الشيخ/عبدالله السالم
24-02-2012, 16:20
الحمد للهِ المتوحدِ بالعظمةِ و الجلالِ ، المتصفِ بصفاتِ الكمالِ ، الْمُتَنَـزهِ عن الأشباهِ و الأمثالِ ، أحمدُهُ سبحانَهُ و أشكرُهُ شكراً يزيدُ النعمَ و يحفظُها من الزوالِ ، و أشهدُ ألا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له ، و أشهدُ أن سيدَنا و نبيَنا محمداً عبدُهُ و رسولُهُ ، أنقذَ من الضلالِ ، و هدى إلى أشرفِ الخصالِ ، أمرَ بالتثبتِ و حذرَ من سوءِ الظنِ في الأقوالِ و الأفعالِ ، صلى الله و سلم و بارك عليه و على آله و صحبِهِ خيرُ صحبٍ و آلٍ والتابعينَ و من تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ المآلِ .أما بعد : أيها الأحبةُ في اللهِ ، ما بالُ أقوامٍ لا همَّ لهم ، إلاَّ القيلَ و القالَ. والخوضَ فيما لا يُفيدُ ، يتناقلونَ الأحاديثَ ، دونَ وعيٍ أو تثَّبتٍ ، واللهُ عزَّ وجلَّ يقول( إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ ) يُلَصِّقون بهذا ما ليسَ فيه ، ويظنونَ بذاك ظنَّ السوءِ ، مطيتُهم في ذلك قالوا و زعموا ، و بئسَ مطيةُ الرجالِ زعموا ..
إذا ساءَ فِعْلُ المرْءِ ساءَتْ ظُنُونُهُ وَصَدَّقَ مَا يَعتَادُهُ من تَوَهُّمِ
إذا ضَعُفَ الوازعُ ، تجرأ المرءُ على الاستخفافِ بالحرماتِ ، وقلَّ عندَهُ احترامُ الناسِ ، و استمرأَ الكذبَ ، و اتخذَ من الشبهاتِ مطايا ، بل قد لا يَتَورَّعُ ، أن يدليَ بشهاداتٍ كاذبةٍ ، وأقوالٍ مُلَفَّقةٍ ، فهو قليلُ المروءةِ ، صفيقُ الوجهِ ، يفرحُ بالكلمةِ السيئةِ ، ليُشيعَها في الناسِ ، من غيرِ نظرٍ في العواقبِ .وبِهذا و أمثالِهِ تشيعُ البلبلةُ ، وتسري الظنونُ و القلاقلُ ، وتنتشرُ الشائعاتُ ، ولقد نهانا المولى U عن قَبولِ أي خبرٍ ، إلاَّ بعد التروي والتبينِ ، قال تعالى ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) لأن ذلك يجرُ إلى تتبعِ العوراتِ ، والتطلعِ إلى السوءاتِ . والباطلُ إذا كثُرَ ترديدُهُ ، وطالَ التفكيرُ فيه ، انقلبَ عند الناسِ في حكمِ الحقِ ، و حينئذ تقعُ الواقعةُ على المتهمينَ المظلومينَ . ولعلَّ هذا هو السرُ في النهي عن التجسسِ ، بعد الأمرِ باجتنابِ الكثيرِ من الظنِ في قولِهِ سبـحانه ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ) ومن الأسرارِ في هذه الآيةِ : الأمرُ باجتنابِ كثيرٍ من الظنِ ، لأن بعضَ الظنِ إثمٌ ، فيُجتَنَبُ الكثيرُ ، من أجلِ منعِ القليلِ ..وفي الحديثِ الصحيحِ عنه e { إياكُم و الظنَّ ، فإن الظنَ أكذبُ الحديثِ } والظنونُ السيئةُ تنشأُ عنها المكائدُ ، والطعنُ في الأنسابِ والأعراضِ ، وبسببِها تُنصبُ حبالُ المكرِ ، وشباكُ الخديعةِ ، فتحصلُ الفرقةُ و الشحناء ، و يذلُ العبادُ ، ويتمكن الأعداءُ ، وتطغى الأنانيةُ وتُنتَزعُ الثقةُ ، وتسودُ العداوةُ ، فكم أدَّى سوءُ الظنِ ، وعدمُ التثبتِ في الأخبارِ ، إلى أهوالٍ ما بعدها أهوالٌ . أُزهقتْ نفوسٌ ، وأُضيعتْ أموالٌ ، و شُتِّتَتْ أُسَرٌ ، و خُرِّبتْ بيوتٌ ، و قُطِّعتْ أرحامٌ ، فالتعجلُ ، وعدمُ التأني ، في هذه القضايا الخطيرةِ ، يفسدُ على أهلِ العقولِ عقولَهم ، و يَذهَبُ برويتِهِم و تفكيرِهِم ، فيصبحَ العيشُ مريراً ، و تصبحَ الحياةُ سعيراً . فلا بدَّ من التؤدةِ والثباتِ ، حتى لا تزلَّ قدمٌ بعد ثبوتِها ، وتنزلقوا في مجاهلِ الحوادثِ و الأحداثِ ، فتصبحوا على ما فعلتم نادمين : فالشجاعةُ كلُ الشجاعةِ ، و البطولةُ حقُ البطولةِ ، حين يملكُ المرءُ نفسَهُ في مثلِ هذه المقاماتِ ، يملكُ الزمامَ أن يفلتَ ، بسببِ كلمةٍ طائشةٍ من أحمقٍ ، أو وشايةٍ مغرضةٍ من حاقدٍ . فَحَقُ المؤمنِ ، أن يُحمى ظهرُهُ و عرضُهُ ، و تُصانُ كرامتُهُ ومعنوياتُهُ ، إلى أن يتبينَ بوضوحٍ ، ما يستحقُ عليه المساءلةَ والمؤاخذةَ ، وعلى الفردِ و الجماعةِ ، وكلِ مسئولٍ ألا يقبلوا ما يصلُ إليهم من أخبارٍ ، أو يُصَدِّقوا الأقاويلَ في المؤمنينَ ، إلا بعد التثبتِ والتبينِ ، حذراً من الإضرارِ بالناسِ ، في أنفسِهِم و سائرِ حقوقِهِم ، ومتعلقاتِهِم ، فلا يكونُ المعتمدُ ، على مقالةِ واشٍ ، أو خبرِ مفترٍ ، يجلبُ لنفسِهِ نفعاً ، أو يُوقِعُ بغيرِهِ ضراً ، وينبغي ، أن يسودَ حسنُ الظنِّ بالمؤمنين ، والاطمئنانُ إلى طويتِهِم ، والثقةُ بحسنِ نواياهُم ، و تغليبُ جانبِ الصدقِ في أقوالِهِم ، والخيرُ في تصرفاتِهِم ، ما دامتْ أحوالُهُم الظاهرةُ مأمونةٌ ، والمسأويءُ مستورةٌ ، فاحفظْ يا أخي المسلمُ يدَكَ ولسانَكَ ، و سائرَ جوارِحِكَ عن أذى الناسِ ،فـ{المسلمُ من سلمَ الناسُ من لسانِهِ ويدِهِ } و لا تبعْ دينَك بعرضٍ من الدنيا قليلٍ ( وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) ولاتكنْ أفاكاً أثيماً ،كن مصدرَ خيرٍ ونفعٍ ، وبرٍ وإحسانٍ للمسلمين ، فمجامعُ الأخلاقِ ، ولبُ المحاسنِ أن يحبَ المرءُ لأخيه ، ما يحبُ لنفسِهِ ، ومن رُزقَ حياءً ، مع قلةِ أذىً ، وصلاحاً مع قلةِ كلامٍ . وعملاً مع قلةِ فضولٍ ، فقد أُوتي محاسنَ الأخلاقِ . ولِيُعلَمْ : أن الاشتغالَ بالطعنِ في الناسِ ، وذكرِ نقائصِهِم ، والتسلي بالخوضِ في معائِبِهم ، وإفشاءِ مقالةِ السوءِ بينهم ، من طبائعِ النفوسِ الدنيئةِ ، والصدورِ الحاقدةِ ، يقولُ عليه الصلاة والسلام ، كما في الصحيحين من حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه عن { إن الرجلَ ليتكلمُ بالكلمةِ ما يتبينُ فيها يزلُّ بها في النارِ أبعدَ مما بين المشرقِ والمغرب ِ} وفي لفظٍ عند الترمذي { إن الرجلَ ليتكلمُ بالكلمةِ لا يرى بها بأساً يهوي بها سبعينَ خريفاً في النارِ } وهذا من الخسرانِ المبينِ ، اللهم إنا نسألُكَ خشيتَكَ في الغيبِ و الشهادةِ ، و نسألُكَ كلمةَ الحقِ في الرضى و الغضبِ ، و نعوذُ بك أن نقولَ زوراً ، أونغشى فجوراً ، أو نتكلفُ ما لا يعنينا ، وأعوذُ بالله من الشيطان الرجيم : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا )
نفعني اللهُ و إياكم بهدي كتابه العظيم ، و بسنة نبيه المصطفى الكريم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم منكلِّ ذنب ، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم
الحمدُ للهِ الذي بيّنَ الطريقَ و أوضحَ المحجةَ ، أرسلَ رسلَهُ مبشرينَ و منذرينَ لئلا يكونَ للناسِ على اللهِ حجةٌ ، أحمدُه سبحانَه و أشكرُهُ و أتوبُ إليه و أستغفرُهُ ، و أشهدُ ألا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له ، و أشهدُ أن محمداً عبدُهُ و رسولُهُ ، صادقَ اللهجةِ ، صلى اللهُ و سلم و بارك عليه و على آلهِ و صحبِهِ ، و التابعينَ ، و من تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ . أما بعد : لِيَعلمَ الجميعُ ، أن من تتبعَ عوراتِ الناسِ ، وتلمسَ معايبَهم ،كشفَ اللهُ سترَهُ ، و فضحَهُ في عورتِهِ ، يقولُ { يا معشرَ من آمنَ بلسانِهِ و لم يدخلْ الإيمانُ قلبَهُ لا تغتابوا الناسَ ، و لا تتبعوا عوراتِهم ، فإن من اتبعَ عوراتِهم تتبعَ اللهُ عورتَهُ ، و من تتبعَ اللهُ عورتَهُ يفضحُهُ في بيتِهِ } أخرجَه الإمامُ أحمدُ وأبو داودَ { عن أبي برزةَ الأسلمي رضي الله عنه مرفوعاً : و في " لفظ { يا معشرَ من أسلمَ بلسانِهِ و لم يدخلْ الإيمانُ قلبَهُ لا تذموا المسلمينَ و لا تؤذوهم و لا تتبعوا عوراتِهِم فإن من يطلبُ عورةَ أخيه المسلمِ هتكَ اللهُ سترَهُ و أبدى عورتَهُ و لو كان في سترِ بيتِهِ } فاتقِ اللهَ يا عبدَ اللهِ ، وليكنْ حظُ أخيكَ منك ثلاثاً : إن لم تنفعْهُ فلا تضرُّهُ ، و إن لم تفرحْهُ فلا تُغِمُّهُ ، و إن لم تمدحْهُ فلا تَذمُّهُ ، عبادَ اللهِ صلّوا على المعصومِ ، عليه أفضلُ الصلاةِ وأتمُ التسليمِ ، فإنّه يقولُ { حيثما كنتم فصلوا عليَّ فإنَّ صلاتَكم تبلغني }ويقولُ بأبي هو وأُمي { من صلى علي صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشراً } اللهم صلِّ وسلمْ وأنعمْ وأكرمْ وزدْ وباركْ ، على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ ، وارضَ اللهم عن أصحابِهِ الأطهارِ ، ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ ، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ ، وعن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين ، وعن التابعينَ وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعنَّا معَهم بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ .اللهم أعزَّ الإسلامَ المسلمينَ ، ودمرْ أعداءَ الدينِ من اليهودِ والنصارى ، وجميعِ الكفرةِ الملحدينَ ، اللّهُم يا عظيمَ العفوِ ، ويا وسعَ المغفرةِ ، ويا قريبَ الرّحمةِ ، ويا ذا الجلالِ والإكرامِ ، هبْ لنا العافيةَ ، في الدُنيا والآخرةِ ، اللّهُم اجعلْ رزقَنَا رغداً ، ولا تُشمتْ بنا أحداً ، اللهم إنا نسألُكَ ، بعزِّكَ الذي لا يرامُ ، وملكِكَ الذي لا يُضامُ ، وبنورِكَ الذي ملأ أركانَ عرشِكَ ، أن تكفيَنا شرَّ ما أهمَنا وما لا نهتمُ به ، وأن تعيذَنا من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا ، اللهم رَغّبْنا فيما يبقى ، وَزَهّدْنا فيما يفنى ، وهبْ لنا اليقينَ ، الذي لا تسكنْ النفوسُ إلا إليهِ ، ولا يُعوَّلُ في الدينِ إلا عليهِ ، اللهم اجعلْ بَلدَنا هذا آمناً مطمئناً ، وسائرَ بلادِ المسلمينَ ، اللهم أيدْ إمامَنا بتأيدِكَ ، وانصرْ بهِ دينَكَ ، ووفقْهُ إلى هُدَاكَ ، واجعلْ عمَلَهُ في رضاكَ ، وارزقْهُ اللهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ ، التي تدلُهُ على الخيرِ ، وتعينه عليه، اللهم أرحمْ موتانا ، وعافي مُبتلانا ، واقضِ الدينَ عن مدينِنا ، وردَّ ضالَنا إليكَ رداً جميلاً ، ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ، عبادَ اللهِ إن اللهَ يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذا القربى وينهى عن الفحشاءِ والمنكرِ والبغي يعظُكم لعلكم تذكرونَ ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)
http://abosami.com/pro/aqq.mp3
إذا ساءَ فِعْلُ المرْءِ ساءَتْ ظُنُونُهُ وَصَدَّقَ مَا يَعتَادُهُ من تَوَهُّمِ
إذا ضَعُفَ الوازعُ ، تجرأ المرءُ على الاستخفافِ بالحرماتِ ، وقلَّ عندَهُ احترامُ الناسِ ، و استمرأَ الكذبَ ، و اتخذَ من الشبهاتِ مطايا ، بل قد لا يَتَورَّعُ ، أن يدليَ بشهاداتٍ كاذبةٍ ، وأقوالٍ مُلَفَّقةٍ ، فهو قليلُ المروءةِ ، صفيقُ الوجهِ ، يفرحُ بالكلمةِ السيئةِ ، ليُشيعَها في الناسِ ، من غيرِ نظرٍ في العواقبِ .وبِهذا و أمثالِهِ تشيعُ البلبلةُ ، وتسري الظنونُ و القلاقلُ ، وتنتشرُ الشائعاتُ ، ولقد نهانا المولى U عن قَبولِ أي خبرٍ ، إلاَّ بعد التروي والتبينِ ، قال تعالى ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) لأن ذلك يجرُ إلى تتبعِ العوراتِ ، والتطلعِ إلى السوءاتِ . والباطلُ إذا كثُرَ ترديدُهُ ، وطالَ التفكيرُ فيه ، انقلبَ عند الناسِ في حكمِ الحقِ ، و حينئذ تقعُ الواقعةُ على المتهمينَ المظلومينَ . ولعلَّ هذا هو السرُ في النهي عن التجسسِ ، بعد الأمرِ باجتنابِ الكثيرِ من الظنِ في قولِهِ سبـحانه ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ) ومن الأسرارِ في هذه الآيةِ : الأمرُ باجتنابِ كثيرٍ من الظنِ ، لأن بعضَ الظنِ إثمٌ ، فيُجتَنَبُ الكثيرُ ، من أجلِ منعِ القليلِ ..وفي الحديثِ الصحيحِ عنه e { إياكُم و الظنَّ ، فإن الظنَ أكذبُ الحديثِ } والظنونُ السيئةُ تنشأُ عنها المكائدُ ، والطعنُ في الأنسابِ والأعراضِ ، وبسببِها تُنصبُ حبالُ المكرِ ، وشباكُ الخديعةِ ، فتحصلُ الفرقةُ و الشحناء ، و يذلُ العبادُ ، ويتمكن الأعداءُ ، وتطغى الأنانيةُ وتُنتَزعُ الثقةُ ، وتسودُ العداوةُ ، فكم أدَّى سوءُ الظنِ ، وعدمُ التثبتِ في الأخبارِ ، إلى أهوالٍ ما بعدها أهوالٌ . أُزهقتْ نفوسٌ ، وأُضيعتْ أموالٌ ، و شُتِّتَتْ أُسَرٌ ، و خُرِّبتْ بيوتٌ ، و قُطِّعتْ أرحامٌ ، فالتعجلُ ، وعدمُ التأني ، في هذه القضايا الخطيرةِ ، يفسدُ على أهلِ العقولِ عقولَهم ، و يَذهَبُ برويتِهِم و تفكيرِهِم ، فيصبحَ العيشُ مريراً ، و تصبحَ الحياةُ سعيراً . فلا بدَّ من التؤدةِ والثباتِ ، حتى لا تزلَّ قدمٌ بعد ثبوتِها ، وتنزلقوا في مجاهلِ الحوادثِ و الأحداثِ ، فتصبحوا على ما فعلتم نادمين : فالشجاعةُ كلُ الشجاعةِ ، و البطولةُ حقُ البطولةِ ، حين يملكُ المرءُ نفسَهُ في مثلِ هذه المقاماتِ ، يملكُ الزمامَ أن يفلتَ ، بسببِ كلمةٍ طائشةٍ من أحمقٍ ، أو وشايةٍ مغرضةٍ من حاقدٍ . فَحَقُ المؤمنِ ، أن يُحمى ظهرُهُ و عرضُهُ ، و تُصانُ كرامتُهُ ومعنوياتُهُ ، إلى أن يتبينَ بوضوحٍ ، ما يستحقُ عليه المساءلةَ والمؤاخذةَ ، وعلى الفردِ و الجماعةِ ، وكلِ مسئولٍ ألا يقبلوا ما يصلُ إليهم من أخبارٍ ، أو يُصَدِّقوا الأقاويلَ في المؤمنينَ ، إلا بعد التثبتِ والتبينِ ، حذراً من الإضرارِ بالناسِ ، في أنفسِهِم و سائرِ حقوقِهِم ، ومتعلقاتِهِم ، فلا يكونُ المعتمدُ ، على مقالةِ واشٍ ، أو خبرِ مفترٍ ، يجلبُ لنفسِهِ نفعاً ، أو يُوقِعُ بغيرِهِ ضراً ، وينبغي ، أن يسودَ حسنُ الظنِّ بالمؤمنين ، والاطمئنانُ إلى طويتِهِم ، والثقةُ بحسنِ نواياهُم ، و تغليبُ جانبِ الصدقِ في أقوالِهِم ، والخيرُ في تصرفاتِهِم ، ما دامتْ أحوالُهُم الظاهرةُ مأمونةٌ ، والمسأويءُ مستورةٌ ، فاحفظْ يا أخي المسلمُ يدَكَ ولسانَكَ ، و سائرَ جوارِحِكَ عن أذى الناسِ ،فـ{المسلمُ من سلمَ الناسُ من لسانِهِ ويدِهِ } و لا تبعْ دينَك بعرضٍ من الدنيا قليلٍ ( وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) ولاتكنْ أفاكاً أثيماً ،كن مصدرَ خيرٍ ونفعٍ ، وبرٍ وإحسانٍ للمسلمين ، فمجامعُ الأخلاقِ ، ولبُ المحاسنِ أن يحبَ المرءُ لأخيه ، ما يحبُ لنفسِهِ ، ومن رُزقَ حياءً ، مع قلةِ أذىً ، وصلاحاً مع قلةِ كلامٍ . وعملاً مع قلةِ فضولٍ ، فقد أُوتي محاسنَ الأخلاقِ . ولِيُعلَمْ : أن الاشتغالَ بالطعنِ في الناسِ ، وذكرِ نقائصِهِم ، والتسلي بالخوضِ في معائِبِهم ، وإفشاءِ مقالةِ السوءِ بينهم ، من طبائعِ النفوسِ الدنيئةِ ، والصدورِ الحاقدةِ ، يقولُ عليه الصلاة والسلام ، كما في الصحيحين من حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه عن { إن الرجلَ ليتكلمُ بالكلمةِ ما يتبينُ فيها يزلُّ بها في النارِ أبعدَ مما بين المشرقِ والمغرب ِ} وفي لفظٍ عند الترمذي { إن الرجلَ ليتكلمُ بالكلمةِ لا يرى بها بأساً يهوي بها سبعينَ خريفاً في النارِ } وهذا من الخسرانِ المبينِ ، اللهم إنا نسألُكَ خشيتَكَ في الغيبِ و الشهادةِ ، و نسألُكَ كلمةَ الحقِ في الرضى و الغضبِ ، و نعوذُ بك أن نقولَ زوراً ، أونغشى فجوراً ، أو نتكلفُ ما لا يعنينا ، وأعوذُ بالله من الشيطان الرجيم : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا )
نفعني اللهُ و إياكم بهدي كتابه العظيم ، و بسنة نبيه المصطفى الكريم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم منكلِّ ذنب ، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم
الحمدُ للهِ الذي بيّنَ الطريقَ و أوضحَ المحجةَ ، أرسلَ رسلَهُ مبشرينَ و منذرينَ لئلا يكونَ للناسِ على اللهِ حجةٌ ، أحمدُه سبحانَه و أشكرُهُ و أتوبُ إليه و أستغفرُهُ ، و أشهدُ ألا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له ، و أشهدُ أن محمداً عبدُهُ و رسولُهُ ، صادقَ اللهجةِ ، صلى اللهُ و سلم و بارك عليه و على آلهِ و صحبِهِ ، و التابعينَ ، و من تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ . أما بعد : لِيَعلمَ الجميعُ ، أن من تتبعَ عوراتِ الناسِ ، وتلمسَ معايبَهم ،كشفَ اللهُ سترَهُ ، و فضحَهُ في عورتِهِ ، يقولُ { يا معشرَ من آمنَ بلسانِهِ و لم يدخلْ الإيمانُ قلبَهُ لا تغتابوا الناسَ ، و لا تتبعوا عوراتِهم ، فإن من اتبعَ عوراتِهم تتبعَ اللهُ عورتَهُ ، و من تتبعَ اللهُ عورتَهُ يفضحُهُ في بيتِهِ } أخرجَه الإمامُ أحمدُ وأبو داودَ { عن أبي برزةَ الأسلمي رضي الله عنه مرفوعاً : و في " لفظ { يا معشرَ من أسلمَ بلسانِهِ و لم يدخلْ الإيمانُ قلبَهُ لا تذموا المسلمينَ و لا تؤذوهم و لا تتبعوا عوراتِهِم فإن من يطلبُ عورةَ أخيه المسلمِ هتكَ اللهُ سترَهُ و أبدى عورتَهُ و لو كان في سترِ بيتِهِ } فاتقِ اللهَ يا عبدَ اللهِ ، وليكنْ حظُ أخيكَ منك ثلاثاً : إن لم تنفعْهُ فلا تضرُّهُ ، و إن لم تفرحْهُ فلا تُغِمُّهُ ، و إن لم تمدحْهُ فلا تَذمُّهُ ، عبادَ اللهِ صلّوا على المعصومِ ، عليه أفضلُ الصلاةِ وأتمُ التسليمِ ، فإنّه يقولُ { حيثما كنتم فصلوا عليَّ فإنَّ صلاتَكم تبلغني }ويقولُ بأبي هو وأُمي { من صلى علي صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشراً } اللهم صلِّ وسلمْ وأنعمْ وأكرمْ وزدْ وباركْ ، على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ ، وارضَ اللهم عن أصحابِهِ الأطهارِ ، ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ ، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ ، وعن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين ، وعن التابعينَ وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعنَّا معَهم بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ .اللهم أعزَّ الإسلامَ المسلمينَ ، ودمرْ أعداءَ الدينِ من اليهودِ والنصارى ، وجميعِ الكفرةِ الملحدينَ ، اللّهُم يا عظيمَ العفوِ ، ويا وسعَ المغفرةِ ، ويا قريبَ الرّحمةِ ، ويا ذا الجلالِ والإكرامِ ، هبْ لنا العافيةَ ، في الدُنيا والآخرةِ ، اللّهُم اجعلْ رزقَنَا رغداً ، ولا تُشمتْ بنا أحداً ، اللهم إنا نسألُكَ ، بعزِّكَ الذي لا يرامُ ، وملكِكَ الذي لا يُضامُ ، وبنورِكَ الذي ملأ أركانَ عرشِكَ ، أن تكفيَنا شرَّ ما أهمَنا وما لا نهتمُ به ، وأن تعيذَنا من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا ، اللهم رَغّبْنا فيما يبقى ، وَزَهّدْنا فيما يفنى ، وهبْ لنا اليقينَ ، الذي لا تسكنْ النفوسُ إلا إليهِ ، ولا يُعوَّلُ في الدينِ إلا عليهِ ، اللهم اجعلْ بَلدَنا هذا آمناً مطمئناً ، وسائرَ بلادِ المسلمينَ ، اللهم أيدْ إمامَنا بتأيدِكَ ، وانصرْ بهِ دينَكَ ، ووفقْهُ إلى هُدَاكَ ، واجعلْ عمَلَهُ في رضاكَ ، وارزقْهُ اللهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ ، التي تدلُهُ على الخيرِ ، وتعينه عليه، اللهم أرحمْ موتانا ، وعافي مُبتلانا ، واقضِ الدينَ عن مدينِنا ، وردَّ ضالَنا إليكَ رداً جميلاً ، ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ، عبادَ اللهِ إن اللهَ يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذا القربى وينهى عن الفحشاءِ والمنكرِ والبغي يعظُكم لعلكم تذكرونَ ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)
http://abosami.com/pro/aqq.mp3