المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المُجند احمد .. ذهب شاباً عاقلاً .. عاد شاباً فقط



محمد العربي
19-07-2012, 00:15
اعتذر من اخواني الكرام الذين شاركوني في موضوع سابق ولم اتفاعل معهم .. والعذر ليس واحد بل اكثر .. فاشكركم ايها الأحبة ..



المُجند احمد


ودع أباه وأُمه وقَبَّلَ اياديهما قبل أن يُغادر , كانت امه توصيه بالصلاة والصبر وكان اباه يقوي من عزائم ابنه احمد , ويقول له انك ذاهبٌ لخدمة وطنك سوريا .. سوريا الإباء والشموخ .


مر على منزل عمه الذي يجاور بيتهم .. فودع عمه وقبل رأسه طويلاً , وكانت عيناه تجولان في فناء الدار لعله يرى ابنة عمه قبل أن يُغادر .. كان يحبها حباً جما .. حب بدأ منذ الطفولة وحتى البلوغ .. وكان قد عقد العزم على أن يتقدم لخطبتها بعد أن يُنهي تجنيده الإلزامي .


استقل سيارة الأُجرة وتوجه الى محطة القطار حيث غادر الى مركز التدريب العسكري . اكمل هناك بعض الدورات العسكرية الخاصة بالتجنيد الإجباري , ثم أُرسل ليعمل بما بقي من مدة تجنيده الى واحدة من المقرات الإستخباراتية السورية والتي تقع في منطقةٍ نائية جداً من البلد .


عُين في فرقة الحراسات والمراقبة في ذلك المكان البعيد عن كل أثر مدني بالجوار , وقد أُرفق مع احد الأفراد النظاميين ليقوما بحراسة إحدى الجهات الخلفية للمبنى .

مضت الشهور كئيبة .. ممله وبطيئة جداً , وما كان يصدق هذا العاشق الولهان أن هذه الليلة هي آخر ليلةٍ له في هذا المكان , وأنها ايامٌ قلائل فقط هي التي تفصله عن العودة الى قريته .


كانت تلك الليلة من اطول الليالي التي مرت عليه , وكان يشتكي لصاحبه نار الشوق وعذاب البعد والفراق .. كان كثير التملل وكثيراً ما يبدي الشعور بالقلق وكثرة التفكير .. كان يقول لصاحبه انه وبعد ان يخرج من هذا المكان , فهو سيبدأ حياة جديدة ملؤها السعادة والفرح وأنه سيمحو هذه الفترة الكئيبة من حياته والتي قضاها هنا ..

كان يعجب من صاحبه الذي يعمل في هذا المكان منذ مدة طويلة ومع ذلك فهو دائم المزاح والضحك .. لم يكن يذكر يوماً ان رأى وجهه من دون أن يحمل تلك الإبتسامة التي تدعو للأمل .


فقال صاحبه .. إن هناك مكان قريب ولا يبعد سوى عشرة امتار من مكان حراستنا , به أُناسٌ ما فارقوا هذا المكان منذ سنوات , والأسوء من ذلك انهم تحت باطن الأرض .. يتنفسون .. يأكلون .. يتكلمون .. لكنهم لا يُغادرون هذا المكان .. ولولا اني أخشى ان تفقد الشعور بحب الحياة ولذتها لأخذتك هناك ولرأيت ما هو اعجب من ابتسامتي الزائفة .. ولجعلتك تعلم ان الدُنيا وإن كانت واسعة وسعيدة عند قوم .. فهي أضيق ماتكون عند آخرين وأشد بؤساً عليهم ..


فلما قال احمد أنه لا يصدق ما يسمع من صاحبه , وانه فعلاً يريد أن يذهب الى هناك ليرى بعينه , وبعد أن رأى صاحبه العزم والإلحاح من احمد . أخذ بيده وتسللا متخفيين الى مكانٍ يقع خلف المخازن الخاصة بالمبنى . الى أن اتيا سردابٌ عليه باب غير مقفل ..


فتحا الباب فكان هناك درجاً يؤدي الى باطن الأرض .. هنا طلب منه صاحبه وعداً أن لا يأتي بأي كلمة في الأسفل مهما حدث .. وأن لا يخبر أحداً بما سيسمع !


نزلا بكل هدوء , وكان ضوء القمر يخفت شيئاً فشيئاً مع كل انحناءةٍ في ذلك الدرج , حتى وصلا الى آخره وقد عم عليهما الظلام فلا يرى احدهما صاحبه . كان احمد يحاول ان يتصور ما قد سوف يراه في هذا المكان المظلم جداً . لكن صاحبه قطع عليه افكاره فافتعل اصواتاً وذلك بضرب الارض بقدميه وبقوة .. فخرجت اصواتٌ لرجال ونساء من كل جانبٍ وصوب .. أنات .. صرخات .. بكاء .. عويل .. وكل ذلك ما كان ليكون إلا بسبب آلامٍ فضيعة يشعر بها اصحابها .


التفت يميناً فسمع من ينادي بأنه مقر بذنبٍ ما .. ثم التفت يساراً فثم صوتُ رجل يزعم أنه على علمٍ بمكان أخٍ له .. أُصيب احمد بالخوف والفزع , بل انه قد صرخ عالياً لحظة أن وضع صاحبه يده على كتفه ..


ومن غير شعورٍ وإدراك , أخرج ولاعةً وأشعلها فاضاء بنورها على اجسادٍ معلقة على الجدران وقد أُنهكت من التعذيب .. لم تكن تلك الوجوه الشاحبة تنظر اليه باعينها الجاحظة .. بل إلى ذلك النور الذي يحمله بيده .. قد كانت بضعة ثوانٍ فقط رأى فيها كل مظاهر القهر والظلم .. كل انواع الإذلال والجور .. لكن النور قد انقطع بعد ان صفعه صاحبه بقوة ثم هرب الى اعلى طالباً من احمد أن يلحق به .. اما احمد فقد سقط على الأرض من قوة الصفعة .. وعلم عندها انه اضاع طريق العودة .


أخذ يتلمس الأرض بحثاً عن ولاعته التي سقطت منه , فكان يمسك بأقدام هؤلاء المعذبون فيبادروا بالصراخ والعويل .. فيقوم هو بالصراخ ايضاً .. مما زاده ارباكاً وفزعاً .. حتى وجدها .


وقف وهو يُعد نفسه مُجبراً لرؤية تلك المشاهد مرةً أُخرى .. فهو يريد ان يتأكد من طريق العودة .. ولا بد من أن يشعل ولاعته .. عزم على أن لا يلتفت الى هؤلاء الأشخاص ولا الى اصواتهم .. وأن يكون تركيزه منصباً فقط الى حيث مكان الدرج ..


اشعل الولاعة .. فتعالت الأصوات مرةً أُخرى .. لم يُظهر المبالاة بهم وإن كانت يده ترتجف خوفاً ورهبةً من هذا المكان .. وهو يسير الى حيث طريق الخروج , كان يرى بطرفي عينيه اجساداً تحاول أن تنزع نفسها من تلك الجدران وكأنها تريد ان تنزع ملابسها .. لكنه توقف عند سماعه لصوت امرأةٍ تناديه بــ أيها الشهم ..


التفت اليها فرأى وجه إمرأةٍ ملؤه الوقار والشرف والعفة .. لكنها قالت قد سُلب مني ما تراه في وجهي قهراً وغصباً .. فأرجوك اقتلني وأنت مأجور على ذلك ..


لكنه لم يفعل وابتعد عنها وقد فقد آخر ما قد يشعر به في الحياة خارج هذا القبو .. عاود المسير .. صعد الى الدرج وبخطوات تختلف عن تلك التي بدأ بها وقت نزوله .. كانت خطواته ترتجف وبالكاد قدميه تطاوعانه على المسير .. لم يطفيء ولاعته .. فالنور الصادر من يده كان المساعدة الوحيدة التي يستطيع ان يقدمها لهؤلاء ..


وصل الى صاحبه .. وهو مشوش ومشدوه وفاقد الإحساس ضائع التفكير .. زهد بالدنيا وكرهها كثيراً وكره ما فيها وما عليها .. لم ينطق بكلمةٍ واحدة .. وقد رأى صاحبه ان يترك احمد على حاله ..


في الصباح أُعطي الاذن بالانصراف الى اهله .. لم يبدُ منه أي شعور وهو من كان يحسب الأيام والليالي حتى يعيش هذه اللحظة ..


ولم يُظهِر أية شعور ايضاً وصاحب سيارة الأُجرة يخبره بأنهم قد وصلوا الى قريتة !!




كان هؤلاء الأشخاص في السرداب هم من المعارضين لحكم حافظ الأسد.


اما النسوة فكن زوجات وبنات وأُمهات من لم يُقبض عليهم من هؤلاء المعارضين .


هؤلاء لم يشاهدوا من قيدهم ومن يعذبهم .. لكنهم يعتقدون أن احمد وصاحبه هما من يفعلا ذلك .. لذا فزع صاحب احمد وقام بصفعه.


احمد لم يتقدم لإبنة عمه , وقد ظهر عليه بعض السفه وكراهية الناس وحب الخلوة والخوف من الظلام .. ودائماً ما يكون ممسكاً بولاعته .


ما سبق هي قصةٌ حقيقية حدثت قبل عشرون عامـــاً .

ريم شمر
06-08-2012, 03:20
سراديب الاسد قرب بأذن الله وقت فتحها والاقتصاص من اصحابها
والعقبى لباقي السراديب في بلاد العرب

شكرا لك محمد العربي