رعـد الـمـزون
22-10-2011, 00:43
بـسـمـ الله الـرحـمـنـ الـرحـيـمـ
الحجاج بن يوسف الثقفي ( 41 هـ ـــ 95 هـ ،، 660م ـــ 714م ) سياسي أموي وقائد عسكري
ولد في الطائف بالحجاز سنة 41 للهجرة ، وتزوج ابنة المهلب ابن أبي صفرة
لعب الحجاج دوراً كبيراً في تثبيت أركان الدولة الأموية ، وسيَّر الجيوش للفتوحات الإسـلامية شرق العراق وفارس
خطط المدن ، وبنى مدينة واسط ، ويُعَـد من الشخصيات المثيرة للجدل في التاريخ الإسلامي
*-__-* *-__-* *-__-*
سـأل الـحـجـاج يـومـا الـغـضـبـان بـن الـقـبـعـثـري ( وهـو مـن أهـل الـعـراق )
مـن أكـرم الـنـاس ؟
قـال الـقـبـعـثـري : أفـقـهـهـم فـي الـديـن ، وأصـدقـهـم لـلـيـمـيـن
وأبـذلـهـم لـلـمـسـلـمـيـن ، وأكـرمـهـم لـلـمـهـانـيـن ، وأطـعـمـهـم لـلـمـسـاكـيـن
قـال الـحـجـاج : فـمـن ألأمُ الـنـاس ؟
قـال الـقـبـعـثـري : الـمُـعـطـي عـلـى الـهـوان الـمـقـتَّـر عـلـى الإخـوان ، الـكـثـيـر الألـوان
قـال الـحـجـاج : فـمـن شـر الـنـاس ؟
قـال الـقـبـعـثـري : أطـولـهـم جَـفـوَة وأدومـهـم صَـبْـوَة ، وأكـثـرهـم خَـلـوَة ، وأشـدهـم قـسـوة
قـال الـحـجـاج : فـمـن أشـجـع الـنـاس ؟
قـال الـقـبـعـثـري : أضـربُـهـم بـالـسـيـف ، وأقـراهـم لـلـضـيـف ، وأتـركـهـم لـلـحـيـف ( الـجـور والـظـلـم )
قـال الـحـجـاج : فـمـن أجـبـن الـنـاس ؟
قـال الـقـبـعـثـري : الـمـتـأخـر عـن الـصـفـوف ، الـمـنـقـبـض عـن الـزحـوف
الـمـرتـعـش عـنـد الـوقـوف ، الـمـحـب ظـلال الـسـقـوف ، الـكـاره لـضـرب الـسـيـوف
قـال الـحـجـاج : فـمـن أثـقـل الـنـاس ؟
قـال الـقـبـعـثـري : الـمـتـفـنـن فـي الـمَـلام ، الـضـنـيـن بـالـسـلام ، الـمـهـذار فـي الـكـلام ، الأحـمـق عـلـى الـطـعـام
قـال الـحـجـاج : فـمـن خـيـر الـنـاس ؟
قـال الـقـبـعـثـري : أكـثـرهـم إحـسـانـا ، وأقـوَمُـهـم مـيـزانـا ، وأدوَمُـهـم غـفـرانـا ، وأوسـعـهـم مـيـدانـا
قـال الـحـجـاج : لله أبـوك ! فـكـيـف يُـعـرف الـرجـل الـغـريـب ، أحـسـيـب هـو أم غـيـر حـسـيـب ؟
قـال الـقـبـعـثـري : أصـلـح الله الأمـيـر ! إن الـرجـل الـحـسـيـب يـدلُّـك أدبـه وعـقـلـه ، وشـمـائـلـه وعـزة نـفـسـه
وكـثـرة احـتـمـالـه ، وبـشـاشـتـه ، وحـسـن مـداراتـه عـلـى أصـلـه ، فـالـعـاقـل الـبـصـيـر بـالأحـسـاب يـعـرف
شـمـائـلـه ، والـنـذل جـاهـل يـجـهـلـه ، فـمـثـلـه كـمـثـل الـدُّرَّةِ إذا وقـعـت عـنـد مـن لا يـعـرفـهـا ازدراهـا
وإذا نـظـر إلـيـهـا الـعـقـلاء عـرفـوهـا وأكـرمـوهـا ، فـهـي عـنـدهـم لـمـعـرفـتـهـم بـهـا حـسـنـة نـفـيـسـة
قـال الـحـجـاج : لله أبـوك ! فـمـن الـعـاقـل ؟ ومـن الـجـاهـل ؟
قـال الـقـبـعـثـري : أصـلـح الله الأمـيـر ! الـعـاقـل الـذي لا يـتـكـلـم هـذرا ، ولا يـنـظـر شـزرا ، ولا يـضـمـر غـدرا
ولا يـطـلـب عـذرا ، والـجـاهـل هـو الـمـهـذار فـي كـلامـه ، الـمـنَّـان بـطـعـامـه ، الـضـنـيـن بـسـلامـه
الـمـتـطـاول عـلـى إمـامـه ، الـفـاحـش عـلـى غـلامـه
قـال الـحـجـاج : لله أبـوك ! فـمـن الـحـازم الـكـيـس ؟
قـال الـقـبـعـثـري : الـمـقـبـل عـلـى شـأنـه ، الـتـارك لـمـا لا يـعـنـيـه
قـال الـحـجـاج : فـمـن الـعـاجـز ؟
قـال الـقـبـعـثـري : قـال الـمُـعـجَـب بـآرائـه ، الـمـلـتـفـت إلـى ورائـه
قـال الـحـجـاج : هـل عـنـدك مـن الـنـسـاء خـبـر ؟
قـال الـقـبـعـثـري : أصـلـح الله الأمـيـر ! إنـي بـشـأنـهـن خـبـيـر
إن الـنـسـاء مـن أمـهـات الأولاد بـمـنـزلـة الأضـلاع إن عـدلـتـهـا انـكـسـرت
ولـهـن جـوهـر لا يـصـلـح إلا عـلـى الـمـداراة ، فـمـن داراهـن انـتـفـع بـهـن ، وقـرَّت عـيـنـه
ومـن شـاورهـن كـدَّرن عـيـشـه ، وتـكـدرت عـلـيـه حـيـاتـه ، وتـنـغـصـت لـذاتـه
فـأكـرمـهـن أعـفَّـهـن ، وأفـخـر أحـسـابـهـن الـعـفـة ، فـإذا زِلْـنَ عـنـهـا فـهـن أنـتـن مـن الـجـيـفـة
قـال الـحـجـاج : يـا غـضـبـان ، إنـي مـوجـهـك إلـى إبـن الأشـعـث وافـدا ، فـمـاذا أنـت قـائـل لـه ؟
قـال الـقـبـعـثـري : أصـلـح الله الأمـيـر ! أقـول لـه مـا يُـرديـه ويـؤذيـه ويـضـنـيـه
قـال الـحـجـاج : إنـي أظـنـك لا تـقـول لـه مـا قـلـت ! ! ! ، وكـأنـي بـصـوتـك يـجـلـجـل فـي قـصـري هـذا ! ! !
قـال الـقـبـعـثـري : كـلا ، أصـلـح الله الأمـيـر ! سـأحـدِّد لـه لـسـانـي ، وأجـريـه فـي مـيـدانـي ! !
فـعـنـد ذلـك أمـره بـالـمـسـيـر إلـى كِـرْمَـان ، فـلـمـا تـوجَّـه إلـى إبـن الأشـعـث
بـعـث الـحـجـاج عـيـنـا عـلـيـه ، وكـان يـفـعـل ذلـك مـع جـمـيـع رسـلـه
فـلـمـا قـدِم الـغـضـبـان عـلـى ابـن الأشـعـث
قـال لـه : إن الـحـجـاج قـد هَـمَّ بـخـلـعـك وعـزْلـك فـخُـذ حِـذْرك وتَـغَـدَّ بـه قـبـل أن يـتـعـشـى بـك
فـأخـذ ابـن الأشـعـث حِـذره عـنـد ذلـك ، ثـم أمـر لـلـغـضـبـان بـجـائـزة سَـنِـيَّـة وخِـلَـعٍ فـاخـرة
فـأخـذهـا وانـصـرف راجـعـا ، فـأتـى إلـى رمـلـة كـرمـان فـي شـدة الـحـر والـقـيـظ ، وهـي رمـلـة
شـديـدة الـرمـضـاء فـضـرب قـبَّـتـه فـيـهـا ، وحَـط عـن رواحـلـه ، فـبـيـنـمـا هـو كـذلـك
إذا بـأعـرابـي مـن بـنـي بـكـر بـن وائـل ، قـد أقـبـل عـلـى بـعـيـر ، قـاصـدا نـحـوه ، وقـد اشـتـد
الـحـر وحـمـيـت الـغـزالـة ( الـشـمـس ) وقـت الـظـهـيـرة ، وقـد ظـمـئ ظـمـأً شـديـدا
فـقـال الأعـرابـي : الـسـلام عـلـيـك ورحـمـة الله وبـركـاتـه
قـال الـقـبـعـثـري : هـذه سُـنَّـة وردُّهـا فـريـضـة ، قـد فـاز قـائـلـهـا ، وخـسـر تـاركـهـا
مـا حـاجـتـك يـا أعـرابـي ؟
فـقـال الأعـرابـي : أصـابـتـنـي الـرمـضـاء ، وشـدة الـحـر والـظـمـأ ، فـتـيـمَّـمـت قـبَّـتـك ، أرجـو بـركـتـهـا
قـال الـقـبـعـثـري : فـهـلا تـيـمـمـت قـبـة أكـبـر مـن هـذه وأعـظـم !
فـقـال الأعـرابـي : أيـتـهـن تـعـنـي ؟
قـال الـقـبـعـثـري : قـبـة الأمـيـر ابـن الأشـعـث
فـقـال الأعـرابـي : تـلـك لا يُـوصـل إلـيـهـا
قـال الـقـبـعـثـري : إن هـذه أمـنـع مـنـهـا
فـقـال الأعـرابـي : مـا اسـمـك يـا عـبـد الله ؟
قـال الـقـبـعـثـري : آخِـذ ! !
فـقـال الأعـرابـي : ومـا تـعـطـي ؟
قـال الـقـبـعـثـري : أكـره أن يـكـون لـي اسـمـان !
فـقـال الأعـرابـي : بـالله مـن أيـن أتـيـت ؟
قـال الـقـبـعـثـري : مـن الأرض !
فـقـال الأعـرابـي : فـأيـن تـريـد ؟
قـال الـقـبـعـثـري : أمـشـي فـي مـنـاكـبـهـا ( فـي كـل اتـجـاه )
فـقـال الأعـرابـي وهـو يـرفـع رجـلا ويـضـع أخـرى مـن شـدة الـحـر : أتـقـرض الـشـعْـر ؟
قـال الـقـبـعـثـري : إنـمـا يـقـرض الـفـأر !
فـقـال الأعـرابـي : أفـتـسـجَـع ؟
قـال الـقـبـعـثـري : إنـمـا تـسـجـع الـحـمـامـة !
فـقـال الأعـرابـي : يـا هـذا ، ائـذن لـي أن أدخـل قـبـتـك
قـال الـقـبـعـثـري : خـلـفـك أوسـع لـك !
فـقـال الأعـرابـي : قـد أحـرقـنـي حـر الـشـمـس
قـال الـقـبـعـثـري : مـا لـي عـلـيـهـا سـلـطـان !
فـقـال الأعـرابـي : إنـي لا أريـد طـعـامـك ولا شـرابـك
قـال الـقـبـعـثـري : لا تـتـعـرض لـمـا لا تـصـل إلـيـه ، ولـو تـلِـفَـت روحـك
فـقـال الأعـرابـي : سـبـحـان الله
قـال الـقـبـعـثـري : نـعـم مـن قـبـل أن تـطـلـع أضـراسـك
فـقـال الأعـرابـي : مـا عـنـدك غـيـر هـذا ؟
قـال الـقـبـعـثـري : بـلـى ، هـراوة أضـرب بـهـا رأسـك !
فـاسـتـغـاث الأعـرابـي " يـا جـار بـنـي كـعـب "
قـال الـقـبـعـثـري : بـئـس الـشـيـخ أنـت ، فـوالله مـا ظـلـمـك أحـد فـتـسـتـغـيـث !
فـقـال الأعـرابـي : مـا رأيـت رجـلا أقـسـى مـنـك ، أتـيـتـك مـسـتـغـيـثـا فـحـجـبـتـنـي
وطـردتـنـي ، هـلاَّ أدخـلـتـنـي قـبـتـك ، وطـارحـتـنـي الـقـريـض ؟
قـال الـقـبـعـثـري : مـا لـي بـمـحـادثـتـك مـن حـاجـة !
فـقـال الأعـرابـي : بـالله مـا اسـمـك ؟ ومـن أنـت ؟
قـال الـقـبـعـثـري : أنـا الـغـضـبـان ابـن الـقـبـعـثـري
فـقـال الأعـرابـي : اسـمـان مـنـكـران ، خُـلِـقـا مـن غـضـب !
قـال الـقـبـعـثـري : قـف مـتـوكِّـئـا عـلـى بـاب قـبَّـتـي بـرجـلـك هـذه الـعـوجـاء !
فـقـال الأعـرابـي : قـطـعـهـا الله إن لـم تـكـن خـيـرا مـن رجـلـك هـذه الـشـنـعـاء !
قـال الـقـبـعـثـري : لـو كـنـت حـاكـمـا لـجُـرتَ فـي حـكـومـتـك
لأن رجـلـي فـي الـظـل قـاعـدة ، ورجـلـك فـي الـرمـضـاء واقـفـة
فـقـال الأعـرابـي : إنـي لأظـن عـصـرك فـاسـدا
قـال الـقـبـعـثـري : مـا أقـدرنـي عـلـى إصـلاحـه !
فـقـال الأعـرابـي : لا أرضـاك الله ، ولا حـيَّـاك ثـم ولَّـى وهـو يـقـول
لا بـارك الله فـي قـوم تَـسُـودهـم ،،،،، إنـي أظــنــك ـــ والـرحـمـن ـــ شـيـطــانـا
أتـيـتُ قـبـتـه أرجـو ضـيـــافـتـه ،،،،، فـأظـهـر الـشـيـخ ذو الـقـرنـيـن حـرمـانـا
فـلـمـا قـدم الـغـضـبـان عـلـى الـحـجـاج
قـال الـحـجـاج : يـا غـضـبـان ، كـيـف وجـدت أرض كـرمـان ؟
قـال الـقـبـعـثـري : أصـلـح الله الأمـيـر ! أرض يـابـسـة ، الـنـاس بـهـا ضـعـاف
إن كـثـروا جـاعـوا ، وإن قـلُّـوا ضـاعـوا
فـقـال الـحـجـاج : ألـسـت صـاحـب الـكـلـمـة الـتـي بـلـغـنـي أنـك قـلـتـهـا لإبـن الأشـعـث
(( تـغـدَّ بـالـحـجـاج قـبـل أن يـتـعـشـى بـك ))
فـوالله لأحـبـسـنـك عـن الـوسـاد ، ولأنـزلـنـك عـن الـجـيـاد ، ولأشـهـرنَّـك فـي الـبـلاد
قـال الـقـبـعـثـري : الأمـان أيـهـا الأمـيـر !
فـوالله مـا ضـرَّت مـن قـيـلـت فـيـه ، ولا نـفـعَـت مـن قـيـلـت لـه ! !
فـقـال الـحـجـاج : ألـم أقـل لـك ، كـأنـي بـصـوتـك يُـجـلـجـل فـي قـصـري هـذا !اذهـبـوا بـه إلـى الـسـجـن
فـذهـبـوا بـه ، فـقُـيِّـد وسُـجِـن فـمـكـث فـيـه مـا شـاء الله
ثـم إن الـحـجـاج ابـتَـنَـى الـخـضـراء بـواسـط فـأعـجِـب بـهـا
فـقـال لـمـن حـولـه : كـيـف تـرون قـبـتـي هـذه وبـنـاءهـا ؟
فـقـالـوا : أيـهـا الأمـيـر إنـهـا حـصـيـنـة مـبـاركـة ، مـنـيـعـة نـظِـرَة
بـهـجـة ، قـلـيـل عـيـبـهـا ، كـثـيـر خـيـرهـا
قـال الـحـجـاج : لِـمَ لـمْ تـخـبـرونـي بـنـصـح ؟
قـالـوا : لا يـصِـفـهـا لـك إلا الـغـضـبـان
فـبـعـث الـحـجـاج إلـى الـغـضـبـان فـأحـضـره
فـقـال لـه : كـيـف تـرى قـبـتـي هـذه ؟
قـال الـقـبـعـثـري : أصـلـح الله الأمـيـر ، بـنـيـتـهـا فـي غـيـر بـلـدك ، لا لـك ولا لـولـدك
لا تـدوم لـك ، ولا يـسـكـنـهـا وارثـك ، ولا تـبـقـى لـك ، ومـا أنـت لـهـا بـبـاقٍ
فـقـال الـحـجـاج : قـد صـدَق الـغـضـبـان ، ردُّوه إلـى الـسـجـن
فـلـمـا حـمـلـوه
قـال الـقـبـعـثـري : ( سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ )
فـقـال الـحـجـاج : أنـزلـوه
فـلـمـا أنـزلـوه
قـال الـقـبـعـثـري : ( رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ )
فـقـال الـحـجـاج : اضـربـوا بـه الأرض
فـلـمـا ضـربـوا بـه الأرض
قـال الـقـبـعـثـري : ( مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى )
فـقـال الـحـجـاج : جُـــرُّوه
فـأقـبـلـوا بـه يـجـرُّونـه
فـقـال الـقـبـعـثـري وهـم يـجـرُّونـه : ( بِسْمِ اللَّـهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ )
فـقـال الـحـجـاج : ويـلـكـم اتـركـوه
ثـم عـفـا عـنـه وخـلَّـى سـبـيـلـه
الحجاج بن يوسف الثقفي ( 41 هـ ـــ 95 هـ ،، 660م ـــ 714م ) سياسي أموي وقائد عسكري
ولد في الطائف بالحجاز سنة 41 للهجرة ، وتزوج ابنة المهلب ابن أبي صفرة
لعب الحجاج دوراً كبيراً في تثبيت أركان الدولة الأموية ، وسيَّر الجيوش للفتوحات الإسـلامية شرق العراق وفارس
خطط المدن ، وبنى مدينة واسط ، ويُعَـد من الشخصيات المثيرة للجدل في التاريخ الإسلامي
*-__-* *-__-* *-__-*
سـأل الـحـجـاج يـومـا الـغـضـبـان بـن الـقـبـعـثـري ( وهـو مـن أهـل الـعـراق )
مـن أكـرم الـنـاس ؟
قـال الـقـبـعـثـري : أفـقـهـهـم فـي الـديـن ، وأصـدقـهـم لـلـيـمـيـن
وأبـذلـهـم لـلـمـسـلـمـيـن ، وأكـرمـهـم لـلـمـهـانـيـن ، وأطـعـمـهـم لـلـمـسـاكـيـن
قـال الـحـجـاج : فـمـن ألأمُ الـنـاس ؟
قـال الـقـبـعـثـري : الـمُـعـطـي عـلـى الـهـوان الـمـقـتَّـر عـلـى الإخـوان ، الـكـثـيـر الألـوان
قـال الـحـجـاج : فـمـن شـر الـنـاس ؟
قـال الـقـبـعـثـري : أطـولـهـم جَـفـوَة وأدومـهـم صَـبْـوَة ، وأكـثـرهـم خَـلـوَة ، وأشـدهـم قـسـوة
قـال الـحـجـاج : فـمـن أشـجـع الـنـاس ؟
قـال الـقـبـعـثـري : أضـربُـهـم بـالـسـيـف ، وأقـراهـم لـلـضـيـف ، وأتـركـهـم لـلـحـيـف ( الـجـور والـظـلـم )
قـال الـحـجـاج : فـمـن أجـبـن الـنـاس ؟
قـال الـقـبـعـثـري : الـمـتـأخـر عـن الـصـفـوف ، الـمـنـقـبـض عـن الـزحـوف
الـمـرتـعـش عـنـد الـوقـوف ، الـمـحـب ظـلال الـسـقـوف ، الـكـاره لـضـرب الـسـيـوف
قـال الـحـجـاج : فـمـن أثـقـل الـنـاس ؟
قـال الـقـبـعـثـري : الـمـتـفـنـن فـي الـمَـلام ، الـضـنـيـن بـالـسـلام ، الـمـهـذار فـي الـكـلام ، الأحـمـق عـلـى الـطـعـام
قـال الـحـجـاج : فـمـن خـيـر الـنـاس ؟
قـال الـقـبـعـثـري : أكـثـرهـم إحـسـانـا ، وأقـوَمُـهـم مـيـزانـا ، وأدوَمُـهـم غـفـرانـا ، وأوسـعـهـم مـيـدانـا
قـال الـحـجـاج : لله أبـوك ! فـكـيـف يُـعـرف الـرجـل الـغـريـب ، أحـسـيـب هـو أم غـيـر حـسـيـب ؟
قـال الـقـبـعـثـري : أصـلـح الله الأمـيـر ! إن الـرجـل الـحـسـيـب يـدلُّـك أدبـه وعـقـلـه ، وشـمـائـلـه وعـزة نـفـسـه
وكـثـرة احـتـمـالـه ، وبـشـاشـتـه ، وحـسـن مـداراتـه عـلـى أصـلـه ، فـالـعـاقـل الـبـصـيـر بـالأحـسـاب يـعـرف
شـمـائـلـه ، والـنـذل جـاهـل يـجـهـلـه ، فـمـثـلـه كـمـثـل الـدُّرَّةِ إذا وقـعـت عـنـد مـن لا يـعـرفـهـا ازدراهـا
وإذا نـظـر إلـيـهـا الـعـقـلاء عـرفـوهـا وأكـرمـوهـا ، فـهـي عـنـدهـم لـمـعـرفـتـهـم بـهـا حـسـنـة نـفـيـسـة
قـال الـحـجـاج : لله أبـوك ! فـمـن الـعـاقـل ؟ ومـن الـجـاهـل ؟
قـال الـقـبـعـثـري : أصـلـح الله الأمـيـر ! الـعـاقـل الـذي لا يـتـكـلـم هـذرا ، ولا يـنـظـر شـزرا ، ولا يـضـمـر غـدرا
ولا يـطـلـب عـذرا ، والـجـاهـل هـو الـمـهـذار فـي كـلامـه ، الـمـنَّـان بـطـعـامـه ، الـضـنـيـن بـسـلامـه
الـمـتـطـاول عـلـى إمـامـه ، الـفـاحـش عـلـى غـلامـه
قـال الـحـجـاج : لله أبـوك ! فـمـن الـحـازم الـكـيـس ؟
قـال الـقـبـعـثـري : الـمـقـبـل عـلـى شـأنـه ، الـتـارك لـمـا لا يـعـنـيـه
قـال الـحـجـاج : فـمـن الـعـاجـز ؟
قـال الـقـبـعـثـري : قـال الـمُـعـجَـب بـآرائـه ، الـمـلـتـفـت إلـى ورائـه
قـال الـحـجـاج : هـل عـنـدك مـن الـنـسـاء خـبـر ؟
قـال الـقـبـعـثـري : أصـلـح الله الأمـيـر ! إنـي بـشـأنـهـن خـبـيـر
إن الـنـسـاء مـن أمـهـات الأولاد بـمـنـزلـة الأضـلاع إن عـدلـتـهـا انـكـسـرت
ولـهـن جـوهـر لا يـصـلـح إلا عـلـى الـمـداراة ، فـمـن داراهـن انـتـفـع بـهـن ، وقـرَّت عـيـنـه
ومـن شـاورهـن كـدَّرن عـيـشـه ، وتـكـدرت عـلـيـه حـيـاتـه ، وتـنـغـصـت لـذاتـه
فـأكـرمـهـن أعـفَّـهـن ، وأفـخـر أحـسـابـهـن الـعـفـة ، فـإذا زِلْـنَ عـنـهـا فـهـن أنـتـن مـن الـجـيـفـة
قـال الـحـجـاج : يـا غـضـبـان ، إنـي مـوجـهـك إلـى إبـن الأشـعـث وافـدا ، فـمـاذا أنـت قـائـل لـه ؟
قـال الـقـبـعـثـري : أصـلـح الله الأمـيـر ! أقـول لـه مـا يُـرديـه ويـؤذيـه ويـضـنـيـه
قـال الـحـجـاج : إنـي أظـنـك لا تـقـول لـه مـا قـلـت ! ! ! ، وكـأنـي بـصـوتـك يـجـلـجـل فـي قـصـري هـذا ! ! !
قـال الـقـبـعـثـري : كـلا ، أصـلـح الله الأمـيـر ! سـأحـدِّد لـه لـسـانـي ، وأجـريـه فـي مـيـدانـي ! !
فـعـنـد ذلـك أمـره بـالـمـسـيـر إلـى كِـرْمَـان ، فـلـمـا تـوجَّـه إلـى إبـن الأشـعـث
بـعـث الـحـجـاج عـيـنـا عـلـيـه ، وكـان يـفـعـل ذلـك مـع جـمـيـع رسـلـه
فـلـمـا قـدِم الـغـضـبـان عـلـى ابـن الأشـعـث
قـال لـه : إن الـحـجـاج قـد هَـمَّ بـخـلـعـك وعـزْلـك فـخُـذ حِـذْرك وتَـغَـدَّ بـه قـبـل أن يـتـعـشـى بـك
فـأخـذ ابـن الأشـعـث حِـذره عـنـد ذلـك ، ثـم أمـر لـلـغـضـبـان بـجـائـزة سَـنِـيَّـة وخِـلَـعٍ فـاخـرة
فـأخـذهـا وانـصـرف راجـعـا ، فـأتـى إلـى رمـلـة كـرمـان فـي شـدة الـحـر والـقـيـظ ، وهـي رمـلـة
شـديـدة الـرمـضـاء فـضـرب قـبَّـتـه فـيـهـا ، وحَـط عـن رواحـلـه ، فـبـيـنـمـا هـو كـذلـك
إذا بـأعـرابـي مـن بـنـي بـكـر بـن وائـل ، قـد أقـبـل عـلـى بـعـيـر ، قـاصـدا نـحـوه ، وقـد اشـتـد
الـحـر وحـمـيـت الـغـزالـة ( الـشـمـس ) وقـت الـظـهـيـرة ، وقـد ظـمـئ ظـمـأً شـديـدا
فـقـال الأعـرابـي : الـسـلام عـلـيـك ورحـمـة الله وبـركـاتـه
قـال الـقـبـعـثـري : هـذه سُـنَّـة وردُّهـا فـريـضـة ، قـد فـاز قـائـلـهـا ، وخـسـر تـاركـهـا
مـا حـاجـتـك يـا أعـرابـي ؟
فـقـال الأعـرابـي : أصـابـتـنـي الـرمـضـاء ، وشـدة الـحـر والـظـمـأ ، فـتـيـمَّـمـت قـبَّـتـك ، أرجـو بـركـتـهـا
قـال الـقـبـعـثـري : فـهـلا تـيـمـمـت قـبـة أكـبـر مـن هـذه وأعـظـم !
فـقـال الأعـرابـي : أيـتـهـن تـعـنـي ؟
قـال الـقـبـعـثـري : قـبـة الأمـيـر ابـن الأشـعـث
فـقـال الأعـرابـي : تـلـك لا يُـوصـل إلـيـهـا
قـال الـقـبـعـثـري : إن هـذه أمـنـع مـنـهـا
فـقـال الأعـرابـي : مـا اسـمـك يـا عـبـد الله ؟
قـال الـقـبـعـثـري : آخِـذ ! !
فـقـال الأعـرابـي : ومـا تـعـطـي ؟
قـال الـقـبـعـثـري : أكـره أن يـكـون لـي اسـمـان !
فـقـال الأعـرابـي : بـالله مـن أيـن أتـيـت ؟
قـال الـقـبـعـثـري : مـن الأرض !
فـقـال الأعـرابـي : فـأيـن تـريـد ؟
قـال الـقـبـعـثـري : أمـشـي فـي مـنـاكـبـهـا ( فـي كـل اتـجـاه )
فـقـال الأعـرابـي وهـو يـرفـع رجـلا ويـضـع أخـرى مـن شـدة الـحـر : أتـقـرض الـشـعْـر ؟
قـال الـقـبـعـثـري : إنـمـا يـقـرض الـفـأر !
فـقـال الأعـرابـي : أفـتـسـجَـع ؟
قـال الـقـبـعـثـري : إنـمـا تـسـجـع الـحـمـامـة !
فـقـال الأعـرابـي : يـا هـذا ، ائـذن لـي أن أدخـل قـبـتـك
قـال الـقـبـعـثـري : خـلـفـك أوسـع لـك !
فـقـال الأعـرابـي : قـد أحـرقـنـي حـر الـشـمـس
قـال الـقـبـعـثـري : مـا لـي عـلـيـهـا سـلـطـان !
فـقـال الأعـرابـي : إنـي لا أريـد طـعـامـك ولا شـرابـك
قـال الـقـبـعـثـري : لا تـتـعـرض لـمـا لا تـصـل إلـيـه ، ولـو تـلِـفَـت روحـك
فـقـال الأعـرابـي : سـبـحـان الله
قـال الـقـبـعـثـري : نـعـم مـن قـبـل أن تـطـلـع أضـراسـك
فـقـال الأعـرابـي : مـا عـنـدك غـيـر هـذا ؟
قـال الـقـبـعـثـري : بـلـى ، هـراوة أضـرب بـهـا رأسـك !
فـاسـتـغـاث الأعـرابـي " يـا جـار بـنـي كـعـب "
قـال الـقـبـعـثـري : بـئـس الـشـيـخ أنـت ، فـوالله مـا ظـلـمـك أحـد فـتـسـتـغـيـث !
فـقـال الأعـرابـي : مـا رأيـت رجـلا أقـسـى مـنـك ، أتـيـتـك مـسـتـغـيـثـا فـحـجـبـتـنـي
وطـردتـنـي ، هـلاَّ أدخـلـتـنـي قـبـتـك ، وطـارحـتـنـي الـقـريـض ؟
قـال الـقـبـعـثـري : مـا لـي بـمـحـادثـتـك مـن حـاجـة !
فـقـال الأعـرابـي : بـالله مـا اسـمـك ؟ ومـن أنـت ؟
قـال الـقـبـعـثـري : أنـا الـغـضـبـان ابـن الـقـبـعـثـري
فـقـال الأعـرابـي : اسـمـان مـنـكـران ، خُـلِـقـا مـن غـضـب !
قـال الـقـبـعـثـري : قـف مـتـوكِّـئـا عـلـى بـاب قـبَّـتـي بـرجـلـك هـذه الـعـوجـاء !
فـقـال الأعـرابـي : قـطـعـهـا الله إن لـم تـكـن خـيـرا مـن رجـلـك هـذه الـشـنـعـاء !
قـال الـقـبـعـثـري : لـو كـنـت حـاكـمـا لـجُـرتَ فـي حـكـومـتـك
لأن رجـلـي فـي الـظـل قـاعـدة ، ورجـلـك فـي الـرمـضـاء واقـفـة
فـقـال الأعـرابـي : إنـي لأظـن عـصـرك فـاسـدا
قـال الـقـبـعـثـري : مـا أقـدرنـي عـلـى إصـلاحـه !
فـقـال الأعـرابـي : لا أرضـاك الله ، ولا حـيَّـاك ثـم ولَّـى وهـو يـقـول
لا بـارك الله فـي قـوم تَـسُـودهـم ،،،،، إنـي أظــنــك ـــ والـرحـمـن ـــ شـيـطــانـا
أتـيـتُ قـبـتـه أرجـو ضـيـــافـتـه ،،،،، فـأظـهـر الـشـيـخ ذو الـقـرنـيـن حـرمـانـا
فـلـمـا قـدم الـغـضـبـان عـلـى الـحـجـاج
قـال الـحـجـاج : يـا غـضـبـان ، كـيـف وجـدت أرض كـرمـان ؟
قـال الـقـبـعـثـري : أصـلـح الله الأمـيـر ! أرض يـابـسـة ، الـنـاس بـهـا ضـعـاف
إن كـثـروا جـاعـوا ، وإن قـلُّـوا ضـاعـوا
فـقـال الـحـجـاج : ألـسـت صـاحـب الـكـلـمـة الـتـي بـلـغـنـي أنـك قـلـتـهـا لإبـن الأشـعـث
(( تـغـدَّ بـالـحـجـاج قـبـل أن يـتـعـشـى بـك ))
فـوالله لأحـبـسـنـك عـن الـوسـاد ، ولأنـزلـنـك عـن الـجـيـاد ، ولأشـهـرنَّـك فـي الـبـلاد
قـال الـقـبـعـثـري : الأمـان أيـهـا الأمـيـر !
فـوالله مـا ضـرَّت مـن قـيـلـت فـيـه ، ولا نـفـعَـت مـن قـيـلـت لـه ! !
فـقـال الـحـجـاج : ألـم أقـل لـك ، كـأنـي بـصـوتـك يُـجـلـجـل فـي قـصـري هـذا !اذهـبـوا بـه إلـى الـسـجـن
فـذهـبـوا بـه ، فـقُـيِّـد وسُـجِـن فـمـكـث فـيـه مـا شـاء الله
ثـم إن الـحـجـاج ابـتَـنَـى الـخـضـراء بـواسـط فـأعـجِـب بـهـا
فـقـال لـمـن حـولـه : كـيـف تـرون قـبـتـي هـذه وبـنـاءهـا ؟
فـقـالـوا : أيـهـا الأمـيـر إنـهـا حـصـيـنـة مـبـاركـة ، مـنـيـعـة نـظِـرَة
بـهـجـة ، قـلـيـل عـيـبـهـا ، كـثـيـر خـيـرهـا
قـال الـحـجـاج : لِـمَ لـمْ تـخـبـرونـي بـنـصـح ؟
قـالـوا : لا يـصِـفـهـا لـك إلا الـغـضـبـان
فـبـعـث الـحـجـاج إلـى الـغـضـبـان فـأحـضـره
فـقـال لـه : كـيـف تـرى قـبـتـي هـذه ؟
قـال الـقـبـعـثـري : أصـلـح الله الأمـيـر ، بـنـيـتـهـا فـي غـيـر بـلـدك ، لا لـك ولا لـولـدك
لا تـدوم لـك ، ولا يـسـكـنـهـا وارثـك ، ولا تـبـقـى لـك ، ومـا أنـت لـهـا بـبـاقٍ
فـقـال الـحـجـاج : قـد صـدَق الـغـضـبـان ، ردُّوه إلـى الـسـجـن
فـلـمـا حـمـلـوه
قـال الـقـبـعـثـري : ( سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ )
فـقـال الـحـجـاج : أنـزلـوه
فـلـمـا أنـزلـوه
قـال الـقـبـعـثـري : ( رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ )
فـقـال الـحـجـاج : اضـربـوا بـه الأرض
فـلـمـا ضـربـوا بـه الأرض
قـال الـقـبـعـثـري : ( مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى )
فـقـال الـحـجـاج : جُـــرُّوه
فـأقـبـلـوا بـه يـجـرُّونـه
فـقـال الـقـبـعـثـري وهـم يـجـرُّونـه : ( بِسْمِ اللَّـهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ )
فـقـال الـحـجـاج : ويـلـكـم اتـركـوه
ثـم عـفـا عـنـه وخـلَّـى سـبـيـلـه