وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ)) فمرض شهراً يعودُه الناسُ مريضاً .
تقوى الله .. أنْ يطاعَ المولى فلا يُعصي وأنْ يُذكرَ فلا يُنسى وأنْ يُشكرَ فلا يُكفر ، وتقوى الله ... أن تعملَ بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وأن تترك معصيةَ الله على نور من الله تخافُ عِقابَ الله.
وتقوى الله هي وصيةُ الله للأولين والآخرين كما قال تعالى (( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ )) وهي وصيةُ الأنبياء والرسل لأقوامِهم ، فكلُّ نبيٍّ يقولُ لِقِومه ((أَلا تَتَّقُونَ ))
وأمّا ثمراتُ التقوى - عباد الله- فَهي متعددةٌ كثيرة جمعت خيْريِ الدنيا والآخرة فالله يُحب المتقين (( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ )) ويرحمهم في الدنيا والآخرة ((وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)) وتقوى الله سببٌ لعون الله ونصره وتأييده ومعيته :(( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)) وهي حِصْنُ الخائف وأمانُهُ من كلِّ ما يخاف ويحذر ، من سوء ومكروه في الدنيا والآخرة : ((وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)) وتقوى الله سببٌ في الحصول على العلم النافع ((وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )) وسببٌ في التّمْييِز بين الحق والباطل ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً )) وتقوى الله تُعطي العبدَ قُوّةً لغلبة الشيطان :(( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)) وهيَ وسيلةٌ لنيل الأجر العظيم : (( وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ)) وهي سبب في توسيع الرزق وفتح مزيدٍ من الخيرات ((وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ )) وسبب في تفريج الكرب وتيسير الأمور :((وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً)) وسببٌ في النّصْر على الأعداء وردِّ كيدهم والنجاة من شرهم ((إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ))
وتقوى الله صفةٌ لأولياء الله وطريقٌ لولاية الله :
((أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ))
اللهم آتي نفوسنا تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها يارب العالمين .
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية
الحمد لله ولي من اتقاه، من اعتمد عليه كفاه، ومن لاذ به وقاه. أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وحبيبه وخليله ومصطفاه، صلى الله وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومن دعا بدعوته واهتدى بهداه.
أما بعد : عباد الله / من الناس من يحافظ على حقوق الله ، وتلمح فيه سمات الصالحين ولكنه مضيع لحقوق الناس ، يقول ابن رجب رحمه الله: وكثيراً ما يغلب على من يعتني بالقيام بحقوق الله، والانعكاف على محبته وخشيته وطاعته، إهمال حقوق العباد بالكلية أو التقصير فيها. حتى قال: والجمع بين القيام بحقوق الله وحقوق عباده عزيز جداً لا يقوى عليه إلا الكمّل من الأنبياء والأتقياء. وقد قال بعض الحكماء: من عزيز الأشياء: حسن الخلق مع الديانة، وحسن الإخاء مع الأمانة ،وإذا تأملنا أوصاف المتقين في كتاب الله تعالى نجدهم في قوله تعالى ((وَٱلْكَـٰظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَـٰفِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ ))
وهذا عمرُ رضي الله عنه في طريقهِ إلى مكةَ المكرمة مرَ براعٍ فقالَ له: يا أيها الراعي بعني شاةً من هذا الغنمِ فقال: إني مملوك، فأرادَ عمرُ أن يختبرَهُ، فقال له: قل لسيدكَ أكلَهَا الذئبُ، فقال الراعي: فإذا قلتُ ذلكَ فأينَ الله ؟!، فذهبَ عمرُ لسيدِ الراعي، فاشتراهُ منه ثم اعتقَهُ فقال له: أعتقتكَ في الدنيا هذه الكلمة، وأرجو أن تعتقَكَ في الآخرة .
جعلني اللهُ وإياكم من المتقين الذين تقرُ أعينُهم في الدنيا بالطاعات وفي الآخرة بالجنات .
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه .......