الشيخ/عبدالله الواكد
24-06-2011, 02:53
خطبة جمعة
بعنوان
الزكاة والأنصباء
عبدالله فهد الواكد
جامع الواكد بحائل
الخطبة الأولى
الحمد لله ، الذي جعل الزكاة أحد أركان الإسلام . وأوجبها في مال الأغنياء وجعلها طهرة لهم من البخل والشح والآثام ، ومواساة لذوي الحاجة من الفقراء والأرامل والأيتام ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد: أيها الناس / اتقوا الله تعالى فإن تقواه أفضل زاد ، وأحسن عاقبة في معاد، ((يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ))
أيها المسلمون : إن مقام الزكاة في الإسلام عظيم ، فهي ثالث أركان الإسلام وهي قرينة الصلاة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل (( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ )) وقـد كان النبي صلى الله عليه وسلم يهتم بالزكاة اهتماماً خاصاً فيبعث السُّعاة لقبضها من الأغنياء وجبايتها لإيصالها إلى مستحقيها وتبرئة ذمم الأغنياء من مسؤوليتها ، بل إن أبابكر رضي الله عنه قاتل من منعها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، فرضها الله على المسلمين ، وجعلها حقا في أموالهم ، جعلها كماً أو وزنا أو عددا معلوماً ، في أنصباء معلومة ، وأمر بها لذوي الفاقة والمعوزين ، الذين بينهم الله في كتابه ، توثيقاً لروابط التعاون والتكافل والإخاء ، بين الأغنياء والفقراء ، وتزكية للأموال ، وتطهيراً من الشح والبخل ، ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال له: ((إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة،فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب )) أيها الناس : والأصل في فرضية الزكاة ، القرآنُ والسنة والإجماع، قال الله تعالى ((وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)) والآيات في فرضية الزكاة كثيرة معلومة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان، وحج البيت))
عباد الله : الزكاة واجبة في المال وفي النقدين الذهب والفضة وفي عروض التجارة وفيما يخرج من الأرض من الزروع والثمار إذا كانت مما يكال ويقتات ويدخر ، وفي بهيمة الأنعام ، وهي الإبل والبقر والغنم ، إذا كانت سائمة وأعدت للضرع والنسل والتسمين ، والسائمة هي التي ترعى الكلأ كل السنة أو أكثرها وأما التي تعلف وينفق عليها صاحبها فلا زكاة فيها ، ومن تيسير الله تعالى على عباده أنه جعل الزكاة لا تجب في هذه الأشياء حتى تبلغ نصابا قدّره الشارعُ الحكيم فجعل نصاب الإبل خمساً، ونصاب الغنم أربعين، ونصاب البقر ثلاثين ، ونصاب الحبوب خمسة أوسق ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لا زكاة في حب ولا ثمر حتى يبلغ خمسة أوسق )) والوسق ستون صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم ، فيكون نصاب الحبوب ثلاثمائة صاعا نبويا، والصاع النبوي يزن كيلوين وأربعين جراماً . وتخرج زكاته وقت حصاده لقوله تعالى ( وآتوا حقه يوم حصاده ) ومقدار زكاته قول النبي صلى الله عليه وسلم)ما سقته السماء ففيه العشر وما سقي بغرب ، أو دالية ففيه نصفالعشر( وأما نصاب الذهب فهو عشرون مثقالا والمثقال يعادل أربع جرامات وربع ، أي أن نصاب الذهب خمس وثمانون جراما وأما الفضة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ليس فيما دون خمس أواق صدقة)) متفق عليه ، فيكون نصاب الفضة مائتي درهم وهي تساوي مائةً وأربعينَ مثقالاً ، والمثقال أربع جرامات وربع ، فيصبح نصاب الفضة خمسمائة وخمسا وتسعين جراما ، وأما المال النقدي وهو النقود سواء كانت نقودا حاضرة أو مودعة في أحد المصارف أو قرضا أو دينا على مليء، أما إذا كان المال على معسر أو مماطل أو جاحد للمال فلا زكاة فيه على قول بعض العلماء حتى يقبضه فيزكيه حال استلامه عن سنة واحدة ، فهذه الأموال يحسب نصابها بأقل قيمة النقدين الذهب والفضة وذلك لمصلحة مستحقي الزكاة وفي هذه الأزمنة غالبا ما يكون قيمة الفضة أقل من قيمة الذهب فنحسب نصاب المال بناء على سعر جرام الفضة مضروبا في نصابها فما عليك أيها المزكي إلا أن تسأل أحد محلات الذهب عن سعر جرام الفضة وتضربه في خمسمائة وخمس وتسعين وهو نصاب الفضة فإذا بلغ الناتج قدر ما عندك من المال وقد حال عليه الحول تزكيه ربع العشر أو تقسم المبلغ المراد زكاته على أربعين والناتج يكون هو الزكاة ،
أيها المسلمون : وتجب الزكاة في عروض التجارة ، كالعقارات والأطعمة والأقمشة والأشربة والسيارات والآلات والأدوات وقطع الغيار والزيوت وكل ما هو معروض للتجارة ، فتُقَدر هذه العروض كل سنة بأسعارها عند رأس كل حول ، ويخرج ربع العشر من قيمتها، ولا زكاة في العدد والآلات المستخدمة في المهنة ولا فيما أعده الإنسان لحاجته من دور ودواب ركوب وأثاث منزلي وسيارات وملابس سوى الحلي فلقد اختلف العلماء في الزكاة هل تجب في الحلي أم لا؟
فذهب بعض العلماء إلى أنها لا تجب الزكاة في الحلي الذي تلبسه المرأة وتعيره شريطة أن يكون الاستعمال مباحاً، فإن كان الإستعمال محرماً كتحلي الرجال فتجب فيه الزكاة وأن يقصد بالحلي التزين ، أما إن كان للإدخار أو الاتجار فتجب فيه الزكاة .وأن يكون الاستعمال في حاجة آنية وقتية غير مستقبلية بعيدة الأجل وأن يبقى الحلي صالحاً للتزين به وأن تكون الكمية المستعملة في حدود الاعتدال ، وتجب الزكاة فيما زاد عن حدود المألوف ، وقال بعض أهل العلم بوجوب زكاة الحلي لظاهر الآيات والأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك ، فالمسألة فيها خلاف ومن أراد الأحوط أخرج زكاة الحلي بما تقدم بيانه من زكاة الذهب والفضة ، ولكن يؤخذ في الإعتبار أن النصاب 85 جراما هي لعيار الذهب أربعة وعشرين ، لأن الذهب كما تعلمون معدن لين ، فيضاف له النحاس ليقويه والذهب المعروف في الحلي إما عيار واحد وعشرين أي واحد وعشرون ذهبا والباقي من الأربع والعشرين وهي ثلاثة نحاس ، أو عيار ثمانية عشر ، أي ثمانية عشر ذهبا والستة الباقية نحاسا ، فيكون النصاب 85 جراما إذا كانت من الذهب الخالص عيار24 أو 97 جراما إذا كان الذهب عيار21 أو 113 جراما إذا كان الذهب عيار18 والزكاة تكون في وزن الذهب الخالص فقط ونحسب ذلك كما يلي إذا كان عيار الذهب 18 فنضرب وزن الذهب في 18 ونقسمه على 24 وإذا كان عيار الذهب 21 فنضرب وزن الذهب في 21 ونقسمه على 24
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد عباد الله: فاتقوا الله ، واعلموا أنه من أنسب توقيت إخراج الزكاة هي وقت المواسم وعوز الناس وحاجتهم ، مثل هذه الأوقات حيث المناسبات والزواجات والمصاريف التي تثقل الموسرين فضلا عن المعسرين ، وليس للمسلم أن يتحرى بها الأوقات الفاضلة مثل رمضان ، وليعلم مخرج الزكاة أن الزكاة حق لله في ماله ، وليس تفضلا من مخرجها كالصدقة لكي يتحرى بها رمضان مثلا ، إنما هي حق في ذمته ، يحاسب على حبسها حسابا عسيرا ،فأفضل وقت لإخراجها هو وقت حاجة الفقير لها ، واعلموا أنه لا يجزي دفع الزكاة لمكافأة أحد عن معروف، ولا لصاحب حق عن حقه، كما أنه لا يجوز لغير مستحق الزكاة أن يسألها، ولا يجوز إعطاؤها لغير مستحقها من الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله في كتابه ((إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )) فالزكاة حق مستحق يدفع لمستحق
