المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدعاء سلاح المؤمن - قنوت النوازل ( خطبة الجمعة القادمة 9 ربيع الثاني 1433هـ



محمدالمهوس
29-02-2012, 23:43
الخطبة الأولى


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله سامع النداء ، ومجيب الدعاء ، ناصر المظلوم ، ومعطي المعدوم ، مالك الملك ، يؤتي الملك من يشاء ، وينزع الملك ممن يشاء ، ويعز من يشاء ، ويذل من يشاء ، بيده الخير وهو على كل شيء قدير،وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد ، أيها الناس :
أوصيكم بوصية ربكم لكم ، تقوى الله U ، فهو القائل : (( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ))
عباد الله : سلاح لم تصنعه مصانع الغرب أو الشرق، أقوى من كل سلاح مهما بلغت قوته ودقته وذكاؤه المزعوم، والعجيب في هذا السلاح أنه عزيز لا يملكه إلا صنف واحد من الناس، لا يملكه إلا المؤمنون الموحدون ، والذي قال عنه e (( الدعاء سلاح المؤمن )) فهو سلاح رباني، سلاح الأنبياء والأتقياء على مر العصور، ذلكم السلاح هو الدعاء الذي هواستعانة من عاجز ضعيف بقوي قادر، واستغاثة من ملهوف برب قادر، وتوجه وتوكل على العزيز القاهر، ورجاء إلى مصرف الكون ومدبر الأمر، ليزيل علة، أو يرفع محنة، أو يكشف كربة، أو يحقق رجاءً أو رغبة، فهو الملجأ في وقت الأزمة والمحنة ، وهو سلاح المظلومين ومفزع الضعفاء المكسورين إذا انقطعت بهم الأسباب، وأغلقت في وجوههم الأبواب ((وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ))


أتهزأ بالدعاء وتزدريه *** وما تدري بما صنع الدعاءُ
سهام الليل لا تخطي ولكن *** له أمدٌ وللأمد انقضاء
الدعاء طريق النجاة وسلم الوصول ومطية الصالحين
الدعاء من أنفع الأدوية ، وهو عدو البلاء يدافعه ويعالجه ويمنع نزوله ويرفعه أو يخففه قال e : ((من فُتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة، وما سُئل الله شيئاً يُعطى أحب إليه من أن يُسأل العافية، إن الدعاء ينفع مما نزل وما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء)) رواه الترمذي وحسنه الألباني .
فضائل الدعاء لا تحصى، وثمراته لا تعد فهو العبادة كلها كما أخبر النبي eبقوله((الدعاء هو العبادة )) رواه الترمذي وصححه الألباني.
الدعاء سلاح استخدمه الأنبياء في أصعب المواقف، فها هو النبي eفي غزوة بدر عندما نظر إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر استقبل القبلة ثم رفع يديه قائلاً: ((اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي ، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ لا تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ " فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ ، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ)) وجاء الفرج ((إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ))
وها هو نبي الله أيوب عليه السلام بعدما نزل به أنواع البلاء، وانقطع عنه الناس، ولن يبق أحد يحنو عليه سوى زوجته، وهو في ذلك كله صابر محتسب، فلما طال به البلاء دعا ربه قائلاً(( أنّي مَسَنِىَ الضُرُ وَأنتَ أرحَمُ الرّاحِمِينَ )) فجاء الفرج من الله (( فَاستَجَبنَا لَهُ فَكَشَفنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ))


ولما اشتد إعراض قوم نوح بعد عرض دعوته ليلاً ونهارًا، سرًّا وجهارًا، فما كان منه عليه السلام إلا أن قال ((رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً)) فجاء الفرج من الله ((فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ )) ولما اشتد إعراض فرعون وقومه عن دعوة موسى، ما كان منه عليه السلام إلا أن قال ((رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ )) فأجاب دعوته فأغرق فرعون وحشا فاه بالطين .


إذا عرضت لي في زماني حاجةٌ *** وقد أشكلت فيها عليّ المقاصدُ
وقفـتُ بباب اللهِ وقفةَ ضارعٍ *** وقلـتُ: إلهي إنّنِي لك قاصدُ
ولستُ تراني واقفًا عند بابِ مَنْ *** يقولُ فتاه: سيدي اليومَ راقدُ
نعم عباد الله الدعاء سبب لتفريج الهموم وزوال الغموم،وانشراح الصدور، وتيسير الأمور، وسبب لدفع غضب الله تعالى قال e : (( مَنْ لَمْ يَسأل اللهَ يَغْضَبْ عليْه )) رواه أحمد والترمذي وحسنه الألباني .


لا تسألنّ بُنَيَّ آدمَ حاجةً *** وسلِ الذي أبوابُه لا تحجبُ


اللهُ يَغضبُ إن تركتَ سُؤالَه *** وبُنَيَّ آدمَ حين يُسألُ يَغْضبُ
عباد الله / الدعاء ثمرته مضمونه، فالربح حاصل حاصل؛ فإما أن تجاب الدعوة، أو يكف بها السوء، أو تدخر ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، قال e ((مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا " ، قَالُوا : إِذًا نُكْثِرُ ؟ ، قَالَ : اللَّهُ أَكْثَرُ)) رواه الترمذي وأحمد وصححه الألباني .
فهو مفزع المظلومين، وملجأ المستضعفين، فالمظلوم أو المستضعف إذا انقطعت به الأسباب، وأغلقت في وجهه الأبواب، ولم يجد من يرفع عنه مظلمته، ويعينه على دفع ضرورته، رفع يديه إلى السماء، وبث إلى الجبار شكواه، فنصره الله وأعز وانتقم له ولو بعد حين.
ذكر البخاري ومسلم أن امرأة خاصمت سعيد بن زيد رضي الله عنه في أرض وزعمت أنه أخذ شيئًا منها. فقال سعيد: كيف آخذ من أرضك وقد سمعت رسول الله e يقول ((مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ )) فقال سعيد: اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها، واقتلها في أرضها . قال: فما ماتت حتى ذهب بصرها، وبينما هي تمشي في أرضها إذا وقعت في حفرة فماتت.
وذُكر أن أهل الكوفة شكوا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عند عمر، وزعموا أنه لا يحسن الصلاة، فسأله عمر، فقال: أما والله إني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال عمر: ذلك الظن بك يا أبا إسحاق، وأرسل معه رجالاً يسألون عنه أهل الكوفة، فكلهم أثنوا عليه إلا رجلاً يكنى أبا سعدة، فقد كذب عليه وقال: إنه لا يعدل في القضية، ولا يقسم بالسوية، فقال سعد: أما والله لأدعون عليك بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذبًا قام رياءً وسمعة فأطل في عمره، وأطل فقره وعرضه للفتن،وقد رئي الرجل وقد سقط حاجباه على عينه من الكبر، وإنه ليتعرض للجواري في الطريق فيغمزهن، وكان إذا سئل عن فعله قال: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد.
فاتقوا يا عباد الله دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب .
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إايه إنه هو الغفور الرحيم .



الخطبة الثانية


الحمد لله على إحسانه ، والشكرله على توفيقه وامتنانه ،وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد عباد الله ومن الدعاء دعاء النوازل أو قنوت النوازل الذي نسمعه ونؤمن عليه ، في هذه الأيام ، هو سنة من سنن النبي e ، والقيام به يعتبر إتباعاً لمن أمرنا بإتباعه ، وتطبيقه عبادة من أعظم العبادات التي تقرب من الله U وإن من النوازل الجديرة بالدعاء ، ما حل بإخواننا في بلاد الشام من ظروف عصيبه من تقتيل وتشريد وتدمير على يد طائفة نصيرية خبيثة ، فقنوت النوازل ، عبادة عظيمة ، ووسيلة من وسائل نصرة هذه الأمة ، يأمر به الإمام ، فلا يفعل إلا بأمر منه وأصله كما في البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t أَنَّ رِعْلاً وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ اسْتَمَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ e عَلَى عَدُوٍّ فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِـ يقول أنس راوي الحديث ـ كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ ، فِي زَمَانِهِمْ كَانُوا يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ حَتَّى كَانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قَتَلُوهُمْ وَغَدَرُوا بِهِمْ فَبَلَغَ النَّبِيَّ eفَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو فِي الصُّبْحِ عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ ، قَالَ أَنَسٌ فَقَرَأْنَا فِيهِمْ قُرْآنًا ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ رُفِعَ ( بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا )
ألا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال : (( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً((