المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جاء رمضان ... لعلّكم تتقون .



منصور الغايب
20-07-2012, 13:33
كعادة الضيوف المحبوبين والمقربين إلى النفوس يأتي "رمضان" سريعاً دون أن تشعر به ويغادر سريعاً دون أن تشعر به فهو لا يريد أن يسبب لك مزيد إزعاج ، وكعادة الأصدقاء غير الثقيلين فهو لا يزور إلا غبّا لعله أن يزداد حبّاً ، يطلبك أن تحسن ضيافته وأن تكرمه بجميل اللقاء فتأخذه بالأحضان وتضرب على ظهره بكفك وتقول له : إننا والله لك لمشتاقون ومنذ أن رحلت عنّا آخر مرة للقياك منتظرون ، لتسمعه يقول : (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم "لعلكم تتقون" ) .

ثمّ أجلسه حيث تشعر بأنه يليق به ذلك المجلس ، وليس أكرم له من أن تفتح له "ديوان" قلبك ليجلس في "صدر" مجلسك فينشرح بذلك "صدرك" ، وتجاذب معه بعدها أطراف الحديث ، فإن حديثه لا يمل ، ومستمعه لا يكلّ ، وكيف لا ؟! وهو كحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ، والأولى هي الأقرب دائما فرمضان "كريم" ، فلا تردنّ عطاياه وهباته ففيه يصدق قول الناس : "لا يرد الكريم إلا اللئيم" ، وبادره بالإكرام حتى تمتلكه شاهداً حين تحتاج لشهود فمن عادة الكريم أنك إن أكرمته ملكته "إذا أنت أكرمت الكريم ملكته" ، ورغ إلى "نفسك" لتجيء له "بعمل سمين" لعله يبيض وجهك أمامه ، وحاول إصلاح ما بينك وبينه وقل له سرّا : ليت الذي بيني وبينك عامرٌ ، ثم أردفها بأخرى علانية : إذا صحّ منك الودّ فالكل هيّنٌ ، لعلك أن تكون حينها قد بادرت باللحاق بركب المكرِمين المكرَمين ، فلا يغرنك بعدها المتخاذلون ، الذين هم في "تفريطهم" يعمهون ، وعلى عهدهم القديم قبل رمضان باقون ، وكأنهم لم يسمعوه وهو يقول : (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم "لعلكم تتقون")

لا ترضَ منه بالقليل ، وأشبع منه نهمك على الخير ، وكن معه كما لم تكن عليه قبله ، فإنه إن ذهب قد لا يعود ، أو قد تكون أنت حينها برفقة الدود ، تتمنى لو عدت إليه يوماً واحداً لتكرمه حق إكرامه ، وتحسن إليه غاية الإحسان ، لتظفر منه بالأعطيات الجزال والتي أعلاها العتق من النيران والفوز بالجنان حين يبكي المضيعون ، ويتحسر اللاعبون اللاهون ، ويعض على أيديهم الظالمون ، لأنهم غفلوا عن قوله : (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم "لعلكم تتقون") .

ثم اعلم أنه ضيف خفيف لا يطيل المقام يعلم أن فراقه "عيد" حقيقي لمن خاف الوعيد ، ومزيف لمن حصر معنى العيد في اللبس الجديد ، وأنك لو أقسمت عليه أو أغريته بطول المكث فلن يستجيب لك ، فهو عبد مأمور ، يأتي في وقت محدد ويغادر في وقت محدد ، ولا شيء عنده أفضل من أن تحسن وداعه كما أحسنت استقباله ، وأن تحتضنه في الآخرة كما احتضنته في الأولى ، وأن تطبع على جبينه قبلة مفادها : إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا على فراقك يا "رمضان" لمحزونون ، لتستمع إليه يردد وهو يغادر (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم "لعلكم تتقون") .

ومضة :

ليكن شعارك في رمضان هذا العام مختلفاً ، وردّد مقولة الصحابي الجليل أنس بن النضر حين قال يوم بدر : والله ليرينّ الله ما أصنع ، فقل كما قال ودع الله عز وجل يفرح بصنيعك وهو سبحانه الغني عنك .

قبل الختام :

حين تمتليء مائدتك بأنواع شتى من الأطعمة والأشربة ، تذكر أن بالقرب منك من إخوانك البدون من لا يجد عشر ما تجد ، وأن الحكمة من الصيام الإحساس بشعور الفقير والظفر بعطية التقوى ، فتفقد حال إخوانك البدون ، وردد (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم "لعلكم تتقون")