وقد توعد الله مانع الزكاة جحوداً أو تساهلاً بالعذاب الشديد الذي لا يطاق، قال تعالى ((وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ))وقال عليه الصلاة والسلام )ما بلغ أن تؤدي زكاته فزكي فليس بكنز( رواه أبو داود ومما ينبغي التنبيه عليه أن بعض الناس قد يمتنع عن إخراج زكاة المال الذي بلغ النصاب وحال عليه الحول عنده ، بحجة أنه فقير يتصدق عليه الناس، وهذا خطأ ، فالزكاة فرضت فيما بلغ نصابا وحال عليه الحول ، سواء كان المال عند غني أو فقير ، فالزكاة حق في المال بغض النظر عن حال صاحبه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له شجاع أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه يعنى شدقيه، فيقول أنا مالك أنا كنزك، ثم تلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ((وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) رواه البخاري .
فاتقوا الله عباد الله وأخرجوا زكاة أموالكم وتصدقوا بما ملكت أيديكم في وجوه الخير يبارك الله لكم فيما من الله عليكم من خير، ويحفظكم من كل مكروه .ألا وصلوا على البشير النذير ، والسراج المنير ، فقد أمركم بذلك اللطيف الخبير ، فقال جل من قائل عليما : ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )) وفي الحديث الصحيح ، قال صلى الله عليه وسلم : (( من صلى علي صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشرا((
بعنوان
الزكاة والأنصباء
عبدالله فهد الواكد
جامع الواكد بحائل
الخطبة الأولى
الحمد لله ، الذي جعل الزكاة أحد أركان الإسلام . وأوجبها في مال الأغنياء وجعلها طهرة لهم من البخل والشح والآثام ، ومواساة لذوي الحاجة من الفقراء والأرامل والأيتام ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد: أيها الناس / اتقوا الله تعالى فإن تقواه أفضل زاد ، وأحسن عاقبة في معاد، ((يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ))
أيها المسلمون : إن مقام الزكاة في الإسلام عظيم ، فهي ثالث أركان الإسلام وهي قرينة الصلاة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل (( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ )) وقـد كان النبي صلى الله عليه وسلم يهتم بالزكاة اهتماماً خاصاً فيبعث السُّعاة لقبضها من الأغنياء وجبايتها لإيصالها إلى مستحقيها وتبرئة ذمم الأغنياء من مسؤوليتها ، بل إن أبابكر رضي الله عنه قاتل من منعها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، فرضها الله على المسلمين ، وجعلها حقا في أموالهم ، جعلها كماً أو وزنا أو عددا معلوماً ، في أنصباء معلومة ، وأمر بها لذوي الفاقة والمعوزين ، الذين بينهم الله في كتابه ، توثيقاً لروابط التعاون والتكافل والإخاء ، بين الأغنياء والفقراء ، وتزكية للأموال ، وتطهيراً من الشح والبخل ، ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال له: ((إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة،فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب )) أيها الناس : والأصل في فرضية الزكاة ، القرآنُ والسنة والإجماع، قال الله تعالى ((وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)) والآيات في فرضية الزكاة كثيرة معلومة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان، وحج البيت))
