رعـد الـمـزون
08-09-2011, 23:51
بـسـمـ الله الـرحـمـنـ الـرحـيـمـ
.....()().....
.....()().....
( 1 )
هـو قـيـس بـن ذريـح مـن كـنـانـة ، اشـتـهِـر بـحـبـه لـبْـنَـى بـنـت الـحـبـاب الـكـعـبـيـة
وهـي الـتـي ألـهـمـتـه الـقـول وأنـطـقـتـه بـالـشـعـر ، تـوفـي نـحـو ســـ70ـــــنـة ... هـ
.....()().....
.....()().....
كـان مـنـزل قـيـس فـي ظـاهـر الـمـديـنـة ، وهـو وأبـوه مـن سـكـان حـاضـرة الـمـديـنـة
فمَـرَّ قـيـس لـبـعـض حـاجـتـه بـخـيـام بـنـي كـعـب بـن خـزاعـة ، فـوقـف عـلـى خـيـمـة مـنـهـا
والـحـي خـلـوف ( غُـيَّـب ) والـخـيـمـة خـيـمـة لُـبْـنَـى بـنـت الـحـبـاب الـكـعـبـيـة
فـاسـتـسـقـى مـاء ، فـسـقـتـه وخـرجـت إلـيـه بـه ، وكـانـت امـرأة مـديـدة الـقـامـة شـهـلاء حـلـوة الـمـنـظـر والـكـلام
( الـشـهـلاء = الـتـي يـخـالـط سـواد عـيـنـيـهـا زرقـة )
فـلـمـا رآهـا وقـعـت فـي نـفـسـه ، وشـرب الـمـاء
فـقـالـت لـه : أتـنـزل فـتـتـبـرد عـنـدنـا ؟
قـال : نـعـم
فـنـزل بـهـم ، وجـاء أبـوهـا فـنـحـر لـه وأكـرمـه ، فـانـصـرف قـيـس وفـي قـلـبـه مـن لُـبْـنَـى حَـرٌّ لا يُـطـفـأ
فـجـعـل يـنـطـق بـالـشـعـر فـيـهـا حـتـى شـاع ورُوِيَ ، ثـم أتــاهـا يـومـا آخـر ، وقـد اشـتـد وَجْـده بـهـا
فـسـلَّـم فـظـهـرت لـه وردت سـلامـه وتـحـفَّـت بـه ( بـالـغـت فـي إكـرامـه ) فـشـكـا إلـيـهـا مـا يَـجِـدُ بـهـا
ومـا يـلـقـى مـن حـبـهـا ، وشـكـت إلـيـه مـثـل ذلـك فـأطـالـت ، وعـرف كـل واحـد مـنـهـمـا مـا لـه عـنـد صـاحـبـه
.....()().....
.....()().....
فـانـصـرف إلـى أبـيـه وأعـلـمـه حـالـه وسـألـه أن يـزوجـه إيـاهـا
فـأبـى عـلـيـه وقـال : يـا بـنـي عـلـيـك بـإحـدى بـنـات عـمـك ، فـهـن أحـق بـك
وكـان ذريـح كـثـيـر الـمـال مـوسـرا فـأحـب ألا يـخـرج ابـنـه إلـى غـريـبـة
فـانـصـرف قـيـس ، وقـد سـاءه مـا خـاطـبـه أبـوه بـه ، فـأتـى أمـه فـشـكـا ذلـك إلـيـهـا
واسـتـعـان بـهـا عـلـى أبـيـه ، فـلـم يـجـد عـنـدهـا مـا يـحـب
فـأتـى الـحـسـيـن بـن عـلـي ( رضي الله عـنـهـمـا )بـن أبـي طـالـب ، وابـن أبـي عـتـيـق ، فـشـكـا إلـيـهـمـا
مـا بـه ومـا رد عـلـيـه أبـوه ، فـقـال لـه الـحـسـيـن : أنـا أكـفـيـك ، فـمـشـى مـعـه إلـى أبـي لُـبْـنَـى
فـلـمـا بَـصُـرَ بـه أعـظـمـه ووثـب إلـيـه وقـال لـه : يـا بـن رسـول الله مـا جـاء بـك ؟ ألا بـعـثـت إلـي فـأتـيـتـك !
قـال الـحـسـيـن : الـذي جـئـت فـيـه يـوجـب قـصـدك ، وقـد جـئـتـك خـاطـبـا ابـنـتـك لُـبْـنَـى لـقـيـس بـن ذريـح
فـقـال الـحـبـاب : يـا بـن رسـول الله مـا كُـنَّـا لـنـعـصـي لـك أمـرا ، ومـا بـنـا عـن الـفـتـى رغـبـة
ولـكـن أحـب الأمـر إلـيـنـا أن يـخـطـبـهـا ذريـح أبـوه ، وأن يـكـون ذلـك عـن أمـره
فـإنـا نـخـاف إن لـم يَـسْـعَ أبـوه فـي هـذا أن يـكـون عـارا وسُـبَّـةً عـلـيـنـا
فـأتـى الـحـسـيـن رضي الله عـنـه ذريـحـا وقـومـه وهـم مـجـتـمـعـون ، فـقـامـوا إلـيـه إعـظـمـا لـه
فـقـالـوا لـه مـثـل قـول الـخـزاعـيـيـن قـوم لُـبْـنَـى
فـقـال الـحـسـيـن لـذريـح : أقـسـمـت عـلـيـك إلا خـطـبـت لُـبْـنَـى لابـنـك قـيـس
قـال ذريـح : الـسـمـع والـطـاعـة لأمـرك
فـخـرج مـعـه فـي وجـوه مـن قـومـه حـتـى أتـوا دار لُـبْـنَـى ، فـخـطـبـهـا ذريـح عـلـى ابـنـه إلـى أبـيـهـا
فـزوجـهـا بـه إيـاهـا ، وزُفَّـت إلـيـه بـعـد ذلـك ، فـأقـامـت مـعـه مـدة لا يُـنـكِـر أحـد مـن صـاحـبـه شـيئـا
.....()().....
.....()().....
وكـان قـيـس أبَـرَّ الـنـاس بـأمـه ، فـألـهـتـه لُـبْـنَـى وعـكـوفـه عـلـيـهـا عـن بـعـض ذلـك فـوجـدت أمـه فـي نـفـسـهـا
وقـالـت : لـقـد أشـغـلـت هـذه الـمـرأة ابـنـي عـن بِـرِّي ، ولـم تـرَ لـلـكـلام فـي ذلـك مـوضـعـا حـتـى مـرض مـرضـا شـديـدا
فـلـمـا بـرأ مـن عـلِّـتـه قـالـت أمـه لأبـيـه : لـقـد خـشـيـت أن يـمـوت قـيـس ومـا يـتـرك خـلَفَـاً وقـد حُـرِم الـولـد مـن هـذه الـمـرأة
وأنـت ذو مـال فـيـصـيـر مـالـك إلـى الـكـلالـة ( غـيـر الـورثـة ) فـزوجـه بـغـيـرهـا لـعـل الله يـرزقـه ولـداً ، وألـحَّت عـلـيـه فـي ذلـك
فـأمـهـل قـيـسـا حـتـى إذا اجـتـمـع قـومـه دعـاه فـقـال : يـا قـيـس ، إنـك اعـتـلـلـت هـذه الـعـلـة فـخـفـت عـلـيـك ولا ولـد لـك
ولا لـي سـواك ، وهـذه الـمـرأة لـيـسـت بـولـود ، فـتـزوج إحـدى بـنـات عـمـك ، لـعـل الله يـهـب لـك ولـدا تـقـرُّ بـه عـيـنـك وأعـيـنـنـا
فـقـال قـيـس : لـسـت بـمـتـزوج غـيـرهـا أبـدا
قـال أبـوه : فـإن فـي مـالـي سـعـة فـتَـسَـرَّ بـالإمـاء
قـال قـيـس : ولا أسـوؤهـا بـشـيء أبـدا والله
قـال أبـوه : فـإنـي أقـسـم عـلـيـك إلا طـلـقـتـهـا
قـال قـيـس : الـمـوت والله عـلـيَّ أسـهـل مـن ذلـك ولـكـنـي أخـيِّـرك خـصـلـة مـن ثـلاث خـصـال
قـال أبـوه : ومـا هـي ؟
قـال قـيـس : تـتـزوج أنـت فـلـعـل الله أن يـرزقـك ولـدا غـيـري
قـال أبـوه : فـمـا فِـيَّ فـضـلـة لـذلـك
قـال قـيـس : فـدعـنـي أرتـحـل عـنـك بـأهـلـي واصـنـع مـا كـنـت صـانـعـا لـو مِـتُّ فـي عـلـتـي هـذه
قـال أبـوه : ولا هـذه
قـال قـيـس : فـأدَع لُـبْـنَـى عـنـدك وأرتـحـل عـنـك فـلـعـلـي أسـلـوهـا فـإنـي مـا أحـب بـعـد أن تـكـون نـفـسـي طـيِّـبـة أنـهـا فـي خـيـالـي
قـال أبـوه : لا أرضـى أو تـطـلـقـهـا
وحـلـف لا يَـكُـنُّـه سـقـف بـيـت أبـدا حـتـى يـطـلـق لُـبْـنَـى فـكـان يـخـرج فـيـقـف فـي حـر الـشـمـس ويـجـيء قـيـس فـيـقـف بـجـانـبـه
فـيُـظـلـه بـردائـه ، ويَـصـلَـى هـو بـحَـرِّ الـشـمـس حـتـى يـفـي الـفـيء ( الـظـل ) فـيـنـصـرف عـنـه ، ويـدخـل إلـى لُـبْـنَـى فـيـعـانـقـهـا
وتـعـانـقـه ، فـيـبـكـي وتـبـكـي مـعـه وتـقـول لـه : يـا قـيـس لا تـطـع أبـاك فـتـهـلـك وتـهـلـكـنـي
فـيـقـول : مـا كـنـت لأطـيـع أحـدا فـيـك أبـدا ، ومـكـث كـذلـك سـنـة فـطـلـقـهـا
فـلـمـا بـانـت لُـبْـنَـى بـطـلاقـه ، وفُـرِغ مـن الـكـلام لـم يـلـبـث حـتـى اسـتُـطْـيِـرَ عـقـلـه وذُهِـب بـه ولـحـقـه مـثـل الـجـنـون وتـذكـر لُـبْـنَـى
وحـالـهـا مـعـه ، فـأسِـف وجـعـل يـبـكـي ويـنـشـج أحـر نـشـيـج ، وبـلـغـهـا الـخـبـر فـأرسـلـت إلـى أبـيـهـا لـيـحـمـلـهـا فـأقـبـل أبـوهـا
بـهـودج عـلـى نـاقـة وبـإبـل تـحـمـل أثـاثـهـا ، فـلـمـا رأى ذلـك قـيـس أقـبـل عـلـى جـاريـتـهـا
فـقـال : ويْـحـك مـا دهـانـي فـيـكـم
قـالـت : لا تـسـألـنـي وسَـلْ لُـبْـنَـى
فـذهـب إلـى خـبـائـهـا فـيـسـألـهـا ، فـمـنـعـه قـومـهـا ، فـأقـبـلـت عـلـيـه امـرأة مـن قـومـه
فـقـالـت لـه : مـا لـك ؟ ويـحـك ! تـسـأل كـأنـك جـاهـل أو مـتـجـاهـل ! هـذه لُـبْـنَـى تـرتـحـل الـلـيـلـة أو غـداً
فـسـقـط مـغـشـيـا عـلـيـه لا يـعـقـل ثـم أفـاق ، وقـال ....
وإنـي لـمُــفْــــنِ دمـع عـيـنـي بـالـبُـكـــا ،،،،، حِــذار الـذي قـد كـان أو هـو كـائـن
وقـالـــوا : غـــدا أوبـعــد ذاك بـلـيْــلــةٍ ،،،،، فـراق حـبـيـب لـم يَـبـنْ وهـو بـائـن
ومـا كـنـت أخـشـى أن تـكـون مَـنِـيَّـتـي ،،،،، بـكـفَّــيـْــك إلا أنَّ مـا حــــان حــائـن
ثـم الـتـفـت فـرأى غـرابـا سـقـط قـريـبـا مـنـه فـجـعـل يـنـعـق مـرارا فـتـطـيَّـر مـنـه وقـال
لـقـد نـادى الـغـــــــراب بـبـيْــن لُـبْـنَـى ،،،،، فـطـار الـقـلـب مـن حَـذَر الـغـراب
وقـــال : غـــداً تـبـــاعـِــد دار لُـبْـنَـى ،،،،، وتــنـــــاى بـعـــد وُدٍّ واقــتـــراب
فـقـلـت : تـعِـسْـتَ ويـحـك مـن غــراب ،،،،، وكـان الـدهــر سـعـيُـك فـي تـبـاب
ومـنـعـه قـومـه مـن الإلـمـام بـهـا وأُدخِـلَـت فـي هـودجـهـا وارتـحـلـت ، ثـم عـلـم أن أبـاهـا سـيـمـنـعـه مـن الـمـسـيـر مـعـهـا
فـوقـف يـنـظـر إلـيـهـم ويـبـكـي ، حـتـى غـابـوا عـن عـيـنـه ، فـكَـرَّ راجـعـا ، ونـظـر إلـى أثـر خـف بـعـيـرهـا ، فـأكـب عـلـيـه يـقـبِّـلـه ! !
ورجـع يـقـبـِّـل مـوضـع مـجـلـسـهـا وأثـر قـدمـهـا ، فـلِـيـمَ عـلـى ذلـك وعَـنَّـفَـهُ قـومـه عـلـى تـقـبـيـل الـتـراب ، فـقـال ...
ومـا أحـبـبـت أرضـــكــــم ولـكـن ،،،،، أُقـبِّـل إثْـــر مـن وطِـئ الـتـرابَ
لـقـد لاقـيـت مـن كـلـفـي بـلُـبْـنَـى ،،،،، بـلاءً مـا أسِــيــغُ بـه الـشــرابَ
إذ نـادى الـمـنـادي بـاسـم لُـبْـنَـى ،،،،، عـيـيـت فـمـا أطـيـق لـه جـواب
ثـم أخـذ يـجـول بـنـاظـريـه إلـى آثـارهـا ... وقـال ...
ألا يـــــا ربــــــع لُـبْـنَـى مـا تــقـــــــول ؟ ،،،،، أبِـنْ لـي الـيـوم مـا فـعـل الـحـلــــول
فـلـو أن الـديــــــــــار تـجـيــــب صَـــــبًّـا ،،،،، لـرد جــــوابـي الـربـــــــعُ الـمُـحـيـل
ولـو أنـــي قــــــدَرتُ غـــــــداة قـالـــــت ،،،،، غـــدرْتَ ومـاء مُـقـلـتـهـا يـســـــيـل
نـحـرتُ الـنـفـس حـيـن سـمِـعـــت مـنـهـا ،،،،، مـقـالـتـــــــهـا وذاك لـهـا قـلـيـــــــل
شـفـيـتُ غـلـيـل نـفـسـي مـن فـعــــــالـي ،،،،، ولـم أغــبــــر بـلا عـقــــل أجــــــول
كـــــــأنـــــي والـِــــــه بـفـــــراق لُـبْـنَـى ،،،،، تـهـيـم بـفـقـد واحــــــدهـا ثَـكـــــول
ألا يـا قـلـــــــب ويـحَـــك كـن جـلـيـــــدا ،،،،، فـقـد رحَـلَــــــتْ وفـات بـهـا الـذمـيـل *
فـإنـــك لا تـطـــيـــــق رجـــــوع لُـبْـنَـى ،،،،، إذا رحـلــــت وإن كـثُــــرَ الـعـــويــــل
وكـم قـد عـشـتَ ؟ كـم بـالـقـرب مـنـهـا ،،،،، ولـكـن الـفـــــراق هـو الـســــبــيـــــل
فـصـبــــرا كـل مُـؤتـلـفـــيْـــن يـومًــــا ،،،،، مـن الأيــــــــام عـيـشـهــــــمـا يــزول
* الـذمـيـل = الـسـيـر الـلـيـن
فـلـمـا جَـن عـلـيـه الـلـيـل وانـفـرد ، وأوى إلـى مـضـجـعـه لـم يـأخـذه الـقـرار
وجـعـل يـتـمـلـمـل ، ثـم وثـب حـتـى أتـى مـوضـع خـبـائـهـا فـجـعـل يـتـمـرغ فـيـه ! ويـبـكـي ويـقـول ...
بِــتُّ والـهَـــمُّ يـا لُـبَـيْــنَـى ضـجـيـعـي ،،،،، وجَـــــرَت مُـذ نـأيْـتِ عـنـي دمـوعـي
وتـنـفـــسْـــــتُ إذ ذكـــــرتــــكِ حـتـى ،،،،، زالـت الـيـوم عـن فـؤادي ضـلـوعـي
أتـنـاســــاك حـتـى يُـريــــغَ فـــــؤادي ،،،،، ثـم يـشـتــــــــــد عـنـد ذاك ولـوعـي *
يـا لُـبَـيْــنَـى ! فـدتـك نـفـسـي وأهـلـي ،،،،، هـل لـدهـــــرٍ لـنـا مـن رجــــــــــوعِ ؟
* يـريـغ = يـحـيـد
.....()().....
.....()().....
،،،،، يـتـبَـع ،،،،،
.....()().....
.....()().....
( 1 )
هـو قـيـس بـن ذريـح مـن كـنـانـة ، اشـتـهِـر بـحـبـه لـبْـنَـى بـنـت الـحـبـاب الـكـعـبـيـة
وهـي الـتـي ألـهـمـتـه الـقـول وأنـطـقـتـه بـالـشـعـر ، تـوفـي نـحـو ســـ70ـــــنـة ... هـ
.....()().....
.....()().....
كـان مـنـزل قـيـس فـي ظـاهـر الـمـديـنـة ، وهـو وأبـوه مـن سـكـان حـاضـرة الـمـديـنـة
فمَـرَّ قـيـس لـبـعـض حـاجـتـه بـخـيـام بـنـي كـعـب بـن خـزاعـة ، فـوقـف عـلـى خـيـمـة مـنـهـا
والـحـي خـلـوف ( غُـيَّـب ) والـخـيـمـة خـيـمـة لُـبْـنَـى بـنـت الـحـبـاب الـكـعـبـيـة
فـاسـتـسـقـى مـاء ، فـسـقـتـه وخـرجـت إلـيـه بـه ، وكـانـت امـرأة مـديـدة الـقـامـة شـهـلاء حـلـوة الـمـنـظـر والـكـلام
( الـشـهـلاء = الـتـي يـخـالـط سـواد عـيـنـيـهـا زرقـة )
فـلـمـا رآهـا وقـعـت فـي نـفـسـه ، وشـرب الـمـاء
فـقـالـت لـه : أتـنـزل فـتـتـبـرد عـنـدنـا ؟
قـال : نـعـم
فـنـزل بـهـم ، وجـاء أبـوهـا فـنـحـر لـه وأكـرمـه ، فـانـصـرف قـيـس وفـي قـلـبـه مـن لُـبْـنَـى حَـرٌّ لا يُـطـفـأ
فـجـعـل يـنـطـق بـالـشـعـر فـيـهـا حـتـى شـاع ورُوِيَ ، ثـم أتــاهـا يـومـا آخـر ، وقـد اشـتـد وَجْـده بـهـا
فـسـلَّـم فـظـهـرت لـه وردت سـلامـه وتـحـفَّـت بـه ( بـالـغـت فـي إكـرامـه ) فـشـكـا إلـيـهـا مـا يَـجِـدُ بـهـا
ومـا يـلـقـى مـن حـبـهـا ، وشـكـت إلـيـه مـثـل ذلـك فـأطـالـت ، وعـرف كـل واحـد مـنـهـمـا مـا لـه عـنـد صـاحـبـه
.....()().....
.....()().....
فـانـصـرف إلـى أبـيـه وأعـلـمـه حـالـه وسـألـه أن يـزوجـه إيـاهـا
فـأبـى عـلـيـه وقـال : يـا بـنـي عـلـيـك بـإحـدى بـنـات عـمـك ، فـهـن أحـق بـك
وكـان ذريـح كـثـيـر الـمـال مـوسـرا فـأحـب ألا يـخـرج ابـنـه إلـى غـريـبـة
فـانـصـرف قـيـس ، وقـد سـاءه مـا خـاطـبـه أبـوه بـه ، فـأتـى أمـه فـشـكـا ذلـك إلـيـهـا
واسـتـعـان بـهـا عـلـى أبـيـه ، فـلـم يـجـد عـنـدهـا مـا يـحـب
فـأتـى الـحـسـيـن بـن عـلـي ( رضي الله عـنـهـمـا )بـن أبـي طـالـب ، وابـن أبـي عـتـيـق ، فـشـكـا إلـيـهـمـا
مـا بـه ومـا رد عـلـيـه أبـوه ، فـقـال لـه الـحـسـيـن : أنـا أكـفـيـك ، فـمـشـى مـعـه إلـى أبـي لُـبْـنَـى
فـلـمـا بَـصُـرَ بـه أعـظـمـه ووثـب إلـيـه وقـال لـه : يـا بـن رسـول الله مـا جـاء بـك ؟ ألا بـعـثـت إلـي فـأتـيـتـك !
قـال الـحـسـيـن : الـذي جـئـت فـيـه يـوجـب قـصـدك ، وقـد جـئـتـك خـاطـبـا ابـنـتـك لُـبْـنَـى لـقـيـس بـن ذريـح
فـقـال الـحـبـاب : يـا بـن رسـول الله مـا كُـنَّـا لـنـعـصـي لـك أمـرا ، ومـا بـنـا عـن الـفـتـى رغـبـة
ولـكـن أحـب الأمـر إلـيـنـا أن يـخـطـبـهـا ذريـح أبـوه ، وأن يـكـون ذلـك عـن أمـره
فـإنـا نـخـاف إن لـم يَـسْـعَ أبـوه فـي هـذا أن يـكـون عـارا وسُـبَّـةً عـلـيـنـا
فـأتـى الـحـسـيـن رضي الله عـنـه ذريـحـا وقـومـه وهـم مـجـتـمـعـون ، فـقـامـوا إلـيـه إعـظـمـا لـه
فـقـالـوا لـه مـثـل قـول الـخـزاعـيـيـن قـوم لُـبْـنَـى
فـقـال الـحـسـيـن لـذريـح : أقـسـمـت عـلـيـك إلا خـطـبـت لُـبْـنَـى لابـنـك قـيـس
قـال ذريـح : الـسـمـع والـطـاعـة لأمـرك
فـخـرج مـعـه فـي وجـوه مـن قـومـه حـتـى أتـوا دار لُـبْـنَـى ، فـخـطـبـهـا ذريـح عـلـى ابـنـه إلـى أبـيـهـا
فـزوجـهـا بـه إيـاهـا ، وزُفَّـت إلـيـه بـعـد ذلـك ، فـأقـامـت مـعـه مـدة لا يُـنـكِـر أحـد مـن صـاحـبـه شـيئـا
.....()().....
.....()().....
وكـان قـيـس أبَـرَّ الـنـاس بـأمـه ، فـألـهـتـه لُـبْـنَـى وعـكـوفـه عـلـيـهـا عـن بـعـض ذلـك فـوجـدت أمـه فـي نـفـسـهـا
وقـالـت : لـقـد أشـغـلـت هـذه الـمـرأة ابـنـي عـن بِـرِّي ، ولـم تـرَ لـلـكـلام فـي ذلـك مـوضـعـا حـتـى مـرض مـرضـا شـديـدا
فـلـمـا بـرأ مـن عـلِّـتـه قـالـت أمـه لأبـيـه : لـقـد خـشـيـت أن يـمـوت قـيـس ومـا يـتـرك خـلَفَـاً وقـد حُـرِم الـولـد مـن هـذه الـمـرأة
وأنـت ذو مـال فـيـصـيـر مـالـك إلـى الـكـلالـة ( غـيـر الـورثـة ) فـزوجـه بـغـيـرهـا لـعـل الله يـرزقـه ولـداً ، وألـحَّت عـلـيـه فـي ذلـك
فـأمـهـل قـيـسـا حـتـى إذا اجـتـمـع قـومـه دعـاه فـقـال : يـا قـيـس ، إنـك اعـتـلـلـت هـذه الـعـلـة فـخـفـت عـلـيـك ولا ولـد لـك
ولا لـي سـواك ، وهـذه الـمـرأة لـيـسـت بـولـود ، فـتـزوج إحـدى بـنـات عـمـك ، لـعـل الله يـهـب لـك ولـدا تـقـرُّ بـه عـيـنـك وأعـيـنـنـا
فـقـال قـيـس : لـسـت بـمـتـزوج غـيـرهـا أبـدا
قـال أبـوه : فـإن فـي مـالـي سـعـة فـتَـسَـرَّ بـالإمـاء
قـال قـيـس : ولا أسـوؤهـا بـشـيء أبـدا والله
قـال أبـوه : فـإنـي أقـسـم عـلـيـك إلا طـلـقـتـهـا
قـال قـيـس : الـمـوت والله عـلـيَّ أسـهـل مـن ذلـك ولـكـنـي أخـيِّـرك خـصـلـة مـن ثـلاث خـصـال
قـال أبـوه : ومـا هـي ؟
قـال قـيـس : تـتـزوج أنـت فـلـعـل الله أن يـرزقـك ولـدا غـيـري
قـال أبـوه : فـمـا فِـيَّ فـضـلـة لـذلـك
قـال قـيـس : فـدعـنـي أرتـحـل عـنـك بـأهـلـي واصـنـع مـا كـنـت صـانـعـا لـو مِـتُّ فـي عـلـتـي هـذه
قـال أبـوه : ولا هـذه
قـال قـيـس : فـأدَع لُـبْـنَـى عـنـدك وأرتـحـل عـنـك فـلـعـلـي أسـلـوهـا فـإنـي مـا أحـب بـعـد أن تـكـون نـفـسـي طـيِّـبـة أنـهـا فـي خـيـالـي
قـال أبـوه : لا أرضـى أو تـطـلـقـهـا
وحـلـف لا يَـكُـنُّـه سـقـف بـيـت أبـدا حـتـى يـطـلـق لُـبْـنَـى فـكـان يـخـرج فـيـقـف فـي حـر الـشـمـس ويـجـيء قـيـس فـيـقـف بـجـانـبـه
فـيُـظـلـه بـردائـه ، ويَـصـلَـى هـو بـحَـرِّ الـشـمـس حـتـى يـفـي الـفـيء ( الـظـل ) فـيـنـصـرف عـنـه ، ويـدخـل إلـى لُـبْـنَـى فـيـعـانـقـهـا
وتـعـانـقـه ، فـيـبـكـي وتـبـكـي مـعـه وتـقـول لـه : يـا قـيـس لا تـطـع أبـاك فـتـهـلـك وتـهـلـكـنـي
فـيـقـول : مـا كـنـت لأطـيـع أحـدا فـيـك أبـدا ، ومـكـث كـذلـك سـنـة فـطـلـقـهـا
فـلـمـا بـانـت لُـبْـنَـى بـطـلاقـه ، وفُـرِغ مـن الـكـلام لـم يـلـبـث حـتـى اسـتُـطْـيِـرَ عـقـلـه وذُهِـب بـه ولـحـقـه مـثـل الـجـنـون وتـذكـر لُـبْـنَـى
وحـالـهـا مـعـه ، فـأسِـف وجـعـل يـبـكـي ويـنـشـج أحـر نـشـيـج ، وبـلـغـهـا الـخـبـر فـأرسـلـت إلـى أبـيـهـا لـيـحـمـلـهـا فـأقـبـل أبـوهـا
بـهـودج عـلـى نـاقـة وبـإبـل تـحـمـل أثـاثـهـا ، فـلـمـا رأى ذلـك قـيـس أقـبـل عـلـى جـاريـتـهـا
فـقـال : ويْـحـك مـا دهـانـي فـيـكـم
قـالـت : لا تـسـألـنـي وسَـلْ لُـبْـنَـى
فـذهـب إلـى خـبـائـهـا فـيـسـألـهـا ، فـمـنـعـه قـومـهـا ، فـأقـبـلـت عـلـيـه امـرأة مـن قـومـه
فـقـالـت لـه : مـا لـك ؟ ويـحـك ! تـسـأل كـأنـك جـاهـل أو مـتـجـاهـل ! هـذه لُـبْـنَـى تـرتـحـل الـلـيـلـة أو غـداً
فـسـقـط مـغـشـيـا عـلـيـه لا يـعـقـل ثـم أفـاق ، وقـال ....
وإنـي لـمُــفْــــنِ دمـع عـيـنـي بـالـبُـكـــا ،،،،، حِــذار الـذي قـد كـان أو هـو كـائـن
وقـالـــوا : غـــدا أوبـعــد ذاك بـلـيْــلــةٍ ،،،،، فـراق حـبـيـب لـم يَـبـنْ وهـو بـائـن
ومـا كـنـت أخـشـى أن تـكـون مَـنِـيَّـتـي ،،،،، بـكـفَّــيـْــك إلا أنَّ مـا حــــان حــائـن
ثـم الـتـفـت فـرأى غـرابـا سـقـط قـريـبـا مـنـه فـجـعـل يـنـعـق مـرارا فـتـطـيَّـر مـنـه وقـال
لـقـد نـادى الـغـــــــراب بـبـيْــن لُـبْـنَـى ،،،،، فـطـار الـقـلـب مـن حَـذَر الـغـراب
وقـــال : غـــداً تـبـــاعـِــد دار لُـبْـنَـى ،،،،، وتــنـــــاى بـعـــد وُدٍّ واقــتـــراب
فـقـلـت : تـعِـسْـتَ ويـحـك مـن غــراب ،،،،، وكـان الـدهــر سـعـيُـك فـي تـبـاب
ومـنـعـه قـومـه مـن الإلـمـام بـهـا وأُدخِـلَـت فـي هـودجـهـا وارتـحـلـت ، ثـم عـلـم أن أبـاهـا سـيـمـنـعـه مـن الـمـسـيـر مـعـهـا
فـوقـف يـنـظـر إلـيـهـم ويـبـكـي ، حـتـى غـابـوا عـن عـيـنـه ، فـكَـرَّ راجـعـا ، ونـظـر إلـى أثـر خـف بـعـيـرهـا ، فـأكـب عـلـيـه يـقـبِّـلـه ! !
ورجـع يـقـبـِّـل مـوضـع مـجـلـسـهـا وأثـر قـدمـهـا ، فـلِـيـمَ عـلـى ذلـك وعَـنَّـفَـهُ قـومـه عـلـى تـقـبـيـل الـتـراب ، فـقـال ...
ومـا أحـبـبـت أرضـــكــــم ولـكـن ،،،،، أُقـبِّـل إثْـــر مـن وطِـئ الـتـرابَ
لـقـد لاقـيـت مـن كـلـفـي بـلُـبْـنَـى ،،،،، بـلاءً مـا أسِــيــغُ بـه الـشــرابَ
إذ نـادى الـمـنـادي بـاسـم لُـبْـنَـى ،،،،، عـيـيـت فـمـا أطـيـق لـه جـواب
ثـم أخـذ يـجـول بـنـاظـريـه إلـى آثـارهـا ... وقـال ...
ألا يـــــا ربــــــع لُـبْـنَـى مـا تــقـــــــول ؟ ،،،،، أبِـنْ لـي الـيـوم مـا فـعـل الـحـلــــول
فـلـو أن الـديــــــــــار تـجـيــــب صَـــــبًّـا ،،،،، لـرد جــــوابـي الـربـــــــعُ الـمُـحـيـل
ولـو أنـــي قــــــدَرتُ غـــــــداة قـالـــــت ،،،،، غـــدرْتَ ومـاء مُـقـلـتـهـا يـســـــيـل
نـحـرتُ الـنـفـس حـيـن سـمِـعـــت مـنـهـا ،،،،، مـقـالـتـــــــهـا وذاك لـهـا قـلـيـــــــل
شـفـيـتُ غـلـيـل نـفـسـي مـن فـعــــــالـي ،،،،، ولـم أغــبــــر بـلا عـقــــل أجــــــول
كـــــــأنـــــي والـِــــــه بـفـــــراق لُـبْـنَـى ،،،،، تـهـيـم بـفـقـد واحــــــدهـا ثَـكـــــول
ألا يـا قـلـــــــب ويـحَـــك كـن جـلـيـــــدا ،،،،، فـقـد رحَـلَــــــتْ وفـات بـهـا الـذمـيـل *
فـإنـــك لا تـطـــيـــــق رجـــــوع لُـبْـنَـى ،،،،، إذا رحـلــــت وإن كـثُــــرَ الـعـــويــــل
وكـم قـد عـشـتَ ؟ كـم بـالـقـرب مـنـهـا ،،،،، ولـكـن الـفـــــراق هـو الـســــبــيـــــل
فـصـبــــرا كـل مُـؤتـلـفـــيْـــن يـومًــــا ،،،،، مـن الأيــــــــام عـيـشـهــــــمـا يــزول
* الـذمـيـل = الـسـيـر الـلـيـن
فـلـمـا جَـن عـلـيـه الـلـيـل وانـفـرد ، وأوى إلـى مـضـجـعـه لـم يـأخـذه الـقـرار
وجـعـل يـتـمـلـمـل ، ثـم وثـب حـتـى أتـى مـوضـع خـبـائـهـا فـجـعـل يـتـمـرغ فـيـه ! ويـبـكـي ويـقـول ...
بِــتُّ والـهَـــمُّ يـا لُـبَـيْــنَـى ضـجـيـعـي ،،،،، وجَـــــرَت مُـذ نـأيْـتِ عـنـي دمـوعـي
وتـنـفـــسْـــــتُ إذ ذكـــــرتــــكِ حـتـى ،،،،، زالـت الـيـوم عـن فـؤادي ضـلـوعـي
أتـنـاســــاك حـتـى يُـريــــغَ فـــــؤادي ،،،،، ثـم يـشـتــــــــــد عـنـد ذاك ولـوعـي *
يـا لُـبَـيْــنَـى ! فـدتـك نـفـسـي وأهـلـي ،،،،، هـل لـدهـــــرٍ لـنـا مـن رجــــــــــوعِ ؟
* يـريـغ = يـحـيـد
.....()().....
.....()().....
،،،،، يـتـبَـع ،،،،،