عباد الله : الزكاة واجبة في المال وفي النقدين الذهب والفضة وفي عروض التجارة وفيما يخرج من الأرض من الزروع والثمار إذا كانت مما يكال ويقتات ويدخر ، وفي بهيمة الأنعام ، وهي الإبل والبقر والغنم ، إذا كانت سائمة وأعدت للضرع والنسل والتسمين ، والسائمة هي التي ترعى الكلأ كل السنة أو أكثرها وأما التي تعلف وينفق عليها صاحبها فلا زكاة فيها ، ومن تيسير الله تعالى على عباده أنه جعل الزكاة لا تجب في هذه الأشياء حتى تبلغ نصابا قدّره الشارعُ الحكيم فجعل نصاب الإبل خمساً، ونصاب الغنم أربعين، ونصاب البقر ثلاثين ، ونصاب الحبوب خمسة أوسق ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لا زكاة في حب ولا ثمر حتى يبلغ خمسة أوسق )) والوسق ستون صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم ، فيكون نصاب الحبوب ثلاثمائة صاعا نبويا، والصاع النبوي يزن كيلوين وأربعين جراماً . وتخرج زكاته وقت حصاده لقوله تعالى ( وآتوا حقه يوم حصاده ) ومقدار زكاته قول النبي صلى الله عليه وسلم)ما سقته السماء ففيه العشر وما سقي بغرب ، أو دالية ففيه نصفالعشر( وأما نصاب الذهب فهو عشرون مثقالا والمثقال يعادل أربع جرامات وربع ، أي أن نصاب الذهب خمس وثمانون جراما وأما الفضة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ليس فيما دون خمس أواق صدقة)) متفق عليه ، فيكون نصاب الفضة مائتي درهم وهي تساوي مائةً وأربعينَ مثقالاً ، والمثقال أربع جرامات وربع ، فيصبح نصاب الفضة خمسمائة وخمسا وتسعين جراما ، وأما المال النقدي وهو النقود سواء كانت نقودا حاضرة أو مودعة في أحد المصارف أو قرضا أو دينا على مليء، أما إذا كان المال على معسر أو مماطل أو جاحد للمال فلا زكاة فيه على قول بعض العلماء حتى يقبضه فيزكيه حال استلامه عن سنة واحدة ، فهذه الأموال يحسب نصابها بأقل قيمة النقدين الذهب والفضة وذلك لمصلحة مستحقي الزكاة وفي هذه الأزمنة غالبا ما يكون قيمة الفضة أقل من قيمة الذهب فنحسب نصاب المال بناء على سعر جرام الفضة مضروبا في نصابها فما عليك أيها المزكي إلا أن تسأل أحد محلات الذهب عن سعر جرام الفضة وتضربه في خمسمائة وخمس وتسعين وهو نصاب الفضة فإذا بلغ الناتج قدر ما عندك من المال وقد حال عليه الحول تزكيه ربع العشر أو تقسم المبلغ المراد زكاته على أربعين والناتج يكون هو الزكاة ،
أيها المسلمون : وتجب الزكاة في عروض التجارة ، كالعقارات والأطعمة والأقمشة والأشربة والسيارات والآلات والأدوات وقطع الغيار والزيوت وكل ما هو معروض للتجارة ، فتُقَدر هذه العروض كل سنة بأسعارها عند رأس كل حول ، ويخرج ربع العشر من قيمتها، ولا زكاة في العدد والآلات المستخدمة في المهنة ولا فيما أعده الإنسان لحاجته من دور ودواب ركوب وأثاث منزلي وسيارات وملابس سوى الحلي فلقد اختلف العلماء في الزكاة هل تجب في الحلي أم لا؟
فذهب بعض العلماء إلى أنها لا تجب الزكاة في الحلي الذي تلبسه المرأة وتعيره شريطة أن يكون الاستعمال مباحاً، فإن كان الإستعمال محرماً كتحلي الرجال فتجب فيه الزكاة وأن يقصد بالحلي التزين ، أما إن كان للإدخار أو الاتجار فتجب فيه الزكاة .وأن يكون الاستعمال في حاجة آنية وقتية غير مستقبلية بعيدة الأجل وأن يبقى الحلي صالحاً للتزين به وأن تكون الكمية المستعملة في حدود الاعتدال ، وتجب الزكاة فيما زاد عن حدود المألوف ، وقال بعض أهل العلم بوجوب زكاة الحلي لظاهر الآيات والأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك ، فالمسألة فيها خلاف ومن أراد الأحوط أخرج زكاة الحلي بما تقدم بيانه من زكاة الذهب والفضة ، ولكن يؤخذ في الإعتبار أن النصاب 85 جراما هي لعيار الذهب أربعة وعشرين ، لأن الذهب كما تعلمون معدن لين ، فيضاف له النحاس ليقويه والذهب المعروف في الحلي إما عيار واحد وعشرين أي واحد وعشرون ذهبا والباقي من الأربع والعشرين وهي ثلاثة نحاس ، أو عيار ثمانية عشر ، أي ثمانية عشر ذهبا والستة الباقية نحاسا ، فيكون النصاب 85 جراما إذا كانت من الذهب الخالص عيار24 أو 97 جراما إذا كان الذهب عيار21 أو 113 جراما إذا كان الذهب عيار18 والزكاة تكون في وزن الذهب الخالص فقط ونحسب ذلك كما يلي إذا كان عيار الذهب 18 فنضرب وزن الذهب في 18 ونقسمه على 24 وإذا كان عيار الذهب 21 فنضرب وزن الذهب في 21 ونقسمه على 24
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد عباد الله: فاتقوا الله ، واعلموا أنه من أنسب توقيت إخراج الزكاة هي وقت المواسم وعوز الناس وحاجتهم ، مثل هذه الأوقات حيث المناسبات والزواجات والمصاريف التي تثقل الموسرين فضلا عن المعسرين ، وليس للمسلم أن يتحرى بها الأوقات الفاضلة مثل رمضان ، وليعلم مخرج الزكاة أن الزكاة حق لله في ماله ، وليس تفضلا من مخرجها كالصدقة لكي يتحرى بها رمضان مثلا ، إنما هي حق في ذمته ، يحاسب على حبسها حسابا عسيرا ،فأفضل وقت لإخراجها هو وقت حاجة الفقير لها ، واعلموا أنه لا يجزي دفع الزكاة لمكافأة أحد عن معروف، ولا لصاحب حق عن حقه، كما أنه لا يجوز لغير مستحق الزكاة أن يسألها، ولا يجوز إعطاؤها لغير مستحقها من الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله في كتابه ((إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )) فالزكاة حق مستحق يدفع لمستحق
وقد توعد الله مانع الزكاة جحوداً أو تساهلاً بالعذاب الشديد الذي لا يطاق، قال تعالى ((وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ))وقال عليه الصلاة والسلام )ما بلغ أن تؤدي زكاته فزكي فليس بكنز( رواه أبو داود ومما ينبغي التنبيه عليه أن بعض الناس قد يمتنع عن إخراج زكاة المال الذي بلغ النصاب وحال عليه الحول عنده ، بحجة أنه فقير يتصدق عليه الناس، وهذا خطأ ، فالزكاة فرضت فيما بلغ نصابا وحال عليه الحول ، سواء كان المال عند غني أو فقير ، فالزكاة حق في المال بغض النظر عن حال صاحبه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له شجاع أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه يعنى شدقيه، فيقول أنا مالك أنا كنزك، ثم تلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ((وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) رواه البخاري .
فاتقوا الله عباد الله وأخرجوا زكاة أموالكم وتصدقوا بما ملكت أيديكم في وجوه الخير يبارك الله لكم فيما من الله عليكم من خير، ويحفظكم من كل مكروه .ألا وصلوا على البشير النذير ، والسراج المنير ، فقد أمركم بذلك اللطيف الخبير ، فقال جل من قائل عليما : ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )) وفي الحديث الصحيح ، قال صلى الله عليه وسلم : (( من صلى علي صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشرا((